مشاهدة النسخة كاملة : هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم



نصر الله
19-01-2007, 11:31
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

للدكتور. يوسف القرضاوي- بتصرف


http://www.qaradawi.net/mritems/images/2001/9/2/2_1626_1_11.gif


المسجد النبوي


بعد أيام قليلة نستقبل عاماً هجرياً جديداً ونودع عاماً آخر ، وهكذا مسيرة الحياة للإنسان ، نودع ونستقبل ، الإنسان دائماً مودع ومستقبل ، مودع يوماً ومستقبل يوماً ، مودع أسبوعاً ومستقبل أسبوعاً ، مودع شهراً ومستقبل شهراً ، مودع عاماً ومستقبل عاماً ، وهذه كلها محسوبة من عمر الإنسان ، كل عام ينقضي بل كل يوم ينقضي بل كل ساعة تنقضي بل كل لحظة تنقضي هي صفحة من كتاب الإنسان تطوى وورقة من شجرة تذبل ، حتى ينتهي الأجل (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) .


وقفة حساب

من حق الإنسان أن يقف في رأس العام وقفتين، وقفة يحاسب فيها نفسه الحساب الختامي على عام مضى، ماذا سجل فيه من خير؟ وماذا اكتسب فيه من شر؟ ماذا له وماذا عليه ؟ ماذا ربح وماذا خسر؟ وفي أي شيء ربح وفي أي شيء خسر؟ التاجر الواعي هو الذي يحاسب نفسه آخر كل عام ، يجرد حساب الأرباح والخسائر ليحاول أن يتفادى الخسائر وأن يزداد من الأرباح ، هذا في أرباح الدنيا وخسائرها ، فما بالكم بأرباح الآخرة وخسائرها، من واجب كل مسلم أن يقف هذه الوقفة، ومن واجب الأمة أن تقف هذه الوقفة على رأس كل عام ، ماذا قدمت؟ وماذا أخرت؟ ماذا كسبت فيه وماذا خسرت؟، من حق الأمم الواعية النضيجة البصيرة أن تقف هذه الوقفة لتعرف ماذا صنعت ، من واجب أمتنا أن تقف هذه الوقفة لتحاسب نفسها ماذا صنعت في قضية فلسطين؟، وماذا صنعت في قضية الشيشان؟، وماذا صنعت في قضية كشمير؟، ماذا صنعت في قضية أفغانستان ؟ وفي القضايا المعلقة القديمة، هل أدت الأمة واجبها؟ أم لم تؤد الواجب المطلوب منها ، هذه المحاسبة دليل الحياة والوعي والإيمان، ودليل العقل ، فالكيس من دان نفسه، العاقل الفطن المتصرف التصرف الحسن الكيس من دان نفسه، من حاكمها وحاسبها، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم..)، الأمر ليس بالأمانيّ، (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، ليست الجنة بالعناوين ، ولا بالأسماء ولا بالدعاوى ، (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوء يجزى به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا)، (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) ، هذه وقفة على رأس العام.


وقفة تأمل

ووقفة أخرى للتأمل في هذا الحدث ، الهجرة ، التي ألهم عمر بن الخطاب وألهم المسلمون معه أن يجعلوها بداية لتاريخ هذه الأمة ، لم يجعلوا بداية التاريخ لهذه الأمة ميلاد الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بعثته ، ولا وفاته ، ولا الانتصار في غزوة بدر أو فتح مكة ، إنما جعلوا هذا التاريخ يبدأ من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام ، والهجرة لم تكن في محرم ، الهجرة كانت في شهر ربيع الأول ولكن عمر والصحابة قالوا نبدأ العام من أوله ، من أول شهر المحرم ، فاتخذوا هذا الحدث الجليل بداية لتاريخ هذه الأمة ، فهل هو جدير بهذا ؟ نعم ، هو جدير بهذا ، لقد هاجر رسل الله عامة أو عدد كبير من رسل الله هاجروا ، ولكن لم تكن هجرتهم مثل هجرة محمد عليه الصلاة والسلام ، هاجر إبراهيم (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم) ، (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) فخرج من بلد إلى بلد إلى أن استقر به المقام في فلسطين وفي المدينة التي دفن فيه وسميت باسمه عليه الصلاة والسلام مدينة الخليل إبراهيم ، وهاجر موسى عليه السلام ، ولكن كانت هجرته قبل البعثة حينما خرج من مصر بعد أن قتل ذلك القبطي خطأ واستغفر الله وقال له من قال (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ، فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) وذهب إلى مدين وتزوج فيها وعاش فيها عشر سنوات مع ذلك الشيخ الكبير بعد أن تزوج ابنته ولم يكن له في هذه المدة السنوات العشر عمل يذكر ، كان شاباً صالحاً زوجاً طيباً صهراً كريماً عاش مع هذا الرجل عشر سنوات ولكن لم يقم فيها بدور .


