مشاهدة النسخة كاملة : بحث رائع - الحجة والبيان على جواز الاجتماع على قراءة القرءان



المراكشي
07-02-2014, 18:54
http://illiweb.com/fa/empty.gif الحجة والبيان على جواز الاجتماع على قراءة القرءان (http://tassaouf.forumaroc.net/t38-topic#65)

http://illiweb.com/fa/empty.gif من طرف ابن مبارك في 2013-07-31, 17:41
الحجة والبيان
على جواز الاجتماع على قراءة القرءان


مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
زارني بعض الأصدقاء، وتجاذبنا أطراف الحديث من هنا وهناك، وحكى لي عن بعض الأئمة أنه لا يقرأ القرءان جماعة لا صباحا ولا مساء ،ولا حتى يوم الجمعة، بدعوى أنها بدعة، وسَرَتْ عدوى اعتقاده إلى التلاميذ (لَمْسَافْرِية كما نسميهم) الذين يحفظون القرءان على يده. فأخذتني الغيرة على القراءة الجماعية التي أحببتها ولزمتني منذ نعومة أظفاري، وأول "وجبات عصا" ذقتها كانت على يد فقيه في المسجد وعمري آنذاك 5 سنوات. كان رحمه الله إذا سمع نقصا في أدائنا واجتهادنا يضرب الجميع ولا يميز بين الرأس والرِّجل، ولا بين الصغير والكبير، ولا بين المجتهد والكسول، يساوي بين الجميع في الضرب.
أدلة جواز القراءة جماعة
اعلم أنَّ الاجتماع لقراءة القرآن في المسجد، في غير أوقات الصلاة مشروع، وجائز ولا عبرة بمن قال أن ذلك لم يقع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك أن القرءان لا زال ينزل ولا أحد يعرف أول السورة من آخرها, ولم يُجمع بعد.فليس بمنطقي أن يجتمع الناس ويقرؤوا سورة لا يعرفون أولها ولا آخرها. و ما ينقصها من الآيات ينتظر النزول لتمامها. لهذا كان الواحد من الصحابة يقرأ ما عنده من القرءان، والباقون يستمعون. ورد في سنن أبي داود الحديث التالي: "...قال عثمان كان النبي لما ينزل عليه الآيات يدعو بعض من كان يكتب له ويقول له ضع هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا بين آية كذا وآية كذا، وتنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك ...".
وإن قلت بعد وفاة رسول الله انتهى الوحي، وعُرف أول السورة من أخرها فَلِمَا لم يجتمعوا على قراءته؟ قلت لم يكونوا متساوين في الحفظ، فكان من الصحابة من يحفظ القرءان كله، مثل عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت, ومنهم من يحفظ ألف آية ومنهم من يحفظ أكثر, ومنهم من يحفظ أقل.
و إن قلت لِمَ لَمْ يجتمع المتساوون في الحفظ على قراءته جماعة؟ قلت: القراءات كانت كثيرة، ومن الممكن أن لا يكونوا سمعوا نفس القراءة من رسول الله ، ويكفيك الحديث التالي الوارد في صحيح البخاري جوابا عن سؤالك: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، ثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، ثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِئِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ حُرُوفًا كَثِيرَةً لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَنَظَرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَمَّا سَلَّمَ لَقِيتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِهَا؟ فَقَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، فَوَاللَّهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِهَا، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقُودُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ الْفُرْقَانَ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَإِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا هِشَامُ، اقْرَأْ» فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُ يَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَكَذَا أُنْزِلـَتْ » ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْهَا يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُهَا الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ».
