ابتهال
25-05-2014, 23:06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموت وعذاب القبر للشيخ النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الموت : إنه انتقال خطير رأسا على عقب فأعدُّو له عُدَّته !!!
أيها الإخوة ، في هذا الدرس أريد أن يكون واضحاً عندكم موضوع " الموت " ، ذلك أنه ما من حدث مستقبلي أخطر من مغادرة الدنيا ، فيما يبدو أن من كل شيء إلى لا شيء على الشبكية ، أما المؤمن فمن متاعب إلى الراحة الأبدية ، من القلق إلى الطمأنينة ، من الشقاء إلى السعادة .
على كلٍ ينتقل الإنسان من ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، حينما يأتي المهد ، وكل الوسائل ، وكل الترفيه لهذا المولود ، فينتقل الإنسان في الموت من ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الأهل والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعُّم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الثرى والتراب ، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل .
أين هم الآن ؟!!
أخذهم الموت على غرة ، وسكنوا القبور بعد حياة الترف واللذة ، وتساووا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة ، لذلك :
أتيت القبور فســـاءلتها أين الــــمعظم والمحتقر
هناك عظماء في الأرض ، وأناس في الدرجة الدنيا الاجتماعية .
و أيــــن المذل بسلطانه وأين الــقوي على ما قدر
تـــفانوا جميعاً فما مـخبر ومـاتوا جميعاً ومات الخبر
فـيا سائلي عن أناس مضوا أمـا لك في ما مضى معتبر
تـروح وتـغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الـصور
***
أيها الإخوة ، مرة قرأت كتابا اسمه قصص العرب ، من أربعة أجزاء ممتع جداً ، بعد أن انتهيت من قراءته لمعت أمامي فكرة ، أن الأقوياء ماتوا ، وأن الضعفاء ماتوا ، الأغنياء ماتوا ، والفقراء ماتوا ، الأصحاء ماتوا ، والمرضى ماتوا ، الأذكياء ماتوا ، والأغبياء ماتوا والإنسان بعد حين يمحى أثره .
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً
( سورة الإنسان )
وسيأتي عليه حين من الدهر ليس شيء مذكورا إلا من رحم الله عز وجل .
القبر أول منازل السائرين إلى الآخرة :
عن هانئ مولا عثمان قال : كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى تُبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فقال سيدنا عثمان : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( القبر أول منازل الآخرة ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، عن عثمان بن عفان ]
حينما ترى جنازة فهذا أول مرحلة من مراحل الآخرة ، تمشي في الجنازة فيفتح القبر ، ويفتح النعش ، وتحمل الجثة ، وتوضع في القبر ، يكشف عن وجهه ، توضع الرخامة ، ويُهال عليه التراب ، وانتهى الأمر ، هذا الميت دخل أول منازل الآخرة .
(( فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، عن عثمان بن عفان ]
لذلك :
(( وعزتي وجلالي ـ كما ورد في الأثر القدسي ـ لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه ، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ))
[ورد في الأثر ]
إذا أمكن أن يذوق المؤمن ألواناً من متاعب الحياة الدنيا ، ثم ينتهي به المطاف إلى أن يصل إلى القبر طاهراً مطهراً فهو في أعلى درجات النجاح .
ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ، فأكثروا ذكر هادم اللذات :
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة ]
والله أيها الإخوة ، كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال الإنسان فقال :
(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
لو يُتاح الإنسان أن يمشي في جنازة ، ولو يكن من أهل المتوفى لكان أفضل له ، لاحظ حينما يفتح النعش ، وتُحمل الجثة ، ويوضع في القبر ، أين كان ؟ كان في بيت من مئة متر مساحته ، وفي بيت ثمنه 80 مليونا ، هو اختار الرخام ، أتى به شحنا جويا من إيطالية ، اختار الجبصين ، اختار الأثاث ، اختار اللوحات الزيتية ، أتى بالأجهزة كلها ، أين صاحب هذا البيت ؟ في قبر يقول النبي الكريم :
(( ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ))
لذلك كان بعض الصالحين حفر قبر في صحن داره ، وكان يضجع فيه كل خميس ، ويتلو قوله تعالى :
رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً
( سورة المؤمنون )
يخاطب نفسه ويقول لها : قومي لقد أرجعناك ، تفضل واعمل .
وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ))
[ أحمد ]
الإمام الحسن البصري شيع جنازة فجلس على شفير القبر ، فقال : " إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله " .
الموت مصيبة :
إخواننا الكرام ، أحيانا يكون خطُّ بيان الفقير صاعدا صعودا بطيئا ، الفقير المؤمن خطه البياني صاعد ، لكنه صعود بطيء ، والموت نقطة على هذا الخط ، والصعود مستمر ، بعض أهل الدنيا خطهم البياني صاعد صعوداً حاداً ، لكن السقوط من هذا المكان إلى القبر مريع خطُّ لذلك الله عز وجل سمّى الموت مصيبةً فقال :
مُصِيبَةُ الْمَوْتِ
( سورة المائدة الآية : 106 )
من بيت 400 م إلى قبر ، من بيت مكيف إلى قبر ، من بيت مدفأ إلى قبر ، من بيت فيه كل ألوان الأثاث إلى قبر .
سيدنا عمر بن عبد العزيز كان إذا دخل بيت الحكم قصره إن صح التعبير ، كان شعاره هذه الآية :
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ
( سورة الشعراء )
يقول لك : عندهم بيوت وسيارات ، لكن لا بد من الموت .
سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول : " إذا مررت بهم فنادهم ـ هؤلاء الموتى ـ إن كنت منادياً ، وادعوهم إن كنت داعياً ، ومر بعسكرهم ، وانظر إلى تقارب منازلهم ، سَلْ غنيهم ما بقي من غناه ؟ واسألهم على الألسن التي كانوا يتكلمون بها ، وعن الأعين التي كانت للذات بها ينظرون ، واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة ، والأجسام الناعمة ، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان ؟ " .
انظرْ كيف تصير في قبرك :
والله مرة حدثني أخ يبدو أن له صديقا حميما ، والقصة قديمة جداً ، إنسان من أكبر أغنياء دمشق ، عنده دائماً أربع زوجات ، وكل واحدة فوق الـ22 سنة يطلقها ، ويأخذ واحدة من سن 18 ، بالأنماط القديمة ، وبيت ، وقصر ، وسيارة ، وخيل ، مثل المرسيدس الآن ، وبستان ، وفواكه ، وثمار ، يأتي بمغنين ، يأتي بمن يلقون الطُّرَف حتى يضحك ، بعدما مات جاءت وشاية أن زوجته سممته ، فتحوا القبر ، أقسم لي بالله ، وقد رأى منظره بعد الموت ، بطنه منفوخ مثل الضرف ، لونه أزرق على أسود ، منظر مخيف ، وهذا المنظر كان سبب توبة صديقه إلى الله .
أُكلت الألسن ، وغفرت الوجوه ، ومحيت المحاسن ، وكُسرت الفقار ، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم ؟ وأين قبابهم ؟ وأين خدمهم ؟ وأين عبيدهم ، وأين جمعهم ؟ وأين كنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ، قد حيل بينهم وبين العمل ، وفارقوا الأحبة والمال والأهل .
إن هذه الساعة لا بد منها ، بربكم هل هناك من حدث أكثر واقعية من الموت ؟ وهل يمكن لإنسان ينجو من الموت ؟ أبداً ، بدءاً من الأنبياء ، وانتهاء بأصغر الناس ، الأقوياء ، والأغنياء والأنبياء ، كلهم ماتوا .
والله كان عندي شريط ليس عليه كتابة ، سمعت أوله ، ظهر أنه شريط موضوع بآلة إجابة هاتفية ، استمعت إليه كله ، عددت الميتين فيه ، فإذا هم 12 رجلاً ، والله كلما أعمل مراجعة لدليل هاتف أمحي خمسة إلى ستة أسماء مات أصحابها ، انتهوا .
مرة كنا في حفل ، جلس إلى جانبي أحد علماء دمشق عن يساري ، وعن يميني عالم ثان له شأن ، فعاتب الأول الثاني من خلالي ، أنا جالس في النصف ، قال له : دعيناكم إلى احتفال فما أتى أحد ، قال له : كل الذين دعوتهم ميتون ، ما هذا الأرشيف القديم ، قلنا له : سيدي إذا ما جاء ، وكان ميتا فهل هو معذور عندكم .
لاحظ دليل هاتف ، من حين لآخر تمحو أسماء منه ، كل يوم نرى عدة نعوات ، أنا سألت إنسانا يدفن الموتى ، قال لي : هناك 150 وفاة يومياً في الشام ، لكن في يوم لا بد من أن يقرأ الناس نعوتنا .
فيا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا
أين دارك الـفيحاء أيـــن ثمارك اليانعة
أيــن رقاق ثيابك أن طيبك وبـــخورك
أين كسوتك لصيفك ولشتائك لــيت شعري
بأي خديك بدأ البِلى
الموت وعذاب القبر للشيخ النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الموت : إنه انتقال خطير رأسا على عقب فأعدُّو له عُدَّته !!!
