مشاهدة النسخة كاملة : الدفاع عن الحرية والديمقراطية وعن المستضعفين عناوين كبرى للمشروع الإسلامي



المراكشي
05-03-2007, 19:01
المفكر الإسلامي فهمي هويدي لـ"التجديد": الدفاع عن الحرية والديمقراطية وعن المستضعفين عناوين كبرى للمشروع الإسلامي

الكاتب والصحافي والمفكر فهمي هويدي. أحد الرموز الفكرية الذين جادت بهم الأمة الإسلامية للنبض بهمومها، وملامسة أمالها وآلامها. سخر قلمه منذ أزيد من أربعين سنة لخدمة قضية واحدة هي: ''الدفاع عن الحرية والديمقراطية''. هاتان القيمتان يعتبرهما فهمي هويدي قاربا النجاة للخروج من وطأة التخلف والفقر، والانعتاق من التبعية للآخر.

التقته ''التجديد'' بالرباط أثناء مشاركته في الندوة الدولية التي نظمتها ''الإيسيسكو'' حول موضوع (تفعيل مقومات الهوية الثقافية الإسلامية في الفهم والتفاهم بين الشعوب والحضارات)، وكان معه الحوار التالي:


دعا الدكتور فهد النفيسي في طرح غير مسبوق، إلى حل جماعة الإخوان المسلمين، معتبرا أنها ـ ككيان تاريخي ـ أصبحت عبئا على الحالة الإسلامية والحالة السياسية العربية بشكل عام، ودعا غيرها من الحركات الإسلامية إلى الابتعاد عن فكرة ''التنظيم'' حتى لو كان حزبا سياسيا، معتبرا أن فكرة ''التيار'' هي الأقرب إلى الحالة الإسلامية، ؟ ما رأيك في هذه الدعوة؟

في رأيي هذا حل انسحابي لا يحل إشكالا، لأن المسألة ليست متعلقة بتنظيم واسمه ووضعه، ولكن في بعض الأحيان تكون السياسات هي المحدد، ماذا تريد بالضبط؟ هل يتخلى الناس عن تنظيمهم وعن إسلامهم والتزامهم؟ في الحقيقة، إن الالتزام هو المشكلة، فليس هذا حلا، وينبغي أن يمضي التفكير في اتجاه آخر، والنموذج المطروح هنا، في بعض البلدان يمكن أن يـــُناقش، وإن اختلف الأمر من بلد إلى آخر، لكن، أن تنسحب مثلا .. في مصر هناك حركات الجهاد، والجماعات الإسلامية، فهي قامت بمراجعات، وتغيروا مائة وثمانين درجة، ولا زالوا موجودين في السجون.



ماذا تقول في شعار ''الإسلام هو الحل''؟

هذه الشعارات أحيانا لا تعني أكثر من أنها تمثل أسهم، وكل سهم يشير باتجاه في ذاته، ولا غضاضة في هذا، خصوصا إذا أطلقت الشعار، وقلتَ ما الذي يعنيه هذا؟ لأنه في بعض الأحيان يُساء الاستخدام، فليس عندي معركة مع الشعار، فعندما يقولون الليبرالية هي الحل، أو العلمانية هي الحل. فكل واحد يعبر عن هويته. والمهم هو أن يقترن إطلاق الشعار بتحديد المبادئ الأساسية التي يعنيها هذا الشعار.

فعندما عزلنا الدين عن الحياة، بدت عبارة الحل الاسلامي غريبة على الأسماع والأفئدة. وعندما صرفنا همّ المتدينين إلى عمارة الآخرة، وأغرقناهم في عالم الغيب، فإنهم هجروا عمارة الدنيا، وسقطوا ـ من ثم ـ في عالم الشهادة. ومنذ صار الخطاب الديني موعظة واتكاء على النصوص من قرآن وسنة، بات مثيراً لدهشة البعض أن يتحدث الاسلاميون عن التنمية والدعم والمشكلات الحياتية الملحة.

هكذا بدا الحل الاسلامي عنواناً سهل الإلقاء والتداول، ممتنعاً عن الفهم والتناول. وصار مهماً وحيوياً، في هذه المرحلة بالذات، أن يفسر العنوان، وأن يجري الحوار حول كيف يكون ذلك الحل، وإلى أين يقود؟.. ولقد طرح مثل هذا السؤال في مناسبات عدة، بالأخص عندما أثير موضوع تطبيق الشريعة، وكان لنا إسهام متواضع فيه، إلا أن دائرة التساؤل حول موضوع الحل الاسلامي باتت أوسع بكثير هذه المرة. خصوصاً بعدما حمله الاسلاميون على أكتافهم أثناء المعركة الانتخابية، حتى كان ما كان من صخب وضجيج واعتراض، لا يزال صداه قائماً إلى الآن.

ثم إنه ليس هناك شيء واحد اسمه الحل الاسلامي، ولكن هناك حلولاً عديدة تنبع من رؤية الاسلام وتصوره للكون والحياة. وبالتالي، فإن الحلول تتعدد بتعدد المشاكل، بمعنى أن رؤية الإسلام وموقفه هما العنصر الجامع، أما الحلول المرتكزة على هذه الرؤية والنابعة منها فهي غير متناهية، لأن وقائع الحياة غير متناهية بطبيعة الحال، ثم إن الحل الاسلامي لا يشترط فيه أن يكون مذكوراً في الكتاب والسنة أو في مدونات الفقه وكتب السلف، لكنه يكتسب صفته تلك إذا لم يتعارض مع نص أو قيمة اسلامية، وإذا كان يحقق مصلحة مرجوة لمجتمع المسلمين. في هذا الصدد أستحضر حواراً ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين بين ابن عقيل وعدد آخر من الفقهاء، حول السياسة الشرعية. إذ قال أحد الفقهاء أنه لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا نزل به وحي. ثم أضاف: فإن أردت بقولك لا سياسة إلا ما وافق الشرع، أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح. وإن أردت ما نطق به الشرع. فغلط وتغليط للصحابة.

وقد انحاز ابن القيم لرأي ابن عقيل، وانتقد من قال إن السياسة هي فقط ما نطق بها الشرع، حتى اتهمهم بأنهم ضيعوا حقوق الناس وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد. وقال قولته الشهيرة: إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض. فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه

ورضاه وأمره. والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأماراته في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر.. فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها.



قلت في مقال لك إن الفلسطينيين حققوا إنجازا مهما حين وافقوا على إعلان مكة، ودعوت إلى وجوب التمسك بهذا الاتفاق، لماذا هذه الدعوة، ومن يريد الالتفاف على الاتفاق ووأده؟

أولا، هناك قوى فلسطينية حريصة على إقصاء حماس، من ناحية ثانية، هناك قوى دولية، متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى لا تريد إنجاح الاتفاق، باعتبار بعض الجهات المشتبكة مع الحركة الإسلامية لا تريد نجاحا لأي حركة إسلامية في أي نظام سياسي آخر، ولهذا هناك مصادر متعددة تريد محاولة إفشال التجربة، ولكن، على الأقل قيادة فتح، وقيادة حماس حريصة على إنجاحه.



باطلاعك على تجربة الحركة الإسلامية في شقها السياسي المتمثل في حزب العدالة والتنمية، وشقها الدعوي متمثلا في حركة التوحيد والإصلاح، ما تقييمك لهذه التجربة؟

لنقل أولا، إن التجربة تحتاج إلى وقت حتى نحكم عليها، ولكن، هناك أكثر من عنصر يجب وضعه في الاعتبار. الأول، أنه في المغرب هناك قدر وهامش من الديمقراطية يسمح بإضفاء الشرعية على مثل هذا النشاط، وهذا الأمر تستفيد منه الحركة الإسلامية.

الأمر الثاني، في نفس الوقت، هناك اتجاه داخل الحركة الإسلامية يدعو إلى التمييز بين الأنشطة المختلفة، وردّد هذا داعية بحجم يوسف القرضاوي، وقال: إنه لا يستطيع أن نجد حركة تحمل الإسلام كله: السياسة، والدعوة، والاقتصاد، والتربية، والخدمات، ولهذا فهناك توجه للتمييز بين الأنشطة.

إصلاح المناهج الدراسية، والتدخل الأمريكي بهذا الخصوص، وإزالة بعض الأحاديث والآيات القرآنية التي تزعج الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل دعاوى فرض هذا الإصلاح ستصمد، أم ستجد مقاومة وممانعة في هذه الدول؟



هناك نقطتان: النقطة الأولى، أن هذا تعبير عن عجز وهشاشة الأنظمة السياسية الموجودة التي تقبل الإملاءات من هذا القبيل.