تأمل قول سيدنا عمر للصحابي الجليل هشام رضي الله عنهما: "كذبت" تجد الجواب الشافي لسؤالك. أترى الصحابيان مجتمعين على قراءة موحدة؟ ربما انتهت قراءتهما بالشجار .قال "اقرَؤوا القرآنَ ما ائتَلَفَتْ قُلوبُكم، فإذا اختَلَفتُم فقوموا عنه" ( البخاري). وهذا الاختلاف في القراءات هو الذي دفع عثمان رضي الله عنه إلى جمع الناس على مصحف واحد، عندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية بعد توالي الفتوحات الإسلامية، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. وصار الناس يختلفون في قراءة القرآن الكريم بسبب اختلاف التلقي عن مختلف الصحابة؛ فمن تلقى عن ابن مسعود قرأ بقراءته، ومن تلقى عن أُبَيٍّ قرأ بقراءته، وهكذا، وقد ظهر جلياً أن كثرة الاختلاف في القراءات قد أدت إلى نشوء بوادر الفتن والاضطراب مما حمل عثمان رضي الله عنه إلى أن يقوم بأخذ المصحف الموجود عند حفصة رضي الله عنها وينسخ منه عدة نسخ، ثم يوزعها على أمصار المسلمين، قطعاً لدابر الفتنة وتوحيداً للمسلمين على مصحف واحد. فكان من الصعب أن تجد التوافق لا في عهد رسول الله ولا بعده. لأنهم ليسوا متساوين في الحفظ ولا متحدين على حرف واحد. لهذا لم يرد عن السلف الصالح أنهم قرؤوا القرءان جماعة بل يقرأ الواحد ما عنده من القرءان ويستمع الباقون, و يقرأ الثاني ويستمع الباقون وهكذا.
قال تعالى {إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} جاء الفعل "يتلون "جمعا و مضارعا للدلالة على الاستمرارية في قراءة القرءان جماعة، و إشارة إلى مشروعيتها، وقدَّمها على الصلاة، والإنفاق لأن التلاوة قد تكون في غير الصلاة ولا يشترط فيها ما يشترط في الصلاة، وبيوت الله هي المساجد وألحق بها نحو مدرسة أو زاوية...و كذلك قوله تعالى {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} لم يقل اجتمعوا ليقرأ أحدكم ويستمع الآخرون. وقال تعالى{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، لم يحدد كون القارئ، فردا، أو جماعة. والقرءان دقيق في معانيه. فإذا كنا سنأخذ بحرفية النصوص فهذه الآيات تحبذ القراءة الجماعية وتنص على الاستماع, فإما أن تقرأ أو تستمع لِتُرحم. أما إذا كان هناك تشويش فالمنع للتشويش لا للاجتماع على التلاوة. وكذلك قول رسول الله "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه فيما بينهم إلا نَزَلت عليهم السكينة و غَشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده، و من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه". (رواه مسلم). يتلون كتاب الله ويتدارسونه: و لم يرد في الحديث: يتلوا أحدهم ويستمع الباقون. ويتلون أي يشتركون في قراءة بعضهم على بعض ويتعهدونه خوف النسيان. فبيَّن صلى الله عليه وسلم فضل الاجتماع لتلاوة كتاب الله، وبيَّن صلى الله عليه وسلم مواضع الاجتماع فقال في بيت من بيوت الله ولو شاء وقد أُوتي جوامع الكلم لقال غير ذلك. وفي الحديث: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه؛ إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات" رواه أحمد. وعن أنس بن مالك قال: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله قال: تعال نؤمن بربنا ساعة، فقال ذات يوم لرجل فغضب الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة" (والحديث حسن). فالقراءة الجماعية كما إنها للتعبد فهي للتعليم وتُـعِين على الحفظ و تعود على القارئ بالنفع لتصويب قراءته، وتقويم الحروف ومعرفة كيفية النطق بها، فهناك من لا يحسن النطق بالكلمات حتى يسمعها من غيره، فتنفعه القراءة الجماعية على تقويم لسانه، وتعويده على النطق بالكلمات الصحيحة ومخارج الحروف السليمة، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى.
ولا ننسى أن التعليم عبادة. وكل العبادات في الإسلام جماعية، فالصلاة جماعية، والصوم جماعي، والحج جماعي. وكلمة قرءان وصف من فعلان اسم فاعل وهو وزن نادر غير مألوف في أوزان اسم الفاعل مشتق من القرء، أي الجمع، ومنه قرأت الماء في الحوض أي جمعته. ولا يقال لكل جمع قرءان، ولا لجمع كل كلام قرءان، خص كلام الله بهذا الاسم ولا يسمى بها غيره لأن غيره ليس مقروءا بحق ولا متلوا بحق. وفي شأن الصلاة جاء الأمر: "صلوا كما رأيتموني أصلي". أما في التلاوة فبقي الأمر على عمومه ولم يحصر بكيفية محددة ومنع ما سواها، بل الأمر على العموم. كان الناس يصلون في رمضان أوزاعا متفرقين فأمر سيدنا عمر رضي الله عنه أبي بن كعب أن يقوم بهم، فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال 'نِعمت البدعة هذه'، وقس على هذا. كانوا يقرؤون القرءان فرادى، وعندما جُمع بين دفتين، وعرف أوله من أخره، واستووا في الحفظ، وتوافقوا إلى القراءة على حرف واحد (ورش عن نافع مثلا) اجتمعوا, ويد الله مع الجماعة. فالأمر أوسع مما يتصور البعض. قال ابن لبّ: أما قراءة الحزب في الجماعة على العادة فلم يكرهه أحد إلا مالك على عادته في إيثار الإتباع، وجمهور العلماء على جوازه واستحبابه وقد تمسكوا في ذلك بالحديث الصحيح (وما اجتمع قوم....) وتدبر مسألة أن المغاربة على مذهب الإمام مالك ومع ذلك لم يتبعوه في هذه.
قال تعالى {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} فعاد الضمير على آخر مذكور وهو المغارب فكانت البركة فيها، والملاحَظ أن القرءان لا يُـقرأ جماعة إلا في الدول المغاربية (غالبا). ومن آثار هذه البركة خالف المغاربة مالكا وقرؤوا القرءان جماعة.
أما عن المشرق فورد أنَّ رسولَ اللهِ قال، وهو مُستقبلٌ المشرقَ "ها إنَّ الفتنةَ ههنا، ها إنَّ الفتنةَ ههنا، ها إنَّ الفتنةَ ههنا من حيثُ يطلعُ قرنُ الشيطان" (صحيح مسلم). وقال :"يخرج ناسٌ من قِبَلِ المشرقِ، يقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ تراقيهم، يمرُقون من الدِّينِ كما يمرقُ السَّهمُ من الرَّميَّةِ، ثم لا يعودُون فيه حتى يعودَ السهمُ إلى فوقه. قيل :ما سِيماهم ؟قال: سيِماهم التَّحليقُ". (صحيح البخاري) ما يهمنا من هذا الحديث أنه لم يقل يخرج ناس من قبل المغرب. وقرن الشيطان ملازم للشيطان, طلع قرن الشيطان من المشرق ولم يغرب في المغرب ولله الحمد إنما غَرَّب ناس فصاروا غرباء بين ذويهم يصومون ولم يروا هِلالاً، ويفطرون ويظنون أن قد أتوا حلالا، ينحرون أضاحيهم قبل الناس سرا وجهارا، ويُكَفِّرون كل مارٍ ظلما وبهتانا. "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم" . "سيماهم التحليق" وكأن الناس عاشوا في الضلال والبدعة والفسق قرونا عدة حتى جاء هؤلاء. نعوذ بالله من سوء الظن بالله وسوء الظن بالناس. وقد قال صلى الله عليه وسلم "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"، على الفعل أو على اسم التفضيل.
إستطراد تاريخي
إن القرآن في عهد النبي وفي عهد عثمان كذلك لم يكن مكتوبًا بنفس الطريقة التي نراها اليوم، فقد كانت الكتابة آنذاك خالية من التشكيل، والنقط ،والأرقام، ومعتمدة على السليقة العربية التي لا تحتاج لهذا التشكيل (العربية بالنسبة لهم فطرية يرضعونها مع ألبان أمهاتهم، وأما بالنسبة لنا فتعليمية). ولم يتغير هذا الحال إلى أن بدأت الفتوحات واختلط العرب بالعجم، وبدأ غير الناطقين بالعربية يقعون في أخطاء في قراءته. فكان من الضروري كتابة المصحف بالتشكيل والنقط حفاظًا عليه من أن يُقرأ بطريقة غير صحيحة. وأول من وضع النقط في المصحف هو التابعي الجليل: أبو الأسود الدؤلي (69هــ) من أصحاب علي رضي الله عنه، فوضع شكل المصحف بالنقط، فجعل النقطة أمام الحرف علامة على الضمة، وفوقه علامة على الفتحة، وتحته على الكسرة. واستمرت الكتابة على هذا إلى أن جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي (174 هـ) الذي كان أول من صنف كتابًا في رسم نقط الحروف وعلاماتها، وهو أول من وضع الهمزة والتشديد وغيرها من علامات الضبط، ثم دوّن علم النحو ليكون ضابطًا لقراءة القرآن ليقرأ بشكل سليم لا يَخِلُّ بمعناه، فوضع ضبطاً أدق من ضبط أبي الأسود، فجعل النقط لإعجام الحروف، وجعل ألفاً مبطوحة فوق الحرف علامة على الفتح، وتحته علامة على الكسر، وجعل رأس واو صغيرة علامة على الضمة.
