مشاهدة النسخة كاملة : أنور نصر الدين هدام :عشـر سنـوات عن العقد الوطنـي أو الفرصة الضائعة مـن أجل معالجــة



المراكشي
12-02-2005, 20:29
أنور نصر الدين هدام :عشـر سنـوات عن العقد الوطنـي أو الفرصة الضائعة مـن أجل معالجــة ملـف الأزمـة فــي الجزائــر


يناير1995 ـ 13 يناير 2005 عشر سنوات مرت على أرضية العقد الوطني التي أُبرمت بين مختلف الأحزاب السياسية الوطنية، وكانت ثمرة نقاش سياسي تاريخي جاد وصريح، من أجل وضع أرضية صلبة لـ''حل سياسي سلمي للأزمة الجزائرية''.

عندما أعود بالذاكرة إلى تلك المرحلة الساخنة من تاريخ الجزائر المعاصرة والجهود الكبيرة التي بذلت من أجل تذليل الصعوبات لصياغة أرضية متوازنة تجمع كل أطياف المشهد السياسي الوطني، أجد أنه من اللازم وخدمة للحقيقة التاريخية، وتنوير المتتبع للشأن الجزائري بصفحة مجيدة من نضال مختلف قيادات العمل السياسي المشهود لها بالمثابرة على تغيير أوضاع الشعب الجزائري من السلب إلى الإيجاب أن نقف عند المحطات التالية ذات الدلالة العميقة:


اجتماع المعارضة الجزائرية

إن لقاءات روما وما انبثق عنها من وثيقة العقد الوطني التاريخية التي تعتبر غرة في جبين كل الذين شاركوا في هذا الإنجاز التاريخي، يعتبر أول لقاء يجمع أطياف المعارضة الوطنية بما فيهم سياسيون من أبناء الصحوة الإسلامية، ولأول مرة بعد الاستقلال.

ولعل هذا الاجتماع يندرج ضمن الوعي الكبير الذي تعرفه القوى الوطنية خاصة أمام المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية، وتماسك الشعب الجزائري. وهذا إشارة بليغة إلى أن المعارضة الجادة لا تعيش حالة من التشرذم، والصراع المقيت على حطام المكاسب المحدودة. بل أثبتت التجربة العملية أن هناك قواسم مشتركة وحدا أدنى في المشروع الوطني الذي يمكن أن يؤسس لرؤية تاريخية ومستقبلية للشعب الجزائري، وحيث تكون الخلافات الحزبية، والرؤى الأيديولوجية التي تميز كل مدرسة سياسية على حدى ليست عائقا أمام إحداث الإجماع الوطني، وفق برنامج الحد الأدنى وبناء على المبادئ المشتركة التي لا يمكن بحال أن تكون مصدر خلاف أو نزاع.

هذا هو الدرس الأول المستخلص من تجربة العقد الوطني، وحيث إن خلافات المعارضة لا تساوي شيئا أمام المخاطر الكبرى التي يمكن أن تهدد مستقبل الدولة الجزائرية، ومستقبل الشعب الجزائري. إن مشروع العقد الوطني يدل دلالة واضحة أن الاختلافات السياسية التي تعكسها مختلف البرامج الحزبية ليست على حساب المبادئ العامة والأطر الكبرى التي توحدنا كجزائريين، وهذا في حد ذاته رد بليغ على هؤلاء الذين يرون أن مجموعة العقد الوطني كانت تسيرها آنذاك الطموحات الشخصية، والحسابات الآنية اللحظية.

