مشاهدة النسخة كاملة : الامام حسن البنا رجل أحيا أمة



نسيم
28-11-2006, 13:41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته





هذه السطور ليست من نسج الخيال، ولكنها واقعة حقيقية حدثت منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، وربما تتكرر، ومن يدري.

المكان: القاهرة - منطقة الحلمية.

الزمان: بعد منتصف الليل يوم 12 فبراير من عام 1949.




الوقائع: تتقدم قافلة من عربات الشرطة في سكون الليل، تصل إلى أحد شوارع الحلمية بمدينة القاهرة، تتوقف السيارات، يندفع الجند بأسلحتهم لحصار الشارع كله، وتُشدد الحراسة، حول بيت متواضع في منتصف الشارع، تتقدم إحدى سيارات الشرطة إلى هذا البيت، صف من الجنود ينقُلون جسد ميتٍ من السيارة إلى البيت في سرعة، يطرقون بابًا في أعلاه، يفتح الباب شيخ جاوز التسعين من عمره، يدخل عدد من الضباط إلى البيت قبل دخول الجثمان للتأكد من عدم وجود آخرين به، التعليمات صارمة للشيخ، لا صوت، لا عزاء، ولا حتى أحد من المتخصصين في إعداد الموتى، فقط أنت وأهل البيت، في تمام التاسعة صباحًا يتم دفن الميت.


كان الشيخ هو والد المتوفّى، ورغم الفجيعة، ورغم شيخوخته، قام بإعداد ابنه للدفن، ويمسح الشيخ دماء ابنه من أثر الرصاصات التي سكنت جسده.

ويأتي الصباح، ويأتي الضباط في موعدهم، هلمّ بابنك لتدفنه، فيصرخ الأب ذو التسعين عامًا، كيف لي بحمله؟ فليحمله الجنود! فيرفض الضباط، ويكون الرد فليحمله أهل البيت، وكان المُتوفّى له بنات وصبي صغير.


ويتقدم الجثمان في الطريق تحمله زوجته وبناته، وخلفه فقط والده، ومن تجرأ على السير في الجنازة كان المعتقل مآله، وتصل الجنازة إلى المسجد للصلاة على الفقيد، فإذا به خاليًا حتى من خدمه، فيصلي الوالد ومن خلفه أهل البيت من النساء، ويقومون بإنزاله إلى قبره، ويعود الجميع إلى البيت في حراسة مشددة، هذه هي جنازة الإمام الشهيد "حسن البَنَّا"، ويتم إلقاء القبض على كثير من الجيران، لا لشيء إلا لمجرد كلمة عزاء قالوها لهذه الأسرة، ويستمر الحصار ليس على البيت خشية ثورة من يأتي للعزاء، ولكن أيضًا يستمر الحصار حول القبر، خشية أن يأتي من يُخرج الجثة ويفضح الجريمة، بل وانتشرت قوات الشرطة في المساجد؛ لتأمر بغلقها عقب كل صلاة، خشية أن يتجرأ أحد بالصلاة على الفقيد.



وعلى الجانب الآخر كان ملك البلاد قد أجّل الاحتفال بعيد ميلاده من 11 فبراير إلى 12 فبراير؛ ليحتفل مع من يحتفل بموت هذا الرجل، ويروي أحد المفكرين أنه شاهد احتفالات في أحد الفنادق في الولايات المتحدة الأمريكية، وعندما تقصّى سبب هذا الاحتفال، عرف أنه ابتهاجٌ بموت هذا الرجل. وإن كان الحق ما يشهد به الأعداء فإن مراكز الأبحاث في فرنسا وأمريكا اشتركت في وضع قائمة بأهم مائة شخصية أثّرت في العالم في القرن العشرين، فكان من العالم العربي : الإمام الشهيد "حسن البنا"


المولد و النشأة


هو حسن أحمد عبد الرحمن البنا، ولد في المحمودية، من أعمال محافظة البحيرة بدلتا النيل، وذلك يوم الأحد 25 شعبان سنة 1324هـ الموافق 14 أكتوبر سنة 1906م، وهو ينتسب إلى أسرة ريفية متوسطة الحال من صميم الشعب المصري، كانت تعمل بالزراعة في إحدى قرى الدلتا هي قرية "شمشيرة" [قرب مدينة رشيد الساحلية. ومطلة على النيل في مواجهة بلدة إدفينا، تابعة لمركز فوة بمحافظة البحيرة].



كان جده عبد الرحمن فلاحاً ابن فلاح من صغار الملاّك، وقد نشأ الشيخ أحمد - أصغر أبنائه ووالد حسن البَنّا - نشأةً أبعدته عن العمل بالزراعة؛ تحقيقًا لرغبة والدته، فالتحق بكتاب القرية حيث حفظ القرآن الكريم وتعلّم أحكام التجويد، ثم درس بعد ذلك علوم الشريعة في جامع إبراهيم باشا بالإسكندرية، والتحق أثناء دراسته بأكبر محل لإصلاح الساعات في الإسكندرية حيث أتقن الصنعة، وأصبحت بعد ذلك حرفة له وتجارة، ومن هنا جاءت شهرته بـ "الساعاتي".



وقد أهّل الشيخ نفسه ليكون من علماء الحديث، فبَرَع فيه، وله أعمال كثيرة خدم بها السنة النبوية أشهرها كتابه "الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني"، وفي كنفه نشأ "حسن البَنّا" فتطبع بالكثير من طباعه، وتعلم على يديه حرفة "إصلاح الساعات" وتجليد الكتب أيضًا.



بداية الرحلة


بدأ "حسن البَنّا" تعليمه في مكتب تحفيظ القرآن بالمحمودية، وتنقل بين أكثر من كُتّاب حتى أن أباه أرسله إلى كتّاب في بلدة مجاورة للمحمودية. وكانت المدة التي قضاها في الكتاتيب وجيزة لم يتم حفظ القرآن خلالها؛ إذ كان دائم التبرم من نظام "الكُتّاب"، ولم يُطِق أن يستمر فيه، فالتحق بالمدرسة الإعدادية رغم معارضة والده الذي كان يحرص على أن يحفّظه القرآن، ولم يوافق على التحاقه بالمدرسة إلا بعد أن تعهّد له "حَسَن" بأن يتم حفظ القرآن في منزله.


وبعد إتمامه المرحلة الإعدادية التحق بمدرسة "المعلمين الأولية" بدمنهور، وفي سنة 1923 التحق بكلية "دار العلوم" بالقاهرة، وفي سنة 1927 تخرج فيها، وقد قُدّر له أن يلتحق بها وهي في أكثر أطوارها تقلبًا وتغيرًا، خاصة في مناهجها الدراسية التي أضيفت إليها آنذاك، دروس في علم الحياة، ونظم الحكومات، والاقتصاد السياسي، فكان نصيبه أن يتلقى تلك الدروس إلى جانب الدروس الأخرى في اللغة والأدب والشريعة وفي الجغرافيا والتاريخ.



وكان لديه مكتبة ضخمة تحتوي على عدة آلاف من الكتب في المجالات المذكورة، إضافة إلى أعداد أربع عشرة مجلة من المجلات الدورية، التي كانت تصدر في مصر مثل مجلة المقتطف، ومجلة الفتح، ومجلة المنار وغيرها، ولا تزال مكتبته إلى الآن في حوزة ولده الأستاذ "سيف الإسلام".

أمضى البَنّا تسعة عشر عامًا مدرسًا بالمدارس الابتدائية؛ في الإسماعيلية، ثم في القاهرة، وعندما استقال من وظيفته كمدرس في سنة 1946 كان قد نال الدرجة الخامسة في الكادر الوظيفي الحكومي، وبعد استقالته عمل لمدة قصيرة في جريدة "الإخوان المسلمون" اليومية، ثم أصدر مجلة "الشهاب" الشهرية ابتداءً من سنة 1947؛ لتكون مصدراً مستقلاً لرزقه، ولكنها أغلقت بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948.

مؤثرات و تأثيرات


تأثر الشيخ حسن البَنّا بعدد كبير من الشيوخ والأساتذة، منهم والده الشيخ أحمد والشيخ محمد زهران – صاحب مجلة الإسعاد وصاحب مدرسة الرشاد التي التحق بها حسن البَنّا لفترة وجيزة بالمحمودية – ومنهم أيضاً الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير القرآن"الجواهر"، ورأس تحرير أول جريدة أصدرها الإخوان المسلمون سنة 1933، عَمِلَ حسن البَنّا بعد تخرجه في دار العلوم سنة 1927 مدرسًا بإحدى المدارس الابتدائية بمدينة الإسماعيلية، وفي السنة التالية 1928 أسس جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه قبل أن يؤسسها كان قد انخرط في عدد من الجمعيات والجماعات الدينية مثل "جمعية الأخلاق الأدبية"، و"جمعية منع المحرمات" في المحمودية، و"الطريقة الحصافية" الصوفية في دمنهور، وشارك أيضاً في تأسيس جمعية الشبان المسلمين سنة 1927، وكان أحد أعضائها. أما جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها فقد نمت وتطورت وانتشرت في مختلف فئات المجتمع، حتى أصبحت في أواخر الأربعينيات أقوى قوة اجتماعية سياسية منظمة في مصر، كما أصبح لها فروع في كثير من البلدان العربية والإسلامية.



