مشاهدة النسخة كاملة : سؤال الصحبة عند الحركة الإسلامية



تياسير
02-03-2005, 13:45
سؤال الصحبة عند الحركة الإسلامية

د. المصطفى مسالي الكــاتب


"لو صدق عزمك، قذفتك ديار الكسل، إلى بيداء الطلب، كان سلمان أعجميا، فلما سمع بنبي عربي، سار بدوي القلب". المدهش

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه

سؤال الصحبة عند الحركة الإسلامية
"لو صدق عزمك، قذفتك ديار الكسل، إلى بيداء الطلب، كان سلمان أعجميا، فلما سمع بنبي عربي، سار بدوي القلب". المدهش

(1)

أن تبحث عن من يدلك على الله عز وجل بداية الطريق، أن تكون لك حاجة وإلحاح في الطلب مقدمات أساسية لكل سلوك ولكل حركة فحياتك ضياع لا معنى لها إن لم تظفر بمن يعرفك بالله عز وجل، ولابن الجوزي: لو صدق عزمك، قذفتك ديار الكسل، إلى بيداء الطلب، كان سلمان أعجميا، فلما سمع بنبي عربي، سار بدوي القلب(1) صعد القوم ونزلت، وجدوا في الجد وهزلت.

الصحبة أولا يا أيتها الحركة الإسلامية. إلى أين يركض بك الليل والنهار، أإلى مطالب سياسية أرضية، أم إلى طلب وجه الله عز وجل؟ ما عنوانك في لائحة المتبتلين الذاكرين المذكرين؟ ما نصيبك من صحبة سيد المرسلين؟

لابد أن تجد الحركة الإسلامية المنتصرة بإذن الله عز وجل وهي في قرن التجديد، قرن الخلافة على منهاج النبوة لسؤال الصحبة جوابا، وإلا فإن سلوكها وتفكيرها وإن كانا طيبين فإن روحيهما واتجاهيهما غائبين، عبثا تحاول الحركة الإسلامية الخروج مما تتخبط فيه ما لم تجب عن السؤال الأول والمحوري سؤال الصحبة، سؤال التربية الإحسانية الإيمانية، وهي لا زالت تدفن رأسها في الرمال، وتحفر دون الإجابة عن السؤال الحقيقي والمحوري المتاريس، وهذا لن يخرجها من حيرتها والله سبحانه وتعالى يهيئ جنده، وهذا ما لم يدركه كثير من الإسلاميين فانشغلوا باليومي عن الأمر الجلل الأعظم، معرفة الله عز وجل، ولكنني أعتقد أن الربانية والربانيين قادمون وسيتجاوزون الجميع بإذن الله عز وجل، سيجمع العارفون بالله الشمل وسيقودون الركب عما قريب بإذن الله عز وجل.

إن الحركة الإسلامية معرضة للانتكاس إن لم يقدها المحسنون، العارفون بالله عز وجل فالمؤمنون مهما على إيمانهم معرضون لنوازع الاختلاف.

كيف يمكن أن يكون لدينا محسنون بدون صحبة؟ أم كيف تعرف العارفين بالله إن لم تكن منهم؟
الصحابة صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، من نصحب نحن؟ الإجابة عن هذا السؤال محورية يا من يتصدى لتغيير ما بالأمة، كيف يداوي العليل غيره؟ أم كيف يغير ما بالناس من لم يغير ما بنفسه؟
إن أول الطريق هبوب القلب من غفلته ورقدته. أي قلب هو قلبك؟
بداية الطريق يقظة قلبية عبر صحبة ربانية في جماعة مباركة نورانية على مشروع جهادي مقتحم.
سلوك الطريق بلا صحبة مغامرة غير محسوبة العواقب.

تعالى معي يا أخي وأختي لجلسة لطيفة مع أهل المعنى الحريصين على دينهم يحدثوننا عن هذا الخبر المنسي في كتابات الإسلاميين وتنظيراتهم وكان أكابر الرجال في يوم من الأيام كانوا يلعبون بدينهم عندما زحفوا على الركب في مجالس القوم، أو عندما كتبوا إحياء علوم الدين، والمنقذ من الضلال، وتأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية، وعندما ذهبوا للبحث عن من يدلهم على الله عز وجل وهم من هم في المعرفة والعلم.

