مشاهدة النسخة كاملة : سفينة النجاة -تتمة-



عاطف
15-02-2005, 20:43
بسم الله الرحمن الرحيم
الصحبة مفتاح: نور الكلام وكلام النور...فمجرد الاعتماد على التزويق والتنميق غير خليق بإثارة الهمم، واستنهاض العزائم، وإنما هو مداعبة خيال, وإيماء إلى عاطفة، وأين هذا من الوطأة النورانية الشديدة التي تهز أعمدة الضمائر، وتكشف عمياء البصائر، وترهف صماء الآذان ؟..ومع هذه النورانية وبعدها فخليق بالداعي أن يتخير ألفاظه, ويحسن أسلوبه,ويصطفي معانيه ليودع أحاسيسه قالبا أليق, وتعبيرا أدق, فيطمئن عليها أن تضيع فيتلاشى ما فيها من ميزات وأسرار, وبحسن العبارة وعذب الكَلِم يتغنَّى الداعية بعواطفه فيبثها أشجانه الصافية وخوالجه السامية لتنبعث نورانية مخترقة شغاف القلوب وإن كانت كالحجارة الصماء,” إنَّ الكلمة لتبعث ميتةً وتصل هامدةً مهما كانت طنَّانةً متحمِّسةً إذا هي لم تنبع من قلبٍ يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقوله حقًّا إلا أن يتحوَّل هو ترجمةً حيَّةً لما يقول، وتجسيداً واقعيًّا لما ينطق به“,والداعية الحق ينساب في أعماق الحياة الحقة ؛ فيخرج منها باللؤلؤ والذخائر, فيأتي كلامه آية سماوية اصْطَفَتْ لها رسولا داعيا ليذيعها في العالم, ناطقة بأسرار الله في الخلق, وأسرار الخلق في الوجود. وفي إهابه تنساب همسات الغيب ؛ ومن ثم يكون إنسانا كبيرا أكبر من دنيا الواقع الذي يعيش فيه الناس، وأوسع من فسيح الفضاء الذي تبصره أعينهم, فمهما ترجم له المترجمون ووصفه الواصفون، وصفوا الشكل وفاتتهم الحقيقة ؛ وقد يكون هناك إنسان ضخم الرصيد يطوف بروحه المعنى الحقيقي للأديب، ولكنه مع ذلك لا يملك حصره في قوالب اللغة, ولو ملأ الدنيا عنه كلاما, وفي كل زمان يبتعث الله أحدهم مرشدا إلى الحقائق العليا في الحياة،بل يبتعثه من الحقائق العليا مناديا بأعلى مقاله ومعالي حاله نداء نوح-عليه ونبينا السلام والصلاة-أن اركبوا سفينة النجاة وإلا غمركم طوفان الفتنة حتى الممات, وتأثير صحبتهم يستمد وجوده بعد الكتاب والسنة من رجال التغيير والتجديد الذين عرفهم التاريخ للخير صُنَّاعا وللشر قُمَّاعا، ولم يعرف في التغيير الناجح غيرهم, فكانوا العمود الفقري في هياكل الشعوب، وضلوا شخوص حية حياة تطغى على الفوارق الزمانية ؛ فتجمع بين الماضي والحاضر في لحظة، ويبدو لها المستقبل من وراء نقاب شفاف. ورب كلمة من أحدهم تخلق أمة ناهضة، وتفتق أفقا مترامي الأطراف, وصحبتهم ومحبتهم تجددنا في عواطفنا, وانفعالاتنا وتأثراتنا, كما تجدد الحياة من حولنا. وجميع أساليب الحياة التي عرفناها تصير على إثر صحبتهم ذات قوة جديدة تعطينا القدرة على الشعور الحيوي بها كأنها طراز من الحياة جديد.
وقضت حكمة الله أن يتسم الدين بالغرابة في آخر الزمان حتى أصبح مفهوم الصحبة يتسم بشيء من الغرابة و الغموض لدى الكثيرين من دعاتنا، يحومون حوله دون أن يحققوا معناه، وينعكس غموض معناه في أذهانهم على أحاديثهم ومطارحاتهم، حيث يثيرون زوبعة أو زوابع من النقاش الحاد حول هذا المفهوم، بين معترف بشيء اسمه "المرشد المربي"، ومنكر له أشد الإنكار ، وهم على ترددهم بين الإنكار والاعتراف لا يعطون للصحبة مدلولها الصحيح, أما الذين نهلوا من المنبع الصافي على أيدي الأكابر، وهم العين الساهرة، والدرع الواقي, فقد سمت بهم الصحبة إلى أعلى الدرجات في الوقت الذي قعد الإنكار والتشكك بالآخرين في مهاوي الجمود, ولا زالت تسموا بالصادقين حتى احتضنت صاحبنا راكب سفينة النجاة، فشمر على التَحَقُّق بها تشميرا يشحذ همته كلما لانت، ويمده بسلاح كلما كلَّ الذي بين يديه، وهكذا استطاع بتوفيق الله اقتحام كل العقبات الكأداء، وتجاوز كل المحن، التي تسابقت لتعترض سبيله امتحانا من الله.وكان كلما اشتد عليه ظلام الفتن تَفْتَحُ له الصحبة كوة من نور وتُفَجِرُ له يَنْبوعا من الرحمة وتشق له طريقا ممهدا إلى الرضا، والثقة والطمأنينة، والراحة، في ومضة عين وفي نبضة قلب وفي خفقة جنان, وبهذه الصحبة النورانية نظر إلى أخلاق الإسلام على أنها من صميم دينه فأخذ يتحول إليها ما وجد إلى ذلك سبيلا،فرفعته أمام أنظارنا حتى صار خلقه ومُتَمَسَّكه القرآن,ولا زلت أتذكر دموعه المنهمرة وهي تتناثر عند كل آية يسمعها وأخرى يقرأها, وما أشد ضيعتنا ! وضيعة إنسانيتنا إذا تحجرت عندنا الدموع , وأصبحنا نقرأ قرآننا بقلوب فارغة وآذان فيها وقر، وعيون عليها غشاوة، فتلك هي الخسارة الكبرى. وكان بهذا -رحمه الله- إذا تكلم يمتاز عنا بعمق الإحساس لا بنوع الإحساس، وبسمو اللغة لا بحرفية اللغة ؛ فكانت له الصلاحية ليعبر عنا فيزيدنا شعورا بأنفسنا وظروفنا، وتصورا لمثلنا العليا، وإيمانا بآمالنا الكبيرة....
للقصة تتمة...


