مشاهدة النسخة كاملة : الظلم والطغيان يورث العذاب والحرمان



anass
15-02-2005, 12:03
فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، قالوا: يا ويلنا إنا كنا طاغين، عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها، إنّا إلى ربنا راغبون" القلم (30 - 32)

ضربت الانتخابات البلدية الأخيرة الرقم القياسي من وجوه عديدة، فقد جرت في الخميس الماضي الاقتراعات في عشر بلديات ومجالس محلية في قطاع غزة وكانت تلك المناطق قد اختيرت بعناية من قبل السلطة، معتقدة أن لها حضورا فيها، يسمح بأن تكون لها الغلبة عليها، ومع انبلاج فجر الجمعة كانت الأنباء قد طارت بفوز كاسح لقائمة الإصلاح والتغيير المنبثقة عن حركة المقاومة الإسلامية حماس، إذ كان التنافس مع حزب السلطة في تسع منها، ولم تطرح الحركة مرشحيها إلا ثمان منها، بينما دعمت كتلة المستقلين في أضعف الدوائر الانتخابية في حي الزهراء الملحق بمدينة غزة، وأكثر قاطنيه -على قلتهم- من الموظفين الملحقين بالأجهزة الأمنية.

وقد فاجأت نتائج تلك الانتخابات الجميع دون استثناء ، بمن فيهم حركة حماس نفسها، إذ إن الهيمنة على سبع بلديات هيمنة شبه كاملة، ولها حضور في بلدية المغازي بثلاثة أعضاء، ما كان يخطر ببال أكثرهم، ذلك أن التزاحم كان شديداً، وكانت نسبة المشاركة خيالية، وقد أحدثت فرزاً حقيقيا للخارطة السياسية في الساحة الغزية، وفي مناطق هامشية في القطاع بالقياس إلى المدن الكبرى، والمخيمات العظام، فكيف ستكون النتائج بعد ثلاثة أشهر في البلديات التي هي معقل الكتلة الإسلامية؟! ، ومن يدري فلعل المفاجأة أن يكون الفوز بالتزكية أو أن يجري حوار الشراكة واقتسام المسؤولية.

إن الزحف على البلديات ليس بذي قيمة ما لم يؤازره تفوق في المجلس التشريعي، حتى يتمكن المخلصون في قائمة الإصلاح والتغيير، ومن معهم من المستقلين، وغير المستقلين، من فرض الغطاء التشريعي، لانتزاع حقوق تلك البلديات من الذين باتوا يتوعدون بأنه لا ينبغي لحماس أن تفرح بهذا الفوز، ولكي نستطيع أن نرد إلى هذه المعاقل ما صُودر من صلاحياتها، وأن نحيي رسالتها الاجتماعية والتعليمية، وأن تكون لها استقلاليتها، وشخصيتها الاعتبارية، بعد أن كادت تحصر في تسليك الصرف الصحي، والجباية من الأسواق والناس.

ولعله من المفيد أن أشير إلى مثال من المظالم التي توحلت فيها البلديات، ذلك أن المقياس العالمي كي تقوم البلدية بواجبها في خدمة الجمهور أن يكون لديها موظف واحد لكل أربعمائة نسمة، بينما النسبة الغالبة على بلدياتنا تصل إلى موظف فرد لكل ألفي نفس، وهذا يعني ببساطة أن أربعة أخماس الوظائف قد اغتصبت، وهو ما يفسر ضعف الخدمات المقدمة للجمهور، ومن هنا فقد جأر الجميع بالشكوى، ولكن لا حياة لمن تنادي، وشوارعنا هي الشاهد.

أعود بكم إلى تلك الآيات التي تصدرت المقال، وهي تحكي عاقبة أبناء لرجل صالح، كانت له جنة تؤتي أكلها ضعفين، وجعل المساكين يلوذون به، فلا يرد سائلاً ، بل كان حريصا على التنقيب عن الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ، تعرفهم بسيماهم، لا يسألون الناس إلحافاً.

فلما توفي ذلك الرجل الحنون قرر أكثر بنيه أن يمنعوا المساكين حقهم فيها، وقد نصحهم أوسطهم، وحذرهم من مغبة الإمساك والشح، فقد تكفل الله عز وجل أن يعطي منفقاً خلفاً، وأن يعطي ممسكاً تلفاً، لكنهم غلبوه على أمره، وحملوه على أن يحلف معهم يميناً على حرمان المساكين منها، وألا يستثنوا منها شيئاً عند الجذاذ، ولكن الله المنتقم الجبار قد أرسل عليها بليل ناراً فاحترقت، وأصبحت سوداء كالليل البهيم، وفي ساعات الفجر الأولى تنادوا للانطلاق والجذاذ قبل أن يصحو المساكين وفي الطريق اليها كانوا يتهامسون همسا ،حتى لا يسمعهم احد ،وكان بعضهم يبشر بعضا بان لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ،معتقدين جازمين انهم قادرون على منع أولئك الضعفاء حقهم .