أيها الإخوة ، في هذا الدرس أريد أن يكون واضحاً عندكم موضوع " الموت " ، ذلك أنه ما من حدث مستقبلي أخطر من مغادرة الدنيا ، فيما يبدو أن من كل شيء إلى لا شيء على الشبكية ، أما المؤمن فمن متاعب إلى الراحة الأبدية ، من القلق إلى الطمأنينة ، من الشقاء إلى السعادة .
على كلٍ ينتقل الإنسان من ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، حينما يأتي المهد ، وكل الوسائل ، وكل الترفيه لهذا المولود ، فينتقل الإنسان في الموت من ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ، ومن ملاعبة الأهل والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعُّم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الثرى والتراب ، ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ، ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل .
أين هم الآن ؟!!
أخذهم الموت على غرة ، وسكنوا القبور بعد حياة الترف واللذة ، وتساووا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة ، لذلك :
أتيت القبور فســـاءلتها أين الــــمعظم والمحتقر
هناك عظماء في الأرض ، وأناس في الدرجة الدنيا الاجتماعية .
و أيــــن المذل بسلطانه وأين الــقوي على ما قدر
تـــفانوا جميعاً فما مـخبر ومـاتوا جميعاً ومات الخبر
فـيا سائلي عن أناس مضوا أمـا لك في ما مضى معتبر
تـروح وتـغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الـصور
***
أيها الإخوة ، مرة قرأت كتابا اسمه قصص العرب ، من أربعة أجزاء ممتع جداً ، بعد أن انتهيت من قراءته لمعت أمامي فكرة ، أن الأقوياء ماتوا ، وأن الضعفاء ماتوا ، الأغنياء ماتوا ، والفقراء ماتوا ، الأصحاء ماتوا ، والمرضى ماتوا ، الأذكياء ماتوا ، والأغبياء ماتوا والإنسان بعد حين يمحى أثره .
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً
( سورة الإنسان )
وسيأتي عليه حين من الدهر ليس شيء مذكورا إلا من رحم الله عز وجل .
القبر أول منازل السائرين إلى الآخرة :
عن هانئ مولا عثمان قال : كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى تُبل لحيته ، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟ فقال سيدنا عثمان : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( القبر أول منازل الآخرة ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، عن عثمان بن عفان ]
حينما ترى جنازة فهذا أول مرحلة من مراحل الآخرة ، تمشي في الجنازة فيفتح القبر ، ويفتح النعش ، وتحمل الجثة ، وتوضع في القبر ، يكشف عن وجهه ، توضع الرخامة ، ويُهال عليه التراب ، وانتهى الأمر ، هذا الميت دخل أول منازل الآخرة .
(( فإن نجا منه فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، عن عثمان بن عفان ]
لذلك :
(( وعزتي وجلالي ـ كما ورد في الأثر القدسي ـ لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه ، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده ، أو إقتاراً في رزقه ، أو مصيبة في ماله أو ولده ، حتى أبلغ منه مثل الذر ، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ))
[ورد في الأثر ]
إذا أمكن أن يذوق المؤمن ألواناً من متاعب الحياة الدنيا ، ثم ينتهي به المطاف إلى أن يصل إلى القبر طاهراً مطهراً فهو في أعلى درجات النجاح .
ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ، فأكثروا ذكر هادم اللذات :
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة ]
والله أيها الإخوة ، كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال الإنسان فقال :
(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
لو يُتاح الإنسان أن يمشي في جنازة ، ولو يكن من أهل المتوفى لكان أفضل له ، لاحظ حينما يفتح النعش ، وتُحمل الجثة ، ويوضع في القبر ، أين كان ؟ كان في بيت من مئة متر مساحته ، وفي بيت ثمنه 80 مليونا ، هو اختار الرخام ، أتى به شحنا جويا من إيطالية ، اختار الجبصين ، اختار الأثاث ، اختار اللوحات الزيتية ، أتى بالأجهزة كلها ، أين صاحب هذا البيت ؟ في قبر يقول النبي الكريم :
(( ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه ))
لذلك كان بعض الصالحين حفر قبر في صحن داره ، وكان يضجع فيه كل خميس ، ويتلو قوله تعالى :
رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً
( سورة المؤمنون )
يخاطب نفسه ويقول لها : قومي لقد أرجعناك ، تفضل واعمل .
وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ))
[ أحمد ]
الإمام الحسن البصري شيع جنازة فجلس على شفير القبر ، فقال : " إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله " .
الموت مصيبة :
إخواننا الكرام ، أحيانا يكون خطُّ بيان الفقير صاعدا صعودا بطيئا ، الفقير المؤمن خطه البياني صاعد ، لكنه صعود بطيء ، والموت نقطة على هذا الخط ، والصعود مستمر ، بعض أهل الدنيا خطهم البياني صاعد صعوداً حاداً ، لكن السقوط من هذا المكان إلى القبر مريع خطُّ لذلك الله عز وجل سمّى الموت مصيبةً فقال :
مُصِيبَةُ الْمَوْتِ
( سورة المائدة الآية : 106 )
من بيت 400 م إلى قبر ، من بيت مكيف إلى قبر ، من بيت مدفأ إلى قبر ، من بيت فيه كل ألوان الأثاث إلى قبر .
سيدنا عمر بن عبد العزيز كان إذا دخل بيت الحكم قصره إن صح التعبير ، كان شعاره هذه الآية :
أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ
( سورة الشعراء )
يقول لك : عندهم بيوت وسيارات ، لكن لا بد من الموت .
سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول : " إذا مررت بهم فنادهم ـ هؤلاء الموتى ـ إن كنت منادياً ، وادعوهم إن كنت داعياً ، ومر بعسكرهم ، وانظر إلى تقارب منازلهم ، سَلْ غنيهم ما بقي من غناه ؟ واسألهم على الألسن التي كانوا يتكلمون بها ، وعن الأعين التي كانت للذات بها ينظرون ، واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة ، والأجسام الناعمة ، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان ؟ " .
انظرْ كيف تصير في قبرك :
والله مرة حدثني أخ يبدو أن له صديقا حميما ، والقصة قديمة جداً ، إنسان من أكبر أغنياء دمشق ، عنده دائماً أربع زوجات ، وكل واحدة فوق الـ22 سنة يطلقها ، ويأخذ واحدة من سن 18 ، بالأنماط القديمة ، وبيت ، وقصر ، وسيارة ، وخيل ، مثل المرسيدس الآن ، وبستان ، وفواكه ، وثمار ، يأتي بمغنين ، يأتي بمن يلقون الطُّرَف حتى يضحك ، بعدما مات جاءت وشاية أن زوجته سممته ، فتحوا القبر ، أقسم لي بالله ، وقد رأى منظره بعد الموت ، بطنه منفوخ مثل الضرف ، لونه أزرق على أسود ، منظر مخيف ، وهذا المنظر كان سبب توبة صديقه إلى الله .
أُكلت الألسن ، وغفرت الوجوه ، ومحيت المحاسن ، وكُسرت الفقار ، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء ، فأين حجابهم ؟ وأين قبابهم ؟ وأين خدمهم ؟ وأين عبيدهم ، وأين جمعهم ؟ وأين كنوزهم ؟ أليسوا في منازل الخلوات ؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ، قد حيل بينهم وبين العمل ، وفارقوا الأحبة والمال والأهل .
إن هذه الساعة لا بد منها ، بربكم هل هناك من حدث أكثر واقعية من الموت ؟ وهل يمكن لإنسان ينجو من الموت ؟ أبداً ، بدءاً من الأنبياء ، وانتهاء بأصغر الناس ، الأقوياء ، والأغنياء والأنبياء ، كلهم ماتوا .
والله كان عندي شريط ليس عليه كتابة ، سمعت أوله ، ظهر أنه شريط موضوع بآلة إجابة هاتفية ، استمعت إليه كله ، عددت الميتين فيه ، فإذا هم 12 رجلاً ، والله كلما أعمل مراجعة لدليل هاتف أمحي خمسة إلى ستة أسماء مات أصحابها ، انتهوا .
مرة كنا في حفل ، جلس إلى جانبي أحد علماء دمشق عن يساري ، وعن يميني عالم ثان له شأن ، فعاتب الأول الثاني من خلالي ، أنا جالس في النصف ، قال له : دعيناكم إلى احتفال فما أتى أحد ، قال له : كل الذين دعوتهم ميتون ، ما هذا الأرشيف القديم ، قلنا له : سيدي إذا ما جاء ، وكان ميتا فهل هو معذور عندكم .
لاحظ دليل هاتف ، من حين لآخر تمحو أسماء منه ، كل يوم نرى عدة نعوات ، أنا سألت إنسانا يدفن الموتى ، قال لي : هناك 150 وفاة يومياً في الشام ، لكن في يوم لا بد من أن يقرأ الناس نعوتنا .
فيا ساكن القبر غداً ما الذي غرك من الدنيا
أين دارك الـفيحاء أيـــن ثمارك اليانعة
أيــن رقاق ثيابك أن طيبك وبـــخورك
أين كسوتك لصيفك ولشتائك لــيت شعري
بأي خديك بدأ البِلى