استمع يا أخي يا ابن الحركة الإسلامية، يا من لا خبر له عن موضوع غيبته عاصفة الإسلام الفكري التي أطفأت ما كان مشتعلا من كوانين القلوب ومجاميرها.

(2)
يقول الإمام عبد القادر الجيلاني قد الله سره: خذ مني دواء لمرض دينك، واستعمله وقد جاءتك العافية. من تقدم كانوا يطوفون الشرق والغرب في طلب الأولياء والصالحين الذين هم أطباء القلوب والدين. فإذا حصل لهم واحد منهم طلبوا منه دواء لأديانهم"(2)
في هذه الجلسة اللطيفة نقف مع هؤلاء الأكابر العظام الذين ذهبوا ليبحثوا عن أطباء لقلوبهم ولدينهم، عسى وعسى أن تستيقظ فينا همة طلب ما عند الرجال.

هاهو ذا الإمام السيوطي جامع علوم عصره، البالغ درجة الاجتهاد، صاحب المشروع الضخم في جمع الحديث وتخريجه، ما باله ينقاد للمشايخ المربين، ويذهب ليلتمس صحبة السادة الشاذلية، ويكتب كتابا في الإشادة بالطريق الشاذلية يقول في مقدمته:"اعلم -وفقني الله وإياك- أن علم التصوف في نفسه علم شريف، رفيع قدره، سني أمره، لم تزل أئمة الإسلام وهداة الأنام قديما وحديثا يرفعون مناره، ويجلون مقداره، ويعظمون أصحابه، ويعتقدون أربابه فإنهم أولياء الله وخاصته من خلقه بعد أنبيائه ورسله"(3)

رحم الله السادة الصوفية فقد حافظوا على هذا اللب لكنهم انزووا وانكمشوا عن ميادين الجهاد هو أمر لا نقبله، بل نموذجنا العالي الغالي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين جمعوا بين معاني الإقبال على الله عز وجل ومعاني الجهاد والتشمير لإقامة شرع الله عز وجل في الأرض فجمعوا بين الغايتين: الغاية الإحسانية: طلب وجه الله، والغاية الإستخلافية: إقامة العدل في الأرض.
هل كان الإمام السيوطي رضي الله عنه يهرف بما لا يعرف؟ هل ذهابه لصحبة القوم رضي الله عنهم سياحة وترف فكريين، أم أن هناك مادة نورانية لا توخذ من الكتب بل من قلوب أهل الصفاء والوفاء؟

جهبذ آخر من جهابذة هذه الأمة هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رضي الله عنه الجبل الراسخ الذي لا يسع المفكر ولا العالم ولا الفقيه ولا الصوفي ولا السياسي ولا الباحث عن أسرار النفس البشرية ولا المؤرخ للفكر الإسلامي والإنساني أن يمروا به مر الكرام(4)، ما باله يترك الجاه والمنصب بحثا عن متبوع مقدم، يؤدي الرجل شهادته بكل صدق وأمانة، وبكل بساطة وسذاجة وهو الفيلسوف البارع في فنون الجدل والمناظرة، يقدم لك هذه الشهادة على طبق من ذهب في كتابه التحفة المنقذ من الضلال عد إلى الكتاب لعل وعسى تستيقظ في قلبك جذوة الطلب والإقبال على الله عز وجل، وتحدث نفسك بأن تلحق بالصالحين أولياء الله عز وجل، وتسلك طريق الرجال ذوي الهمم السامقة الذين تعطرت بأنفاسهم الأزمان.

