مشاهدة النسخة كاملة : سفينة النجاة



عاطف
06-02-2005, 19:22
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه

سفينة النجاة
كان بحق برهان صدق وعنوانا للصادقين, رأيت فيه عجيب فضل الله على خلقه، فكان إﺫا قرأ القرآن ولكأنه عليه يتـنزل، وإذا حدث الناس وكأنه القرآن يتكلم، شرب وجهه من ماء قلبه فلاحت منه أنوار القرب والصلة بالله و رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكنا إﺫا قسا قلب الواحد منا كفته نظرة إلى وجهه ﺫخرا لشهر وأكثر, كان ﻫﺫا كله بعد أن اجتوى طعام الفتنة وتيقن أنه مضر مهلك لا يرأب, فطمع في الارتقاء إلى اليفاع بعد أن لزم الحضيض سنوات من عمره، فركب سفينة النجاة واقتحم بها لجة بحر الدنيا العميق, وخاض غمرته خوض الجسور، فكان مرفوع الهمة مشحوذ الذمة في كل حال وعلى كل حال إلى أن لقي الله على أحسن حال، فصرت أسمع لسان حاله كلما تذكرته يدوي مناديا: أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم.
فيا ﻟﻫﺫا العار من عار استعبدتنا الدنيا وأهل الإخلاص أحرار، وصدق الشريف القائل رحمه الله تعالى:( كَمْ أَخَّرَ الكَسَلُ عَنِِ المَحْبُوبِ قُلُوبَاً، وَكَمْ كَشَفَ الإقْدَامُ لِلبَصَائِرِ غُيُوبَاً، وَكَمْ ضَيَّعَتِ الأوْهَامُ أَقْوَامَاً، وَكَمْ نَشَرَ الإقْبَالُ للبَشَائِرِ أَعْلامَاً، فَكُنْ فِي الثَّرَى بِجِسْمَانِيَّتِكَ وَفِي العُلَى بِرُوحَانِيَّتِكَ، وَمَعَ الخَلْقِ بِظَاهِرِكَ، وَمَعَ الرَّبِّ بِبَاطِنِكَ، مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ).
فحرك باعث قوي ﻗﺫﻒ في سويداء قلبي باطني وظاهري إلى قص لمحات مشرقة ولفتات منورة مما يصلح أن يقتدى به فيه عسى الله أن يتبث فؤادي والمتشوقين إلى توبة نصوح.
كان في أول عمره وأمره شاب كأغلب شباب زمان أيام الصبر- صبر القبض على الجمر- تارة على الصلاة في المسجد مواظبا وأخرى ﺘﺠﺘﺫبه الموسومة بقطع الليل المظلم جذبا, فلا مع هؤلاء قد ثبت ولا في الثانية استراح ونبت إلى أن شاء الله أن يجمعني به ومن بعيد أمعنت فيه النظر وحركاته وقسمات وجهه دلتني على الخبر خبر لوائح الرغبة في معرفة الحق, وروائح الصدق في تصحيح التوبة فما إن رآني حتى أقبل علي معانقا وكأني فقيده ﻣﻧﺫ زمن من الدهر فأمسكني مسكة الرضيع ثدي أمه وأقبل علي بكليته قائلا:
أخي هل للتوبة من سبيل؟ هل للتوبة من سبيل؟
سؤال أخرجه من قرارات قلبه سهما ملتهبا لمس مني كل شيء, فأجبته وأنا للتوبة من الراجين: قال الله تعالى ﴿ قل يا عبادي اللذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر ﺍﻟﺫنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم﴾, وقال تعالى على لسان نبيه صلوات الله وسلامه عليه فيم يرويه أنس بن مالك ﴿ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ولا أبالي, يا ابن آدم لو بلغت ﺫنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ﴾
فأردت الاستطراد فما أوقفني إلا غزير دموعه وحال انتقل منه إلي حرك أشواقي إلى حسن الصلة بربي سبحانه, فبادر إلى السؤال ثانية وقال: أخي الكريم، أنا بكل ما قلت على علم, لكني أريدها نصوحا دائمة أريد أن لا أنقضها بشهوة عارضة، آه من الشهوة, آه من الشهوة, الشهوة يا أخي, ضعفي وهواني أمام الشهوة يا أخي...؟
فقلت وأنا لما قال ممن جرب وﺫاق وبعون الله ترك وأفاق: اعلم يا أخي والله المسدد أن أعدائك اثنان قرينك من الشياطين, ونفسك التي بين جنبيك ولا موفق ولا خاﺫل أمامهما إلا الله عز وجل, فأما الأول فضعيف كيده وأعوﺫ بالله من الشيطان الرجيم تكفيك, وأما الثاني فهي أعدى أعداءك حتى قالوا عنها أنها أخبث من سبعين شيطانا, فأما الشيطان اللعين فيأزها أزا, فإن كانت عليك أميرة و لك مستعبدة تلقي بك في واد الشهوة السحيق, فلا أقل من أن تخرج وجراحك خطيرة, وأما إن كنت أميرا عليها عبدا لربك وحده لا شريك له فأنى لها, فأنى لها..
فلم يتمالك نفسه حتى أوقفني قائلا وهل ﻟﺫلك من سبيل؟
نعم أخي سبيل وعرة, طويل مداها لرفعة مرماها, وعزيزة على من وحده يقصدها, إﺫ لابد فيها من رفيق, و ﻟﻬﺫا قالوا الرفيق قبل الطريق , رفيق من أهل الله تصحبه ليجذبك بمغناطيسيته النورانية أكثر وأقوى مما تجذبك الشهوات بمغناطيسها الظلماني أولم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ﴿المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ﴾ رفيق بعد التحقق بالخلة معه يرفعك الله به إلى دينه, فإن كان من أهل الإيمان يرفعك إلى الإيمان, وإن الإحسان فإلى الإحسان وإن أكثر فأكثر,رفيق جهبذ يرى داءك بعين فراسته, ويعطي لك دواءك بلسان نبيك, ومما ورث من صيدليته صلى الله عليه وسلم ويدعوك إلى الله على سبيل دعوة سيد الأولياء صلوات ربي عليه, أولم تسمع أخي عن النظرة, واللمسة, والكلمة عند رسول الله صلوات الله عليه كيف قلبت أقواما من حال إلى حال, ورفعتهم من الدركات إلى أعلى المقامات؟ أولم تسمع خبر رسول الله صلوات ربي عليه مع فضالة رضي الله عنه الذي جاء ناويا قتل الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم فما إن لمسه بيده الشريفة فداه أمي وأبي حتى أصبح أحب الخلق إليه, وخبره صلوات ربي عليه مع أبي بن كعب رضي الله عنه واللمسة التي نقلته بعد الشك من دركات الشك والردة إلى مقامات الإحسان حتى قال رضوان الله عليه واصفا حاله بعد اللمسة: ففضت عرقا كأني أرى ربي فرقا- والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه- فانظر وفقك الله كيف نقلته اللمسة من أخس الدركات إلى أعلى المقامات, ثم خبره صلى الله عليه وسلم ومستأﺫنه في الزنا وكيف أخمدت لمسة يده الشريفة صلوات ربي عليه لهيب شهوته, والأخبار عن كلِمِه ونظره وتأثيرهما أكثر بكثير وقد قال الله جل وعلا على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم:﴿ قل ﻫﺫﻩ سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ كذلك من اتبعه صلوات ربي عليه ﻫﺫه سبيله في الدعوة إلى الله, حظ من إرث نور النبوة إن واجهك وباب قلبك مفتوح أو قابل للفتح حصل لك من الخيرات ما يمكن أن يصل إلى حد الاستقامة الأبدية, أولم تنظر إلى ما قال أئمة الأمة في تعريف الصحابي حتى قالوا عنهم أن الصحابي هو كل من رأى الحبيب الأعظم والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ولو نظيرة أو سمع منه ولو كليمة أو جالسه ولو لحيظة فجعلت منهم ﻫﺫﻩ النظيرة أو الكليمة أو اللحيظة عدولا رضا لا يحق لأحد من المسلمين أن ﻳﺫﻛﺮﻫﻡ بسوء فالتفت إلى وجهه متمعنا فإذا به قد ملئ بشرا ولسانه بين تسبيحة تعجب وتهليلة رغبة وشوق قد اشتغل ﺫﻛﺮﺍ ، فأعاد الكرة سائلا أخي الكريم إﺫا كان ﻫﺫا هو الحل فأين المحل, وإﺫا كانت ﻫﺫه هي أصول الطريق فأين الرفيق؟ فأجبته وبالله التوفيق أخي الحبيب أصدق في مطلوبك تجد مرغوبك إنشاء الله, وقد قالوا رضي الله عنهم: جد صدقا تجد مرشدا, صدق الطلب أخي هو الذي غدا عزيز عن كل عزيز وقد قال الطود الشامخ الإمام الفالح سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه:(مريدو الدنيا فيهم كثرة, ومريدو الآخرة فيهم قلة, ومريدو الحق عز وجل الصادقون في إرادته أقل من كل قليل, هم في القلة والعدم كالكبريت الأحمر, هم آحاد أفراد في ﺍﻟﺷﺫﻮﺫ والنذور ). وهم أمامك بكثرتهم كالمائدة المملوءة أدوية بعضها يداويك في الحين والآخر يحتاج إلى بعض الوقت وقد يوجد فيها من يمرضك أكثر مما يداويك بل قد يوجد فيها من يمرضك دون أن يداويك فإن اخترت بنفسك لنفسك قد تهلك وتهلك إﺫ لا بد في الأدوية من خبير والخبير في الخلق وأحوالهم هو خالقهم جل وعلا وفي ﻫﺫﺍ قال الإمام سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه:(إ ﺫﺍ أردت أن تصحب أحدا في الله عز وجل, فأسبغ الوضوء عند سكون الهمم ونوم العيون, ثم أقبل على صلاتك تفتح باب الصلاة بطهورك, وباب ربك بصلاتك, ثم اسأله بعد فراغك: من أصحب؟ من الدليل؟ من المخبر عنك؟ من ﺍﻟﻣفرﱢد؟ من الخليفة؟ من النائب؟ هو كريم لا يخيب ظنك لا شك يلهم قلبك, يوحي إلى سرك, يفتح الأبواب, يضيء لك الطريق, من طلب ﻮﺠﺩﱠوجد ). وخير الأولياء المرشدين في ﻫﺫﺍ الزمان هو من يجمعك على الله مع الجهاد في سبيل الله كما كان يفعل سيد خلق الله عليه صلاة الله مع خيرة أهل الله عليهم رضوان الله وهي الطريق التي سماها الإمام السرهندي رحمه الله الطريق السلطاني طريق تفوز فيها وبها بالمنزلة العظمى, طريق كمال الكمال, طريق ينصرك الله فيها على نفسك ويجعلك محل فتحه, ويؤيد بك دينه ويجعلك محل نصره, وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم,
وكانت ﻫﺫه القاعدة النورانية آخر ما كلمته به فما هي إلى أيام حتى تيقنت زيف ما تظهر لي نفسي وما أظهر لغيري وأنا أشعر أو لا أشعر من صدق الطلب, هي أيام لكن سبحان من يوم عنده كألف سنة مما نعد نحن البشر, أيام عثر فيها على صاحب وديعته وسبب وصله, فصحبه وأحبه, وبالمحبة وحسن الأدب أخد وديعته وحقق حسن الصلة بربه فأحبه وجعله محبوبا, فكان بحاله من خيرة الدعاة يغير مالا يقدر على تغييره ألف قائل وإن قال فقليل الكلام يكفيه ويفي بمرغوبه فكلام أهل الإخلاص والصدق نور وبركة وإن كان غير فصيح, وكلام أهل الرياء والتكلف, ظلمة وخيبة, وإن كان فصيحا.
ولله در الشيخ الحداد رحمه الله تعالى حين قال: رب داع إلى الهوى والطبيعة, وهو يدعي أنه يدعي إلى الدين و الشريعة...