وكان البَنّا يؤكد دومًا على أن جماعته ليست حزبًا سياسيًّا، بل هي فكرة تجمع كل المعاني الإصلاحية، وتسعى إلى العودة للإسلام الصحيح الصافي، واتخاذه منهجًا شاملاً للحياة.

ويقوم منهجه الإصلاحي على "التربية"، و"التدرج" في إحداث التغيير المنشود، ويتلخص هذا المنهج في تكوين "الفرد المسلم" و"الأسرة المسلمة"، ثم "المجتمع المسلم"، ثم "الحكومة المسلمة"، فالدولة، فالخلافة الإسلامية، وأخيرًا يكون الوصول إلى "أستاذية العالم".



قاد البَنّا جماعة الإخوان المسلمين على مدى عقدين من الزمان [1928-1949]، وخاض بها العديد من المعارك السياسية مع الأحزاب الأخرى، وخاصة حزب الوفد والحزب السعدي، ولكنه وجّه أغلب نشاط الجماعة إلى ميدان القضية الوطنية المصرية التي احتدمت بعد الحرب العالمية الثانية، ونادى في ذلك الحين بخروج مصر من الكتلة الإسترلينية للضغط على بريطانيا حتى تستجيب للمطالب الوطنية. وفي هذا السياق قام الإخوان بعقد المؤتمرات، وتسيير المظاهرات للمطالبة بحقوق البلاد، كما قاموا بسلسلة من الاغتيالات السياسية للضباط الإنجليز، ولجنود الاحتلال، وخاصة في منطقة قناة السويس.



وقد أولى البَنّا اهتمامًا خاصًّا بقضية فلسطين، واعتبرها "قضية العالم الإسلامي بأسره"، وكان يؤكد دومًا على أن "الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة واحدة، هي لغة الثورة والقوة والدم"، وأدرك حقيقة التحالف الغربي الصهيوني ضد الأمة الإسلامية، ودعا إلى رفض قرار تقسيم فلسطين الذي صدر عن الأمم المتحدة سنة 1947، ووجه نداءً إلى المسلمين كافة - وإلى الإخوان خاصة - لأداء فريضة الجهاد على أرض فلسطين حتى يمكن الاحتفاظ بها عربية مسلمة، وقال: "إن الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها". واتخذت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين قرارًا في 6 مايو سنة 1948 ينص على إعلان الجهاد المقدس ضد اليهودية المعتدية، وأرسل البَنّا كتائب المجاهدين من الإخوان إلى فلسطين في حرب سنة 1948. وكان ذلك من أسباب إقدام الحكومة المصرية آنذاك على حل جماعة الإخوان في ديسمبر سنة 1948؛ الأمر الذي أدى إلى وقوع الصدام بين الإخوان وحكومة النقراشي.



كان للبَنّا آراء سديدة ونظرات ثاقبة في قضية النهضة التي تشغل المسلمين منذ قرنين من الزمان وما زالوا ينشدونها. فقد ربطها بقضية التحرر من الاستعمار والتبعية لأوربا من ناحية، وبالتقدم العلمي الذي يجب أن يحققه المسلمون من ناحية أخرى، وفي ذلك يقول: "لن تنصلح لنا حال، ولن تنفذ لنا خطة إصلاح في الداخل ما لم نتحرر من قيد التدخل الأجنبي"، ويقول: "لا نهضة للأمة بغير العلم وما ساد الكفار إلا بالعلم"، وكان يرى أن تبعية المسلمين لأوروبا في عاداتها وتقاليدها تحول بينهم وبين استقلالهم ونهضتهم، يقول: "أليس من التناقض العجيب أن نرفع عقائرنا (أصواتنا) بالمطالبة بالخلاص من أوروبا، ونحتج أشد الاحتجاج على أعمالها، ثم نحن من ناحية أخرى نقدس تقاليدها، ونتعود عاداتها، ونفضل بضائعها؟!