إنني شخصيا ومن خلال مساهمتي المباشرة مع ثلة من الشخصيات التاريخية الوطنية والشخصيات السياسية المناضلة، التي أعتز بمشاركتهم في هذا الحدث الوطني والتاريخي، أعتبر أن القواسم المشتركة بين مختلف مكونات المشهد السياسي الوطني أكثر بكثير من الخلافات، وهذا هو الذي سهل إلى أبعد الحدود مهمة الخروج بأرضية مشتركة، هي في تقديري لا يزال إطارها صالح كمشروع قابل للاتضاح والتطوير. وحتى بعض الشخصيات التي انسحبت من اللقاء كانت تحكمها ضغوط غير نزيهة، وقد صرحت للمقربين منها، انه ''لما طلب مني الانسحاب انسحبت''. وما من شك أنها فوتت على نفسها موقفا تاريخيا وطنيا، يعزز مكانتها في ضمير المجتمع بدل من الاستجابة للحسابات الظرفية، التي سرعان ما تزول مبرراتها وتبقى عواقبها الوخيمة.


أجيال السياسة الجزائرية

هناك دلالة مهمة جدا، في تصوري لم تنل حظها من التأمل والنقاش السياسي، وهي التي تتعلق بحضور جيلين من أجيال العمل السياسي الوطني، جيل ما قبل الاستقلال وجيل ما بعد الاستقلال. وما حضور شخصيات وطنية وتاريخية أمثال الشيخ الحسين سليماني رحمه الله والرئيس احمد بن بلة وحسين آيت احمد وعبد الحميد مهري وعلي يحي عبد النور من جيل السياسيين الوطنيين الذي بدؤوا نضالهم قبل الاستقلال وما يقابلهم أمثال السيدة لويزة حنون والدكتور أحمد بن محمد و السيد عبد الله جاب الله من أجيال ما بعد الاستقلال، إلا دليل على هذا التكامل الفريد بين جيلين من أجيال النضال السياسي المعاصر. وهذا في حد ذاته يرمز إلى التواصل والتكامل، في مقابل القطيعة بين الأجيال التي كانت تلوح بها الممارسات السياسية الشاذة، وتريد أن تكرسها في الواقع.

فالصراع بين الأجيال في تقديري صراع وهمي، تخلقه الرداءة الثقافية، وقلة الوعي، ونوع من نكران الذات أو القطيعة مع تاريخها. أما كل من يعي مفردات تطور بنية المجتمع والدورات الحضارية التي يمر بها بتعبير ابن خلدون رحمه الله، لا يمكن أن يسقط في مثل هذا الفخ السيكولوجي.

وأمام الجزائر فرصة كي تعتز بمنجزات أجيالها المختلفة من أجل دعم الشعور الوطني، وإنضاج الوعي بأهمية التكامل المعرفي والأخلاقي بين الأجيال، والمدارس الفكرية والتوجهات السياسية بما يخدم المصالح المشتركة للوطني بدل بذر بذور الشقاق والقطيعة بين الأجيال.


سياسيو الصحوة الإسلامية والعمل السياسي المشترك



من المناسب أيضا لفت الانتباه إلى نقطة، محورية، في تجربة الحركة الإسلامية المعاصرة باعتبارها قوة وطنية فاعلة في المشهد السياسي وفي البنية الاجتماعية، وهي النقطة المتعلقة بمدى قابلية السياسيين من أبناء الصحوة الإسلامية للعمل المشترك.

ربما من المفيد التذكير بأنه أعقاب انقلاب 11 يناير 1992 سارعت قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المتمثلة آنذاك في كل من الشهيدين محمد السعيد، وعبد القادر حشاني للقاء بقيادات جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية من أجل تفعيل الجهد المشترك لاحتواء الحريق الذي شب في البيت الوطني، وكانت كل المؤشرات تدل على أن المغامرة ستكون مكلفة في كل صعيد، وستنعكس سلبا على صورة الجزائر وعلى مستقبلها لأمد بعيد.

