مشاهدة النسخة كاملة : شمائل الرسول صل الله عليه وسلم (جزء الثاني)



أبو خولة
14-03-2005, 23:28
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى و الصلاة على المصطفى صل الله عليه وسلم
هذا هو الجزء الثاني
وروى الطبراني والبيهقي ، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس ـ الهيئة القذرة ، والهيئة المبتذلة ،و الخنوع ، والمسكنة ، والتذلل ، واليأس ، يا حسرتي علينا ، لماذا هذا التحسُّر ؟ أنت مؤمن ، وتعرف ربك ، ولك منهج ، والله هو الرزاق، وهو الكريم ، فالله يكره البؤس والتباؤس ـ ويبغض السائل الملحف، ويحب الحيي العفيف المتعفف " .
( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " )
يكره البؤس والتباؤس ، ويبغض السائل الملحف ، ويحب الحيي العفيف المتعفف ، اسأل لكن مرة واحدة ، فالإلحاح ليس له فائدة ، فإذا أراد أن يعطيك ، يعطيك من مرة واحدة ، فإن لم يعطِك لا تبذل ماء وجهك ، ولا تذل نفسك ، ولا تهينها ، لذلك لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ..
" ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير " .
استمعت قديماً لقصة : دخل إنسان بستانًا ، وهو يتجول في أنحائه رأى شجرة من أرقى التفاح ؛ حجمًا ، ولونًا ، وخدًا أحمر ، ورأى تفاحةً تلفت النظر ، وصاحب البستان صديقه ، قال: فهممت أن أقطفها لآكلها ، فقلت لا يجوز ، ثم جلسنا إلى الطعام ، وبعد الطعام جاء طبق التفاح وفي مقدمة هذا الطبق تِلك التفاحة بالذات ، فلما هممت أن آخذها قلت : لا يجوز ، فما كان من صاحب الدعوة إلا أن أمسك هذه التفاحة وقدمها إليّ ، انظر إلى الإنسان ، منعه حياؤه أن يقطفها، ثم وضعت على الطبق ، فمنعه حياؤه أن يأخذها ، حتى قدمت له ضيافة .
وأنا لي في هذا الموضوع تعليق لطيف ؛ فالرزق مقسوم ، وهذه التفاحة في هذا البستان ، بالشجرة الثالثة ، في الغصن الرابع ، والتفاحة السابعة ، وهذه التفاحة لفلان ، فطريقة وصول هذه التفاحة لفلان باختياره ؛ يمكن أن يسرقها وهي له ، ويمكن أن يتسوَّلها وهي له ، ويمكن أن يشتريها وهي له ، ويمكن أن تقدَّم له ضيافة وهي له ، ويمكن أن تهدى له وهي له ، هدية ، ضيافة ، شراء ، تسول ، سرقة ، فهذه باختيارك ، أما هي لك ، لذلك : اللهم اكفنا بحلاك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك .
إن الله يكره البؤس والتباؤس ويبغض السائل الملحف، ويحب الحيي العفيف المتعفف " .
( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " )
لذلك مرة سيدنا عمر رأى إنسانًا يطلب بإلحاح فقال له : " يا هذا لقد ضيعت من نفسك أكثر مما ضاع منك " ، ضيعت ماء وجههك ، وكرامتك ، وضيعت أثمن شيء تملكه .
إذاً القسم الأول من الدرس كان عليه الصلاة والسلام متجملاً ، ويأمر أصحابه بالتجمُّل ، وكان له ثياب لا يرتديها إلا في أيام الجمعة والأعياد ، وكان إذا وفد عليه الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر عليَّة قومه بذلك ، وكان يقول : " أحسنوا لباسكم ، وأصلحوا رحالكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس "
( من الجامع الصغير : عن " سهل بن الحنظلية " )
* * *
والآن ننتقل إلى : حلاوة منطق النبي عليه الصلاة والسلام
فقد كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق ، لأن الدعوة أساسها المنطق ، وأساسها الكلام الموزون ، وأجمل ما في الرجل فصاحته ، وأجمل ما في الآداب ضبط اللسان ، ولا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، فمن سمات المؤمن ضبط اللسان ، يقول لك : عشت معه ثلاثين سنة ، ولم أسمع كلمة بذيئة منه ، فأحياناً من أجل أن نعظ الناس نتحدث عن الفجور في الطُرقات ، وعن النساء ، وبعض الدعاة يقول لك : العضو الفلاني ظاهر، والعضو الفلاني ، هذا الكلام فيه إثارة ، أما النبي اللهم صلِّ عليه عندما أراد أن ينبه إحدى فتيات أهل بيته قال : " يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامكِ " .
لم يقل لها : ساقكِ ، لم يقل الكلمات الثانية ، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام ينتقي أعف الكلمات ، حيث لا يخدش حياء المستمعين ، وهذا أدب قرآني ، قال لي أحدهم : ما حكم كذا ؟ ـ سلوك جنسي ـ قلت له: الله عز وجل قال :