كتبه عاطف ويندي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين

المختار
16-02-2005, 00:26
مشاء الله بوركت يمينك اخي الفاضل عاطف رزقنا الله واياك اخلاص الصحبة للمصحوب حفظه

الله

خالد
17-02-2005, 02:49
بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على أشرف المخلوقات والمرسلين , وعلى آله وأصحابه الأخيار - الدين هم للسنة معيار - وعلى التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
بسم الله مجراها ومرساها أبدأ بالشكر والتقدير على ما قدمته - يا أخي عاطف - وأختم بسؤال استفساري..
-ما علاقة العنوان *نور الكلام وكلام النور * بما سردت في القصة السابقة * سفينة النجاة *
أخوك خالد يسألك الدعاء

عاطف
21-02-2005, 17:28
أكرمكم الله أيها الأحبة, ونفعنا جميعا ونفع بنا, أما عن علاقة العنوان – نور الكلام وكلام النور- بمضمون القصة - حقيقة الهداية – فظاهرة وجلية, إنها مدى تأثير الكلم في الدعوة إلى الله, هل التأثير بنورانية الكَلِم أو بجماليته أو معهما معا, وقد بينت أن الجمالية وحدها لا تعدو أن تكون مداعبة خيال, وإيماء إلى عاطفة, والأصل هو ما سميته الوطأة النورانية الشديدة التي تهز أعمدة الضمائر, قال الإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله :" كم من أبكم اللسان عليم القلب وكم من عليم اللسان أبكم القلب", والجمع هو الكمال ونحن في قرننا المبارك هذا طلاب كمال رزقنا الله وإياكم كمال الكمال. والحمد لله رب العالمين

عابرة سبيل
17-01-2007, 21:43
اللهم ارزقنا في دعوتنا نورانية الكَلِم و جماليته .واجعلها خالصة لوجهك الكريم وارزقنا يا الله كمال الكمال آمين

الهم يا فالق الحب والنوى أت أخي عاطف سؤله واجزه عنا ألف خير عن هذا المجهود القيم

عاطف
18-01-2007, 00:36
أمين أختي الكريمة ولك بالمثل وأفضل منه إنشاء الله

hasnaa
18-01-2007, 12:17
جزاك الله خيرا أخي عاطف
أسأل الله أن يعطيك أطيب ما في الدنيا محبة الله

hassane80
20-01-2007, 01:11
السلام على الأحباب لله ذرك يا عاطف
ما أراك إلا قد بحثت لك بين أدباء التاريخ مكان هو مستقبلك غدا
أتمنى لو تتحف الأحباب في هذا المنتدى وغيره بسلاسلك الذهبية من بديع مكتوباتك
لا تبخل على إخواننا بما كنت قرأته لك عندك
أخوك ومحبك أيمن

lahrech
20-01-2007, 11:04
جزاك الله خيرا أخي