مشاهدة النسخة كاملة : خصائص دعوة العدل والإحسان



ابتهال
17-02-2014, 20:05
خصائص دعوة العدل والإحسان

http://www.aljamaa.net/ar/imagesDB/77331_small.jpg بقلم: عبد الحميد المثني








الفهرس

تقديم (http://www.aljamaa.net/ar/document/77330.shtml#somm1)

1- تلازم قضيتي العدل والإحسان (http://www.aljamaa.net/ar/document/77330.shtml#somm2)

2 - أمة الاستجابة وأمة الدعوة (http://www.aljamaa.net/ar/document/77330.shtml#somm3)

3 - ثنائية الدعوة والدولة (http://www.aljamaa.net/ar/document/77330.shtml#somm4)

4 - أمة مفتونة وليست جاهلية (http://www.aljamaa.net/ar/document/77330.shtml#somm5)

5 - دعاة رحمة لا قضاة نقمة (http://www.aljamaa.net/ar/document/77330.shtml#somm6)



تقديم


تتسم دعوة الإسلام الصادقة بمختلف توجهاتها ومناهجها واجتهاداتها، بكونها تنهل من مصدر واحد، وتتزود من معين واحد، كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته الراشدين من بعده، ولكل أجر اجتهاده إن خلصت النية، وطهر القصد من الشوائب. لكن موافقة العمل للصواب من عدمه، إنما يثبته ملاءمته للمقاصد التي جاءت من أجلها رسالة الإسلام، من خلال نتائجه على الأرض، وثباته في المواقف، وشهادة عقلاء الأمة - بعيدا عن الإكراهات والحسابات الضيقة - التي أضافها الله إلى شهادته وشهادة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال:* وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون* [1]، ولا يكفي أن نركن إلى حجية النصوص الشرعية، بعيدا عن المنهاج الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم، تثبيتا لرسالة الدعوة على الأرض ونشر رحمتها بين الأنام، فلكل جعل الله تعالى شرعة محكمة، ومنهاجا يرسم للدعوة سبيلها زمانا ومكانا، رحمة وتدرجا، وفقها متجددا.
فما هي خصائص دعوة جماعة العدل والإحسان؟ وما هي مميزاتها المنهاجية؟

1- تلازم قضيتي العدل والإحسان


عرفت الدعوة بعد فترة النبوة والحكم الراشد انفصاما خطيرا بين قضيتين أساسيتين قامت عليهما رسالة الدعوة، وأمر الله بهما في كتابه الكريم فقال: إن الله يأمر بالعدل والإحسان... [2]:
- فقضية الإحسان بمعناه الشامل، وصال دائم بالله بأن تعبده كأنك تراه، وعلائق أخلاق تربطك بمن حولك من القريب والبعيد من خلق الله، وإتقان للعمل العبادي والعادي والمعاملاتي في ذلك سواء، وهي تلخص قضية همك الفردي مع الله ومصيرك في الدار الآخرة.
- قضية العدل وهي تبني هموم الأمة والمستضعفين في الأرض، استشرافا لنيل حقوقهم التي أقرتها شرائع الله المحكمة، وقوانين الإنسانية العادلة، والعدل هم جماعي تتصدى له جماعة المؤمنين أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وفق فقه راشد متجدد، ونظرة شاملة.
يقول المرشد المؤسس الأستاذ عبد السلام ياسين: "نحمل إخوتي شعار العدل والإحسان ليكون لواؤنا بين الدعوات ثائرا خفاقا بخفقان حب الله في قلوبنا، وخفقان الحب في الله، والذلة على المؤمنين، وحب المساكين، والجهاد في سبيل الله والمستضعفين. وليكون عنواننا في شارع السياسة منشورا مشهورا، له أصالته من القرآن وله واقعيته من غضبنا لما تنتهكه الطبقة المترفة المستكبرة من حقوق الله وحقوق العباد" [3].
ويقول رحمه الله في وصيته: "أوصي أن العدل قرين الإحسان في كتاب ربنا وفي اسم جماعتنا، فلا يلهنا الجهاد المتواصل لإقامة دولة العدل في أمتنا عن الجهاد الحثيث لبلوغ مراتب الإحسان" [4].