( سورة المؤمنون )
فكل الانحرافات في هذه الكلمة ، وهذه الكلمة لا تخدش حياء طفل ..

( سورة النساء : من الآية " 43 " )

( سورة الأعراف : من الآية " 189 " )
تغشاها ، فأنت انظر إلى الآيات التي تشير إلى العلاقة الزوجية في القرآن ، كلمات لطيفة ورائعة ، كلمات لا تخدش الحياء ، فأنت لا تتكلم بكلمات أمام أولادك ، ولا أمام إخوانك ، ولا أمام من هم صغار ، كلمات تخجل ، تصف العلاقات الزوجية ، تتكلم كلام يستحيا منه ، فهذا ليس من صفات المؤمن ، أنا أقول لكم ملخصاً : الذي عنده مزح فاحش ، هذا المزاح الفاحش يقلل من إيمانه ، هذا إذا لم يكن يعبر عن ضعف إيمانه أو عن انعدام إيمانه ..
" لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ "*
( من سنن الترمذي : عن " عبد الله " )
والحقيقة تجد من رواد المساجد في أدب يلفت النظر بكل المصالح ، و المعامل ، والمحلات ، فإذا التقى مؤمنًا ، فليس عنده كلمة مغشوشة ، ومزحة سافلة ، لأنّ هذا يتنافى مع أخلاقه .
فكان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق ، حسن الكلام ، إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب ، وسبى الأرواح والعقول ، وإذا تكلم خرج النور من بين ثناياه ، فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال : " كان عليه الصلاة والسلام أفلج الثنيتين ، إذا تكلم رؤيَ كالنور يخرج من بين ثناياه " ، إنه كلام لطيف، كلام متصل وفيه سيولة ، وبحة خفيفة ، فكان النبي حلو المنطق.
وعن أبي قرصافة أنه قال : لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي ، ورجعنا من عنده منصرفين، قالت لي أمي وخالتي : " يا بني ما رأينا مثل هذا الرجل أحسن منه وجهاً ولا أنقى منه ثوباً ، ولا ألين كلاماً ، ورأينا كأن النور يخرج من فيه صلى الله عليه وسلم " .
و الآن تجد البيوت كلها مرايا ، وراء كل باب مرآة ، وغرفة النوم فيها مرآة ، والمدخل ، فكان ينظر إلى جمته من الكوز من صفيحة ماء ساكنة ، ومع ذلك كان متجملاً ، ولم يكن عندهم قديماً حمام ، وأنت تفتح الماء الساخن فينزل رأساً ، ونحن الآن ننعم بشيء لا يتصوره الإنسان ، ماء ساخن دائماً ، تقريباً الحمام فيه ماء جار ، وقد كانت الأمور بدائية ، وكان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات التجمل والنظافة ، والأمور بدائية .
وكان عليه الصلاة والسلام أفصح خلق الله لساناً ، وأوضحهم بياناً ، أوتي جوامع الكلمة ، وبدائع الحكم ، وقوارع الزَجر ، وقواطع الأمر، والقضايا المحكمة ، والوصايا المُبرمة ، والمواعظ البليغة ، والحجج الدامغة ، والبراهين القاطعة ، والأدلة الساطعة .
فأنت كمؤمن إذا أردت أن تكون داعية إلى الله ، فرأسمالك المنطق واللغة والفصاحة والنصوص ، وأنا لا أعتقد مؤمنًا حريصًا على الدعوة إلى الله عزَّ وجل ولا يسجل ما سمع ، سمع حكمة والله شيء جميل ، لِمَ لَم تكتبها لتحفظها ، فإذا أردت أن تحفظ فاكتب ، ولمجرد أن تكتب فاحفظ ، فالإنسان لما يهتم ، فأنا أنصح كل إخوانها بوضع دفتر صغير في جيبه ، أحياناً وهو يركب سيارة عامة سمعت تعليقًا ، أو حكمة فسجِّلها ، وكلَّما سجلت ، وبوَّبت ، وصنفت ، فإذا قرأته فهذا كتاب بمكتبتك ، انتهى العام الدراسي باع الكتب ، فما هذا الكلام ؟ هذه مكتبة ، كتاب قرأته احتفظ به ، تصفحه من حين إلى آخر ، قرأت كتاب اعمل تعليقات ، اعمل حواشي ، اعمل خطوطًا حينما تجعل الخطوط والتعليقات والحواشي تحفظ ، فإذا حفظت ألقيت ، هذا نص قرأته فأعجبك ، فاحفظه ، وأول لقاء تكلم فيه ، على مرتين حفظته نهائياً .
فبصراحة إذا لم يكن للإنسان إمكانية أن يتكلم لفترة طويلة كلامًا منضبطًا ونصوصًا صحيحة دقيقة ، كيف يدعو إلى الله ؟ هو بصراحة الحق مثل الشراب الثمين ، واللغة مثل وعاء للحق ، فهل من المعقول أن تقدم شرابًا ثمين في وعاء قذر ؟ هذا غير معقول ، فالفصاحة وتعلم العربية جزء من الدين ، فيجب أن يكون عندك قاموس في البيت ، وكتاب نحو ، يكون لك مرجع، في درس عربي أحضره معك .
وجاء في المسند وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَقُولُ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا كَالْمُوَدِّعِ فَقَالَ أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ قَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي أُوتِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ وَعَلِمْتُ كَمْ خَزَنَةُ النَّارِ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَتُجُوِّزَ بِي وَعُوفِيتُ وَعُوفِيَتْ أُمَّتِي فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ*
( رواه أحمد)
