مشاهدة النسخة كاملة : مقال فكري كيف تبررون هذا الانقلاب المخزي يا رفاق منيب؟ بقلم:إسماعيل العلوي



عادل محسن
29-07-2013, 23:31
كيف تبررون هذا الانقلاب المخزي يا رفاق منيب؟

بقلم:إسماعيل العلوي

فاجأ موقف بعض اللائيكيين -اليسار والليبراليين- من التطورات في مصر كثيرا من الزملاء الأكاديميين والمثقفين، واستغربوا كيف أصيب هؤلاء المثقفين والمفكرين والمحللين ب”العمى الإيديولوجي” و”الانحباس الحزبي”، فشرعوا في تبرير الانقلاب العسكري، بل حاول البعض منهم شرعنته سياسيا بالبحث له عن غطاء شعبي، بل منهم من اعتبره ثورة “فوتو شوب” تصحيحية، وللأسف لم يقتصر هذا الموقف على الأفراد*، وإنما امتد حتى إلى الهيئات والأحزاب التي تعتبر ديمقراطية التوجه، ك”حزب اليسار الاشتراكي الموحد”، الذي بدل أن يتخذ موقفا أخلاقيا وسياسيا ضد الانقلاب العسكري، والسطو على ثورة 25 يناير، اعتبر انقلاب 30 يونيو “ثورة تصحيحية”، وأعلن في بيانه:”دعمه وتضامنه مع الشعب المصري ومع قواه الديمقراطية ومع ثورته التصحيحية المستمرة، كما يحييه على تشبثه واستماتته في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير المتمثلة في إقامة الدولة المدنية الديمقراطية وضمان العدالة الاجتماعية واحترام الحريات الشخصية والجماعية”**.

ولست أدري عن أي شعب يتحدثون؟ وعن أي ديمقراطية وعن أي حريات شخصية وجماعية يتحدثون؟ وعن أي ثورة يتحدثون؟ ثورة خطط لها العسكر ودبرها ونفذها، وكان الشعب كومبارسا أكمل مشهد الانقلاب الدرامي.

موقف مخز رجعي صادم، من حزب كنا نظنه من الأحزاب التقدمية الديمقراطية، وكنا نراهن على مثقفيه ومفكريه ومناضليه، لكن للأسف إذا كان العسكر انقلب على الديمقراطية “الآلة والوسيلة” فإن السياسيين اللائيكيين العرب انقلبوا على الديمقراطية “الفلسفة والمرجعية”. موقف لا يجد له البعض تفسيرا سياسيا وأخلاقيا، ولأن الكثيرين يستغربون من هذا العداء العلماني المتأصل للإسلاميين أو لكل ما يمت للإسلام بصلة أو للتدين عموما، ويجدون صعوبة في فهمه وتفسيره لغياب دراسات متخصصة، فسأحاول مقاربة خلفية هذا العداء وتفسيرها من خلال مجموعة من العوامل:

1. -عامل تاريخي: كثير من اليسار والعلمانيين خاصة من المتحزبين ومحترفي السياسة يعتبرون الإسلاميين طارئين على الساحة السياسية، وبالتالي فليس من السهولة أن يتنازلوا عن الشرعية التاريخية التي ورثوها من حركات التحرر الوطني، ويمكن ملاحظة أن أغلب القيادات اللائيكية في العالم العربي متقدمة في السن، وتنتمي إما إلى حقبة الاستقلال أو حقبة ما بعد الاستقلال.

2. – عامل سيكولوجي: اعتاد كثير من اللائيكيين على ممارسة الأستاذية و”الفهامة” على عموم الشعب، فهم الأكاديميون والدكاترة والباحثون والخبراء وزعماء الجماهير خاصة في فترات السبعينات والثمانينيات، حين كان الخطاب اليساري المدعوم ماديا وسياسيا من المعسكر السوفياتي والصيني مسيطرا، فليس من السهل عليهم الآن التخلص من هذه العقدة والاعتراف بأن لكل زمان رجاله.

3. – عامل سياسي: التيار العلماني يدرك كل الإدراك أنه لا يشكل إلا أقلية في العالم الإسلامي الآن، خاصة أن رصيد أغلبهم استنفذ في تجاربهم السياسية الفاشلة كحاكمين أو مشاركين في الحكم محليا أو وطنيا كتجربة اليسار المغربي، وبالتالي فهو يرى أن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع لن تمكنه من منافسة الإسلاميين فليس أقل من التخويف بهم واستعمالهم كفزاعة لإنجاح تحالفهم مع أنظمة الاستبداد، أو للاستقطاب الدعم الخارجي من بعض الغربيين اليمينيين، الذين تغذي عقدة الإسلاموفوبيا عندهم استيهامات الصورة الإعلامية النمطية المروجة، والمخزون الثقافي الاستعماري العنصري.