وأما وضع الأجزاء والأحزاب: فقد جاءت قبل ذلك على يد نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر بأمر وإشراف من الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان. ثم بعد ذلك مر رسم المصحف في طور التجديد والتحسين على مر العصور، وفي نهاية القرن الهجري الثالث، كان الرسم القرآني قد بلغ ذروته من الجودة والحسن والضبط، حتى استقر المصحف على الشكل الذي نراه عليه اليوم من الخطوط الجميلة، وابتكار العلامات المميزة التي تعين على تلاوة القرآن تلاوة واضحة جيدة. و إتباع قواعد التجويد.
أما تسمية سور القرءان ليس أمرا توقيفيا و إنما هو اجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم، والدليل على ذلك هو عدم إتفاقهم على صيغة معينة في التسمية، فقد تكون للسورة الواحدة عدة أسماء تعرف بها، وطبعا جاءت تسمية بعض السور منه عليه الصلاة والسلام، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يسمع بعض الصحابة يسمي السورة بغير ما سماها هو به فيقره على ذلك فإن أسماء السور كانت معروفة على عهد رسول الله ومشهورة.
وأما ترتيب السور حسبما في المصحف، فقد اختلف فيه أهل العلم: هل كان بتوقيف من النبي أم أنه اجتهاد من الصحابة؟ فالجمهور على أنه اجتهاد من الصحابة استوحوه من قراءة النبي صلى ، ومن ذكره لبعض السور مرتبة حسبما في المصحف الآن، كقوله: "اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران…"(مسلم). وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ترتيب السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم. (وبهذا جزم السيوطي في كتابه الإتقان). ويبدو أن الخلاف بين الفريقين خلاف لفظي كما قال الزركشي في البرهان، لأن القائل بأن الترتيب اجتهادي يقول: إن النبي رمز للصحابة بذلك، واستوحوه من قراءته، وقولِه كما تقدم، وبذلك قال الإمام مالك رحمة الله عليه (وهو من القائلين بأنه اجتهادي): إنما ألّفُوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي . فآل الخلاف بين الفريقين إلى أنه هل كان ذلك بتوقيف قولي أو بمجرد إسنادٍ فعلي بحيث يبقى لهم فيه مجال للنظر؟ ومال ابن عطية إلى قول ثالث: هو أن الكثير من السور علم ترتيبه في حياة النبي ، كالسبع الطوال والحواميم والمفصل. وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون فوض الأمر فيه للأمة بعده.
أما علم التجويد، فأوّل من جمع علم التجويد في كتاب سماه "كتاب القراءات" هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في القرن الثالث الهجري ،وذلك باستخلاص قواعد هذا العلم من خلال تتبع قراءات المشاهير من القراء المتقنين. وكيف ما قُرأ القرءان ،فالشخص مأجور عليه: عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله : "الذي يقرأ القرءآن وهو ماهرٌ مع السَّفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌ له أجران" (البخاري و مسلم). ومن هذا يتبين لكل لبيب أريب أنه إذا كانت القراءة الجماعية بدعة فهل جمع القرءان وتنقيطه وشكله وترتيبه...بدعة؟ قال تعالى {إٍنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَّ} ورسمت 'حافظون' بالالف المحذوفة إشارة إلى هذه المعاني، ولِيَنْتَقِل الحفظ إلى المسلمين. وهذا من أسرار الخلافة التي أعطيت للإنسان {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.
الخلاصة: الخلاصة لمن فهم الدراسة أن القرءان كلام الله وليس مِلْكـًا لأحد، والقراءة الجماعية تربط القلوب المجتمعة على كتاب الله، وهو كلام مطلق غير مقيد لا بزمان، ولا بمكان ولا بفهم أحد. أهل كل زمن يفهمونه بمقدار ما يفتح الله عليهم. فمثلا في قوله تعالى {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} فَهِمَ السابقون رحمهم الله منها قدرة الله على إعادة خلق البنان، وهي تشير كذلك إلى اختلاف بصمات الإنسان بعضه عن بعض، ما لم يفهموه. وأن الله تعالى قادر على إعادته على الصورة التي كان عليها في الدنيا.
