مشاهدة النسخة كاملة : الديمقراطية العربية حقيقة أم وهم؟



anass
08-03-2005, 21:30
ذ. محمد منار

تحدثت العديد من وسائل الإعلام الغربية خلال هذا الأسبوع (الأسبوع الأول من مارس 2005) عن الديمقراطية العربية. قيل بإسهاب أن هناك رياحا للتغيير، وبداية للتحول الديمقراطي. بل ذهبت بعض الصحف الأمريكية والبريطانية إلى تخمينات، حول الشخص الذي يمكن أن يكون رائد هذا التحول بالمنطقة العربية، وحول السيناريوهات المحتملة في بعض البلدان، التي تعرف حساسية سياسية مفرطة هذه الأيام.
تم الاستدلال على ذلك بما عرفته فلسطين والعراق من انتخابات، وكذا السعودية لأول مرة في تاريخها. فرغم ما يلاحظ على هذه التجارب الانتخابية، فإنها تشكل لدى الإعلام الغربي، والأمريكي على الخصوص، أو على الأقل لدى جزء منهما، بداية الطريق نحو تحقيق الحلم الديمقراطي بالمنطقة.
ومن الأدلة أيضا ما عرفه المشهد السياسي اللبناني، على إثر اغتيال رفيق الحريري، من تصعيد للمعارضة، واستنفار للجماهير. زادت شرتهما بعد استقالة حكومة كرامي، ولم تخمد كما كان منتظرا.
وكان في "مبادرة" مبارك، الذي طلب من مجلس الشعب تعديل المادة 76 من الدستور وإضافة مادة جديدة، في اتجاه إقرار انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر من جميع أفراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب... شاهد آخر على التحول الديمقراطي، بل شاهد على إمكانية تحول مبارك إلى رائد العملية الديمقراطية بالمنطقة العربية كما ذهبت إلى ذلك إحدى الصحف!!

إن لهذا الحديث المسهب خلفياته كما له آثاره، لعل أخطر ها تبرئة بوش وملئه مما ارتكبوه في العراق من إذلال للعباد ونهب لثروات البلاد. فما كان لهذا التحول الديمقراطي أن يعرف بدايته لولا ذلك الاحتلال! فأمريكا لا تريد إلا الخير، كل الخير للمنطقة وشعوبها، ولا أدل على ذلك من هذه الرياح الديمقراطية التي هبت هنا وهناك! وها هو "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، الذي بشرت به أمريكا، و الذي أثار ضجة لدى العديد من الأوساط العربية والإسلامية يثبت نجاعته، أو على الأقل شيئا من نجاعته، في تخليص الناس من الاستبداد والاستعباد، وتوجيههم إلى صناديق الاقتراع، والساحات العمومية للتظاهر والاحتجاج.
هذا ما توحي به الصورة المبسطة، والقراءة الساذجة لبعض مستجدات عالمنا العربي والإسلامي، بل هذا ما ترمي له القراءة الماكرة التي تفتل فيما يراد لنا نحن الشعوب العربية والإسلامية المستضعفة.