4. – عامل فكري: لا يمكن إنكار أن هناك خلافا فكريا وإيديولوجيا بين التيارات العلمانية والإسلامية، مرده إلى طبيعة الخلفيات الثقافية/العقائدية، ففي الوقت الذي يرى فيه الإسلاميون أن العلمانيين ضحايا طاحون التغريب والاستلاب الفكري وأنهم مقلدون لنموذج المستعمر الغالب ماديا ومعنويا، فالعلمانيون يرون أن الإسلاميين ضحايا نموذج تراثي ظلامي متخلف رجعي يحاول إعادة إنتاج منظومة مجتمعية ماضوية غيبية منغلقة ومتخلفة. وهذه النقطة في الحقيقة هي نقطة خلافهم مع جماهير الأمة المسلمة وليس مع الإسلاميين فقط، لكن هذه الصورة بدأت تنمحي تدريجيا بين المتنورين من الطرفين الذين توصلوا إلى مساحات مشتركة على أرضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.

5. – عامل بنيوي: يتعلق بتشكل بنية العقل اليساري، ويتمثل في أن اليسار العربي لم يستطع الخروج من شرنقة الإيديولوجية الماركسية، فهو أصلا ينتمي لمنظومة لا تؤمن بالتعدد والاختلاف -الحزب الواحد، الانضباط الثوري، ديكتاتورية البلوريتاريا- فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بات اليسار يعيش حالة من “اليتم الإيديولوجي” حاول تغطيته باعتناقه قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان الليبرالية، وهنا دخل مرحلة من انفصام الشخصية بين الإيديولوجية الماركسية وقيم الديمقراطية، فاليسار يعتبر الإسلاميين إيديولوجيا ظلاميين رجعيين، ويعتبر الدين أفيون الشعوب وحالة من حالات المرض النفسي، في حين الديمقراطية تقبل بهم وبالدين باعتباره أمرا شخصيا واختيارا وحرية وحقا من حقوق الإنسان، هذا التناقض دفع بعض اللائيكيين من اليسار إلى حسم الاختيار واعتزال العمل الحزبي وممارسة العمل الحقوقي، يضاف إلى هذا التناقض غياب ممارسة ديمقراطية داخل أحزاب اليسار العربي وفي صفوف اللائيكيين عموما، وغياب القدرة على مراجعة الإرث الماركسي، فإذا كانت تيارات من الإسلاميين استطاعت أن تراجع جملة من المقولات والأدبيات رغم الصعوبات الكمية -14 قرنا من التراث- أو كيفيا باعتباره تراثا يطغى عليه المقدس، فإن العقل الماركسي تحجر عند فترة السبعينات ولم يتطور إيديولوجيا وسياسيا.

وختاما أحب أن أؤكد أني لا أكتب انتصارا أو دفاعا عن الإخوان أو عن النهضة أو عن العدالة والتنمية- واقرأ مقالاتي العديدة في انتقادهم-، بل أدافع عن الديمقراطية الجنينية التي تحاول مشاريع الهيمنة إجهاضها في عالمنا العربي، ويساعدها على ذلك بعض المثقفين بسذاجة قاتلة، فمن المفارقات الغريبة أن الإسلاميين الذين كانوا لعهد قريب يرفضون الديمقراطية، قاموا بمراجعات ثورية وصاروا يدافعون على مبادئها بدمائهم وأرواحهم، أما التقدميون اللائيكيون -يسارا وليبراليين –فقد ارتدوا عن قيم الديمقراطية وتعاملوا معها بشكل مصلحي وليس قيمي، وفضلوا ملازمة “الزنزانة الحزبية”، وأخشى أن يدفع هذا الموقف الإسلاميين للارتداد عن الديمقراطية والكفر بها.

وبعد الختام، الآن وبعد سقوط هذا العدد الكبير من القتلى والمصابين، وبعد تكميم الأفواه وقمع الإعلام والحريات، وبعد أن أظهر الجنرال السيسي أنه الحاكم الفعلي لمصر، كيف تبررون الانقلاب العسكري يا رفاق منيب؟ كيف يمكن أن يراهن عليكم الإسلاميون في المغرب كشركاء ميدان ورفاق نضال، وقد أظهرتم تحيزا غير مبرر -لا واقعيا ولا سياسيا- للديكتاتورية العسكرية؟ كيف تكررون تجربة اليسار الجزائري حين تحالف مع العسكر لقطع الطريق على الإسلاميين؟كيف لا تدركون أن العسكر في مصر هو المخزن في المغرب وأنه الوارث الحقيقي للسلطة منذ عهد “محمد علي باشا” وأنه “مستمر في نفس منطق الاحتواء والإدماج والإضعاف”.


29 يوليو 2013