العمل المشترك هو جزء متأصل في خطاب الحركة الإسلامية المعاصرة، منذ عهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، الذي يميل دائما إلى وحدوية العمل الجماعي، وتفضيل تضامن أجزاء المشهد السياسي بدلا من تفرقها، فـ''يد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية'' كما جاء في الحديث النبوي. هذا الشعور العميق المتأصل في الوعي الإسلامي هو الذي يقف وراء نزوع السياسيين من أبناء الصحوة الإسلامية الأصيلة إلى تفضيل الوحدة على التشرذم، والعمل المشترك على العمل المعزول، ويميل إلى تقريب شقة الخلاف، وتنازل كل طرف للآخر بناء على الحد الأدنى من شروط التوافق الوطني. إن هذه المسألة جذرية في الرؤية السياسية لأبناء الصحوة الإسلامية ، لأن ''ورشات التاريخ لا تنجزها الأيدي المبعثرة'' كما كان يردد الشهيد محمد السعيد رحمه الله.


هل فعلا العقد الوطني ''لا حدث''؟

إنني أتساءل ما ذا يقول لنفسه السيد أحمد عطاف وزير خارجية الجزائر الأسبق الذي علق على صدور وثيقة العقد الوطني بأنه لا حدث؟ ما ذا يقول لنفسه بعد مرور هذه العشر سنوات؟ وهل يستطيع أن يملك الشجاعة الكافية كي يراجع موقفه، بالنظر إلى التكلفة الغالية التي دفعتها الجزائر عندما تم رفض وثيقة العقد الوطني، من طرف مجموعة الاستئصال آنذاك، جملة وتفصيلا.

هناك خلل كبير في تفكير قطاع من السياسيين، الذين يفتقدون إلى الرؤية المستقبلية وإلى الوعي بمآلات المواقف ونتائج ذهنية الهروب إلى الأمام، حيث يكون الضحية ليس هو فرد أو حزب أو مجموعة أفراد وأحزاب، بل الضحية الأولى هو الشعب وموقعه في الساحة الدولية وخياراته السياسية الاستراتيجية. ومدى قدرة المنظومة السياسية على تفكيك الألغام الاجتماعية والسياسية والاقتصادية قبل أن تنفجر!! ومدى القدرة على إدارة النزاعات السياسية بأقل تكلفة وبأكثر وعي بأهمية الوفاق والإجماع الوطني في حالة الأزمات الخانقة!! في اعتقادي أن هذا هو الأمر الذي كانت تفتقر له ''العصبة الاستئصالية'' في تخطيطها سياسة النظام في تلك المرحلة. ولم يستدرك لما أوقعت فيها البلاد من ورطة، إلا بعد مزيد من التكاليف الباهظة التي دفعها المجتمع والدولة نتيجة سياسة النعامة التي انتهجها دعاة الاستئصال طيلة عقد من الزمن أويزيد.

ولا أبالغ إذا قلت أن نفس المجموعة التي رفضت مشروع العقد الوطني، لا تزال تعرقل مشروع المصالحة الوطنية. وإذا كانت معطيات الساحة الوطنية والدولية قد تغيرت لصالح مشروع المصالحة فإن هذه المجموعة تسعى على الأقل إلى إفراغ المفهوم من أي مفعول سياسي ناضج يسمح باستئناف مسيرة الوثبة الوطنية وطي حقيقي لصفحة الماضي و فتح صفحة جديدة يساهم في كتابتها كل أبناء وبنات شعبنا دون أي إقصاء أو تهميش.


ذهنية الرفض لدى العصبة الاستئصالية

وفي سياق هذا التقييم التاريخي والسياسي لتجربة العقد الوطني قد يكون مناسبا تحليل ذهنيات العصبة الاستئصالية، التي وقفت أمام تجسيد مشروع العقد الوطني في حينه وتقف اليوم ضد استكمال مشروع المصالحة الوطنية وبنائها على أسس حقيقية. إن مراجعة موقفهم هذا، الذي كلف البلد الكثير، لعله يرفع الستار عن الأسباب الحقيقية لرفضهم، إلى اليوم، كل مبادرة تهدف إلى إقلاع حضاري لشعبنا، بدأ من تمكينه من حل عادل للأزمة وتضميد الجراح ولم الشمل، إلى استكمال سيادته وتقرير مصيره.