وفي حديثٍ آخر : " يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه ، واختصر لي اختصارا ، ولقد أتيتكم بها ـ أي الشريعة ـ بيضاء نقية ، فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون".
( من المأثور : عن " عمر " )
المتهوكون هؤلاء الذين يلوون ألسنتهم بالكلام ، فلا توجد فصاحة ، والتقعر تشدق بالألفاظ، فكن فصيحً ، وكن طبيعيًّا ، وأتقن اللغة من دون تقعُّر ، ومن دون تكلُّف ، ومن دون تزمت .
مرة جاءه وفد وسأله عن الصيام ، فتكلم النبي لفصاحته بلغة أو بلهجة هذا الوفد ، فلما سئل:" هل من أمبر أمصيام في أمسفر ؟ فقال : ليس من أمبر أمصيامٌ في أمسفر "،. أي ليس من البر الصيام في السفر ، فكان يتكلم بلغة السائل ، وهذا من فصاحته .
ومر معي حديث في الجامع الصغير :
" من أصاب مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر " .
هذه لغة ، المهاوش أي بالاحتيال ، والنهابر يذهب ماله في مهالك .
" من أصاب مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر "
بجهات الجنوب ، يقول أحدهم للآخر : أنطيه حقه . أي أعطه ، فلما سأل واحد النبي اللهم صل عليه وهو عطية بن عروة السعدي الذي قال فيما قال له :
" فإن اليد العليا هي المنطية ، واليد السفلى هي المنطاة " .
( من المأثور : عن " عروة " )
هذه القبيلة تلفظ العين نوناً ، وهذه القبيلة موجودة ، فبالجنوب ، يقول له : أنطيه ، وليس أعطه حقه ، أنطيه حقه ، ، فكان عليه الصلاة والسلام يخاطب الأقوام بلهجاتهم .
* * *
أما آدابه في الكلام فعَن عَائِشَةَ قَالَتْ أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ*
(رواه مسلم)
كلمةٌ كلمة ،والحديث فن ، فهذه قدرة بالإنسان اسمه : المتحدث اللبق ، كلمةٌ كلمة ، ووضوح ، وسهل ممتنع ، وجمل متينة ، وفكرة مع الدليل ، ودليل مع الشاهد ، وتطور ، وموازنة ، ومحور انتقال واحد ، فكلما راعى الإنسان اللغة والمنهج والوضوح والدليل صار في انجذاب إلى اللغة .
وفي روايةٍ : " إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهماً تفهمه القلوب " .
وأذكر أنني قد قلت لكم ذات مرة : في دبلوم التربية عندنا كان عشرون دكتورًا ، نحن كنا مائتين وعشرين طالبًا ، في بعض المواد خمسة طلاب أو عشرة طلاب أو عشرون طالب يحضرون هذه المادة أو تلك ، لكن أحد الأساتذة يحضر درسه مائتين وعشرين طالبًا ، لا يغيب أحد والنصف على الواقف ، لأنه أوتي فصاحة ووضوحًا ، ودقة ، وعمقًا في الصياغة ، وشاهدًا، حيث لو حضرت محاضرته فهمت الدرس ولا تحتاج إلى أن تقرأه في الكتاب .
فإذا كان الإنسان حريصًا على نقل الحق للناس ، كان حريصًا أيضاً على استيعاب أصول الحديث .
وكان كلامه فصلاً يفهمه كل من سمعه ، وكلما ضعفت القدرة اللغوية عندك أصبح كلامك معقدًا ، والتعقيد في الكلام دليل ضعف اللغة ، أو دليل اضطراب في المعني ، والمعاني المضطربة في نفس المتكلِّم أو ضعف اللغة يظهران بشكل تركيب معقَّد ، ولكن المعاني الواضحة والفصاحة التي يتمتع بها المتكلم تجعل كلامه سهلاً واضحاً ، وهذا الكلام سماه علماء البلاغة السهل الممتنع ، فعجيب إذًا هذا الكلام ، فهذا الكلام السهل الممتنع يظنه الضعيف بسذاجةٍ أنه يحسن مثله ، وهو أبعد إليه من السماء ، إنه السهل الممتنع .
وفي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم :" كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ـ وضح في كلمات دقيقة مفصلة ، أعادها مرة ، ومرتين وثلاثا حتى تفهم عنه ـ وكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلامٍ فصلٍ لا هذرٍ ولا نذرٍ ويكره الثرثرة في الكلام والتشدق به وكان صلى الله عليه وسلم يكره التنطع في الكلام والتكلف في فصاحته".
وقال :
" إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال ، الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها " .
فكل شيء له حد معتدل ، أكثر تقعر .
ومن أروع ما قيل في النبي عليه الصلاة والسلام " كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب لا يخل ولا يمل " ، فأحياناً هناك إيجاز مخل ، و إطناب ممل ، فكان إذا خطب لا يخل ولا يمل .
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا - معتدلة - وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا - أي وسطاً -
( رواه مسلم )
صلاته معتدلة وخطبته معتدلة ..
وكان عليه الصلاة والسلام لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلماتٌ يسيرات .
أنا معجب بهذا الأعرابي الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " يا رسول الله عظني ولا تطل " . فتلا عليه قوله تعالى :