وهنا وقعت المفاجأة ،فالبستان قد احترق ، وهناك احتمالا انهم قد ضلوا الطريق اليه ،لكن سرعان ما اعترفوا بالحقيقة ،(بل نحن محرومون ) وهنا اقبل بعضهم على بعض يتلاومون ، فكل واحد يدرأ عن نفسه الملامة ،ويلقي بالسبب على الاخرين لذلك فقد انبرى اوسطهم سنا ،او اعدلهم رأيا مذكرا وموبخا :" ألم اقل لكم لولا تسبحون" ،أي تنزهون الله عن العجز عن اطعام المساكين ،وعن عقابكم اذا اغتصبتم هذا الحق منهم ،فان الزكاة ليست منّة من الاغنياء ،بل هي حق معلوم للسائل والمحروم ،وان الاصل في المؤمن ان يؤتي ماله يتزكى ،ولو لم يكن لاحد عنده من نعمة تجزى الا ابتغاء وجه ربه الاعلى ،كما اننا من الذين يطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا ،ونقول لهم بالحال او المقال :"انما نطعمكم لوجه الله ،لا نريد منكم جزاء ولا شكورا .انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا " الانسان (9- 10)

لقد عاد اليهم رشدهم ،واستيقظوا من سكرتهم ،فراحوا يسبحون ربهم ،ويقرون بالظلم ،بل بالطغيان الذي يعقب الويل ،وسرعان ما فزعوا الى التوبة وقد غمرهم الرجاء بان يبدلهم ربهم خيرا منها في الدنيا والاخرة فقد قالوا :"عسى ربنا ان يبدلنا خيرا منها ،انا الى ربنا راغبون"

وقد عقب سبحانه بان هذا العذاب او الحرمان سنة من سننه الماضية في عباده الذين يريدون الاستئثار بالمال وحرمان الاخرين من حقوقهم كما ان عليهم ان يذكروا ان عذاب الاخرة اكبر وان الحرمان فيها اشد وانكى ولو كانوا يعلمون ذلك لاشتروا انفسهم بكل ما يملكون لا بالجزء اليسير الذي جعله مالك الملك الغني ذو الرحمة حقا للمستضعفين تطهيرا للنفوس من الشح ،وللمال من الشبهة ،وللمجتمع من التحاسد والفرقة .

لقد كانت هذه القصة تخاطب قريشا الذين انعم الله عليهم بحرم آمن يجبي اليه ثمرات كل شيء وكانت قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ،لكنها كفرت بانعم الله ،وحاصرت المؤمنين في شعب ابي طالب ،فضرب لهم هذا المثل ،كما ضرب لهم مثلا برجلين جعل لاحدهما جنتين من نخيل واعناب ،وجعل بينهما زرعا ،وفجر خلالها نهرا لكنه لما كفر بالذي خلقه من تراب ،ثم من نطفة ،ثم سواه رجلا ،احيط بثمره ،فاصبح يقلب كفيه على ما انفق ليها وهي خاوية على عروشها ،ويقول :يا ليتني لم اشرك بربي احدا ،كما في سورة الكهف .

ان التلاوم الذي يجري اليوم بين الاخوة في السلطة ،لن ينفعهم شيئا ما لم يقتدوا باصحاب الجنة هؤلاء ،فيعترفوا بالظلم وبالطغيان ،ويرغبوا الى الله فيردوا المظالم الى اهلها ،وينزعوا عن التفكير بالتفرد في القرار والمال ،ويؤمنوا بان الاخرة خير وابقى وان الاوطان ليس املاكا خاصة ،وان القضايا السياسية لا تحكمها الاهواء والمصالح فهناك إله عظيم ،ليس غافلا عما يعمل الظالمون ،ولكنه يملي لهم ان كيده متين ،وانا واثق ان هذا القول البليغ سيجد طريقه الى كل من كان له قلب ،او القى السمع وهو شهيد ،وان كثيرين سيموتون بغيظهم لان التخويف والعقاب لا يزيدهم الا طغيانا كبيرا.

ان هذا الفتح المبين والنصر العزيز ،جاء ثمرة طبيعية للانتصار الفكري لدعوة الاسلام ،ثم للانتصار العسكري على الصهاينة ،والغلبة الاجتماعية في الالتصاق بهموم الناس والعمل الخيري والتفوق العلمي ،والنزاهة المالية والعفة الأخلاقية والوقوف صفا واحدا من يوم تقررت الانتخابات ،الى ان عقدت المباراة فيها وألقى الناس حبالهم وعصيهم ،ولسوف يلقون قريبا انفسهم ساجدين يقولون :آمنا برب العالمين ويدخلون في دين الله افواجا حين يرى الناس اننا ممن يقولون ويفعلون ابتغاء وجه الله والجنة .
عن موقع حركة حماس

أشرف
15-02-2005, 12:51
بارك الله فيك أخي على نقلك الموضوع

المختار
15-02-2005, 23:26
بارك الله فيك أخي على نقلك الموضوع

hassan_1677
02-03-2005, 22:21
شكرا اخي على هذه المشاركة