مشاهدة النسخة كاملة : استعادة التاريخ والوحدة الإسلام......للسيد محمد حسين فضل الله



ibnbatouta
04-03-2007, 20:43
منقول من :http://arabic.bayynat.org.lb/ahlalbe...-fast-f1m6.htm

الوحدة لا تمنع من دراسة التاريخ بطريقة علمية
إننا لا نتصور أن شعار الوحدة الإسلامية يعني دعوة الشيعة إلى أن يتنازلوا عن التزاماتهم الثقافية العقيدية في ما يستنبطونه من التاريخ، أو أن يتنازل السنة عما اقتنعوا به من القضايا التاريخية، وهكذا الشأن في القضايا الفقهيّة والعقائدية، بل إن مسألة الوحدة الإسلامية تنطلق من المنهج الموضوعي الذي يدرس الواقع التاريخي الإسلامي بطريقة علميّة، بحيث يدرس المثقفون والعلماء كل ما بأيدينا من نصوص الكتاب والسنّة دراسةً بعيدة عن الحساسيات والعواطف، لأن مشكلتنا أننا ندرس الكثير من نصوص التاريخ أو نصوص القرآن الكريم على أساس مشاعرنا لا على أساس عقولنا، ولهذا ترى الكثيرين قد يأخذون موقفاً مسبقاً من مختلف القضايا، فإذا كان النص يتفق مع موقفهم أخذوا به، وأما إذا كان لا ينسجم مع ما توارثوه فإنهم يعملون على تأويله وإبعاده عن ظاهره وعن سياقه، ولذا فقد أصبحت عملية استظهار النصوص خاضعة للذهنيات المسبّقة التي تحملها، وغدونا نفرض الكثير من هذه الذهنيات على القرآن نفسه، حتى صار القرآن صورة لما نفكر به، بدل أن يكون ما نفكر به صورة للقرآن، والأمر نفسه حصل بالنسبة للمسائل التاريخية التي تتصل ببعض الخطوط الفكرية والثقافية والعقيدية، فإن البعض يختار من النصوص التاريخية ما يناسبه ويرفض منها ما لا يروق له، أو أنه يحاول أن يرتّب التاريخ على حسب مزاجه ومذاقه الفكري، لا أن يجعل مزاجه الفكري خاضعاً لنتائج البحث العلمي التاريخي.
تحكّم العاطفة في حركة البحث
إن مشكلتنا أننا عاطفيون، وعواطفنا هي التي تحكم الكثير من حركة البحث عندنا، ولسنا عقلانيين موضوعيين ندرس الأمور على أساس الكتاب والسنة انطلاقاً من القواعد التي يتلاقى عليها الناس في فهم النص العربي، ولا نخضع تفكيرنا للنتائج المستفادة من الكتاب والسنة، حتى إذا جاءنا شخص وقال إنّ الكتاب ظاهر في أمرٍ ما، أو السنّة ظاهرة في حكم ما مما لا يتفق مع المألوف والمتوارث، نادينا بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتحركت حملات التكفير والتضليل والتفسيق.
إن الذين يتبعون هذه الأساليب فيتهمون من خالفهم في اجتهاداتهم بالكفر والضلال والفسق والانحراف، ضعفاء في ثقافتهم كما هم ضعفاء في حجتهم، لأن من يملك الحجة لا يشتم، ومن يملك البرهان الساطع لا ينطق بالكلمات غير المسؤولة.
اعتماد العقل القطعي
وعندما ندعو إلى قراءة التاريخ بموضوعية، ندعو قبل ذلك إلى تنمية الذهنية الموضوعية التي تتحرك بدون أفكار مسبقة، بل تلاحظ ما يقوله العقل القطعي لتأخذ به، وليس كل ما يعتبره البعض حكماً عقلياً فهو في الحقيقة حكمٌ عقلي لا بدّ أن نعتمده ونؤول النصوص على ضوئه، بل إن تصوراتهم قد يعتبرونها حكماً عقلياً، ثم إذا امتلكنا الذهنية الموضوعيّة نأتي إلى دراسة النصوص التي بأيدينا والتي تمثّل الأساس الفكري عندنا، دراسة من لا يحمل فكراً مسبقاً موروثاً أو مكتسباً من المحيط والبيئة بحيث يحاكم النص ويفهمه على ضوئه.
ونحن نعتقد أن الدراسة الموضوعيّة لا تنتج حساسيات ولا تخلق مشاكل تؤثر على وحدة المسلمين، لأنها تقوم على أسس علميّة تخاطب في الإنسان عقله بدل أن تحرك غريزته وعصبيته، وإنما الذهنيات الغرائزية هي التي تحاول أن توجه العقل بغرائزيتها ولا تحاول أن تخاطبه بعقلانيتها.
التاريخ جزء من ثقافتنا فلا يمكن إلغاؤه