الهجرة والمجتمع الجديد

محمد عليه الصلاة والسلام لم تكن هجرته كهجرة موسى حينما قال (ففررت منكم لما خفتكم فوهبني الله حكما وجعلني من المرسلين) ، لم تكن هجرة محمد عليه الصلاة والسلام لمجرد الفرار من الفتنة أو الهرب من الإيذاء والتضييق ، لا ، لقد كانت الهجرة سعياً حثيثاً لإقامة مجتمع جديد ، مجتمع إسلامي بمعنى الكلمة ، كانت سعياً لإقامة مجتمع وبناء أمة وإنشاء دولة جديدة تقوم على الربانية والإنسانية والأخلاقية والعالمية ، كان هذا هو هدف محمد عليه الصلاة والسلام من هذه الهجرة ، وفعلاً استطاع أن يقيم هذه الدولة وأن يؤسس هذا المجتمع وينشيء هذه الأمة الجديدة خير أمة أخرجت للناس ، ولكن إذا كان استطاع في المدينة أن يقيم هذا المجتمع وتلك الدولة فإن الفضل يرجع في ذلك إلى مرحلة التأسيس في مكة ، إلى العهد المكي ، ليس الأمر كما قال أحد الكتاب الكويتيين القصير النظر أن محمداً فشل في العهد المكي ، ولم يستطع أن يحقق ما هدف إليه ، كبرت كلمة تخرج من فيه ، ما قال إلا كذبا ، لم يفشل رسول الله عليه الصلاة والسلام ، بل كان هذا العهد المكي وهذه السنوات الثلاثة عشر استطاع فيها أن يقيم الأساس ، لم يرفع البناء وإنما وضع البناء ، الأساس ممكن أن يكون مترين أو ثلاثة ولكن ممكن أن تقيم عليه عمارة من خمسين طابقاً ، وكما قال الشاعر

خفي الأساس عن العيون تواضعا من بعد ما رفع البناء مشيدا

كانت مرحلة مكة مرحلة التأسيس ، مرحلة دار الأرقم بن أبي الأرقم التي يلقن فيها الرسول عليه الصلاة والسلام مبادئه وقيمه وتعاليمه لخلاصة أصحابه لتكوين الجيل الأول للإسلام الذي سيحمل الرسالة من بعد ويبلغ الدعوة إلى العالم ، هذا هو الجيل المؤسس الذي نشأ في دار الأرقم ، في العهد المكي نزل من القرآن نحو ثمانين سورة يلقنها النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه ويأخذونها عنه ويعيشون فيها وبها ولها ، عاشوا قرآنيين محمديين ، هذا العهد هو الذي قال الله فيه لرسوله (يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا ، نصفه أو انقص منه قليلا ، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) يهيئه الله ويعده لهذا العبء الثقيل الذي ينتظره فعليه أن يهيئ نفسه في مدرسة الليل ومدرسة القرآن (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) فتهيأ لهذا القول الثقيل وهذا العبء الكبير بالقرآن وبقيام الليل ، كان العهد المكي هو عهد بناء هذا الجيل وتبليغ الدعوة ، ما وجد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى ذلك سبيلا ، بلغها إلى أهله وإلى عشيرته الأقربين ، إلى قريش ومن حول قريش ، بلغها إلى القادمين إلى موسم الحج كل عام ، يعرض نفسه عليهم ، بلغها في الطائف ووصل إلى الطائف في رحلة آسية حزينة معروفة ، بلغها إلى كل من استطاع أن يبلغها إليه ، سمح لأصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة مرتين فراراً بدينهم وظل عليه الصلاة والسلام يعرض هذه الدعوة على قبائل العرب ، لم ييأس أبدا ولم يقنط من رحمة ربه أبدا ولم يلق السلاح أبدا ، حتى هيأ الله له هذه الفئة التي ادخرها الله تعالى لنصرة دينه من أبناء يثرب من الأوس والخزرج ، فحينما عرض عليهم الإسلام انشرح صدورهم وانفتحت قلوبهم ودخلوا في هذا الدين ، كانوا قليلاً ثم كثروا وبايعهم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة وفي موسم الحج وفي العقبة ، بايعهم مرتين ، بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية ، بيعة العقبة الثانية هي التي عاهدهم فيها وعاهدوه على أن يهاجر إليهم وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم وذراريهم ، هكذا بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، كان هذا كله في العهد المكي ، تأسس العهد المدني في مكة ، ولولا هذا العهد المكي ما كانت الهجرة إلى المدينة ، ولذلك القول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم فشل في العهد المكي قول إنسان جسور وجريء على الله ورسوله وجهول لم يدرس السيرة النبوية كما ينبغي .

أسألكم الدعاء

خادمة الحبيب
19-01-2007, 15:18
بارك الله فيك اخي على هذا الموضوع جعله الله لك في الميزان المقبول

نصر الله
19-01-2007, 18:57
شكرا أختي الكريمة على المرور الكريم
نفع الله بك الأمة

sami_2007
20-01-2007, 11:14
مشكور يااخى اللهم اجعله فى الميزان المقبول

نصر الله
20-01-2007, 11:16
بارك الله فيك أخي الكريم

hassan_1677
25-12-2007, 22:26
بعد أيام قليلة نستقبل عاماً هجرياً جديداً ونودع عاماً آخر ، وهكذا مسيرة الحياة للإنسان ، نودع ونستقبل ، الإنسان دائماً مودع ومستقبل ، مودع يوماً ومستقبل يوماً ، مودع أسبوعاً ومستقبل أسبوعاً ، مودع شهراً ومستقبل شهراً ، مودع عاماً ومستقبل عاماً ، وهذه كلها محسوبة من عمر الإنسان ، كل عام ينقضي بل كل يوم ينقضي بل كل ساعة تنقضي بل كل لحظة تنقضي هي صفحة من كتاب الإنسان تطوى وورقة من شجرة تذبل ، حتى ينتهي الأجل (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون