مشاهدة النسخة كاملة : ... الصبر على الابتلاء ..صفة من صفات الانبياء



sami_2007
02-01-2007, 12:46
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم التنزيل ِ:( لعلك باخع نفسك ألاَّ يكونوا مؤمنين {3} ) الشعراء .
أيها الإخوة الكرام : لماذا هذا الخطابُ من الله إلى الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ؟

لأنه صلوات ربي وسلامه عليهِ كان من أشد الناس حرصاً على أن يؤمن الناس , وكان يجهد ويوصل ليله بنهاره , من أجل أن يُدخل الناس في الإسلام, ليُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وكان يجهد بدعوتهم إلى دين الله , وكان صلى اللهُ عليه وسلم يُتعبُ نفسهُ, ويُهلِكُ بَدَنـَهُ في الدعوةِ إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى, ولذلك خاطبه ربه فقال: ( فلعلك باخعٌ نفسك على آثارهم ) وتعني : أتقتل نفسك وتهلكها ! لأنهم لا يريدون الدخول في هذا الدين القويم !

ومن شدةِ حرصِهِ وتفانيهِ صلى الله عليه وسلم , ونصحه للناس , ورجائه لهم أن يخرجهم من الظلمات إلى النور, ومن غضب الله إلى رحمته ورضوانه , ومن التيه إلى الرشاد , ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة , فقد كان صلى اللهُ عليه وسلمَ يدعو أصحابه , ويدعو أعداءهُ , ويدعو الناس جميعاً في وقته وليس هذا وحسب , ولكن الرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم بما أخبر من الله سبحانه وتعالى عن حال الأمة في أزمنةٍ مقبلة غيرِ زمانِهِ . قد حذرنا قبل أربعة َعشرَ قرناً من الزمان من أمورٍ كان عليه السلام يحب ويرجو ويَجهد نفسه ألا نقع فيها ! لماذا؟ لأنه الرسول الكريم, والنبي الأمين , المبعوثُ رحمة للعالمين , ولذلك كان الرسول عليه السلامُ من قبل هذا الزمان ِكله , يخبرنا عن أمور تحصل في زمان غير زمانه , مثل قوله عليه السلام : ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) وقوله كذلك من حديث طويل:(..ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته, حتى إذا قيل انقضت عادت، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) .

الإخوة الأفاضل : ممَّ كان يحذر الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ؟ كان يحذر من اقتراف المعاصي , وارتكاب المنكرات , وإقرار الآثام , لأن كل الأحاديث , وكل العواقب التي أخبر عنها كان سببها المعاصي, فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : أقبل علينا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا معشر المهاجرين : خمس إذا ابتليتم بهنَّ , وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ , لم تظهر الفاحشة ـ الزنا ـ في قوم قط حتى يعلنوا بها إلاَّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ) .

وكان عليه السلام كذلك يخبر عن زمان , يصبح فيه الرجل مؤمناُ ويمسي كافرا , ويمسي مؤمناً ويصبحُ كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ) وكان يقول : ( سيأتي على الناس زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور, فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور ) . أي يخير فيه : بين أن يعجَزَ ويُبعد ويُقهر , أو أن يخرج عن طاعة الله عز وجل , فليختر العجز وجوباً , لأن سلامة الدين واجبة التقديم , كيف لا وقد أخبر البشير والنذير عن أزمنة الفتن فقال : ( ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان فلا تفارقوا الكتاب . ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم ، فإن عصيتموهم قتلوكم, وإن أطعتموهم أضلوكم . قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال : كما صنع أصحاب عيسى بن مريم ، نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب , موتٌ في طاعة الله خير من حياة في معصية الله ) صدق عليه السلام .

لماذا هذا الإخبار أيها الناس : ألمجرد الإخبار ؟ لا وربي ! ولكن الرسول صلى الله عليه وسلمَ لو أنه استطاع وكأنه يمد يده عبر الزمان والقرون حتى يُخرج الواحد منا من المعصية إلى الطاعة لفعل , ولكن هذه سنة الله سبحانه وتعالى في الأولين والآخرين, أن الرسول مبلغ للرسالة ! والناس إما مهتدٍ, وإما ضال ! إما مطيع, وإما عاص ٍلله سبحانه وتعالى ! وصدق الله : ( وما على الرسول إلاَّ البلاغ ُالمبين )