إن التاريخ حقيقة لا نستطيع إلغاءها ولا رميها خلف ظهورنا، لأنه يشكل ثقافتنا وفكرنا، وإن أهملناه في موقع فإنه سيفرض نفسه علينا في مواقع أخرى، لذلك لا بدّ أن تكون لنا شجاعة دراسة التاريخ بالطريقة الموضوعية العقلائية.
كيف ندرس التاريخ؟
سبق أن كتبت قبل ما يقارب الأربعين سنة في مجلة ( الأضواء) التي كانت تصدر عن جماعة العلماء في النجف الأشرف "حول منهج الدراسات الإسلامية بين السند والمتن"[5]، وقلت إن علينا أن ندرس النصوص التاريخية كما ندرس القضايا الفقهية على أساس ملاحظة السند والمتن معاً، وهذا المبدأ هو الذي ركّزه القدماء من العلماء وإن فصل المتأخرون بينهما.
فلقد كان العلماء القدامى إذا جاءهم نص نبوي أو إمامي يدرسونه من خلال السند والمتن معاً، أما السند فيدرس من جهة أن الرواة الذي رووا هذا الحديث أو ذاك هل هم ثقاة أم لا؟ فإذا كان رواة الحديث معروفين بالوثاقة والصدق والضبط اعتمدوا روايتهم، وأما إذا كانوا مجهولين لديهم أو معروفين بالكذب والوضع أو لم يكونوا معروفين بالوثاقة، فإن حديثهم يُطرح ما لم تقم بعض القرائن التي توجب القطع أو الوثوق بالصحة من جهة أخرى. ثم إذا فرغوا من السند وثبت لهم وثاقة رواته، انتقلوا إلى دراسة المتن والمضمون من ناحية معناه ولغته وموافقته لحكم العقل أو الشرع الثابت، فإن كان موافقاً لحكم العقل أخذوا به وإلا أوّلوه، وإن كان موافقاً لكتاب الله عملوا به وإلاّ طرحوه عرض الحائط، لأن كتاب الله هو الحجة الأساس في توثيق الروايات، كما جاء عن رسول الله(ص) والأئمة المعصومين من أهل البيت(ع): "ما خالف كتاب الله فهو زخرف"[6].
أما الذي نواجهه مؤخراً، فهو أن هناك قوماً يكتفون بكون سند الحديث مقبولاً دون أن يحاكموا مضمونه، وهناك أناس آخرون ـ كما هو المشاهد في الدراسات التاريخية لدى المحدثين ـ يأخذون بمضمون النص دون دراسة السند، وكلا هذين المنهجين قد خلقا لنا الكثير من المشاكل الفكرية والاستنتاجات الخاطئة.
ونحن نعتقد أن المنهج الصواب هو الذي يعتمد دراسة النص ومحاكمته من جهتي السند والمتن معاً.
*
الوحدة ليست بإنتاج إسلام بلا مذاهب
إن شعار الوحدة الإسلامية لا يعني أن نعمل على إيجاد "إسلام بلا مذاهب"، أي إسلام لا لون له ولا طعم ولا رائحة، لأنه لا يمكن أن يكون هناك إسلام بلا مذاهب، لا لأن المذهبيّة أساسية في الكيان الإسلامي أو في شخصية الإسلام، بل لأن المذهبيّة انطلقت في كثير من خطوطها على أساس اختلاف الفهم وتنوع الاجتهادات فيما يجتهد به هذا بحسب العناصر الاجتهادية الموجودة عنده، وفيما يجتهد به ذاك بحسب العناصر المتوفرة لديه، ولهذا فالحل لا يكمن في إلغاء المذهبيات ، بل في تحويل هذه المذهبيات إلى حركة فكرية في فهم الإسلام، فإن المذهبيّة الفكرية تغني اجتهاداتنا الإسلاميّة بخلاف المذهبية العشائرية والعصبية والطائفية المعقّدة، فإنها تؤدي إلى مزيد من الأحقاد والثغرات، ومشكلة المسلمين هي أنهم لا يعيشون المذهبية الفكريّة بقدر ما يعيشون المذهبيّة العصبيّة الممختنقة داخل ذاتها وغير المستعدة أن تنفتح على الآخر لترى ما عنده، وغير المستعدة أن تجد للآخر ولو كلمة حق أو نقطة ضوء، بل تراه ظلاماً دامساً وليلاً داجياً، هذا مع أنه ليس من الضروري أن يكون الشخص الذي تختلف معه شراً كله، ولا أن يكون الفكر الذي يحمله الآخر فكراً باطلاً بأجمعه، بل ربما كان فيه شيء من الحقيقة، ولو أننا ملكنا جرأة الاعتراف له أن في فكره شيئاً من الحق، فإننا سوف نفتح عقله وقلبه أمام فكرنا، وهذا هو المنهج القرآني الذي علينا اتّباعه.
بعدنا عن المنهج القرآني