2 - أمة الاستجابة وأمة الدعوة


رسالة الإسلام، رسالة عالمية، وينبغي أن تبقى دعوتها الرحيمة مشرعة في وجه الخلق أجمعين، وأن تكون أرض الإنسانية كلها مشروعا لغرس بذرة الإسلام في قلوب أبنائها، ولن يتأتى ذلك إلا بأن تحدد الدعوة نظرتها للآخر عبر مفاهيم صادقة محددة، بعيدا عن العدوانية، وعن التصنيف القاطع لحبل التواصل، القائم على ثنائية الدارين، كفر وإسلام، فكيف يتسنى لمن تعاديه بداية أن يسمع بلاغ الدعوة نهاية؟
وتأصيلا لهذا المقصد، وفق مرشد الجماعة رحمه الله، لتصنيف مجدد في مسيرة الدعوة، حيث يقول:
"«أمة الاستجابة»... الأمة الإسلامية الذين استجابوا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقوا الرسالة، ويُطلِقُ اسم «أمة الدعوة» على سائر الخلق الذين بلغتهم الدعوة فامتنعوا عن التصديق أو لم تبلغهم من الأجيال الماضية والحاضرة والمستقبلة إلى يوم القيامة" [5]، ويبين أن هذا التصنيف قائم على الأخوة الإنسانية بين البشر فيقول: "هدفنا الدعوي إبلاغ الإنسان أينما كان بلاغ التوحيد، وبلاغ الأخوة بين البشر، وبلاغ السلام في العالم، وبلاغ العدل والإحسان" [6]، وبهذه النظرة الرحيمة للإنسانية، يستطيع أصحاب الملل والنحل من غير المسلمين أن يتقبلوا النموذج الإسلامي بوجهه الناصع لا الخانع طبعا "نشع دعوة الإسلام، وينتصر نموذجه السلوكي الاقتصادي الحضاري حتى يصبح قبلة أنظار الإنسانية أينما كانت" [7].

3 - ثنائية الدعوة والدولة


من الانكسارات الخطيرة التي عرفتها أمة الإسلام، بعد انكسار الخلافة الراشدة، الانفصام النكد بين الدعوة والدولة، وزاد الطين بلة عندما أصبحت الدعوة تأتمر بأمر الدولة - في عهد الملك العاض ثم الجبري من بعده - خادمة لسياستها طوعا أو كرها، أو مطاردة، مغضوب عليها إن أنكرت أو حتى نصحت، والخطر الآخر الذي يهدد رسالة الدعوة، أن تذوب الدعوة في الدولة، فتصبح الدولة جسما بلا روح، وتضيع روح الرسالة، فلا إحسان يرجى، ولا عدل يستقيم، ومن هذا الفقه المنهاجي القويم، تسعى الجماعة بأن تبقى الدعوة مؤتمنة على المقاصد الكبرى لرسالة الإسلام، ترعى وتراقب سلوك الدولة، دون الاشتغال بتدبير دواليبها، على حساب مهامها التربوية والتوجيهية والدعوية، يقول المرشد رحمه الله:
"أقصد بالثنائية بين الدعوة والدولة وقوف أهل القرآن علماء الأمة بجانب مطالب العدل والاستقامة والخلق والدين عينا رقيبة بها من مكان عز القرآن وسيادته على السلطان ليشتغل أهل السلطان الحكام... تحت مراقبة يمارسها الشعب وتنطق بها الدعوة وتراقب وتحاسب" [8].
ويقول: "التحدي هو: هل تمسك الدعوة بزمام الحكم وتدير عجلته وتَبقى مستقلةَ الوجود ماضية الإرادة في وِجهَة التغيير الشامل الجذري للمجتمع، أم تجذِبها الدولة ويستقطبها الحكمُ فيستولي على النفوس، ويستغرق الجهودَ، ويغلب على الوجهة حتى تذوبَ الدعوة في الدولة؟ التحدي أساسا هو: هل يحيَى الدعاةُ بعدَ الوصولِ إلى الحُكم بحياة الإيمان والإحسان، أم «تدنسهم الدنيا» وتهلكهم كما أهلكت من كان قبلَهم؟" [9]
ويتساءل رحمه الله مبينا: "فماذا يكون مقام الدعوة تحت الدولة الإسلامية؟ أتذوب لتبقى الدولة؟ أم كيف تؤدي واجبها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتوجيه السفينة وهي محتفظة بوحدتها واستقلالها عن الحكومة؟" "الحكومة الإسلامية إلهية التشريع لكنها بشرية التطبيق. وكل حكومة بشرية تتعرض للأخطاء والزيغ. فلا بد أن تبقى الدعوة مهيمنة لتقوم وتصلح. لا بد أن تكون هي الحاضرة الشاهدة" [10].

4- أمة مفتونة وليست جاهلية


نالت الصحوة الإسلامية وهي ما زالت في مهدها، النصيب الأوفر من الظلم والتنكيل والتشريد، وهو ما لم تنله حركات تغيير قبلها ولا بعدها، مما أفرز ردود فعل عنيفة، انساق بعضها إلى تكفير الحكام ومن والاهم من الشعوب المستضعفة المغلوبة على أمرها، وطفت على السطح فتاوى جديدة، شذت عن الأصول الفقهية المجمع عليها من علماء الأمة المعتبرين، ومن بين ما لحق بالأمة من حيف أبنائها على حسن نية، وصفها بالجاهلية، ويتساءل مرشد الجماعة رحمه الله - بعد إقراره ما تعيشه الأمة من انحراف عن الحق - فيقول: "بين ظهرانَينا حاملو أوزار ومرتكبو كبائر وعتاةٌ ظالمون ومتَّقون متبتلون وخَطّاءون توابون. المجتمع الغثائي خليط، مريض، مدخول. استحق وصف الغثائية لَمّا ظهرت عليه علائم الهزيمة، وتجمعت عليه أكَلَة القصعة، فتَمّ عليه الوصف النبوي. لكنْ ما سنَدُنا في إطلاق وَسْم الجاهلية عليه؟ قضاة نحن جائرون أم دُعاة حائرون؟ قصدُنا الهداية والتسديد أم قصدنا الثلب والعيب، بلا حجة ولا رَويَّة؟ " "أهو مجتمع جاهلي فنقاطعه ونعاملَه على أنه غيرٌ؟ ومن نحنُ حتى نَنْفصلَ عنه وندّعيَ الهدايةَ من دون الناس؟ ما هي حدود الجاهلية، وكيف تخطيناها واستعلينا عليها؟ أم هو مجتمع مسلم؟ فما بال التهم يُصفَع بها وجـه المجتمع فيطلِقُ عليه بعض الشباب الملتحي صفة الجاهليـة؟ أين تقف الجاهليـة؟ وما خصائصها؟" [11]، وينبه من خطر هذه الأحكام المتسرعة، على مسيرة الدعوة، ومصير الأمة، ووزر صاحبها "أسئلة لا بد من بحثها والجواب عنها حتى لا نربطَ مصير الدعوة بأحكام مسبقة خطإٍ، وبكلمات أطلقها بعض الدعاة مِمَّن لهم ظـرفهم واجتهادهم وقصدهم فتلقفها طوائف من الملتحين واستعملوها استعمالا فضائيا، فزادوا وِزراً ثقيلا على أوزار تنوء بكاهل الأمة. وأي وِزر أعظم من تكفير أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير علم!" [12].
وبناء على البيان النبوي في الحديث الشريف، الذي رواه ابن أبي شيبة أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال لسائل سأله عن الفتنة: «لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك. إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل». يخلص رحمه الله، إلى الفصل بين مفهوم الجاهلية، ومفهوم الفتنة، التي لا تخرج الأمة من دائرة الإسلام، فـ"متى اختلط الحق بالباطل، ودخل الإسلام على الجاهلية فبقي منها رواسبُ، أو أعادت الجاهلية كرَّتها على الإسلام فعكرت صفوه، فتلك «الفتنة». الفتنة مفهومٌ محوري، الفتنة حكم نبوي، الفتنة تَحفّظٌ وحِكمة ولزوم لجانب التحري والصواب" [13].

