مشاهدة النسخة كاملة : سنغزوا أمريكا



عاطف
15-02-2005, 19:32
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ولي التوفيق، ومهدي من استهداه لأقوم الطريق. والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الداعين وإمام الهادين. ورضي الله عن آله و أصحابه الغرّ الميامين وسلم تسليماً.
أمة الدعوة, ودعوة الأمة
جرت حكمة الله في خلقه أن يبلوا المؤمنين ويختبر الصادقين ويميز الخبيث من الطيب فيجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم , ويؤجر الصادقين الثابتين نصرا وتأييدا في الدنيا , ومثوبة ومغفرة في الآخرة, وأقرب ما يكون هذا النصر إذا اشتد الضيق وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُنجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا0 عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110). ويقول عز من قائل :(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214), وهذه سنة الله في خلقه, يقول إمامنا الشهيد حسن البنا رحمه الله: "ولم تختلف هذه القاعدة الربانية في الأمم السابقة, فكم من أمة ضعيفة نهضت بعد قعود , وتحركت بعد خمود , وكم من أمة بطرت معيشتها وكفرت بأنعم الله فزالت من الوجود , وأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".
والذين ليس لهم بصر بسنن التاريخ ، يصابون بالحيرة واليأس من العيش في التناقض ، واختلاط الدنس بالمقدس والعلم بالجهل ، والشرف بالوضاعة ، والأمانة بالخيانة والعمالة , فإن لم ينظروا إلى هذه الأمة بعين سوداء واشتغلوا بتوجيه أصابع الاتهام, مالوا إلى القعود والخنوع و السبح في الأحلام , وقلة هم أولائك القائمون لتصحيح أخطاء ماضي هذه الأمة ، وإصلاح حاضرها ، وإضاءة مستقبلها1, ومن يكون هؤلاء غير الدعاة إلى الله سبحانه عز وجل، ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله, يقول شهيدنا حسن البنا رحمه الله: وإن القرآن ليمد هؤلاء الصابرين الآملين الذين لا يجد اليأس إلى قلوبهم سبيلا بمعين من القوة لا تفيض إلا من رحمة الله وقدرته , تتحطم أمامها قوى المخلوقين , وتعجز عن إضعافها والنيل منها محاولة العالمين ,وما يعلم جنود ربك إلا هو ..(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ , فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ , إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175). أولائك هم الدعاة الفعلة, يقول أحد أعلامهم الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين حفظه الله في كتابه المنهاج النبوي " دعاة فعلة. قلب مع الله, ولسان لاهج بذكره والثناء عليه والدعاء إليه, ويد تصنع في الطين, في البيئة الملوثة تصلحها, في مخلفات الفساد تميط أذاها, في المهمات الشاقة الدائبة اليومية.جهاد." هم أشعة شمس الخلافة الثانية التي انبجست أنوارها في هذا القرن مؤذنةًََ بقرب الصبح, ولنحن أحوج إليهم في هذا الزمان أكثر من كل زمان مضى, ومن رحمة الله أن تداركنا بهم, وهم الدعاة الغزاة, يغزون المشرق والمغرب بسيوف البلاغ المبين, وأدرعة الصبر واليقين, قد مَلأت وجوههم أنوار أثر الصلاة فمن رآهم ارتاح لهم, ومُلأت قلوبهم رأفة ورحمة على جميع البريات فمن رأوه في الخير أو الشر حرك بالفرح أو الحزن قلوبهم, رحم الله فقيد الأمة في هذا العام شيخنا الجليل أحمد كفتارو قال يوما في حديثٍ له مع بعض الضيوف القادمين من بلاد بعيدة: (سنغزو أمريكا). يقول تلميذه محمد أنور وردة "ابتسم الضيوف ابتسامة لها معناها... أو لنقل: لها معانيها.
قد تكون ابتسامة مجاملة لرجلٍ في الثالثة والتسعين من عمره يهدد أكبر قوة في العالم وهو جالس على سريره.وقد تكون ابتسامة استغراب ودهشة من رجل يحلم بغزو أمريكا التي قهرت العالم واستبدت به وبحكوماته على اختلاف مستويات القوة فيها.وقد تكون ابتسامة إعجاب برجل بلغ هذا العمر وما زالت لديه الهمة على التفكير بمثل هذا الغزو لمثل هذا البلد القوي، رغم أنه لا يملك من سلاح الدنيا حتى الحطام.." ولكن على ما يعول الشيخ الجليل رحمه الله تعالى من أسلحة, هل عنده طائرات حربية أو قنابل وصواريخ نووية. ويجيب كفتارو رحمه الله بثقة ويقين: سنغزوها بالدعاة إلى الله.
إن كان لدى أمريكا صواريخ نووية، فإن لدينا صواريخ نبوية.
لكن الفرق بين صواريخنا وصواريخها، أنَّ صواريخها تحمل الموت والرعب والدمار، وصواريخنا تحمل الحب والأمن والسلام, ويزيد تلميذه مؤكدا:" كيف غزا المسلمون ماليزيا وإندونيسيا؟ هل وصلت جيوشهم إلى هناك؟ لا، التاريخ يؤكد أن هذه البلاد فتحت قلبها للإسلام على يد التجار المسلمين، الذين كانوا (بحسن تعاملهم ورفعة أخلاقهم وصدق فعالهم) خير سفراء للإسلام، وكانت النتائج التي أسفرت عنها جهودهم في الدعوة إلى الله بالقدوة الحسنة والسلوك الحسن والحكمة والموعظة الحسنة، أجدى من النتائج التي شاركت فيها قعقعة السيوف ودماء الألوف." رحم الله أهل الله هذا شأنهم في كل زمان ومكان, وارجع إلى الكتاب المستطاب ربانية لا رهبانية ليحكي لك صاحبه العجاب الإمام الندوي رحمه الله ورضي عنه عن التتار المتوحشين -قبل الإسلام- وعلى يد من أسلموا, وعن الألوف المؤلفة في بلاد الهند وإقبالها على التوبة على يد أهل الله, ويؤكد لك أن وراء كل تغيير زعماء روحيون وربانيون جامعون لربانية من أطرافها, هذا وليعلم المنتصبين للدعوة المتصدرين لصفوفها أن خير سبيل للدعوة هو سبيل الجيل الفريد والنموذج الخالد: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار ولهم محطات للذكر والتعليم بدءاًَ بدار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه حتى المسجد وفي حلهم وترحالهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم لهم ولنا من بعدهم, إذن لا بد لنا بما نصبح به ربانيين من استغلال أوقات الليل الغنائم المفقودة, ومن ذكر لله على كل حال, ثم بعد ذالك وأثناءه يأتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبلاغ المبين, قال شيخنا محمد أحمد الراشد حفظه الله في الإشارات:" واعلم أن الحصيرة عرش الداعية, وأن منابر النهاة ترسم مسار الحياة." كما لا بد من العلم قبل وأثناء العمل, فالعلم إمام العمل, والعمل بلا علم تخبط وجنون, يقول شيخنا الراشد حفظه الله بعد أن تكلم طويلا عن ضرورة التربية الإيمانية:" لقد عرفت شباب الإسلام، وصاحبتهم، واقتربت منهم، فوجدتهم من أنقى الناس سريرة، وأنصعهم طهرا، وأصفاهم عقيدة، وأجزلهم وعيا، ورأيت منهم تشميرا إلى الخير، في حرص دائب، وفرارا إلى الله تعالى من خلال طريق عريض لاحب، لكنها كثافة المطالعة تنقصهم، ولو أنهم أحنوا ظهورهم على كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ طويلا، واكتالوا لهم من الأدب والثقافة العالمية العامة جزيلا، لكملت أوصافهم، ولتفردوا في المناقب.
وإني لأعجب من دعاة الإسلام الذين أراهم اليوم، كيف يجرؤ أحدهم على إطالة العنق في المجالس، والنشر في الصحف، قبل أن يجمع شيئا من البيان جمعه الطبري في تأويل آي القرآن، وقبل أن يرفع له راية مع ابن حجر في فتحه، ولم ينل بعد من رفق أم الشافعي وحنانها، ولا كان له انبساط مع السرخسي في مبسوطه، أو موافقة للشاطبي في موافقاته؟
وكيف يقنع الداعية وهو لم يقرأ بعد المهم من كتب ابن تيمية، وابن القيم، والغزالي، وابن حزم؟
وكيف يسرع داعية إلى ذلك وهو لم يكثر من مطالعة كتب الأدب العربي القديم، ولم يعكف مع الجاحظ وأبي حيان، أو ابن قتيبة وأديبي أصبهان؟
وأعجب أكثر من هذا لداعية أثير حماسه لهذه العلوم والآداب فيقول: ليس لي وقت، كأنه غير مطالب بإتعاب نفسه تعبا مضاعفا، ولا شرع له السهر!
ثم أعجب أكثر إذا ذكرت له كتابا، فيأتيني من الغد مغاضبا، لخطأ وقع فيه كاتبه، أو بدعة طفيفة، كأن العلم لا يؤخذ إلا من صاحب سنة محضة وكتاب مصون!
وماذا عليك لو أنك قرأت ونقحت، وتخيرت وانتقيت، وأخذت وأعرضت؟
لا شيء، وأنت الرابح، إذ الأصل في التعليم: صحة المنهج، بأن تتلقى نصوص القرآن والحديث الصحيح بالتجلية والتعظيم، والتقديم لها، بلا تلكؤ ولا رد، فإنك إن التزمت ذلك: لم يضرك ما يقع بيدك مع كتب التفسير والحديث والفقه، من كتب الأدب والفكر العالمي وصحف السياسة، تقتبس منها ما لا يضاد النصوص، وتخضع صوابها لخدمة منهجك، مفترضا في نفسك الشجاعة والعقل والتمييز، فإنه لا داعي لاتهام نفسك بضعف أمام خطأ المفكرين وإغراب الكاتبين، ما دام منهجك صوابا، ونفترض فيك مقدرة وافية على اكتشاف الخطأ والميل والابتداع، وإنما ذاك هو المبتدئ الذي ما زال يحبو : نوصيه بالقرب وعدم الإيغال، وبالتجزيء وترك الاكتيال، وبالالتزام والإستئذان، نحجر عليه ونراقبه."
وأخيرا لا يسعني إلا أن أقول إلى هذا نحتاج كي نكون أمة الدعوة, بعد أن ننظر إلى غيرنا أنهم أمة استجابة ودعوة, فندعوا ونفوز بوسام دعوة الأمة.