وللقصة تتمة...

كتبه عاطف ويندي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

abolamin
06-02-2005, 22:55
جزاك الله خيرا أخي الكريم على هذه المساهمة الرائعة

عاطف
07-02-2005, 22:48
أكرمك الله بما هو أهله أخي الكريم Abolaminو نفعني وإياك بما نقرأ ونسمع

خالد
07-02-2005, 23:46
بسم الله الرحمن الرحيم
وأصلي وأسلم على الحبيب الأعظم والنبي الأكرم , وعلى أصحابه الأخيار اللذين هم للسنة معيار , وعلى التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين -آمين-
أخي الحبيب :
قد استفدت و استنبطت - من خلال اطلاعي وقرائتي لهذه المقالة المعبرة والمؤثرة - مجموعة من العوائق التي تأثر على الشباب في مسيرتهم الإيمانية , ومن حسن فهمك للواقع وأيضا الدوافع التي تنادي الشباب إلى الشهوات, وضعت البديل. أعتبره الحل الوحيد والدواء المفيد , لهذه الأمراض المعدية , التي تنتقل من شاب إلى شاب, من فتاة إلى فتاة,من بلاد إلى بلاد وأيضا من دين إلى دين..
هذا الدواء - أيها الشباب - اقتني من صيدلية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم..
ألا وهو :الهجرة , هجرة أهل العصيان وصحبة أهل العرفان ,هجرة تقاليد الكفار والتمسك بسنة العدنان.. قال تعالى في محكم تنزيله:قل ياأيها الكافرون لاأعبد ماتعبدون ولاأنتم عابدون ما أعبد....لكم دينكم ولي دين.صدق الله العضيم.
أخوكم خالد يسألكم الدعاء

عاطف
08-02-2005, 00:30
خلذك الله أخي خالد في زمرة المنعم عليهم من النبيئين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا, ***حسن أولائك رفيقا في الدنيا والآخرة***
وستجد إنشاء الله في تتمة القصة ما يعجبك ويروقك, أسأل الله الصدق والإخلاص في القول والعمل

المختار
08-02-2005, 01:30
جزاك الله خيرا اخي الفاضل عاطف مشاركات قيمة تقبلها الله منك امين

Abdourrahman
09-02-2005, 01:16
بسم الله الرحمان الرحيم

جزاك الله كل خير يا أخي عاطف و أكرمك الله و بارك فيك.

كلمات كلها نور.

و السلام.

hassan_1677
19-02-2005, 21:44
سفينة لاتعرف الحدود
ربانها احرار
شراعها خصال
سفينة لاتعرف الحدود

anass
08-04-2005, 22:09
جزاك الله خيرا أخي الكريم على هذه المساهمة الرائعة

عابرة سبيل
17-01-2007, 19:08
غفر الله لك ولوالديك وتقبل منك هذا المجهود خالصا لوججه الكريم وجعله في ميزان حسناته المقبول امين

ولا تبخل علينا اخي الكريم بمواضيعك القيمة والهادفة ماشاء الله وجزاك الله عنا ألف خير