أجل أيها الإخوة الأكارم : هذه هي سنة الله في خلقه , وتلك حكمته , لا تبديل لكلماته .
أما اليوم أيها الإخوة الكرام : فأهل النصح, وأهل التغيير, وأهل القوة, وأهل السلطان , وأهل الكلمة , وأهل الأمر كله , ينظرون إلى الأمة فيما هي فيه, من المعاصي, والشقاء, والضنك, والعذاب, والإحتلال , والإستعمار, ومن الذل والتفرقة, نعم إنهم ينظرون بأمِّ أعينهم ! وكأنهم لا يرون ! والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان ينصح وكأنه يرى , ويسمع, ويتألمُ إلى ما آل إليه حالنا , وصار عليه أمرنا , ولكن لأنه من عند الله سبحانه وتعالى , ولأنه يوحى إليه .
أما اليوم أيها الإخوة الأفاضل : إنا لا ندري ! وإنا لنعجب كم يجبُ أن تسفك من الدماء؟! وكم يجب أن تبكي أمهات ؟ وتثكل من النساء ؟! وكم يجب أن يقتل من شيوخ وأطفال ؟! وكم يجب أن يزج في السجون من شباب ؟! وإلى كم من دويلةٍ يجب أن تقسم بلاد المسلمين ؟! وكم عدواً يجب أن يجترأ على بلاد المسلمين ؟ حتى يتحرك من بيدهم القدرةُ على تغيير حال الأمة من بعد إذن الله سبحانه وتعالى أن يتحركوا !

ويحهم !! ينظرون , وكأنهم عمي ! يسمعون , وكأنهم لا يسمعون ! الله أكبر! دماء غزيرة تسيل في فلسطين ! في كل يوم وفي كل ساعة ! لا تترك وسيلة للإعلان أو محطة تلفزيونية, أو إذاعية, أو صحيفة ! إلاَّ وتذكر قضية فلسطين , وتأخذ الحيز الأكبر من الأخبار بخيرها وشرها ! لا تمر ساعة حتى يقتل العشرات من المسلمين في العراق ! ولا تترك وسيلة إعلام هذه الأخبار إلاَّ وتذكرها ! وتصل إلى مسامع وأعين الناس جميعاً , بمن فيهم من يملك التغيير, من بعد إذنه سبحانه وتعالى , فما لهم لا يسمعون شيئاً , ولا يحركون ساكناً , لا ينتصرون لدين الله ! ولا تتحرك قلوبهم لعباد الله , هذه القلوب التي ربما قست ! لا ندري !!! لماذا, لا تحركها المصائب والويلات ! لا دموع النساء ! ولا بكاء الأطفال !
ولا يحركها منظر الدماء في شوارع عواصم المسلمين , ولا يحركها شيء !

هذا هو واقع الأمة في هذه الأيام ؟! نعم : إننا نعلمُ هذا, ونعلم أن دولَ الكفر كـُلـَّهَا مجتمعة على محاربة المسلمين جميعاً في بلادهم , ونعلم أن أمريكا وأوروبا وجميع دول الكفر تـُمِدُّ يهود بكل ما يُمَكـِّنـُهُم من السطوة على فلسطين ولبنان , ونعلم أن أمريكا تحتل أرض العراق , وأنها متحالفة مع عدد كبير من دول العالم الكافرة على المسلمين , نعلم هذا , ونعلم أن هذه الدول الكافرة قد أعدت كل قوتها , واستفذت مواردها , وسخرت طاقاتها , من أجل الحرب على الإسلام والمسلمين , وما فعلته أمريكا وحلفاؤها بالعراق وأفغانستان وغيرها لأكبر دليل على أنهم يحاربون الإسلام والمسلمين . نعم, نعلم هذا, وهي في سبيل هذا تستخدم كل أداةٍ ممكنة : هيئة الأمم المتحدة , ومجلس الأمن , والبنك الدولي , والقرارات الوضعية , والمؤتمرات العالمية والإقليمية , وجميع المؤسسات , نعلم هذا, ثم إننا نعلمُ أن حكام العرب والمسلمين ولا نستثني منهم أحدا , متآمرون مع الكفار على قضايا المسلمين , نعلم هذا , ونعلم أن حكاماً قد جعلوا من بلادهم جدراناً يحتمي من خلفها يهود , نعلم هذا , ونعلم أنهم زجوا الشباب المخلصين في غياهب السجون , وما جرمهم إلاَّ أن قالوا ربنا الله ثم استقاموا فساموهم سوء العذاب , نعم , نعلم هذا , وقتلوا المجاهدين بذريعة أنهم إرهابيون , وأنهم ضيعوا هذا الدين , ونعلم أنهم منعوا أموال المسلمين عن المسلمين وحالوا دون وصولها إليهم , ومنعوا المسلمين من التصرف فيها بحقها , نعلم هذا كله , ونعلم أن هناك جيوشاً رابضة في ثكناتها , وقد علا الصدأ أسلحتها , وهي لا تجاهد ولا تستنفر, من أجل نصرة دين الله سبحانه وتعالى , وإنما تقمع بشدة كل من حاسب حاكماً ! أو طالب بالتغيير , أو أنكر وجود الغزاة المستعمرين ببلاد المسلمين , ونعلم أن هناك ضباطاً أثقلت أكتافهم النياشين , ليس في حروبٍ خاضوها , بل رشوة في الدين , حتى يسكتوا عن ضلال الحكام , نعم , نعلم هذا كله .