ويرى كذلك أن قضية المرأة من أهم القضايا الاجتماعية؛ ولذلك فقد اهتم بها منذ بداية تأسيسه لجماعة الإخوان، فأنشأ لها قسمًا خاصًّا باسم "الأخوات المسلمات". وأكد كثيرًا على أن الإسلام أعطى للمرأة كافة الحقوق الشخصية والمدنية والسياسية، وفي الوقت نفسه وضع لها ضوابط تجب مراعاتها عند ممارسة تلك الحقوق.



ولم يَدْعُ البَنّا قط إلى إقامة نظام حكم ديني ثيوقراطي بالمعنى الذي عرفته أوروبا في عصورها الوسطى، بل دعا إلى إقامة حكم إسلامي على أساس الشورى والحرية والعدل والمساواة. وقبل قبولاً صريحًا بصيغة الحكم الدستوري النيابي، واعتبره أقرب نظم الحكم القائمة في العالم كله إلى الإسلام، ورأى أن تلك الصيغة إذا طبقت كما ينبغي فإنها تضمن تحقيق المبادئ الثلاثة التي يقوم عليها الحكم الإسلامي، وهي "مسئولية الحاكم"، و"وحدة الأمة"، و"احترام إرادتها".


مؤلفاتة


ولا تُعرف لحسن البَنّا كتب أو مؤلفات خاصة سوى عدد من الرسائل مجموعة ومطبوعة عدة طبعات بعنوان "رسائل الإمام الشهيد حسن البنا"، وهي تعتبر مرجعًا أساسيًّا للتعرف على فكر ومنهج جماعة الإخوان بصفة عامة. وله مذكرات مطبوعة عدة طبعات أيضًا بعنوان "مذكرات الدعوة والداعية"، ولكنها لا تغطّي كل مراحل حياته وتتوقف عند سنة 1942، وله خلاف ذلك عدد كبير من المقالات والبحوث القصيرة، وجميعها منشورة في صحف ومجالات الإخوان المسلمين التي كانت تصدر في الثلاثينيات والأربعينيات، بالإضافة إلى مجلة الفتح الإسلامية التي نشر بها أول مقالة له بعنوان "الدعوة إلى الله".




المراجع:


- إبراهيم البيومي غانم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا (القاهرة : دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط – 1992).

- أنور الجندي: حسن البنا الداعية الإمام والمجدد الشهيد (بيروت: 1978).

- روبير جاكسون: حسن البنا الرجل القرآني: ترجمة أنور الجندي (القاهرة: دار الدعوة - ب ت)

- محمد عبد الجواد: تقويم دار العلوم (القاهرة: ب ت)

- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون، رؤية من الداخل (الإسكندرية: دار الدعوة - ب ت)

- محمد فتحي شعير: وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين (جدة: 1985)

- مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الإسكندرية: 1988)
_________________

منقول

faissal
28-11-2006, 14:45
بارك الله فيك أخي الكريم , جزاك الله كل خير

عشت عظيما ومت عظيما يا إمام المجاهدين رضي الله عنك وأرضاك بإذنه تعالى

نسيم
29-11-2006, 16:32
شهادة الشيخ عبد السلام ياسين:

وهناك شهادة أخرى أتتنا من المغرب العربي، من المربى الكبير الشيخ عبد السلام يس مؤسس (جماعة العدل والإحسان) بالمغرب، وصاحب الكتب التربوية والدعوية والحركية المعروفة لكل من يهتم بأمر الإسلام، قال حفظه الله:

لا معنى للتجديد ولا مكان له، ولو برز بين المسلمين زعماء عظام، ما لم يتجدد في الأمة الإيمان بصحبة المجددين وكذلك كان حال الأستاذ البنا رحمه الله. كان مغناطيسا ومركز إشعاع. وبحاله نهض الإخوان المسلمون، وعلى مقاله لا يزال يعيش كثير من حملة الأقلام، وقراء الأدبيات الإسلامية رحمه الله رحمة واسعة.

كان فكر البنا مغناطيسا ملائما لزمانه، كما كانت روحانيته، وهو حي يرزق، آية من آيات الله. وكان حريصا على أن يخرج بجماعته من سلبيات الطريقة الحصافية التبركية التي تربى طفلا ويافعا بين أحضانها. لكنه احتفظ بالبيعة الصوفية وطورها لتتسع للجهاد الذي ضاقت عنه الصيغة الموروثة عن المشايخ للبيعة. كانت بيعته لأصحابه بيعة مزدوجة، بين السيف والمصحف. بيعة تأخذ من التقليد الصوفي جانبا ومن التنظيم العصري جانبا.

