مشاهدة النسخة كاملة : فضل شهر الله المحرم ويوم عاشوراء



أشرف
19-10-2015, 14:30
في هذه الأيام ودّعنا عاماً ماضياً شهيداً، واستقبلنا عاماً مقبلاً جديداً. حبذا أن يقدم الإنسان لنفسه توبة ناصحة ورجعة صادقة يغسل بها ما مضى ويستقبل بها ما أتى. قال الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [1].
اللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار، ووفقنا للتزود من الخير والاستكثار، اللهم أيقظ قلوبنا من رقدات الآمال، وذكِّرنا قربَ الرحيل ودنوَّ الآجال، وثبت قلوبنا على الإيمان، ووفقنا لصالح الأعمال.
خصوصية شهر محرم
مما اختصه الله – عز وجل – واصطفاه من الشهور؛ شهر الله المحرم، فإنه شهر عظيم مبارك، وهو أول شهور السنة الهجرية، وأحد الأشهر الحُرُم التي ذكر الله في كتابه، فقال تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [2]. (أي) في كلِّهن. ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حُرُمًا، وعظّم حُرُماتهن، وجعل الذنبَ فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم – ذكره أبو جعفر الطبري رحمه الله في جامعه. قال قتادة رحمه الله: “إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يُعَظِّمُ من أمره ما يشاء… فعظموا ما عظم الله” [3].
وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “… السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية، ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجبُ مُضَرَ الذي بين جمادى وشعبان” [4]. وسمي المحرم بذلك لكونه شهراً محرماً، وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه.
روى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن رحمهم الله قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد رمضان أعظم عند الله من المحرم. وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: الحكمة في جعل محرم أول السنة؛ أن يحصل الابتداء بشهر حرام وتتوسط السنة بشهر حرام وهو رجب وإنما توالى شهران في الآخر لإرادة تفضيل الختام والأعمال بالخواتيم.
أفضلية صيام محرم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ. وَأَفْضَلُ الصَلاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ”” [5]. قال النووي: “فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم” [6]، قال ابن حجر رحمه الله: “قال أئمتنا: أفضل الأشهر لصوم التطوّع المحرم، ثم بقية الحرم رجب، وذي الحجة، وذي القعدة” ، كما أن صيامه يلي فضل شهر رمضان في الأفضلية، وفضل الصيام فيه جاء من فضل أوقاته وتعظيم الأجر فيه، لأن الصِّيام سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي “كلّ عمل ابن آدم لهُ إلاَّ الصَّوم فإنَّهُ لي وأنا أجزي به، يدَعُ شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابهُ من أجلي” [7]. وقد أضاف الله تعالى هذا الشهر إليه تشريفاً وتعظيماً، لأنه تبارك وتعالى لا يضيف من الأشياء إليه إلا خواصُها كبيت الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.
شهرُ الحَرَامِ مُبَاركٌ مَيمُونًُ
والصَّومُ فِيهِ مضَاعَفٌ مَسنُون
وَثُوابُ صَائِمِهِ لِوَجْهِ إِلَهِه
فِي الخُلْدِ عِنْدَ مَلِيكِه مخزون
فضل يوم عاشوراء
في صحيح مسلم رحمه الله “عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: وَسُئِلَ -أي رسول الله- عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ)” . وفي لفظ: “وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَىَ اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ” .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ” [8].”وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: ” “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا” ).
ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله-: “فمراتب صومه ثلاثة: أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم. ويلي ذلك يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم” [9].
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عليه…” [10].
ويستحب الصدقة فيه لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: “من صام عاشوراء فكأنما صام السنة، ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة” [11].
كما يستحب فيه التوسعة على العيال لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته” [12]. قال سيد سابق رحمه الله معلقا على هذا الحديث: “وللحديث طرق أخرى كلها ضعيفة. ولكن إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض ازدادت قوة كما قال السخاوي” [13]. وقال ابن عيينة: “جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيراً” [14].
وفي الختام فإنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: “افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإنَّ لله نفَحَات من رحمتهِ، يصيب بها من يشاء من عبادهِ، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن رَوْعَاتكم” [15].

الفهرسالفهرس [1] طه/82.
[2] التوبة/36.
[3] تفسير بن كثير رحمه الله.
[4] متفق عليه.
[5] صحيح مسلم رحمه الله.
[6] شرح مسلم 7/296.
[7] رواه الشيخان رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] صحيح مسلم رحمه الله.
[9] زاد المعاد 2/ 76.
[10] الحديث أخرجه مسلم رحمه الله.
[11] أخرجه أبو موسى المديني- لطائف المعارف- صفحة: 112-.
[12] رواه البيهقي في الشعب.
[13] فقه السنة في باب صيام التطوع.
[14] لطائف المعارف، صفحة: 113.
[15] أخرجهُ الطبراني في الكبير.


http://www.alrafi3.com/%d9%81%d8%b6%d9%84-%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%b1%d9%85-%d9%88%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%b9%d8%a7%d8%b4%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-2/