مشاهدة النسخة كاملة : رسالة من الغزالي إلى سلطان العالم في عصره.



توفيق
16-11-2006, 12:17
رسالة من الغزالي إلى سلطان العالم في عصره.

وأصول العدل العشرة ... عند الغزالي



يعد كتاب "التبر المسبوك في نصيحة الملوك " الكتاب السياسي الذي ضمّنه الغزالي بعض نصائحه والموجهة إلى السلطان محمد بن ملك شاه السلجوقي.

وهذا السلطان كان هو الذي يحكم ويوجه الدولة العباسية ولم يكن للخليفة العباسي أية سلطة اذ كانت كانت جميعها بأيدي الحكام السلاجقة. وإدراكاً من الغزالي لخطورة الدور الذي يلعبه هذا السلطان في الدولة الإسلامية فقد رأى من واجبه أن يتوجه إليه بالنصح والإرشاد ويدلّه على أفضل الطرق التي تضمن له النجاح في ذلك.

والغزالي عندما يكتب هذا الكتاب لا يرى أنّه يتجاوز حدوده، فهو يرى أن لرجل الدّين مهمتين: الأولى أن يرشد الناس إلى طريق الآخرة بمعنى أن يوجّههم في دنياهم لما فيه الصلاح لكسب رضى الله عنهم في الآخرة، وتوجيه النصح والإرشاد لحكّام المسلمين.

وهكذا جاء هذا الكتاب من باب الإحساس بالواجب تجاه المسلمين عامّة. والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو: لماذا لم يوجّه الغزالي هذا الكتاب للخليفة العباسي الذي يفترض أن يكون هو الأولى بالنصح والإرشاد ؟ وللإجابة على ذلك يمكن القول أن الغزالي كان يعلم أن الخليفة لم يكن يملك من السلطة شيئاً .

وأن صاحب الأمر والنهي هو الملك السلجوقي، علماً أن الخليفة الذي عاش الغزالي في كنفه كان شابّاً صغيراً لم يتجاوز العشرين من عمره. كتب الغزالي "التبر المسبوك " باللغة الفارسية، وهو الكتاب الوحيد له بهذه اللغة وهذا مايؤكد أنّه موجّه بشكل مباشر للملك السلجوقي .

يبدأ الغزالي حديثه للملك بقوله له أنّه ( سلطان العالم ، ملك الشرق والغرب )، ويستدرك الغزالي بقوله أن الدنيا فانية ومهما عمّر الإنسان فإن الموت بانتظاره، وهو يذكّر الملك هنا أن ما هو فيه من سلطة وقوة لابدّ أن يزول بالموت. ويدعوه إلى ضرورة الإيمان بالله. ولكن القضية الأساسية التي يرى الغزالي ضرورة توافرها في الملك هي صفة العدل والتي يراها من فروع الإيمان ولا يمكن لحاكم أن يستمر في الحكم إذا لم تتوفر فيه ، ويرى أنّه يجب أن تتوفّر فيه عشر صفات والتي يسميها أصول العدل كي يكون حاكماً عادلاً، وهذه الصفات هي: 1 - أن يعرف الملك قدر الولاية وتعلم خطرها، فهي نعمة من نعم الله، ومن قام بحقّها نال السعادة، ومن قصّربحقّهاحصل في شقاوة لاشقاوة بعدها إلاّ الكفر بالله.

2 - أن يشتاق أبداً إلى رؤية العلماء ويحرص على استماع نصحهم، وأن يحذر من علماء السوءالذين يحرصون على الدنيا من خلال خداعهم للملك ليحصلوا منه على مايريدون من حطام الدنيا.

3- لا يكفي الملك أن يتوقف هو عن ظلم الناس بل عليه أن يطلب من موظفيه ونوّابه عدم ظلمهم .

4- أن لا يتكبّر على الناس، وأن لا يكون سريع الغضب وإذا كان كذلك فإنّه سيحصد كرههم له بل ربما يسعون للإنتقام منه .

5- أن يضع نفسه عندما يحكم على إنسان ما أو عندما يتعامل مع قضيّة أن يضع نفسه مكان المحكوم عليه ويسأل نفسه هل لو كنت أنا مكان الآخر أرضى بما يرضاه الآخرون ؟.

6 - أن يسارع إلى قضاء حاجات الناس ولايعاملهم باحتقار، فإن قضاء حاجات الناس أفضل من قضاء الوقت في نوافل العبادات .

7- أن يكون قنوعاً ولا يشغل نفسه بشهوات الدنيا.

8 - أذا كان يمكنه أن يحلّ أموره وما يواجهه من مشاكل باللّين كان أفضل له من الشدّة .

9 - أن يجتهد بكسب ولاء الرعية له بأن يعمل مايتوافق مع الشرع .

10 - أن لايطلب رضا أحد من الناس من خلال القيام بما يخالف الشرع . والسلطان العادل هو من عدل بين العباد وحذر من الجور والفساد، والسلطان الظالم شؤم لا يبقى ملكه ولا يدوم.

ويطلب الغزالي مقابل ذلك من الناس أن يحبّوا سلطانهم والإلتزام بطاعته ولا يجوز لهم معصيته ومنازعته، ومن الواضح عند الغزالي أن شرط طاعة الناس للسلطان هو تحقيق العدل من قبله تجاه جميع الناس. ويربط الغزالي عمارة البلاد وإقبال الناس على الإنتاج بتوفر العدل الذي سيحقّق للناس الأمن والذي لا يمكن بناء المجتمع بفقدانه.

أما إذا كان السلطان جائراً خربت الدنيا. لذلك يقول الغزالي أنه من واجب السلطان أن يعدل وينظر غاية النظر فيما يأمر به من السياسة لينفذ ذلك في أصحابه مثل وزيره وحاجبه وعامله لأنّ كثيراً من سياسة السلطان وعدله ونظره وحسن تأمّله يغطّى عليه بالبراطيل ويغرب وقته وذلك من تغافل الملك وتهاونه فينبغي أن يجتهد غاية الإجتهاد في تدارك ذلك، إذ لا يجوز للسلطان أن يكون غافلاً لتكون الهيبة من ناموس المملكة باقية ويستريح من الهموم الحادثة عن الغفلة.

وحثّ الغزالي السلطان بأن يشعر مع شعبه إذا وقع بضائقة مالية نتيجة قحط أو أيّة حاجة أن يبادر السلطان إلى تقديم يد العون والمساعدة من خزائنه بالمال، ولا يمكّن أحداً من أتباعه استغلال الناس في مثل هذه الظروف وإذا قصّر السلطان في ذلك فإنّه قد يفقد ملكه بتحوّل الناس عن طاعته إلى ملك آخر.

وتنتقل النصيحة إلى الطلب من السلطان بأن يكون حريصاّ باختيار وزرائه، ويقول أن السلطان يرتفع قدره بالوزير إذا كان صالحاً كافياً عادلاً، لأنّه لا يمكن لأحد من الملوك أن يصرّف زمانه ويدبّر سلطانه بغير وزير، ومن انفرد برأيه زلّ من غير شكّ.

هذا عرض سريع لأهم ماورد من أفكار سياسية جاء بها الغزالي ( 450 – 505 هـ)، ننفض عنها غبار الزمن ونسعى لإعادة احيائها لأنها تبدو أشدّ بياضا ونصاعة مما نقرأه من كتب الحداثة والتحديث.

منقول

الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله