مشاهدة النسخة كاملة : أفق الجهاد



ابتهال
21-08-2013, 22:41
أفق الجهاد
من كتاب القران والنبوة للشيخ سيدي عبد السلام ياسين رحمه الله عز وجل


لا يتناسب طموح المومنين اليوم وهم قلة مستضعفة، والأمة من حولهم مستنكرة لهم من جراء الحرب الإعلامية والقمعية، والجاهلية متكالبة عليهم، مع هَدَفِهم السامي في إقامة خلافة الله في الأرض. الخطاب القرآني الذي نزل على عصبة الخير الأولى يشُد من عَضُدِنَا لكيلا تغرنا كثرة العدو وقوته، ولكيلا تيئسنا قلة عَدَدنا وعُدَدنا. قال الله تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [1] (http://www.yassine.net/ar/document/2040.shtml#note1).
إن الله سبحانه ينصر من ينصره، وإن رسالة الله إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم لا تنحصر في زمان ولا مكان. إنها امتداد لرسالات إخوانه الأنبياء قبله. لكنها رسالة شاملة تستغرق الزمان إلى يوم القيامة، والمكان والأجناس والأقوام. إنها رسالة للإنسانية خالدة. فلهذا تسمو دعوة الإسلام على كل دعوة، وتنتصر ولا بد ولو بعد حين. وكيف لا يَنتصر من ينصرهم الله ويكون معهم؟ حيثما يكون الله ربا يكون جنده في حِمَى مَلِكٍ قوي عزيز. إن الأرض والسماوات ومن فيهن في قبضته. وجند الله إن استقاموا على سَنَنِ النبيئين هم صفوة الله من خلقه. وقد قدَّر الله عز وجل أن يقوى حزب الشيطان في عصرنا، وأن تنتصب الجاهلية أعتى ما كانت الجاهلية لتحارب دين الله. فإن كان الناس في الأرض يحسبون قوى الخصم بالميزان العددي والمادي ناسين وحدة الخالق وعبودية الخلق أجمعين، ناسين أنَّ يد الله هي الممدة لهؤلاء وهؤلاء، فإن جند الله ينبغي أن يستحضروا كل هذه الحقائق. وإلا كانت حركتهم واحدة من الحركات العمياء تتصادم مع غيرها من الحركات بلا هدى ولا كتاب منير.
الدعاة إلى الله على بينة واتّباع هم ورثة النبوة، لا منهاج لهم إلا منهاج النبوة. واتساع أفق طموح الأنبياء يعني تمام التوكل على الله وتمام التصديق بوعده. خطوات دعْوَتِهم عليهم السلام تُعطي التابعين الوارثين نموذجا خالدا للتربية والتعبئة والجهاد. خطوات هي الشريعة، واتساع أفق هو التعرض للقدر الموعود. وهما شقان متكاملان لنظرة المومنين وحركة المومنين. ومن ينظر بعين واحدة يخبط مع الناس.
ما بلغنا من خبر النبيئين والمرسلين قبل تاج الرسل صلى الله وسلم عليهم أجمعين لا يشكل الأسوة الكافية لتوضيح منهاج النبوة في النظرة والحركة. والكنز الغالي الذي بين أيدينا هو السيرة المحمدية تعطينا المثال الحي لمسيرة جند الله منذ ميلاده إلى تأسيس دولة القرآن واكتمال الدين.
بدأت البعثة وسط جاهلية بلاد العرب تحيط بها جاهلية منتشرة في العالم بعد أن حرف اليهود والنصارى دين الله إلا من بقي منهم على أثارة من علم. كان البشر طبقات تؤول إلى مستكبرين بقيادة دولتي الفرس والروم ومستضعفين هم سائر الشعوب المقهورة. وكذلك اليوم في جاهلية العصر. دوائر ظلمانية تنبثق من خلالها صحوة الإسلام المتجدد، واستكبار عالمي يُنِيخ بكلكله على المستضعفين.
انبعث الإسلام الأول أربعين سنة بعد أن غزا أبرهة الحبشي مكة، ووُلدت دولة القرآن في المدينة وسَطَ يَهُود، ورغم مكرهم وعدائهم وخيانتهم. كذلك اليوم صليبية ولا كأبرهة، ويهودية مسلحة بمال العالم -وصفوته مال العرب- مسلحة بالتكنولوجيا تسير يدا في يد مع الصليبية.
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قومة شاملة ضد كل شرك وطغيان. كلمته الجامعة لا إله إلا الله، هي رفض للجاهلية والاستكبار، هي تحقير لكل من يناوئ دين الله، هي عزة لا نهاية لها بالله. كذلك ينبغي أن يتحرك جند الله اليوم ليغيروا وجه العالم تغييرا شاملا، لا تغريهم إصلاحية جزئية، ولا تصطادهم حبائل المساومة ليتنازلوا عن صرامة لا إله إلا الله.
[1] (http://www.yassine.net/ar/document/2040.shtml#noteOrig1) محمد: 35