مشاهدة النسخة كاملة : شمائل الرسول صل الله عليه وسلم



أبو خولة
05-03-2005, 14:14
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم ، وموضوع درس اليوم تجمُّله صلى الله عليه وسلَّم.وسيتبع إنشاء الله بدرروس أخرى:
فكان صلى الله عليه وسلَّم يتجمَّل ، ويأمر أصحابه بالتجمُّل ، ويأمرهم أن يكونوا بمظهرٍ حسن ، وهذا يعني نظافة البدن ، ونظافة الثوب ، وترجيل الشعر ، وقصَّ الأظافر ، وأناقة الثياب، هذا هو التجمُّل ، وكل إنسان يتجمَّل بقدر إيمانه ، فكان عليه الصلاة والسلام يتجمَّل ويأمر أصحابه بالتجمُّل ، فقد روى البيهقي أنه كانت له حُلَّةٌ يلبسها للعيدين والجمعة .
فبصراحة المؤمن الكامل له ثياب جديدة يرتديها في المناسبات ، لأن المؤمن لا يمثل شخصه ، بل يمثِّل هذا الدين الذي ينتمي إليه ، فلا ينبغي أن يكون في ثيابه خطأ فاحش ، ولا في ثيابه سبب للازدراء ، والنبي عليه الصلاة والسلام كانت له حلةٌ يلبسها للعيدين والجمعة ، وثياب خاصَّة ، الآن لابدَّ من ثياب في عقد قِران ، وفي احتفال ، وفي يوم العيد ، وفي زيارة ، وفي اجتماع ، وفي مقابلة مع شخص ، لأن الإنسان حينما تدخل على مجتمع ، أو حينما تلتقي بإنسان، وأنت ساكت يقيِّمك من ثيابك ، فإذا تكلَّمت نسي ثيابك ، فإذا عاملته نسي كلامك .
مظهر ، ثم كلام ، ثم معاملة ، والمعاملة تنسي الكلام ، والكلام ينسي الهَيْكَل ، فإنسان أنيق تكلَّم كلمات بذيئة لا قيمة لأناقته ، أذكر مرَّة إنسانًا يرتدي ثياب جميلة ، وتكلَّم كلامً بذيئًا ، فقال له واحد من وجهاء الأحياء : " إما أن تحكي مثل لباسك ، أو تلبس مثل كلامك " ، فلا يتناسب كلامك مع لباسك ، إما أن تتكلَّم مثل لباسك ، فلباسك أنيق فتتكلَّم كلامًا أنيقًا ، وإما تلبس لباسًا مبتذلاً مثل كلامك المبتذل ، فالمؤمن يمثِّل هذا الدين ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : "أنت على ثغرةٍ من ثغر الإسلام فلا يؤتينَّ من قِبَلك " .
فكل مؤمن صادق يشعر أنه يمثِّل هذا الدين ، وسفير هذا الدين ، واللِه الذي لا إله إلا هو ستحاسب من نظافة بدنك ، ومن نظافة ثوبك ، و من مواعيدك ، ومن أمانتك ، ومن دقة كلامك ، سبحان الله ! المؤمن بالذات دائماً أعداء الدين يسلِّطون عليه الأضواء ، فالأضواء الشديدة كلُّها مسلَّطة عليه ، فإذا ارتكب صغيرةً أقاموا عليه القيامة ، وأقاموا عليه النكير ، فإذا أردت أن تكون سفيراً لهذا الدين فكن في المستوى اللائق ، وقد ورد في الحديث القدسي : "إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه " .
( من المأثور : عن " جبر بن عبد الله " )
قصَّة سأرويها لكم : كنت أصلي صلاة المغرب إماماً في جامع النابلسي ، وسيارتي بالمنطقة الصناعيَّة أريد أن أذهب لأستلمها ـ كانت بالتصليح ـ فصلَّى وراءنا أخ صاحب سيارة عمومي ، قلت له : أتوصلني إلى المنطقة الصناعيَّة ؟ أنا صليت إمامًا فيه ، كمد واضطرب وارتبك ، ماذا ذهب إلى ظنِّه ؟ أنني لن أعطيه أجرة ، فلما انحرج أوصلني على مضض ، فكان المبلغ سبعة عشر ، فناولته خمسة وعشرين ، فصغر ، فإذا كنتَ رجل دين تركب من غير أجرة؟ تعطي أقل من حق الناس ؟ هكذا هو أخذ الفكرة ، فعندما أعطيته ثلث المبلغ زيادة صغر ..
" أنت على ثغرةٍ من ثغر الإسلام فلا يؤتينَّ من قِبَلك " .
" إن هذا الدين ارتضيته لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه " .
( من المأثور : عن " جبر بن عبد الله " )
فأنت تمثِّل هذا الدين فكن سخيًّا ، كريمًا ، صادقًا ، لأن كل الكلام لا قيمة له ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يتجمَّل ويأمر أصحابه بالتجمُّل ، وروى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلَّم له حلةٌ يلبسها للعيدين والجمعة ، إذاً فواجب على كل واحد من إخواننا المؤمنين أن تكون له ثياب أنيقة ، أنا لم أقل غالية ، أنيقة ، أي نظيفة ، فإذا كان يلبس ثيابًا عاديَّة مكويَّة ، نظيفة ، فيها تناسب في الألوان ، حتى إذا دُعي لعقد قران أو لاحتفال ، قيل : فلان مؤمن ، وثيابه مقبولة ، فلا أطالبكم بثياب غالية الثمن ، ولكن ثياب فيها شيء من الذوق ، وشيء من النظافة .
تروي السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم خرج ذات يومٍ إلى إخوانه ، فنظر في كوز الماء ـ لم يكن وقتها مرآة - أين نظر ؟ في كوز الماء إلى جمَّته ، أي إلى شعره وهيئته ، فشيء لطيف من الإنسان قبل أن يخرج أنْ يقف أمام المرآة ، يا ترى شعره منتظَم ، وثيابه منتظمة ، فيها خطأ أو فيها شيء ، فهذا من السُنَّة ، قالت : خرج ذات يومٍ إلى إخوانه فنظر في كوز الماء إلى جمَّته ـ أي إلى شعره وهيئته .
وقال عليه الصلاة و السلام : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ *
( من مسند أحمد : عن " عبد الله بن مسعود " )
" إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليتهيأ في نفسه " .