والأمر الثاني أن هذا يضر ولا ينفع، قلت: بدلا من تأطير ''الجهاد'' ضعوه في صيغة رشيدة في مكان صحيح، لأنه أحيانا إذا ألغيت الجهاد، فهذا خداع للنفس، سيبقى في السراديب وفي المناطق المظلمة، وهذا أخطر، لأنه بدل أن تقول إن الجهاد هو جهاد للنفس، وهو مراتب، وأنه ليس فقط قتال، وأن له أنواع متعددة، فابن القيم تحدث عن 13 مرتبة، وهناك من تحدث عن عشر مراتب، بدل أن تشرح بشكل عاقل وتضعه في إطاره المتوازن، تقصيه تماما، ومن ثم تدفع الناس إلى أن تحصِّله وتفهمه بطرق أخرى.

فهمي هويدي الكاتب، متى يكتب مقالاته؟

أنا ليس عندي عمل الآن غير القراءة والكتابة، فأنا أكتب كل يوم، وأحاول أن أؤدي التزاماتي، تجاه القارئ سواء كنت مسافرا أو مقيما. طبعا، أنا كلما أقرأ.. أقرأ كأي تلميذ للكتاب ، يأخذ ملاحظات يسجل، ويراكم عمله، ولديه عناوين جاهزة تتحرك بمقتضى الأحداث الموجودة، وأحيانا القناعات، وأحيانا المناسبات السياسية. وأنا أكتب في الصحف اليومية، فهي لا تستطيع أن تنفصل عن الناس، وهذه الأشياء كنت أكتبها في مجلة شهرية ''العربي''، لكن القارئ للصحافة اليومية يتوقع خطابا قريبا من مداركه، والمسار الذي يؤثر على إدراكه، وبالتالي تختلف الكتابة من منبر إلى منبر، وحسب الطبائع والأوضاع السياسية في كل بلد.

ما الذي أثر في تكوين وفكر الصحافي والكاتب فهمي هويدي؟

أنا من أسرة لها انتماؤها الإسلامي المبكر، فأبي كان في الهيئات الأساسية للإخوان المسلمين، وأنا نشأت في هذه البيئة، وأنا ابن بيئتي، فلم تحدث عندي تحولات. وأتاح لي العمل الصحافي أن أتحرك على مساحات متعددة، ووجدت أن الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية من منطلق إسلامي ''هذا موضوع مهم للغاية'' لأن الكثير من الكتاب الذين ينتمون إلى الصف الإسلامي يرسلون الكلام في ما هو عقيدي مباشر، أو دعوي مباشر، لكن، أعتقد أن الاقتراب من القضايا الحيوية والدفاع عن الفقراء والمستضعفين وعموم المجتمع هذا تمهيد للمشروع الإسلامي، خصوصا حينما ينطلق الكاتب من إدراكه للموضوع. هذه قضايا مهمة للتوجه الإسلامي بشكل عام.



هل ما يزال فهمي هويدي وفيا لخط ومنهج ''الإخوان المسلمون''؟

أنا تعلمت في مدرسة الإخوان المسلمين، وأنا أعتبر أن الإخوان المسلمين وسيلة، فأنا ملتزم بالمشروع الإسلامي تحت أية راية، ولهذا أنا لم أرتبط بعلاقة تنظيمية مع الإخوان، لاقتناعي بأن العمل الإسلامي له أبواب متعددة، وأحيانا يتجاوز الحركة، فضلا عن كون استقلالي يسمح لي بنقد الحركة دون تأنيب ضمير، أو دون مخالفة تنظيمية، وهذا يخدم المشروع.. والمشروع عندي أهم من الحركة.



هذه الكبوات والسقطات التي تتجرعها الأمة. ما السبيل للنهوض منها، والخروج من الأزمة التي تعيشها الأمة؟

أولا، لا بد من الدخول في المشروع من زاوية الدفاع عن الحرية والديمقراطية، لأنها مهمة في تحديد خيارات الناس، ولأن التحديات الراهنة جسيمة، ثم بتوسيع نطاق المشترك مع الآخرين، والاحتشاد الوطني لمواجهة التحديات في الداخل أو الخارج.

كلمة لقراء "التجديد":

أقول دائما إنه على الناس أن يدركوا أن المشروع الإسلامي هو الهدف النهائي، والهدف النهائي يتعين الوصول إليه عن طريق المرور عبر أشواط متعددة، فينبغي أن يسعى الناس إلى التحرك دون أن يأخذههم الهدف النهائي أو البوصلة النهائية، وأفضل دائما التركيز على القضايا الحياتية للمسلمين وللمجتمع، وللعمل في إطار الاحتشاد الوطني مع الآخرين، والاستمرار في الالتصاق بالواقع الاجتماعي، ودعم الالتصاق بالمجتمع أكثر من التطلع إلى مراتب السلطة.

التجديد 5/3/2007