لعله من الذرائع الطريفة التي تمسك بها غلاة الإستئصاليين وبرروا بها رفضهم لوثيقة العقد الوطني، كون انعقاد لقاءات ممثلي الأحزاب خارج أرض الوطن، حيث تم اتهام الموقعين على العقد الوطني بتدويل القضية الجزائرية. وهذا يذكرني بالمثل العربي الذي يقول:''ألقاه في اليم وقال له إياك أن تبتل بالماء''. لقد مارسوا كل سياسات غلق الأبواب وسد المنافذ وحرمان ذوي الحقوق من العمل السياسي العلني بما فيها القيادات السياسية التي كانت تتمتع بالشرعية القانونية، دون أن نتحدث عن غيرهم الذين حرموا دون وجه حق من التمثيل السياسي. فأين كان لنا أن نلتقي وهم الذين كرسوا قصارى جهدهم لتكسير القوى السياسية الحية، وخنق الأصوات المعارضة، والاحتماء بالمظلة الدولية بدعوى حماية الغرب من الخطر الأصولي، والتهديد الإسلامي الذي تمثله القوى الإسلامية الوطنية، ويلومون هؤلاء الذين بحثوا عن مكان تحت الشمس من اجل مناقشة شؤونهم وأوضاعهم وتحمل مسؤولياتهم التاريخية.

كل ما قامت به مجموعة''سانت اجيديو'' التي لم تخضع للضغوط، أنها تجاوبت مع دعوى إيجاد ''فورم'' للجزائريين فيما بينهم لحوار أخوي جاد من أجل حل معضلة بلدهم. والذين ساهموا في هذه المبادرة كانوا يشعرون بثقل المسؤولية أمامهم، مسؤولية تكريس الحوار كخيار استراتيجي لحل المشكلات بدلا من قوة الحديد والنار. وكان من الممكن جدا أن يكون مقر انعقاد اللقاء في الجزائر، لو تحلى النظام بشيء من الوعي الحضاري وتبنى السياسة الرشيدة بدلا من سياسة استئصالية مقيتة.

وهناك بُعد مهم جدا يتغافل عنه كثير ممن لا تحضرهم الرؤية السياسية الشاملة، وهو أن التعاطي مع مجموعة سانت ايجيديو ليس من باب الترف، بل يعكس أيضا مدى قابلية التعاطي مع المنظومات الغربية المختلفة والتفاعل معها خصوصا في ظل وضع دولي متأزم نتيجة هيمنة رؤية ''صراع الحضارات'' بدلا من التعايش السلمي.

ويمكننا التأكيد هنا أننا نحن أبناء الصحوة الإسلامية، والسياسيون منهم على وجه الخصوص، لا نؤمن بنظرية حتمية الصراع بين عالمنا الإسلامي وبين العالم الغربي، أو الشرقي، بل نؤمن بإمكانية التعايش الحقيقي بين مختلف الحضارات ونسعى من أجل هذا التعايش على أسس الاحترام المتبادل لحق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في إقامتها أنظمة مجتمعية على أسس القيم التي تتبناها.

ولم يكتف الرافضون بهذه الذرائع الواهية ـ الإلتقاء خارج أرض الوطن ـ بل امتد الأمر إلى اتهام بعض الأطراف الوطنية بأنها تتحرك بناء على تعليمات دول اجنبية، ومصالح الاستخبارات التابعة لها. إنها ذهنية تلطيخ الخصوم بأية طريقة وبأي شكل من الأشكال، وكان الأولى هو التفكير الجاد في مد روابط الاتصال والاستماع إلى الآخر بدلا من إقصائه واتهامه.

بل إن مسلسل الافتراءات لم يتوقف عند حد الاتهام بالعمالة لجهات أجنبية، وتعرضت شخصيا إلى حملة مركزة، ربما لأنني الحلقة الأضعف ـ كما يقال- ولا أتمتع بأية حصانة دولية، كل ذلك من أجل تفكيك مجموعة العقد الوطني واسقاط المشروع الذي بلورته، ورفض يد السلم والسلام التي عرضتها على السلطة. وتم استغلال الحادث الأليم الذي وقع أياما قليلة بعد صدور وثيقة العقد الوطني، بشارع العقيد عميروش، واتهامنا بتبني العملية، بناء على تصريحات تم تزويرها. وشنت حملة شعواء عبر مختلف بقاع الأرض بثمن باهظ ، من أجل إسكات صوتنا إلى الأبد. وأفلحت هذه المحاولات الحثيثة في تدبير عملية اعتقالي من قبل الإدارة الأمريكية، بدعوى اختراقي لقوانين الهجرة (Over-staٌّ)... مما عطل مساعينا من أجل جعل حد لمحنة شعبنا و أزمة بلدنا... ولكن والحمد لله المحاكم الأمريكية المستقلة عن تأثير الإدارة برأت ساحتي من كل تلك الاتهامات المُفبركة، بما فيها تهمة تبني حادثة شارع عميروش المؤلمة، بعد تحقيق دقيق كلفنا أربعة سنوات من وراء القضبان مع أوسخ المجرمين فوق الأرض...

وربما ما تعرضت له شخصيا من اعتقال واتهامات يهون أمام ما تعرض له بقية الحاضرون، بما فيهم القيادات الوطنية التاريخية الذين نالوا نصيبهم من حملات تلطيخ مشينة، وصلت إلى حد اتهام بعضهم بخيانة الثورة. وعمدت بعض الأقلام المأجورة إلى فتح ملفات الثورة، بزعمهم، لإثبات خيانة هذه القيادات الوطنية الشريفة. لقد كانت قمة في السذاجة السياسية وفي نفس الوقت قمة الوقاحة أن يتعرض رموز وطنية إلى مثل هذه الحملات التي لا يمكن إلا أن توصف بأنها دنيئة بكل ما تحمله الكلمة من معاني مستقذرة. وفوق ذلك تعرضت كل الأحزاب المشاركة إلى حملة شرسة، ومؤامرات ''علمية'' و''غير علمية''.

وعكس ما رُوج من أقاويل، و لعله لأول مرة أدلي بهذه الشهادة، فإن أشخاصا في الإدارة الأمريكية حاولوا في الحقيقة منعنا حضور لقاءات روما، ولدينا وثائق تثبت ذلك... إلا أن نائب رئيس St. Egidio تدخل لدى وزارة الخارجية الأمريكية للسماح لنا بالمغادرة للمشاركة في اللقاءات...

وتدخُّل الوسيط هذا تم بعد اطلاعه على حقيقة وجدية المساعي التي قامت بها البعثة البرلمانية للجبهة الإسلامية من أجل حل سلمي سياسي لأزمة بلدنا وعن ترحاب المكتب التنفيذي الوطني ، برئاسة الشهيدين عبد الرزاق رجام و الشيخ محمد سعيد رحمهم الله، بجهود البعثة.

منذ مغادرتنا الوطن، كنا مهمومين بإيجاد صيغة وطنية لحل سياسي، سلمي وعادل وقمنا، بمعية إخوة مستشارين من أوروبا و أمريكا، بعقد لقاءات مكثفة على امتداد قرابة سنة بأكملها، من أجل بلورة مقترح موضوعي لحل الأزمة والذي تم طرحه على المكتب التنفيذي الوطني نفسه في نهاية سنة 1993 وتم بلورت مشروع متكامل في صورة مقترح مكتوب معنون بـ:'' مشروع البعثة البرلمانية للمفاوضات حول ملف الأزمة في الجزائر''.

وبعد إتمام المشروع، بدأنا في عملية البحث عن الطرف المحايد من أجل استضافة لقاءات بين الجزائريين دون التدخل في شؤونهم، وهكذا تم التواصل بيننا وبين مجموعة St. Egidio وذلك عن طريق الشيخ الحسين سليماني، أحد كبار مشايخ المدية رحمه الله، والأخ الأستاذ أحمد الزاوي حفظه الله.

هذا هو التسلسل التاريخي للحدث، وهو يخالف الصورة المغرضة التي أرادت تكريسها، العصبة الاستئصالية، باعتبار أن مبادرة العقد الوطني هي مشروع مدعوم من الفاتكان و البيت الأبيض.

لا يفوتني هنا ان أشير إلى أننا كنا واثقين، بأن قيادتنا السياسية السابقة، رحمهم الله، كانوا على استعداد لبذل كل ما في وسعهم من أجل إقناع معظم الملتحقين بالعمل المسلح من أجل قبول حل سياسي وسلمي للأزمة. وقد قاموا فعلا بتلك المحاولة! الأمر الذي ربما كلفهم حياتهم، رحمهم الله وتقبلهم مع الشهداء و الصالحين...

وعندما سلمتُ وقتها مسؤولا في الخارجية الأمريكية وثيقة تشير إلى تلك الجهود من قبل الشيخ محمد سعيد و من معه احمر وجهه بالدهشة. ولست ادري هل كان ذلك نتيجة الفرح بقرب نهاية الفتنة الجزائرية أم أن الدهشة نتيجة شعوره بأن الأزمة الجزائرية يمكن أن تحل بطريقة سلمية وبسرعة ودون تدخل الأطراف الأجنبية، حتى لا يكون لها فضل وبشكل لم تتوقعه مخابر الاستراتيجية!! لعله لم يكن في حسبان هؤلاء وهؤلاء أن جميع المعنيين بالأزمة بشكل مباشر لديهم القابلية واستعداد للنظر في العقد الوطني وفي مبدأ الحل السلمي السياسي. ما هو يا ترى المزعج في ذلك؟ هل هي إمكانية التوصل إلى وقف نزيف الدم في بدايته ومنع هكذا تفكيك الشبكة الاجتماعية وإضعاف الدولة، وبالتالي الحفاظ على استقلالية القرار الجزائري؟ إنها أسئلة مهمة يجب الإجابة عليها ذات يوم إن أردنا طي حقيقي لصفحة الماضي...


التاريخ الحرج والفرصة الضائعة

نحن نتحدث هنا عن وقائع حدثت بداية سنة 1995 ... فكم يا ترى من دماء كان يمكن حقنها لو وجد العقد الوطني آذانا صاغية لدى السلطة في البلاد. حتى العصبة الاستئصالية التي رفضت العقد الوطني لم تجد ما تركز عليه سوى حصر النقاش في الشكل لا في المضمون.

بالفعل، بعد مراجعة الأرشيف حول ما صرح به أئمة مجموعة الاستئصال حول رفضهم العقد الوطني، لم نجد شيئا حول معارضتهم لمحتوى هذه الأرضية. مما يدفعنا إلى القول إن الأسباب الحقيقة لتلك الهستيرية التي قُبل بها العقد الوطني والموقعون عليه إنما تكمن في محتوى العقد ذاته والذي بالمناسبة تتحاشى دوما مجموعة الاستئصال الحديث عنه.

إن عدم التفاعل الإيجابي مع العقد الوطني كلف بلدنا و شعبنا الكثير... أملنا أن لا تتكرر نفس التجربة مع المصالحة الوطنية... إنها فرص تاريخية لا تعوض...

على المخلصين لديننا و شعبنا و أمتنا المسلمة العمل سويا للتصدي لدعاة الاستئصال ومنعهم من إضاعة علينا فرصة أخرى لمعالجة ملف أزمة بلدنا الحبيب الجزائر، علينا جميعا السعي الجاد لإعطاء المصالحة الوطنية مدلولها الحقيقي الذي يمكننا فعلا من معرفة الحقيقة حول ما أصاب شعبنا من جرائم بشعة و تحديد المسؤوليات وتضميد هذا الجراح. الأمر الذي يمكننا من حوار وطني حول أسباب الأزمة الحقيقية و سبيل معالجتها من أجل إقلاع حضاري لشعبنا وأمتنا و السلام العادل العالمي.


أنور نصر الدين هدام

anass
10-03-2005, 22:04
مشكور أخي الكريم