أصحاب التنكير والتكفير، الذين خرجوا من قبل المشرق (كما قال ), ضئضئ ذو الخويصرة التميمي (يخرج من ضئضئ هذا... الحديث رواه البخاري) والضئضئ هو الاصل والمعدن. يريدون الفتنة والإنتصار لمذهب ما, ألا تراهم حتى في المطبوعات المعلقة بكافة المساجد المعنون عنها ب "اذكار بعد الصلوات" لا يشيرون إلى الصلاة على النبي، وهل لم يرد في القرءان الكريم {إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}، بل منهم من رآى أن في قراءة القرءان جماعة تشبهاً بأهل الكتاب في صلواتـهم في كنائسهم؟؟. وحَقَّ عليهم قوله تعالى {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}. وفعلا لَغَوا فيه وأكثروا اللغو حتى أصبحت المناسبات التي من المفروض أن يتلى فيها القرآن خالية منه، حَلَّ مكانه "الدرس" حيث يقوم أحدهم بإلقاء كلمة في الحاضرين وكأنهم في مدرسة.
وإن وجدت (نادرا) في مناسبة ما "الطُّـلْبة" (قراءة جماعية) فهؤلاء لا يستمعون لهم، بل يستمرون على لَغْوِهِمْ، ومناقشاتهم التافهة. وإذا ما تلي القرآن عند قبر تراهم ينصرفون الواحد تلو الآخر وكأن الذي يقرأ غناء أو لغوا باطلا. وهل ورد حديث عن النبي يقول فيه لا تقرءوا القرءان جماعة؟؟ أترى الحق سبحانه مُوقِفاً شخصا يوم القيامة ومُعاتِبه على قراءة كلامه جماعة، ويَجد ذلك في صحيفته من السيئات؟ فربنا كريم والقرءان كريم {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} والكريم لا يرد ولا يعاتب سائله. وهل القراءة الجماعية باطل أُلصق بالقرآن، والحق سبحانه يقول {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
وبالعكس تجدهم شجعوا على استخدام القرآن في المتاجر وفي الشوارع،حتى أفقدوه حرمة وقدسية الآمر من الكل له خاضع.وجعلوا منه أرخس البضائع،ينادى إليها ولايسمع سامع ،ويطاف بها في الأسواق والأحياء فلا تــثير انتباه لا الغني ولا القانع،يتلى ومن لسلعته حراما كانت بائع ،ومن لهوى نفسه طائع.ونسوا قوله تعالى{وإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}بمعنى أنه إذا قرئ القرآن ولم تستمع ولم تنصت فربما لا ترحم.والاستماع بالأذن والإنصات بالقلب مع ترك الكلام .وفي الأسواق الأذان لاهية ،والأفواه لاغية،والقلوب ساهية،والمخالفات للشريعة متكررة وعادية.فكان الجن أحسن حالا {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّاحَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا}فَضَلَّ أصحاب هذه"الأهواء"الـمتنقلةالصاخبة، وأضلوا.واشتروا بآياته ثمنا قليلا عليه أصروا. فلا من أخطائهم تابوا ولا بها اعترفوا وأقروا.
فالنصوص تسمح بفهم سلامة موقف المجتمعين على القراءة الجماعية، ومن رأى أن لا يقرأ القرءان جماعة فليفعل، ولكن على شرط أن لا ينكر على الذين يقرءون جماعة، فهو وشأنه. والأمر على اليسر، والاختلاف عادي لأننا خلقنا له {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، وكلمة الناس تشمل المومن والكافر، العربي والأعجمي. والفعل "يزالون" مضارع يفيد التجدد والاستمرار والاختلاف إلى قيام الساعة.
و أختم كلامي بقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}. وأستغفر الله للمومنين والمومنات والمسلمين والمسلمات أجمعين.
وصلى الله على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد الرحمة المهداة للعالمين.
محمد ابن المبارك بارك الله مسعاه وجميع المسلمين دنيا وأخرى بمراكش شهر رجب الفرد 1434 الموافق لشهر ماي 2013 .