منذ سنوات ركبت الولايات المتحدة الأمريكية موجة "دمقرطة" العالم العربي والإسلامي، بعد أن استنتجت من خلال تقاريرها الرسمية وغير الرسمية، السرية والعلانية، أن شعوب هذا العالم تتجه، يوما بعد آخر، نحو الانتفاض على حكامها؛ بسبب استفحال الظلم بكل أصنافه، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبفعل تنامي الوعي الجماهيري نتيجة هذه الثورة الإعلامية المذهلة، وهذا التزايد التعليمي الملحوظ، ومن جراء نمو حركات اجتماعية، في مقدمتها الحركات الإسلامية. كانت "ثورة إيران" في آخر عقد السبعينات المؤشر الواضح على ذلك ، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تحاول استباق الأحداث في أكثر من منطقة عربية أو إسلامية.
وشكلت أحداث 11 شتنبر دافعا قويا في اتجاه ركوب موجة "الدمقرطة". فالعنف الذي يهدد مصالح أمريكا في رؤية البيت الأبيض له مصادر إيديولوجية و ثقافية ،ومصادر ترتبط بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وإذا كان المعول عليه في مواجهة المصادر الأولى إحداث شركات ثقافية وتمويل مؤسسات المجتمع المدني التي تدفع في اتجاه "الأمركة"، وتغيير المناهج التربوية والتعليمية، فإن النوع الثاني من مصادر العنف لا سبيل لتجفيفه إلا بشيء من "التغييرات" التي يظهر أنها تساير طموحات الشعوب.
في هذا السياق كان اعتراف بوش؛ الذي أعلن أن الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت خطأ فادحا طيلة 60 عاما بمؤازرتها لبعض الأنظمة العربية والإسلامية رغم استبدادها. وفي هذا السياق كان اتهام البيت الأبيض لبعض البلدان العربية بأنها تعطل الديمقراطية؛ كمصر والسعودية... وكانت الإشادة ببلدان أخرى باعتبار أنها تسير على طريق الديمقراطية؛ كالمغرب والأردن!..
إن الأنظمة العربية التي تدور مع أمريكا حيث دارت، وبعد أن فشلت كل شعاراتها السابقة؛ شعار الثورة والاشتراكية والوحدة الوطنية أو القومية، سارعت إلى بعض التغييرات الشكلية على المستوى السياسي أو الحقوقي، وركبت هي الأخرى موجة "الدمقرطة"، حتى لا يسحب البساط من تحتها.
رب قائل يقول ليس في الأمر ضير، إذا رجعت هذه الأنظمة إلى الديمقراطية، فالذي يهم هو الديمقراطية، وليس إزاحة الأنظمة. وهو قول سليم إذا رجعت هذه الأنظمة إلى الديمقراطية فعلا، وإذا لم يكن الأمر مجرد "ديكورات" لتزيين الواجهة.
والذي يستغرب له حقا هو ترحيب بعض الدوائر الغربية والأمريكية بالديمقراطية العربية، رغم علاتها المنتنة ، وشكليتها المفرطة المملة، التي من البلادة الظن بأنها تخفى على واشنطن وعلى العواصم الغربية.
سرعان ما يزول الاستغراب إذا علمنا حقيقة الديمقراطية التي تريدها أمريكا للمنطقة العربية والإسلامية.فهي تريد لنا-على الأقل كما يظهر في المرحلة الحالية- ديمقراطية مشروطة بشرط واحد ووحيد هو خدمة المصلحة الأمريكية. لتكن هذه الديمقراطية ناقصة أو مزيفة أو شكلية أو انتقائية أو مزاجية ، لا ضير في ذلك ما دامت تخدم المصلحة الأمريكية ولا تتعارض معها.
يفصح النقاش الأمريكي الذي كان قبل وبعد "مشروع الشرق الأوسط الكبير" عن حقيقة هذا الأمر؛ حيث تساءل بعض الناس، ألا يمكن أن تسمح الديمقراطية التي ندعو إليها إلى استيلاء الإسلاميين –بما أنهم الأقوى في المنطقة- على السلطة؟ الأمر الذي يهدد المصالح الأمريكية ؛لأن بعض الإسلاميين اليوم هم المورطون أكثر من غيرهم في أحداث العنف.
إن بعض عناصر الجواب على هذا السؤال نلمسها – على الأقل حاليا-في التعامل مع حكام المرحلة السابقة، وفي التأييد غير المشروط لبعض مبادرتهم الشكلية، ما دام يظهر أنها تساير طموحات الشعوب.كما نلمسها في تهديد "البانتغون" لبعض الفصائل الإسلامية؛التي لا تعتبر العنف خيارها الاستراتيجي.
ثم إن النموذج الديمقراطي الذي يراد لنا هو النموذج الأمريكي نفسه، الذي إن كان يصلح للشعب الأمريكي فهو غير صالح للشعوب العربية والإسلامية لاعتبارات دينية، وتاريخية، وسياسية، وثقافية متعددة.
السلطة في النموذج الأمريكي، وحسب نظرية "ستيفن لوكس" أصبحت لا ترتبط فقط بحالات الصراع العلني أو الخفي، كما تؤكد النظريات السابقة. بل أصبح من الممكن ممارسة السلطة، حتى في حالة غياب الصراع؛ وذلك من خلال التحكم في وعي الطرف المخالف، ودفعه إلى عدم الاحتجاج وعدم الانتباه إلى الخطر الذي يهدد مصالحه.
يقول لوكس "إن ممارسة السلطة في حق الآخر تتم من خلال التأثير عليه، ومن خلال تشكيل وعيه، وضبط حاجياته. بالفعل أليست ممارسة مطلقة للسلطة عندما تجعل الآخر أو الآخرين يحملون أو يتمنون الرغبات التي تريدهم أن يحملوها؛ أي أن تضمن إذعانهم من خلال التحكم في أفكارهم ورغباتهم"*.

إن الديمقراطية الحقة لا تقاس اليوم فقط بالمؤسسات المتوفرة والقوانين المتاحة، وبمدى تطبيق هذه القوانين... ولكن –وهذا هو الأهم- بالإرادة الحرة لكل المواطنين، وبتساوي فرصهم فيما يتعلق بالقرار السياسي ... والنموذج الأمريكي يثبت القدرة الفائقة على اللعب بإرادة المواطنين رغم وفرة المؤسسات و القوانين ،وذلك من خلال التحكم في "لا شعورهم"، وتشكيل وعيهم كي يكونوا "مذعنين" لا معترضين، "متبنين" لا رافضين..
وإذا كان تعدد اللوبيات في النموذج الأمريكي، وما يظهر بينها من حين لآخر، من تنافس أو صراع يكون لمصلحة المواطن، فإن نقل هذا النموذج إلى أوطاننا العربية والإسلامية ليس فيه ما يخدم مصلحة الشعوب، لأن ذلك يعني أن تتحكم النخبة الواحدة المغلفة، المترفة ماديا وفكريا ، في إرادة الناس، من خلال تحكمها في الإعلام والتعليم، وفي كل أشكال التنشئة التربوية.

