مشاهدة النسخة كاملة : العقل والنقل والإرادة أو أزمة منهاج



ابتهال
16-06-2014, 11:25
العقل والنقل والإرادة أو أزمة منهاج
للامام المجدد مرشد جماعة العدل والاحسان سيدي عبد السلام رحمه الله تعالى

الفهرس
ما من خلاف ينشأ بين المسلمين إلا مرده إلى خلل وتفاقم بين فئات المسلمين:
1. على مستوى العقل:
2. على مستوى النقل:
3. على مستوى الإرادة:

اللهم إنك تعلم كربنا لما أصاب المسلمين من فساد بما كسبت أيدي الذين ظلموا. وتعلم اللهم كربنا لما يتلظى في القلوب من أحقاد، وما يعتلج في العقول من أفكار واهية، وما يتخذ من آياتك وسنة نبيك سلاحا لتشتيت شمل المسلمين، بل زيادة شتات إلى شتات.
فإليك نشكو ربنا بما دعاك به نبيك ورسولك، فصل اللهم عليه وسلم.
""اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك. ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي"" رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود، يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن فقال به إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا"" .
ألا وإن كربنا بفرقة الإسلاميين شديد، ورجاؤنا من الله أن يلهمنا جميعا الحكمة لرأب الصدع والنظر إلى الأمور بعين النصفة حتى يحبنا الله.
فمن حديث هرون بن عسرة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ""قال موسى: يا رب أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يطلب علم الناس إلى علمه ليجد كلمة تدل على هدى أو ترده عن ردى. قال: أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم على نفسه كالذي يحكم على غيره ويحكم لغيره كما يحكم لنفسه" كذا ذكره ابن تيمية في "التحفة العراقية في الأعمال القلبية"" فمحبة الله منوطة بذكره. والعلم منوط بالطلب والانفتاح على الناس والحكمة منوطة بالإنصاف.
ما من خلاف ينشأ بين المسلمين إلا مرده إلى خلل وتفاقم بين فئات المسلمين:

1. على مستوى العقل:
فكل من جانبه يدعي الصواب ولا يحاول الاطلاع على ما عند الآخرين، فيتعرض للتنكب عن الهدى والهوي في مواطن الردى سيما إن ادعى الهداية من دون الناس. كان العقل الفلسفي في تاريخ المسلمين القديم آفة حين تصدى للخوض في ذات الله وصفاته. والعقلانية المعاصرة، أعني تأله العقل، هي الخراب المطلق للدين إذ لا تعترف هذه (العقلانية) حتى بوجود الله. ومن هنا يخطئ كثير من المسلمين عندما يقبلون على نقد واقع الإلحاد المعاصر قبل أن يميزوا بين النظر الفلسفي المفضي للزندقة، وهو نظر فات ومات، وبين نظر العقلانية الذي لا يقبل حتى مجرد تلك المقولات القديمة ما دام لا يعترف بوجود الله. ومن المسلمين من لا يزال ينزل لساحة الطعان ضد الجهمية والمعتزلة والفلسفة وسائر المذاهب الغابرة، وتلك ذهنية يصعب عليها فهم الواقع إن لم تتصل بالناس وتقبل من عندهم عن علم حتى تتبين طريق الهدى ومسالك الردى كما في حديث ابن عباس.
والوهن الكبير الذي نراه مجسما في تخلف المسلمين وتفرقهم وتسلط أعدائهم عليهم يرجع إلى عجزهم عن استعمال العقل استعمالا صحيحا لفهم الواقع، والفهم عن الله في مراده من أوامر الكتاب والسنة، والفهم العلمي للتقنيات التي استجدها الإنسان.
2. على مستوى النقل
فكل فئة تزعم أنها وحدها تفهم وتطبق الكتاب والسنة. فمن الفئات من يدعو للاجتهاد في الفهم عن الله ورسوله دون أن يعترف بضرورة قراءة صحيحة لكتاب العالم، دون نظرة حكيمة لآيات الله في الكون. ومن الفئات من يفقد التوازن بين القراءتين ويقبل على الحركية إقبالا شديدا يفوته معها الاستماع لنداء الحق والتقيد في المبادئ والأسلوب والغايات بالكتاب والسنة. وإلى جانب هذه الفئات طوائف مقلدة لا تبصر أمامها إمكانا للخروج إلى فضاء الاجتهاد ولا تدرك أن متغيرات الزمان والمكان جعلت من عصرنا ومستقبلنا عالمين لن يبقى للإسلام فيها وجود مع التقلص الفكري على نصوص تراثية وعادات مبتدعة. الرجوع إلى الأصل وهو كتاب الله وسنة نبيه وفيهما الأحكام وإلى الفرع وهو الواقع وفيه مناط تلك الأحكام. ما من فئة إلا تدعي أنها على الكتاب والسنة، ولكن الذهنيات تختلف والنيات تختلف ومن ثم تختلف المواقف وتنفرج زوايا الاتجاه وتفسد العلائق ويستولي سوء الظن على الميدان. والنصفة كما وصفها حديث ابن عباس، بضاعة نادرة.
3 على مستوى الارادة
المسلمون السلفيون يريدون تطبيق السنن ومحاربة البدع، المسلمون الصوفيون –وقد آن أن نطرح الحساسيات ضد المصطلحات- يريدون وجه الله. الجماعات الإسلامية كلها تريد الحكم بما أنزل الله. لكن بعضها يريد التنظيم السري لمواجهة عنف الجاهليين بعنف مثله، وبعضها يوصي بالتسرب اللطيف المثابر. وبعضها يدعو للعمل الجهري في إطار الانتخابات.
العقل والنقل والإرادة هذه هي معادلة نتيجتها إن كان التعلم وقابليته والحكمة ونشدانها منسجمين لغاية سامية هي التحبب إلى الله عز وجل والدوام على ذكره كما جاء في حديث ابن عباس: الإيمان والقوة والوحدة. أما إن بقيت الذهنيات على انغلاقها والإنصاف بضاعة مفقودة، وغلبت الغفلة على الذكر وحُب الرئاسة على حُب الله، وسلطان الهوى على داعي الله في قلب كل مسلم فالمعادلة لا تنتج إلا خسارا وتدابرا ووهنا.
إن من يدعو للتآلف بين القلوب، والتكامل في الاجتهاد والاجتماع على الله لا يمكن أن يبقى مُقلدا ولا أن يجعل النصوص بينه وبين المعين الصافي… ويرحم الله حبر الأمة ابن عباس، جادله بعضهم بقولٍ نسبه للعُمرين رضي الله عنهم أجمعين فقال: ""يوشك أن ينزل الله عليكم ناراً من السماء فتحرقكم! أقول لكم قال الله وتقولون لي: قال أبو بكر وقال عمر !"."
لكن الذي يقول قال الله، وقال وفعل رسول الله لا بد له من اكتمال في الفكر والاطلاع في العلم وصفاء في النية قبل أن يستحق الإصغاء لما يقول كما يستحقه فقيه الأمة رضي الله عنه. أما إذا كانت أجهزة الفكرة كلها أو بعضها عاطلة، وكان النقل آليا ومستعجما على الناقل لجهل اللغة أو تجاهل لمقاصد الشريعة، وكانت الإرادة يمسك الهوى بزمامها وليس الشوق إلى الله، فما هي إلا أصوات في الفضاء.

مجلة الجماعة، العدد 4، شهور محرم وصفر 1400 هـ
تاريخ النشر: الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2014