كتبه أفقر الورى
إلى الله عاطف ويندي
غفر الله له ولوالديه ولإخوانه
ولجميع المسلمين

المختار
16-02-2005, 23:32
بوركت يمينك اخي الفاضل عاطف مشاركة قيمة ننتظر المزيد ان شاء الله

جعل الله مجهوداتك في ميزان حسناتك امين امين






محبك في الله مختار

خالد
18-02-2005, 23:33
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيد الأولين والآخرين وإمام الأولياء والمتقين
أما بعد :
كعادتنا نقرأ لك
مقالة عجيبة وأفكار متناسقة وأمثلة محفزة ,ولكن معانيها تحتاج إلى التفصيل -أكثر فأكثر-
لإن ما أتيت به - يا أخي- قد تستوعبه العقول, ولكن ما أردت توصيله قد لا يفهمه العموم..
يزيد إعجابي بما تكتب وتزيد محبتي لك بما تسرد, أدعوا الله تعالى ألا يحرمنا من قطرات مداد قلمك , ومن عصارة إطلاعك , ومن دكاء فهمك,ومن بلاغة تعبيرك وفصاحة كلامك و و ..وأسأله جل وعلى أن يجعلنا من دعاة إليه آمين آمين آمين

محبة وتقدير لك يا أخي عاطف

أخوك خالد يسألك الدعاء

عابرة سبيل
17-01-2007, 19:47
السلام عليكم ورحمة الله

مقالة مفصلة ومطولة لكنها تستحق القراءة لما شملت من كلمات ومعاني عميقة واسلوب جميل في تبليغ الفكرة .

جزاك الله خيرا أخي عاطف وجعل هذا المجهود في ميزان حسناتك المقبول امين

وننتظر مشاركاتك ومقالاتك بفارغ الصبر فلا تبخل علينا بها أكرمك الله

عاطف
17-01-2007, 23:28
بارك الله فيكم جميعا وجزاكم عنا وعن الأمة ما تقر به أعينكم في الدنيا والآخرة ونفعنا ونفع بكم
أبشري أختي إيمان سأبدل جهدي وكل مستطاعي كي أتحفكم كل مرة بجديد
أسأل الله الصدق والإخلاص في القول والعمل

hasnaa
18-01-2007, 11:38
جزاك الله خيرا أخي عاطف
طابت لك الأيام ولليالي واسكنك الله في المقام العالي

نصر الله
19-01-2007, 11:44
بارك الله فيك أخي الكريم
مقالة رائعة مفصلة بأسلوب بليغ سبحان الله
نفع الله بك الأمة