5 - دعاة رحمة لا قضاة نقمة


حصر الله رسالة الإسلام واختصرها في كلمة واحدة، صدر بها خطابه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، من هنا ينبغي أن يعلم المسلمون قبل غيرهم أن دينهم رحمة، وأن يفقه دعاة الإسلام، أن تقديم رسالة الإسلام للناس ينبغي أن يكون في قالب رحمة، والرحمة ود، وإحسان، وعفو، وتدرج، وحسن ظن بالناس، ولطف بهم، وتواضع أمامهم، ويسر عليهم، ورفق بحالهم.
ليست الدعوة إلى الإسلام، عنف في القول والفعل، أو عبوس في الوجه والشكل، وحكم على بواطن الناس بالكفر والنفاق، وإلزام الناس فوق ما يطيقون من السنن وفضائل الأعمال، وهجران للناس ولو غفلوا، كل هذا من سيئ الأخلاق لا يمت إلى دعوة الإسلام بصلة، هذه وصيتي، خصوصا للشباب المتحمس، الذي أخطأ منهاج المصطفى صلى الله عليه وسلم، في تربية نفسه، وتوجيه أمته .وقد فقه مؤسس الجماعة رحمه الله هذه الحقيقة فجعلها معلما من معالم تربية الدعاة في الجماعة، حيث يقول: "إن منصة القاضي والمتهم للناس رئاسة قلما يتمنع عليها الضعفاء. لا سيما إن نزغ الشيطان في نفوسهم أنهم وحدهم بخير، وأن الناس سواهم هلكى. فعند ذاك تتحول كل حركة من غيرهم شركا وبدعة، ويصبحون هم الخصم والحكم. وتغتر الدهماء من العامة بكل عليم اللسان وتتألف كتائب الهدم. روى الإمام أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم»." "إن واجبنا أن نجلو للناس بمثال سلوكنا وبتعليمنا وفكرنا وخطتنا أن هذا الإسلام رحمة، وأن ما فيه أمتنا أفرادا وجماعة بلاء لا يمس جوهر عقيدتها رغم ردة أفراد وانحراف فئات وبدعة العامة" [14].

تاريخ النشر: الأربعاء 12 فبراير/شباط 2014


[1] سورة التوبة الآية 105. [2] سورة النحل الآية 90. [3] رسالة للأستاذ عبد السلام ياسين في تغيير اسم الجماعة من (أسرة الجماعة )، إلى (العدل والإحسان). [4] وصيتي للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله ص 18. [5] إمامة الأمة للأستاذ عبد السلام ياسين ص 261. [6] نفس المصدر ص 262. [7] نفس المصدر ص 262. [8] العدل للأستاذ عبد السلام ياسين ص 673. [9] نفس المصدر 105. [10] المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين ص 406 فصل "الدعوة إلى الله عز وجل". [11] العدل للأستاذ عبد السلام ياسين ص 575. [12] نفس المصدر ص 576. [13] نفس المصدر والصفحة. [14] المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين ص (244).



http://www.aljamaa.net/ar/images/logoBas.png