( سورة الزلزلة )
فقال له : " كفيت " ، فقال النبي : " فقه الرجل " .
يا ترى المسلمون الآن يسمعون خطبًا أكثر من ثلاثين سنة ، ويحضرون دروس العلم ، ويسمعون أشرطة ، ويقرؤون الكتب ، والمجلات ، يشاهدون الندوات ، ومع ذلك إذا فحصت سلوكهم تجد فيهم خللاً كبيرًا ، وهذا الأعرابي تكفيه آيةٌ واحدة ؟!
وروى الإمام أحمد وأبو داوود عَن الْحَكَمِ بْنِ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ قَالَ وَفَدْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ أَوْ تَاسِعَ تِسْعَةٍ فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ زُرْنَاكَ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ فَأَمَرَ بِنَا أَوْ أَمَرَ لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ فَأَقَمْنَا بِهَا أَيَّامًا شَهِدْنَا فِيهَا الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا *
هذا هو الصدق ، فالتقى والإخلاص والتطبيق ، مع الكلام القليل والبليغ ، إنه أبلغ ألف مرة من كلام مُسهب بتفاصيل وجزئيات ولا يوجد تطبيق ، لذلك قال سيدنا الصديق : " إيَّاك وكثرة الكلام ، فإن كثرة الكلام ينسي بعضه بعضَ ".
أي إذا تحدثت فتحدث في موضوع واحد مركز ، وله مقدمة ، وعرض ، وتشقيق ، مع أدلة، وشواهد ، وقصة مؤكدة مع خاتمة ، وانتهى الأمر .
وروى الطبراني والبزَّار عن جابر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت : نذير قومٍ أتاهم العذاب ، فإذا ذهب عنه كذلك رأيته أطلق اللسان وجهاً وأكثرهم ضحكاً وأحسنهم بشراً .
أي إنه رجل عادي ، لطيف ، مرح ، صاحب طُرفة ، يمزح مع أصحابه ، طليق الوجه ، كثير البِشر ، هكذا كان عليه الصلاة والسلام .
وكان عليه الصلاة والسلام إذا وعظ أثَّر في قلوب السامعين ، وطيَّب نفوسهم ، حتى إنهم لتذرف دموعهم ، وترق وتخشع قلوبهم ، ويرتقي حالهم إلى المشاهدات والمعاينات .
فلقد كان مجلس النبي اللهم صلِّ عليه مجلس مشاهدة ، وهذا الدليل ، تعرفونه .
عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ قَالَ قُلْتُ نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَوَ اللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ *
(رواه مسلم)
القصة لها تتمة ، هذا الصديق الجليل ، الصاحب الأول ، سيد الصحابة قال له : " أنا كذلك يا أخي ـ تواضع ـ انطلق بنا إلى النبي " .
فلما انطلقا إلى النبي ذكر له حديث حنظلة : " نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين ، فإذا عافسنا الأهل ننسى ، فأحياناً يكون الإنسان في مجلس علم مبسوطًا مرتاحًا ، مشرق النفس ، يأتي على البيت اعملوا لنا عشاء ، تأخروا بالعشاء ، أين الشاي ، لماذا لم تقولوا لي ، فيتشجارون، أين الحال ؟ كان في الجامع مبسوطًا كثيراً ، فراح الحال كله ، قال : " فإذا عافسنا الأهل ننسى ، قال له : أنا كذلك يا أخي " فلما عرضا ذلك على النبي قال :
" إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا " .
( من الجامع لأحكام القرآن : عن " محمد بن كعب " )

" لو أنكم تكونون على كل حال ، على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم " .
أي يا أخي الكريم إذا جلست في مجلس علم وشعرت أنك مسرور ، مرتاح ، في تجلٍّ ، وطمأنينة ، وسكينة ، وكأنك في الجنة ، فهذه علامة طيبة لك لأن هذا هو إكرام الله لك في بيته ، ألم يقل النبي :
" إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زوارها هم عماراها فطوبى لعبدٍ تطهر في بيتي ثم زارني وحق على المزور أن يكرم الزائر "
فهذه السكينة ، وهذا التجلي ، وهذه الراحة النفسية ، أنا أقول لكم : واللهِ سمعت هذا من أخوة كثيرين ، يقولون لك : أنسى كل مشاكلي ، وكل هموم الدنيا ، وأرتاح ، فخرجتُ من المسجد مبسوطًا ، مسرورًا ، فهذه مكافأة الله لك ، وهذه ضيافته ، كما أنك تزور إنسان فيقدم لك كأسًا من الشاي ،وسكرة ، ويطعمك ، أما ربنا عندما يحب أن يكرمك ماذا يفعل بك ؟ يلقي على قلبك السكينة ..

( سورة التوبة : من الآية " 26 " )
فهذه السكينة أثمن ما في الدين ، وهذه الراحة النفسية ، هذا الحال الطيب ، قال :" لو أنكم تكونون على كل حال ، على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم " ، فالنبي اللهم صلِّ عليه كان يرى ما لا يراه الآخرون ، وكان يخطب على جذع نخلة ، فلما صُنِع له منبر حنَّ الجذعُ إليه فأسكنه بيده ، فهل لديك إمكانية أن تفهم على جذع نخلة؟ كان عليه السلام يقول : "إن حجرا كان يسلم عليَّ في الجاهلية إني لأعرفه الآن " .
( من الجامع لأحكام القرآن )
يتبع الأسبوع المقبل انشاء الله

أشرف
15-03-2005, 20:17
بارك الله فيك أخي المبارك وجزاك الله كل خير على مواصلة الموضوع

anass
16-03-2005, 11:44
بارك الله فيك أخي و جعله في ميزان حسناتك