استمع إلى الرجل الذي ضاقت به الدنيا، وذهب آخر الأمر إلى رجل يعلمه دينه، يقول في كتابه المنقذ من الضلال الصغير الحجم العظيم الفائدة:" ثم إني لما فرغت من هذه العلوم ( العلوم النقلية و العقلية في عصره قتلها دراسة ونقاشا) أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم لا تتم إلا بعلم وعمل. وكان حاصل علمهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخلاقها المذمومة، وصفاتها الخبيثة، حتى يتوصل إلى تخلية القلب عن غير الله، وتحليته بذكر الله.(...) فلم أزل أفكر فيه مدة، وأنا بعد على مقام الاختيار أصمم العزم على الخروج من بغداد، ومفارقة تلك الأحوال يوما( الأحوال التي كان فيها هي منصبه المرموق مدرسا في النظامية، أكبر جامعة في بغداد وسمعته كفقيه تشد لفتواه الرحال). قال: وأحل العزم يوما، وأقدم فيه رجلا وأؤخر عنه أخرى.

لا تصدق لي رغبة في طلب الآخرة بكرة إلا وتحمل عليها جند الشهوة حملة فتفترسها عشية. فصارت شهوات الدنيا تجاذبني بسلاسلها إلى المقام، ومنادي الإيمان ينادي الرحيل فلم يبق من العمر إلا القليل وبين يديك السفر الطويل وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل. فإن لم تستعد الآن لٍلآخرة فمتى تستعد؟ وإن لم تقطع الآن هذه العلائق فمتى تقطع؟ وعند ذلك تنبعث الداعية، وينجزم العزم على الهروب والفرار. ثم يعود الشيطان ويقول: هذه حالة عارضة، إياك أن تطاوعها، فإنها سريعة الزوال. فإذا أعرضت عنها وتركت هذا الجاه العريض والشأن المنظوم الخالي عن التكدير والتنغيص، والأمن الصافي عن منازعة الخصوم، ربما التفتت إليه نفسك، ولا يتيسر لك المعاودة".

مرض الرجل بعد ذلك، فلما برأ من أمراض جسمه خرج من بغداد يبحث عن رجل يدله على الله عز وجل، بعد أن أعياه البحث عن الحق في بطون الكتب.
وكما قال ابن البنا رحمه الله في مباحثه:
إياك أن تطمع أن تحوزه من دفتر أو شعر أو أرجوزة
وقال أيضا:
ما نالها ذو العين والفلوس وإنما تباع بالنفوس
فمن باع نفسه كما فعل أمثال الغزالي لولي مرشد كامل حكمه على نفسه، أشرقت عليه أنوار المعارف، وأدرك من منن الله ما لا يحيط به وصف واصف.

ندع من أعرض عن طلب ما عند الرجال وتخليص نفسه من هوس الغفلة والبعد، واستلقى على قفاه سخرية بما حير الأكابر، ندعه ينطح في صخرة الغزالي، ندع هذه الورقة اليابسة تسقط من شجرة الحياة ونمضي في جلستنا اللطيفة المباركة.

تعج كتب الطبقات بالأكابر من هذه الأمة والذين رحلوا في طلب الرجال، فقد لبس القسطلاني صاحب المؤلفات المشهورة خرقة التصوف من الشيخ شهاب الدين السهروردي وكان فرحه كبيرا بلقائه(5) وهذا تقي الدين ابن دقيق العيد، الذي بلغ درجة الاجتهاد المطلق، سلك طريق القوم على يد الشيخ الصالح كمال الدين بن عبد الظاهر الهاشمي وكانت له كرامات كثيرة(6)، وللتقي السبكي إمام عصره شيخ شاذلي ألا وهو السيد أحمد المعروف بابن عطاء الله السكندري رضي الله عن الجميع(7) نجد أيضا الحافظ المفسر ابن كثير رحمه الله وهو ممن كان ينكر على الصوفية، رجع في أخريات عمره وتتلمذ ودخل في صف الشاذلية(8)، الإمام الشوكاني أيضا رضي الله عنه أخذ وتلقى على يد شيخ صوفي، يقول في كتابه البدر الطالع متحدثا عن شيخه في طريق القوم السيد عبد الوهاب الحسني الموصلي.قال: وقدم إلينا في صنعاء سنة 1234 وكثر اتصاله بي. وهو جامع بين علم الأديان و الأبدان، جيد الفهم فصيح اللسان، حسن العبارة، حسن الإشارة(9) ويقول: وقد تلقيت منه الذكر على الطريقة النقشبندية(10).