مهد الأستاذ البنا رحمه الله لشروط بيعته في (رسالة التعاليم) بشرح المفاهيم الأساسية لفكره وعمله. فبين ما يقصده بكلمة (فهم)، وهو فهم أصوله العشرين في العقيدة والشريعة والفقه، وتمييز ما بين البدعة والسنة. وبين ما يعنيه بكلمة (إخلاص) وكلمة (عمل) وكلمة (جهاد)، وكلمة (تضحية)، وكلمة (تجرد) وكلمة (أخوة). وختم شرح مفاهيمه بمفهوم (الثقة) وقال: "للقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة ".

كان أفقه رحمه الله فسيحا جامعا لأطراف ما توزع من معان ومطالب. وكان شخصه الكريم فسيحا جامعا. فصحت قيادته وأثمرت أفضل الثمار. وبقيت البيعة بعده تراثا ثقيلا.

اشترط رحمه الله علي الملتحق بالجماعة المؤدى للبيعة ما لا يقل عن ثلاثة وثلاثين شرطا، من بينها الوفاء بتعهدات شخصية مثل اجتناب الإسراف في شرب القهوة والشاي والاعتناء بالنظافة، ومن بينها التعبدية الإيمانية كإتقان الطهارة والصلاة وسائر الفرائض، ومنها الإحسانية كالمحافظة على الأوراد وحفظ القرآن، ومنها الأخلاقية كالحياء ورحمة الخلائق ومساعدة الضعيف، ومنها الحركية كالنشاط الدائم والتدرب على الخدمات العامة، ومنها السياسة كمقاطعة المحاكم الأهلية وعدم الحرص على الوظائف الحكومية، ومنها الاقتصادية كمقاطعة المعاملات الربوية والادخار للطوارئ.

ركز الشيخ ياسين على الشرط أو الواجب السادس والعشرين من شروط بيعة الأستاذ البنا رحمه الله، وفيه يقول: "أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى، وتذكر الآخرة، وتستعد لها، وتقطع مراحل السلوك إلي رضوان الله بهمة وعزيمة، وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة. ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل، والإكثار من الذكر القلبي واللساني، وتحرى الدعاء المذكور على كل الأحوال".

قال الشيخ ياسين: وهى شروط عالية، من يفي بها لا شك يكون من المتقين. من بينها مسألة واحدة لا يفيد فيها إسرار ولا (إعلان) ولا يخبر عنها بوح ولا كتمان، ولا هي من شأن دون شأن، ألا وهى مسألة (قطع مراحل السلوك إلى رضوان الله)،. هذا لا يجئ إلا بصحبة. والمصحوب رجل حي سلك المراحل إلى الله، وتقرب حتى أحبه الله، وجعل قلبه مشكاة ونبراسا وسراجا وفاتحا. ما يحصل ذلك بإجازة تبركية، ولا بالانضواء تحت جناح عظيم من عظماء الأمة، عدا المعصوم صلى الله عليه و سلم، قبلة القلوب، رحمة العالمين، محبوب الرب جل وعلا.

من كتاب (الإحسان) للشيخ عبد السلام ياسين ص 244- 246.

الشيخ عبد السلام يرى أن الصحبة المؤثرة هي صحبة الأحياء، لا صحبة الأموات، وإن كانوا من الربانيين الصادقين، وهو أشبه بمن يقول في الفقه: لا يجوز تقليد الموتى، إنما يقلد الفقيه الحي المتفاعل مع الناس والأحداث. وقد خالف في ذلك آخرون، وقالوا: الآراء لا تموت بموت أصحابها. وهذا صحيح، ولكنها لا تحيا إلا بتلاميذ أحياء، أقوياء، يوقظونها في العقول والقلوب.

لقد كان حسن البنا هبة من الله تعالى لمصر، ولأمة العروبة والإسلام. فبعد سقوط الخلافة بأربع سنوات أو خمس (أي سنة 1928م أو 1929م) بدأ حسن البنا دعوته، وأنشأ في مدينة الإسماعيلية التي كان يعمل مدرسا بها جمعية (الإخوان المسلمين).

هذه الشهادات الأربع من هؤلاء الرجال الكبار: تكفينا للتعريف بقدر حسن البنا. فقد شهد له الغزالي بعبقرية الدعوة والتثقيف، وشهد له قطب بعبقرية البناء والتنظيم، وشهد له الندوي و ياسين بعبقرية التربية والتكوين، وقد كان الرجل بالفعل إماما في هذه الميادين الثلاثة: في الدعوة وفى التربية، وفى التنظيم. وهى العلامات الفارقة التي تميزت بها حركته، التي تحمل (بصمته) الفكرية والدعوية والتربوية والتنظيمية.