ولكن أيها المسلمون : ليس في هذا كله ـ أي تآمر الحكام ـ وعداوة الكفار للإسلام, وتخاذل من بيدهم نصرة هذا الدين , لا يكون في هذا عذرٌ لك أيها المسلم بحال ! أن تعصي الله سبحانه وتعالى, وواللهِ الذي لا إله غيره , لقلب المؤمن ولسان حاله, بل ولسان مقاله ليقول: الجوع ُ والحصارُ والقتلُ وضنك العيش, والتشريد, أحبُّ إليَّ من معصية الله عز وجل, ومن معصية رسوله صلى الله عليه وسلم ,

وصدق الله العلي العظيم : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إَن ِاسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {24} ) التوبة .

أيها المؤمنون : إن تخاذل عنا المتخاذلون , فليتخاذلوا , هناك ربٌّ نتقاضى عنده , لا تضيع عنده الحوائج , ولكن يجب أن يكون حالنا تماماً كما الإيمان في قلوبنا , طاعة ٌلله سبحانه وتعالى , وصبر على البلاء , فقد صبر سيد البشر ونال من الأذى ما لم يحتمله بشر, فما داهن ولا هادن , ولا زاغ ولا ضل, ولا تحاكم للطاغوت , ولا استنجد بفارس ولا الروم, ولا كان الجاه ولا المال ولا المنصب يغويه, فيحيد عن سبيل الله, بل استقام على الطريقة حتى نصره الله وأيده , كيف لا وهو القائل:( من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة, ومن تشاعبت به الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك ) .

وأنتم أيها المؤمنون فإن لكم في رسولكم الأسوة الحسنى , والقدوة المثلى .

نسأل الله أن يرفع عنا البلاء, ونسأله أن يرفع عنا الكرب , ونسأله العفو والعافية, ونسأله سبحانه أن يفرج عنا, ولكن إن كان بدٌّ من العذاب , والحصار, والقتل , والجوع , وقطع الأعناق , وشح الأموال , فهو والله أحبُّ إلينا من المعصية التي نـُدعى إليها, ألا وهي معصية ُالإقرار للكفار بحقوقهم في بلاد المسلمين , والتعاون ِمعهم , وترك الإسلام إلى الرأسمالية , والديمقراطية , والعلمانية وغيرها من أنظمة الكفر, وإقرارٍ ليهود بحقهم في أرض فلسطين .

أيها الإخوة الأماجد : فلسطين للمسلمين , شئنا أم أبينا , أطعنا أم عصينا , فلنصبر فإن زماننا زمنُ الفتن والإبتلاءات والتمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب . فإما أن ندخر المخالفة والمعصية , والعياذ بالله . وإما أن ندخر طاعة الله ورسوله فننال الرضا. فلنتق الله في عقيدتنا , وديننا, وأمتنا , وبلادنا , ولنحافظ على أماناتنا , ولنتذكر أساسيات في عقيدة الإسلام والمسلمين , والتي منها تحريم التفريط بأي شبر من أراضي المسلمين . فالصبر الصبر, والثبات الثبات , فالصبر مفتاح الفرج , والنصر صبر ساعة, والنصر بيد الله سبحانه وتعالى: ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم , وأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يُخلف وعده ـ حاشا لله ـ وصدق الله : ( إنَّا لننصُرُ رُسُلنا وَالذِينَ آمَنـُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا وَيَوْمَ يَقومُ الأَشهَادُ {51} يَومَ لا يَنفعُ الظَّالِمِينَ مَعذِرَتـُهُمْ وَلهُمُ اللعنة ُولهُمْ سُوءُ الدَّارِ {52} ) النور .

أيُّها الإخوة ُالعقلاءُ : روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن النصر مع الصبر, وإن الفرج مع الكرب , وإن مع العسر يسراً )
فاسمعوا جيداً إخوتي في الله وتنبهوا : أن النصر ليس مقصوراً على الرسل , بل ومعهم الذين آمنوا في الحياة الدنيا , وليس فقط في الآخرة. وإنما في الحياة الدنيا كذلك , وعدنا بالنصر والظفر والتمكين في الأرض كل الأرض, فثقوا بوعد الله , إن الله لا يخلف الميعاد .
اللهم ثبتنا على الطاعة , واجعلنا مولانا من الصابرين , واكتب لنا أجر صبرنا , اللهم يا ربنا إن كان من بد, فحبب إلينا العذاب في سبيلك , والفقر والجوع في طاعتك , وكره إلينا مولانا الرخاء والنعماء في معصيتك ربِّي ربَّ العالمين , اللهم عجل بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة , واجعلنا اللهم من العاملين لإقامتها , اللهم نجي المسلمين جميعاً من حبائل أمريكا وأوروبا ويهود ومن كل من يكيد لهم , واجعل اللهم كيدهم في نحرهم , واجعل تدميرهم في تدبيرهم .
احبكم فى الله

المختار
03-01-2007, 15:45
جزاك الله خيرا أخي الفاضل

hasnaa
03-01-2007, 15:57
جزاك الله خيرا أخي الفاضل

sami_2007
04-01-2007, 12:57
اشكركم ياخوانى على الردود القيمة واتمنى لكم مسيرة موفقة انشاء الله

abdelkader
09-01-2007, 13:13
السلام عليكم جزاك الله كل خير اخي والله الموفق