نختم هذه الصفحة المشرقة من بحث أكابر هذه الأمة عن الحق بسلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله الصائل بعلمه في المجالس، المدافع عن كلمة الحق، يحكي عنه ابن دقيق العيد، أنه: لبس خرقة التصوف من شهاب الدين السهروردي وأخذ عنه. وذكر أيضا أنه: كان يقرأ بين يديه رسالة القشيري فحضره مرة الشيخ أبو العباس المرسي لما قدم من الإسكندرية إلى القاهرة، فقال له الشيخ عز الدين: تكلم عن هذا الفصل. فأخذ المرسي يتكلم والشيخ يزحف في الحلقة ويقول: اسمعوا هذا الكلام الذي هو حديث العهد بربه(11).

لماذا يخرج أمثال الغزالي عن الجاه العريض، والرياسة العلمية، ويترك الأهل والوطن ليلقى متبوعا مقدما؟ لم يزحف سلطان العلماء العز بن عبد السلام أمام المشايخ وهو الذي ترتعد منه فرائس الملوك ويجثوا بين يديه الأمراء والكبراء؟ من هو السيوطي يشيد الطريقة الشاذلية ويتتلمذ للصوفية؟

تمر بين عيني القارئ السالي الفارغ الفؤاد راحة من طلب المعالي أمثولات الرجال فلا يتحرك فيه حس المنافسة ولا خشية أن يفوته الأمر الجلل الذي تزاحمت عليه الفحول، وتخاصمت، وتناظرت، وتسابقت.
فهل من همــم عاليـــــة تسمــــع، وتهــــب، وتلتــــاع؟(12)

(3)
يقول الإمام عبد القادر الجيلاني قدس الله سره: " يا منافق طهر الله عز وجل الأرض منكٍٍَ، أما يكفيك نفاقك حتى تغتاب الأولياءً والصالحين بأكل لحومهم، أنت وإخوانك المنافقين عما قريب تأكل الديدان ألسنتكم ولحومكم، وتقطعكم وتمزقكم.(...) لا فلاح لمن لا يحسن الظن بعباد الله عز وجل وبعباده الصالحين ويتواضع لهم. لما لا تتواضع لهم وهم الرِؤساء والأمراء؟ من أنت بالإضافة إليهم؟ الحق عز وجل قد سلم الحل والربط إليهم. بهم تمطر السماء وتنبت الأرض"(13).

نطوي صفحة مشرقة من بحث كبراء هذه الأمة الأوائل عن المصحوب الكامل المكمل، لنفتح صفحة أخرى من حضور هذا الهم المتفاوت في كتابات من تصدى للدعوة من أبناء الحركة الإسلامية المباركين.

نقف مع كبير من كبراء هذه الأمة وهو الإمام البنا رضي الله عنه ليدلي بشهادته في هذا الموضوع، يقول الإمام رضي الله عنه: " وظللت معلق القلب بالشيخ الحصافي رحمه الله (...) وواظبت على الحضرة في مسجد التوبة كل ليلة، وسألت عن مقدم الإخوان فعرفت أنه الرجل الصالح التقي الشيخ بسيوني العبد التاجر فرجوته أن يأذن لي بأخذ العهد عليه ففعل". ثم التقى بعد ذلك بشيخ الطريقة الحصافية الشيخ عبد الوهاب فيقول عنه: " فجزى الله عنا الشيخ عبد الوهاب خير الجزاء، فقد أفادتني صحبته أعظم الفائدة"(14)

هذه الصحبة المباركة هي التي كان لها الأثر الكبير على الإمام البنا وجماعته، لكن وللأسف الشديد لم يولي الإخوان بعد البنا رضي الله عنه لهذا الأمر العظيم كبير اهتمام، وبقي الأمر بعده احتفالات كلامية، واستعراض لكرامات الرجل وروحانيته العالية الغالية، كلام في كلام، ولم يتحول الأمر إلى أثر في حياة الأفراد وحركة الدعوة، وإن الله الوهاب المنان قادر أن يبعث أوليائه ليقودوا الركب، ويطيبوا الأنفاس ويطردوا الوسواس الخناس.

يمثل الشيخ سعيد حوى أسعده الله معلمة بارزة في فكر الإخوان المسلمين، رجع الرجل في كتبه الأخيرة إلى علم السلوك، وهو تحول نوعي في فكر الحركة، اتخذ الرجل له شيخا وهو محمد الحامد رحمه الله فكتب: تربيتنا الروحية، والمستخلص في تزكية الأنفس، ومذكرات في منازل الصديقين والربانيين بعد أن سمع من شيخه أن الإمام البنا كان يدرس الحكم العطائية وهي من نفائس الكلام لقلة من أخصائه.

الإمام البنا رضي الله عنه يدرس الحكم العطائية، حديث الرجال عن الرجال، من أين تلقى الإمام البنا هذا العلم ليجلس مجلس الحكم العطائية، أليس من صحبة الرجال، الأمر ليس مجرد معلومات وإقناع فكري بل هو إقناع قلبي عقلي وجداني أفاضه جيل على جيل، وجليس على جلساء، ومحبوب في الله على محبين.

وحفظ الله الدكتور سعيد رمضان البوطي، وهو من القلائل الذين يجسرون على التحدث في هذا الموضوع الهام، وهو يواصل شرحه للحكم العطائية الشرح الممتع البسيط، عد أخي إلى الرجل وهو جالس في محراب الحكم العطائية، فبذكر الصالحين تتنزل الرحمات.
الشيخ حوى أسعده الله حاول لكن اجتهاده لا يعدوا عند أهل الفن والاختصاص مجرد فقه تبركي بعيد كل البعد عن الوصول إلى المعرفة، فسلوك الإحسان والربانية لا تنفع معها الإجازات والشهادات، إنما هي وهب إلهي وعطاء ومنة، فكيف تعرف العارفين بالله ولست منهم؟

نقف مع فارس من فرسان الدعوة المعاصرين الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، نتلمس من خلال بعض مؤلفاته رأيه في الموضوع(15)، يتحدث الرجل في مقدمة سلسلته والتي عنونها بتيسير فقه السلوك في ضوء القرآن والسنة عن تعرفه المبكر على التصوف من خلال كتبه، ويعتبر الإمام الغزالي رضي الله عنه أول شيخ له، ويتحدث عن اتصاله بدعوة الإخوان وتوجهاتها الربانية، وانتمائه لكتيبة الذبيح والتي أسسه البهي الخولي رحمه الله، وفي مذكراته وأثناء حديثه عن كتيبة الذبيح يمر مر الكرام على الشرط الأساسي والأول في السلوك قائلا:

" ولقد فكر الأستاذ البهي في أن يصطفي نخبة من خيرة شباب الإخوان، يدنيهم منه، ويربيهم في مدرسته، ويلقنهم فكره وذوقه، ويأخذهم بعزائم السلوك. فقد أكد رجال التربية الروحية حاجة المريد إلى شيخ يأخذ عنه، ويقتبس من نوره، وأن صحبة الشيخ لا يغني عنها قراءة الكتب..."(16)، ويتحدث الفارس حفظه الله عن حاجة العاملين للإسلام إلى الحياة الربانية والتربية الإيمانية، لكن الرجل لا يحدد الكيف، يقول حفظه الله: لقد تبين لي من خلال التجربة العملية، والممارسة الميدانية، مع عوام الناس ومع مثقفيهم، مع الغافلين منهم، ومع العاملين في الجماعات الإسلامية المختلفة، أن الجميع أفقر ما يكون إلى تربية إيمانية صادقة، تغسل قلوبهم من حب الدنيا، ومن حب أنفسهم، وتأخذ بأيديهم إلى الله تبارك وتعالى، وتحررهم من العبودية للأشياء وللأهواء وللأوهام، ليعتصموا للعبودية لله وحده..."(17)، يردد الرجل طوال هذه المقدمة لهذه السلسلة المباركة حاجة الحركة الإسلامية إلى " التزكية"، إلى " ربانية نقية"، لكن كيف بابن الحركة الإسلامية أن يحظى بهذه التزكية؟ بهذه الربانية النقية؟ كيف له أن يتشافى من فقر التربية الإيمانية الصادقة؟ هذا ما لا تجد له جوابا عند فارسنا حفظه الله.

التزكية والربانية النقية لهما أربابهما وبدون صحبتهم لن يكون لك من الأمر شيء وإن ظللت تردد حاجة وضرورة وأهمية الأمر، يقول أهل الفن وجهابذة السلوك: " اصحب أرباب القلوب حتى يصير لك قلب. لا بد لك من شيخ حكيم عامل بحكم الله عز وجل يهذبك ويعلمك وينصحك"(18)

لابد لك من ولي مرشد يهذبك.
حام فارسنا حول المرعى الخصيب وما رتع، وحام حول الورد وما ورد، وبقي شعوره بالإنتماء للحوزة وتوقيره لرجالها وسام شرف له.

عد أخي واقرأ شهادة الرجل ومخاصمته للسلفية في هجومها المفتوح واللامحدود، على أهل التربية والسلوك(19).

رجل آخر من رجالات هذه الأمة المباركين، تخصص في ميدان فقه الدعوة فأفاد وأجاد، وقعد لفقه الدعوة تقعيدا قل نظيره بأسلوبه الشيق الممتع، إنه الأستاذ محمد أحمد الراشد حفظه الله، الذي هذب مدارج السالكين للإمام ابن القيم الجوزية رضي الله عنه تهذيبا رائقا وممتعا. نجد الرجل قد نخل كتب القوم بحثا عن المعاني اللطيفة الدقيقة، مقعدا لفقه الدعوة، لكن الرجل لا يفصح عن تفاصيل المطلب الإحساني الذي بدونه تنهد أركان الدعوة، ليبقى حديث الرجل عموميات، وحث عام عن ضرورة المقدمات التربوية لكل تغيير، لكن الحث على هذه المعاني شيء وصحبة الرجال شيء آخر، فمن لا يرى المفلح لا يفلح.

يقول المشفق المحب ابن القيم رضي الله عنه: " لا ريب أن عيش المشتاق منغص حتى يلقى محبوبه. فهناك تقر عينه، ويزول عن عيشه تنغيصه، وكذلك يزهد في الخلق غاية الزهد لأن صاحبه طالب للأنس بالله والقرب منه. فهو أزهد شيء في الخلق، إلا من أعانه على المطلوب منهم، وأوصله إليه. فهو أحب خلق الله إليه. ولا يأنس من الخلق بغيره، ولا يسكن إلى سواه. فعليك بطلب هذا الرفيق جهدك. فإن لم تظفر به فاتخذ الله صاحبا ودع الناس كلهم جانبا"(20).

نقول: إن لم تظفر به فالجأ إلى باب المولى ليدلك عليه، ويدلك على الدال عليه، في أهل عصرك من يدل على الله عز وجل فاسأل المولى الكريم المنان حشاه يخيب ظنك، يا رب من الدليل عليك؟

(4)
لا يزال تصور الكثير من الإسلاميين لمطلب الصحبة والتزكية الإيمانية غامضا.
قليل في زماننا هذا من الإسلاميين من يجسر على التحدث عن الصحبة والذكر والانقياد للمشايخ، سكوت مريب عن لبنة كبرى من اللبنات التي أسس عليها الرسول صلى الله عليه وسلم جماعته الأولى من المهاجرين والأنصار.

وتبقى كلمة صحبة في حيز مظلم في تفكير إخواننا العاملين، يحيط بها الشك والإبهام والحذر، وفي غالب الأحيان الرفض والعداوة والقتال.