ولعل من أهم المشاكل التي تمزقنا هي أننا أسقطنا المنهج القرآني من نفوسنا وابتعدنا عنه من خلال عصبياتنا، فالله سبحانه يقول في كتابه: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}[ المائدة:8] ، أي عليك أن تكون عادلاً حتى مع خصمك، فإذا كان لديه بعض الحق فأعطه حقه، وإذا لم يكن لديه شيء من الحق فحاول إقناعه ومناقشته بالحسنى.
وقد قال الله سبحانه وهو يعلمنا أن نقول كلمة الحق ضد الأقربين إذا لم يكونوا مع الحق: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}[ الأنعام:152]، {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}[ النساء:135].
إن معنى ذلك هو أن نكون مع الحق ولو لم يكن الحق معنا بل كان مع غيرنا، وقد ورد في الحديث:"إن سيّد الأعمال إنصاف الناس من نفسك"[7]، وقد يعتبر البعض أن هذا مجرد مسألة أخلاقية، لكننا نقول إنها تمثل الجانب الأخلاقي في مناهج البحث والجدال مع الآخر أو الصراع معه، فإذا كنّا مسلمين فعلينا أن لا نظلم عدوّنا، لا أن نقتصر على أن لا نظلم صديقنا فقط، وهذا ما عبّر عنه إمامنا زين العابدين (ع) ـ هذا الإمام القمة في الروح والقمة في الفكر كما كان الأئمة كلهم قمماً في ذلك، ولكن لكل ورد رائحة ـ عندما قال في صحيفته السجادية ـ التي أوصي دائماً أخواني المؤمنين بما أوصي نفسي بأن تكون رفيقهم في كل وقت، لأن فيها الغذاء الروحي والأخلاقي والعقائدي والاجتماعي، والتي تفتح عقل الإنسان وقلبه ـ وهو يدعو الله سبحانه ، قال ( ع):"وارزقني التحفظ من الخطايا والاحتراز من الزلل في حال الرضا والغضب، حتى أكون بما يرد عليّ منهما بمنزلة سواء، عاملاً بطاعتك، مؤثراً لرضاك على ما سواهما في الأولياء والأعداء، حتى يأمن عدوي من ظلمي وجوري، وييأس وليي من ميلي وانحطاط هواي"[8]، أي اجعلني يا ربي أعيش على طبق منهجٍ أخلاقي، بحيث لو عاش عدوي معي لقال إن فلاناً مسلم حقاً لا يمكن أن يظلمني أو يجور علي، لأن المسلم لا يظلم ولا يجور حتى على أعدائه، وإذا عاش معي أصدقائي لقالوا إن فلاناً رجل حق وعدل فلا يمكن أن يحابينا على حساب الحق ليعطينا ما لا حق لنا فيه.
وهذا المنهج هو منهج إسلامي لا يقتصر على المعاملات الماديّة، بل هو شامل لكل العلاقات الإنسانية، لأنك قد تظلم شخصاً في ماله وقد تظلمه في حوارك معه، فتأخذه بالحق والباطل لتسكته، مع أن المنهج الإسلامي يقول لا يكن همك أن تسكت خصمك إلا في حالات الضرورة، بل ليكن همّك أن تقنع خصمك، ولهذا انتقد الإمام الصادق(ع) بعض أصحابه الذي كان يحاور شخصاً في الإمامة واتّبع معه أسلوباً غير سليم، فقال له الإمام(ع): "إنك أخذته بالحق والباطل وقليل الحق يغني عن كثير الباطل"[9]، أي ما الفرق بينك وبينه، فأنت مثله، جحد حقاً وجحدت أنت حقاً آخر، هو جحد الحق في النتائج وأنت جحدت الحق في المقدمات، ولا فرق بين من يجحد الحق في منهج البحث ومفرداته وبين من يجحد الحق في النتائج.

faissal
04-03-2007, 22:50
كلام منطقي , بارك الله فيك أخي الكريم

مشكور

ibnbatouta
05-03-2007, 00:37
كلام منطقي , بارك الله فيك أخي الكريم

مشكور

شكرا لك أخي الكريم على المرور..... نحتاج إلى مثل هذه المواقف لتوحيد الصفوف و مواجهة الأخطار المتربصة بالأمة...و كذلك من أجل أن نعيد قراءة التاريخ اللذي وصل إلينا مبلل بالدماء...... يجب أخي الكريم أن يتقبل بعضنا بعضا و أن يحترم بعضنا بعض ليس بإستعمال عبارات دبلوماسية و لكن بإتاحة الفرصة للجميع في التعبير و في إبداء الرأي الأخر بدون المساس بالمقدسات........شكرا لك أخي الكريم مجددا, و السلام عليكم ورحمة الله و بركته

شيعي مغربي حر
05-03-2007, 01:52
مشكور اخي ابن بطوطة وتحية للسيد محمد حسين فضل الله ولعرضه الوحدوي الذي ينم عن عقلانية منطقه