أنا أحياناً والله أعجب أنك كمسلم هل من الممكن أن تستقبل ضيفًا بالقميص الداخلي ـ الشيال ـ بالصيف ؟!! فهذه إهانة للضيف ، وهذه ثياب مبتذلة لا يجوز أن تصلي بها ، فكيف تستقبل بها الضيوف !! حتى في بيوت المسلمين من يقوم بالثوبين الداخليين فقط أمام أخواته البنات ، أو أمام بناته ، فهذا ليس من السنة في شيء .
فلذلك عندما نظر النبي في كوز الماء إلى لمَّته ـ أي إلى شعره ـ وإلى هيئته قال : " إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " . " إذا خرج أحدكم إلى إخوانه فليتهيَّأ في نفسه " .
فعلى الإنسان أنْ يغسل ، ويرجِّل شعره ، ويضع عطرًا ، ويتأنَّق بثيابه ، ويجعل هندامه مقبولاً ، وسأقول لكم كلمة : أحياناً الإنسان ينطلق في حديثه إذا كانت ثيابه جيِّدة ، فإذا كان في ثيابه خطأ اضطرب في حديثه ، لأنّ الثياب الأنيقة تعطي الإنسان ثقة بالنفس ، ولو دعي إنسان إلى عقد قران ، وكانت ثيابه غير جيِّدة ، تجده مرتبكًا ، ومضطربًا ، ومنكمشًا ، ومتطامِنًا ، لا ، أنت مؤمن .
والحقيقة هناك تعليق لطيف : الجمال في البساطة لا في التعقيد . وأحياناً تجد في الألوان تناسقًا ، مع أن الشيء رخيص ، والشيء الرخيص وفي ألوانه تناسق تجد فيه راحة نفسيَّة ، فليس شرطاً أن ترتدي أغلى الثياب ، إنما الشرط أن ترتدي ثياب مقبولة .
وكان إذا قدِم عليه وفدٌ لبس أحسن ثيابه ، وأمر أصحابه بذلك ، فرأيته وفَدَ عليه وفد كِنْدَة وعليه حُلَّةٌ يمانيَّة ، وعلى أبي بكرٍ وعمر مثل ذلك .
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلَّم أن حُسْنَ السمت والزيِّ الحسن من شمائل الأنبياء وخصالهم الأصيلة .
وقد روى أبو داوود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ قَالَ جَابِرٌ فَبَيْنَا أَنَا نَازِلٌ تَحْتَ شَجَرَةٍ إِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى الظِّلِّ - أي شجرة ظلُّها وارف - قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُمْتُ إِلَى غِرَارَةٍ لَنَا - غرارةٍ ظرفٍ شديد العِدْلِ ، أي محفظة - فَالْتَمَسْتُ فِيهَا شَيْئًا فَوَجَدْتُ فِيهَا جِرْوَ قِثَّاءٍ - أي خيار وقته - فَكَسَرْتُهُ ثُمَّ قَرَّبْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ خَرَجْنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ قَالَ جَابِرٌ وَعِنْدَنَا صَاحِبٌ لَنَا نُجَهِّزُهُ يَذْهَبُ يَرْعَى ظَهْرَنَا - أي نجهِّز صاحب لنا ليرعى الغنم - قَالَ فَجَهَّزْتُهُ ثُمَّ أَدْبَرَ يَذْهَبُ فِي الظَّهْرِ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ لَهُ قَدْ خَلَقَا قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ ثَوْبَانِ فِي الْعَيْبَةِ كَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا قَالَ فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا قَالَ فَدَعَوْتُهُ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ وَلَّى يَذْهَبُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَهُ ضَرَبَ اللَّهُ عُنُقَهُ أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ قَالَ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَقُتِلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
( رواه مالك في الموطأ)
إلى أين يذهب ؟ إلى الجبال ليرعى الغنم ، ومع ذلك ما رضي النبي له هذين الثوبين ، ليس هناك لقاء ، ولا احتفال ، ولا عقد قران ، ولا عيد ، ولا جمعة ، راٍع يذهب إلى الجبال ليرعى الأغنام ، وعليه ثوبان خلقان ، فلما نظر النبي إليه قال: " أَمَا لَهُ ثَوْبَانِ غَيْرُ هَذَيْنِ " فقلت : بلى يا رسول الله ، له ثوبان في العَيْبَة كسوته إيَّاهما ـ أي في البيت ـ قال : " فَادْعُهُ فَمُرْهُ فَلْيَلْبَسْهُمَا " . قال : فدعوته فلبسهما ثم ولَّى يذهب ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا لَهُ ؟ " .
النبي عليه الصلاة والسلام لا يرضى للراعي وهو يرعى الغنم في شعف الجبال وليس معه أحد ، لم يرض له هذه الثياب المبتذلة المهترئة ، فكيف إذا كنت مع الناس وفي المدينة ، ومع علية القوم كما يقولون ؟
درسنا اليوم التجمُّل ، فكان عليه الصلاة والسلام يتجمّل ويأمر أصحابه بالتجمل ، وكان له ثوب يلبسه في العيدين وفي الجمعة ، وكان إذا وفد عليه الوفد لبس أحسن ثيابه ، وأمر علية قومه بذلك .
وعَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ
( موطأ مالك)
قارئ القرآن من كمال قرآته أن يرتدي ثوباً أبيض ، والحجاز بلادٌ حارة ، واللون الأبيض يتناسب مع الطقس الحار ، ولكن كأن النبي يقول : هذا الذي يقرأ القرآن عليه أن يتجمَّل .
وسيدنا عمر يقول : " إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم " .
وهناك حديث : " ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله" .
وروى أبو نعيم في الحلية عن أبن عمر مرفوعاً : إن العبد آخذ عن الله تعالى أدبا حسنا، إذا وسع عليه وسع، وإذا أمسك عليه أمسك *
(السيوطي في الجامع الصغير)

لأن الله عز وجل يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، وأوضحُ أثر في الثياب ، وأحياناً الإنسان يرتدي ثوبًا جديدًا ، وهذا من إكرام الله له ، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام كانت تعظم عنده النعمة مهما دقَّت ، وكان إذا ارتدى ثوبًا جديدًا ، هناك دعاء خاص للثوب الجديد .
وروى الحاكم بإسناده عن سهل بن الحنظلية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحسنوا لباسكم ، وأصلحوا رحالكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس "
( من الجامع الصغير : عن " سهل بن الحنظلية " )
هكذا شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا سافر الإنسان فيجب أن يأخذ معه إبرة وخيطًا حتى إذا انقطع زره أصلح المشكلة ، وأحياناً يسافر ببنطال واحد ، ويمكن أن ينفتق البنطال ، فيأخذ معه بنطالاً آخر احتياطًا ، فدائماً فكر ، إبرة و، خيط ، وقميص احتياط ، وهكذا كان النبي اللهم صلِّ عليه ، لأنه مشرع .
يتبع الأسبوع المقبل إنشاء الله.

المختار
05-03-2005, 14:32
جزاك الله خيرا اخي الفاضل ابو خولة

اللهم ارزقنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن الاتباع

amal
07-03-2005, 11:41
جزاك الله خيرا
اللهم ارزقنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وال بيته الطيبين الطاهرين اللهم احشرنا في زمرته و توفنا على ملته

أشرف
07-03-2005, 15:15
إن شاء الله

بارك الله فيك أخي المبارك ومشكور على الموضوع القيم

anouar001
08-03-2005, 11:31
جزاك الله خيرا موضوع قيم
أدرجوا أخاكم أنوار مغزة في دعاء الرابطة