ما العمل إذا وجدت جماعة فها أفراد من المؤمنين والمؤمنات يصدقون بخبر السلوك، ويتوقون إلى السلوك، ويرجون الكمال والقرب من الله، ولم يوجد شيخ بالمؤهلات المطلوبة(21)؟

ما السبيل لاجتماع الصحبة بالجماعة؟

ما العمل إذا وجد ت جماعة قائمة بهياكلها وأجهزتها وبرامجها، وهناك خارج الجماعة شيخ رباني. ما لعمل؟ أن ينخرط الشيخ في الجماعة أم تنخرط الجماعة كما هي في الشيخ؟ أيؤدي له الأفراد الطالبون له البيعة الصوفية أم يؤدي هو للجماعة البيعة الجهادية؟ وإذا تعارضت تعاليم الشيخ مع أوامر الجماعة وبرامجها أنضحي بالتربية ونطرد الطبيب، أم نضحي بالجماعة وندعها تتفتت وتندرج في سلك نقابة صوفية أوطرقية موصوفة(22)؟

نترك الإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى والقضايا العظمى ريثما يرتفع الفهم لها والوعي بضرورتها عند العاملين للإسلام، إلا أننا مع ذلك نِأكد على ما يلي:
1- لا بد للعاملين للإسلام أن يعوا أن الوصلة الصحيحة بين الصحبة والجماعة قيادة ربانية واحدة لا متعددة.
2- عليهم أن يعرفوا أن المؤهل لقيادة الركب هو العارف بالله الكامل المكمل الذي معه رأس الأمر كله، نور الكشف وروح العلم وتوفيق الله عز وجل.
3- لا بد من توحيد تربوي يسموا بالكل، لا يضيره التعدد الفكري الاجتهادي المتعدد(23).

وفي انتظار أن يخرج الله الولاية وأهلها من مكامنهم، نتعاون مع إخواننا العاملين فيما اتفقنا فيه
ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه.

اللهم إنا نسألك هداية من عندك تقينا بها من الزلل آمين.
لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
--------------------------------------------------------------------------------


المنـا بـع:
1- المدهش، ابن الجوزي، ص484
2- الفتح الرباني، ص160
3- تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية، ص8
4- الإحسان، الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين، 1/49
5- طبقات الشافعية، 5/18
6- نفس المرجع، 6/143
7- البدر الطالع، 1/107-108
8- البرهان الجلي، ص50
9- البدر الطالع، 1/406-407
10- نفسه، 1/408
11- طبقات الشافعية، 5/83
12- الإحسان، 1/74
13- الفتح الرباني، ص68
14- مذكرات الدعوة والداعية، ص13-14
15- أنظر له سلسلة تيسير فقه السلوك في ضوء القرآن والسنة في ثلاثة أجزاء، التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا،ابن القرية والكتاب ملامح سيرة ومسيرة
16- ابن القرية والكتاب، ص283
17- في الطريق إلى الله، الحياة الربانية والعلم، ص18
18- الفتح الرباني، الإمام عبد القادر الجيلاني، ص105
19- الحياة الربانية والعلم، يوسف القرضاوي، ص20
20- مدارج السالكين، 2/54
21- الإحسان، 1/248
22- نفسه1/249
23- نفسه1/251




:)

أشرف
02-03-2005, 18:21
مررررحبا بك أخي الفاضل في منتداك
وجزاك الله كل خير على المشاركة القيمة
ننتظر منك المزيد

hassan_1677
02-03-2005, 23:03
شكرااخي على هذه المشاركة
واصل .

anass
19-03-2005, 14:27
بارك الله فيك أخي وجزاك المولى كل خير

amal
19-03-2005, 15:51
جزاك الله كل خير على المشاركة القيمة بارك الله فيك أخي واصل

hassan_1677
20-03-2005, 12:59
الصحبة مفتاح

abolamin
20-03-2005, 13:27
جزاك الله كل خير على المشاركة القيمة بارك الله فيك أخي الكريم