مشاهدة النسخة كاملة : من المغرب .. واقعنا اللغوي



نسيم
18-11-2006, 23:14
من المغرب .. واقعنا اللغوي


اتصل بي أحد الأصدقاء المشارقة يطلب المشورة من مشكلة "حقيقية". الرجل يرغب
في زيارة المغرب، وأعد العدة لذلك. لكن عائقا قويا يقف في وجه إتمام المشروع.
إنه ببساطة لا يعرف اللغة الفرنسية، ولأن المغاربة "لايعرفون إلا الفرنسية" فإنه لا
يدري كيفية التواصل مع الناس هناك.كان علي أن أتوقف للحظات لأتأكد أن سمعي لم
يخني وأن الرجل يعني ما يقول. وفعلا لم يكن صديقنا مازحا، بل إنه كان مؤمنا كل
الإيمان بأنه واقع في مشكلة حقيقية، وأن لا حل لها إلا بالبحث عن دليل مغربي يوفر
له خدمة الترجمة الفورية.


قناعة صاحبنا لم تولد من فراغ. إنها تعكس حالة الانفصال والفصام التي حلت بين مشرق هذه الأمة
ومغربها. حالة وصلت في الغالب الأعم إلى الجهل المتبادل بمقومات وخصائص الآخر. وطبعا عندما
يحل الجهل فإنه ليس سوى مقدمة لما يليه، وما يليه ليس إلا الخوف والازدراء والاحتقار وكثير من
المشاعر المرضية الأخرى.





إحدى القنوات العربية قدمت مرة حلقة صغيرة عن المغرب ضمن نافذة على بلدان العلم العربي. طبعا



كان لابد من الحديث عن فاس ومعمارها ومراكش وساحتها والدار البيضاء ومسجدها. وبعدها انتقلت
القناة إلى الحديث عن عوائد المغاربة وتقاليدهم ولهجاتهم. الغريب أن التقرير قال إن 80 بالمائة من
المغاربة يتحدثون الفرنسية. معلومة خاطئة تماما.





قضية اللغة هذه ليست سوى إحدى الصور النمطية المنتشرة حول هذا الجزء من البلاد العربية، التي
وجدت نفسها على بعد أربعة عشر كيلومتر من أوربا، ولم تستطع حسم خيارها بين أوربا التي تظهر
أنوارها ليلا من ميناء طنجة، وبين العالم العربي الذي يشكل العمق الأصيل للبلد.لكن الازمة كانت
أعمق من ذلك بكثير. فانعكاسا لإشكالات الهوية التي يطرحها هذا التمزق بين الغرب والشرق. يبرز
الإشكال اللغوي. للتوضيح:أكثر من نصف المغاربة، ولله الحمد الذي لا يحمد على مكروه سواه، هم
أميون،بفعل سياسات البلد طيلة خمسين عاما من الاستقلال، وبالتالي فهم لا يفقهون لا عربية فصحى
ولا فرنسية ، بل يتكلمون الدارجة المغربية العربية أو الامازيغية بلهجاتها الثلاث، او الحسانية في
المناطق الصحراوية.


أما النصف الثاني فأكثر من نصفه ولد بعد الاستقلال ودرس في مدارس حكومية لا تعلم فرنسية سليمة
ولا عربية سلسة ، إلا من رحم الله. وبالتالي فهؤلاء وإن استطاعوا القراءة بالفرنسية فهم لا
يتقنونها، ولايتحدثون بها. فاللغة المستعملة في الشارع المغربي أساسا هي دارجة عربية متأثرة طبعا
ببعض المصطلحات الفرنسية التي ترد من حين لآخر في معرض الكلام. وبالتالي من أراد أن يزور
المغرب فلا خوف عليه ولا هو يحزن من هذا الجانب، خاصة وأن المغاربة، يتقنون معظم لهجات
المشرق وخاصة الشامية والمصرية وحتى الخليجية، بقوة الإعلام، وهم لا يجدون حرجا في مخاطبة أهل هذه اللغة بلغتهم.





لكن هل يعني هذا أن تهمة البلد العربي ذي اللسان الفرنسي، ولدت من فراغ؟ قطعا لا.


فالبلد يعيش ازدواجية لغوية رهيبة، العامة في واد ونخبته وحكامه واد آخر، وهذا ليس على مستوى
اللغة فقط.وكان من نتائج ذلك أن الذين يتعاملون بالفرنسية في حياتهم اليومية، هم نخبة مترفة
درست في مدارس البعثات الفرنسية، وتعيش في أحياء راقية معزولة عن الاحياء المكتظة التي يعيش
فيها الشعب، لها طقوسها الخاصة، ومنطقها المختلف في الحياة. وهؤلاء معظمهم يسكن المغرب
وقلبه معلق بباريس وبروكسيل وغيرها من العواصم الغربية.


ويعلق بعضهم على هذه الطائفة "المنصورة" بمنطق الهيمنة على مختلف المؤسسات الحيوية في
البلاد، بكونهم يسكنون المغرب ولا يسكنهم.هؤلاء يشكلون قلة حقيقية، لكنها مهيمنة على مفاتيح
الاقتصاد والسياسة.كل الإدارات، كل الأبناك، كل المؤسسات العمومية، كل المحلات الراقية، كل
المطاعم الفاخرة، تستعمل الفرنسية إلا للضرورة القصوى.


وطبعا إذا دخلت إدارة عمومية وأردت أن لا
ينظر إليك شزرا فعليك أن تقول: "بونجور"، عوض صباح الخير أو السلام عليكم. وإذا حدث أن
اصطدمت بأحدهم في الطريق، فالأولى أن تقول "ديزولي" عوض آسف. ستتسلق بذلك درجة في سلم
الاحترام الاجتماعي. وكل وثائق هذه المؤسسات، بما فيها شركات الكهرباء والماء التي تتعامل مع
بسطاء النلس، مكتوبة بالفرنسية.


أن يكون الشخص ضمن لائحة التسعين بالمائة التي لا تفقه الفرنسية إلا قليلا، هذا لا يهم الشركة في
شيء، يمكنه البحث عن مترجم، ليخبره بفاتورة استهلاك الماء.الانفصام اللغوي يمس الدراسة أيضا،
فإلى حدود الباكلوريا، يدرس التلاميذ بالعربية. بمجرد ولوج الجامعة، وخاصة بالنسبة للتخصصات
العلمية والطب والاقتصاد، تنقلب الدروس إلى اللغة الفرنسية


.


تحول فجائي قضى على مستقبل عدد كبير من التلاميذ.والغريب أن الحركة الوطنية التي ناضلت من أجل
استقلال المغرب، وضعت ضمن أجندتها التعريب.


مرت خمسين سنة ولم يتحقق شيء من ذلك. يعلق بعضهم: أن بعض زعماء الحركة الوطنية أنفسهم
كانوا يرسلون أبناءهم إلى المدارس الفرنسية للحصول على أرقى الشواهد، ويدعون بقية الشعب إلى
الالتحاق بمدارس عربية. النتيجة: نخبة مفرنسة تحكم البلد ضدا على الأغلبية الساحقة من الشعب.
هذا هو واقعنا اللغوي، لكن من أراد أن يزور المغرب، فالناس البسطاء لا يعرفون لغة دخيلة عليهم.
لقد فرضت عليهم فرضا، وهم يشكون من فرضها عليهم إلى الله.


محمد البقالي ـ الجزيرة نت ـ الرباط

عبد اللطيف بوكرن
18-11-2006, 23:44
بارك الله فيك أخي الكريم