ما العمل إذن؟ هل نرفض الديمقراطية جملة وتفصيلا، وبهذا نكون أسدينا خدمة لصنف آخر من الخطاب الغربي؛ ذلك الذي يتطرف بتشاؤمه المفرط، وبقوله أنه لا أمل للديمقراطية في الأوطان العربية والإسلامية ؛لأن هذه الأوطان مطبوعة على الاستبداد، أو على الأقل "لأن اختلاف الجذور الفلسفية والدينية بين المجتمعات الغربية والإسلامية نشأت عنها اختلافات شاسعة في طبيعة النظام السياسي" كما يذهب إلى ذلك "دوجر سكورتون" في كتابه "الغرب والآخرون". أم نقبل الديمقراطية الشكلية الانتقائية و المزاجية، المشروطة بالمصلحة الأمريكية وفقط بالمصلحة الأمريكية.
رغم الاختلاف الجذري مع الأصول العلمانية للديمقراطية، والتي إن كان من الضروري الوعي بها، فإنه من الصعب مناقشتها في لحظات، يكون الفيصل فيها؛ بتأثُير ضغط الواقع، ذلك التصنيف الجاهز، الذي لا لون عند صاحبه إلا الأبيض أو الأسود، ولا سؤال ثالث إلا هل أنت مع الديمقراطية أم مع الاستبداد؟
رغم ذلك الاختلاف الجذري، بل رغم ذلك المأخذ الجوهري على الديمقراطية، فإنها بما هي تنظيم للخلاف، وفصل للسلط، وتوزيع للنفوذ، وترتيب لأجهزة الحكم والإدارة، وإقرار للمؤسساتية، لا يمكن أن ينكرها أو يرفضها عاقل، وبالأحرى صاحب مشروع تغييري، تشكل الكرامة والحرية والعدالة مفردات أساسية في النظام الاجتماعي الذي يدعو إليه.
لا مندوحة لكل طامح بصدق في التغيير أن يبادر مبادرات ديمقراطية، وأن يتفاعل مع بعض ما قد يظهر منها، لكن بشرط أن تكون تلك المبادرات ديمقراطية فعلا، بعيدا كل البعد عن الشكلية والمزاجية والانتقائية.

ثم إن الديمقراطية الحقة التي يمكن المراهنة على الاستفادة منها هي الديمقراطية ؛ التي تخدم مصلحة الوطن، و المتحررة من الهيمنة الأمريكية. دون أن يعني ذلك المواجهة أو التصادم. فمتى تعقل القرار السياسي الأمريكي وسمح للشعوب بالسيادة على أوطانها، فإن ذلك يعني مصلحة الوطن، أو على الأقل يعني تحمل أهل الوطن مسؤولية مصلحتهم. و مصلحتنا لا تعني بالضرورة تهديد مصلحة الآخر، بل يمكن أن تفتل آليات الحوار والتواصل والتعاون في نسج مصلحة عامة للإنسانية جمعاء.
وأساس البناء الديمقراطي وأسه تعبئة الجميع ومشاركة الجميع، ولن يتأتى ذلك إلا بالقدرة ليس فقط على الإدارة السلمية للاختلاف، ولكن أيضا وهذا هو الأهم، توجيه هذا الاختلاف انطلاقا من رؤية مستقبلية متعالية على المصالح الفئوية اللحظية؛ ليكون عامل قوة وليس ضعف ،عامل عزة وليس ذلة.
لذلك فلا يمكن أن ينظر المرء لتعالي الأصوات هنا وهناك، ولاختلاف وجهات النظر وتعدد الآراء، بعين مطمئنة، ما لم يكن هناك أساس للوحدة؛ أساس صلب يشكل نقطة للارتكاز ، نحو العمل والبناء والإبداع.
الحذر كل الحذر من أن تفهم "النخب العربية والإسلامية" الديمقراطية على أنها "فرقعات" للكلام، وتبادل للشتائم... فبئس الديمقراطية إن كانت كذلك، وبئس المآل.
لابد من بوصلة موجهة، وأساس للوحدة، وأرضية للاتفاق. بعبارة أخرى، نستقيها من الفكر السياسي الغربي، الذي لا ضير من استلهام بعض حكمه، لابد من عقد اجتماعي.


*Steven Lukes, ‘Power a radical View’ British Sociological Association, 1984


تاريخ النشر : 05/03/2005

أشرف
09-03-2005, 00:30
بارك الله فيك أخي على نقلك الموضوع وجزاك الله كل خير

hassan_1677
16-03-2005, 23:40
اي ديمقراطية في بلدان الاستبداد.

المختار
18-03-2005, 21:09
بارك الله فيك أخي على نقلك الموضوع وجزاك الله كل خير

hassan_1677
24-03-2005, 01:01
الحرية اولا ثم نتحدث عن الدمقراطية

anass
27-03-2005, 18:11
النصر قريب إن شاء الله تعالى

hassan_1677
07-04-2005, 15:55
النصر آت و لاشك.فهل من استعداد