مشاهدة النسخة كاملة : سدّ الذرائع والتخطيط الاستراتيجي



ابوعمارياسر
13-12-2014, 10:58
سدّ الذرائع والتخطيط الاستراتيجي
* الكاتب : بهجت الرشيد

سدّ الذريعة قائم على تقدير المصالح والمفاسد في شيء مباح ، فإذا غلبت المفسدة المصلحة ، مُنع ذلك المباح سداً للذريعة ..

اليوم .. سدّ الذريعة يعاني من مشاكل :

ـ أنها تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى .. أي أنه ينظر إلى المصالح والمفاسد نظرة آنية ، دون اعتبار المستقبل ، وما يُمكن أن يؤول إليه تلك المصلحة أو المفسدة ..
مثال : تحريم التلفزيون ..
فعندما حرّمت بعض الفتاوى التلفزيون باعتبار أن مفاسده أعلى ، أغلقت في وجهة الإعلام الإسلامي باب النشوء والتطور .. فمن سيجازف في دخول الحرام ، وصرف الأموال والجهود في الشبهات ؟
ولو أن تلك الفتاوى وقفت عند الحكم على ما يُعرض في التلفزيون من ( برامج ) إباحة وحظراً ، ثمّ شجعت على بناء إعلامٍ إسلامي ، لكان حال الإعلام غير هذا الحال !
فقد نحتمل مفسدة سنة أو اثنتين أو ثلاث ، لمصلحة الدهر ، ونتحمل بعض الأذى لترتاح الأجيال القادمة .. ولو نظر الخضر عليه السلام نظرة بعض المتسرعين إلى إعمال سدّ الذريعة ما خرق السفينة .. وإنما خرقها ـ والخرق فيه مفسدة آنية ـ ليحافظ عليها من مصادرة الملك وينعم أصحابها بها ، فتحقق لهم بذاك الخرق مصلحة مستمرة .. فتأمل !

ـ الرؤية الشخصية تطغى على سدّ الذريعة ، فالمجتهد يفتي اعتماداً على تقدير شخصي أو بنقل طلابه أو بعض الناس للمصلحة والمفسدة .. وقد تكون المعلومة المنقولة إليه خاطئة أو قاصرة ..
لذا لا بدّ للمجتهد أن يعتمد في بناء فتواه على المؤسسات المتخصصة ، ومراكز الأبحاث ، والحصول على الإحصاءات الدقيقة ..

ـ قد يكون سد الذريعة غطاءً لمشكلة أكبر ..
ففي السعودية تُمنع قيادة المرأة للسيارة سداً للذريعة ، ويقولون إن قيادتها للسيارة فيها عشرون مفسدة .. وهي مفاسد حقيقية ، لا متوهمة ولا خيالية ..
وأقول إن المشكلة إذن ليست في القيادة ، وإنما في المرأة التي تقوم بتلك المخالفات العشرين أو بعضها ، وحلّ هذا المشكل لا يكون بالمنع ، بل بإعادة النظرة في تربية هؤلاء النسوة وأخلاقهن وديانتهن ، فالمشكلة هنا وليست في جلوسها خلف مقود السيارة !
ولذا إذا سمحت الدولة بقيادة المرأة فسينفجر الوضع لا شك ، لأننا لم نحلّ المشكلة الحقيقية وإنما المظاهر والقشور فقط ..

أحياناً .. سدّ الذرائع يجب أن يُسد لنقف مع الحقيقية ، ولنخرج من أوهامنا أننا بمجرد إعماله قضينا على المشكلة .. ولكن الحقيقة أن المشكلة باقية جمرة تحت الرماد !