مشاهدة النسخة كاملة : المرأة المسلمة بين منطق الحبس ومنطق السوق



لطفي الخير
10-03-2007, 00:44
المرأة المسلمة بين منطق الحبس ومنطق السوق

بقلم: أحمد الفراك – حسناء بن عمر

يتناول هذا الموضوع قضية المرأة المسلمة المعاصرة والإشكالات المطروحة بصددها من وجهة نظر تأصيلية نقدية، وذلك عبر المحاور التالية:
1- أسئلة مؤطرة للموضوع.
2- المرأة المسلمة في العهد النبوي والراشدي.
3- المرأة المسلمة في الخطاب المتشدد: مظلومية باسم الدين .
4- المرأة المسلمة في الخطاب المائع: مظلومية باسم التحرر.
5- من أجل خطاب تجديدي شامل ومستقبلي.


1- أسئلة مؤطرة:



لماذا تكثف الحديث اليوم عن المرأة ؟هل فعلا ظلمت المرأة المسلمة في تاريخنا؟ من ظلمها؟ هل هو الرجل أم الدين أم الحكم المستبد؟ ماهي مظاهر هذا الظلم في واقعنا؟ هل الظلم وقع عليها من دون الرجل أم أنه يمسك بتلابيب المجتمع كله؟ كيف ينظر المسلمون اليوم إلى المرأة؟ هل قوامة الرجل تجبر وتسلط أم هي لازمة لحافظية المرأة أمانة ومسؤولية؟ وهل الخطاب النسوي الغربي خطاب منصف للمرأة أم أنه مسيء لها؟ كيف يتصور دعاة الإصلاح أولويات رد الاعتبار للمرأة في المجتمع؟ هل كل شعارات تحرير المرأة في صالح قضيتها؟ وفق أي أصل مكين ينبغي أن نستند في معالجة قضية المرأة المسلمة؟ هل بمنطق من سبق أم بمنطق من لحق؟ ضمن أي مشروع تجديدي شامل يمكن للمرأة أن تشارك إلى جنب أخيها الرجل في بناء ذاتها وتجديد مقومات أمتها؟


2- المرأة المسلمة في العهد النبوي والراشدي:
في محضن النبوة




عاشت المرأة المسلمة في زمن النبوة عز زمانها، إذ يكفيها عزا أنها صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبته وتربت في حضنه الشريف، وسألته وأجابها، واستشارته فأشار عليها، واشتكت له من قسوة الجاهلية فأنصفها، وخرجت معه للجهاد مشاركة فأبلت البلاء الحسن، وكتبت الوحي بالقلم وحفظت القرآن والحديث وطيب الكلم، وتفقهت في دينها، فعلمت وربت وأفتت، بذلت مالها ووقتها وما رزقها الله من قدرة على التحمل والعطاء في سبيل نصرة دين الله وتبليغ دعوته. أكرمها الله تعالى بنعمة الصحبة لخير خلق الله كلهم، وأكرم بها سبحانه دينه الحنيف الذي لا يستقيم أمر متدين إلا بإكرامها، وقد خص الله من يظلم المؤمنات وينعتهن بسوء باللعنة في الدارين وبالعذاب الأليم، فقال سبحانه: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم" (النور 23). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يكرم المرأة إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم".
دعا الإسلام المرأة كما الرجل إلى الإيمان بالله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والتأسي به، وهذا هو الطريق الوحيد لنكون من "الذين آمنوا وعملوا الصالحات"، فلا تكون المؤمنة مؤمنة إلا إذا رضيت وعملت بما جاء به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم"، (الأحزاب36) أي أن المؤمنين –ذكورا وإناثا- لا يشترطون على الله ورسوله شروطا كي يؤمنوا ويتقوا، فهم على يقين تام من أن اختيار الله لهم هو أفضل اختيار، وإن كرهته النفوس التي لما تتطهر بعد، واستثقلته طباع الذين لا يوقنون، الذين لا يقبل مزاجهم "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" (البقرة228)


وصية من الله



كانت المؤمنة مشرفة مكلفة لا تؤجل عمل آخرتها ولا تعطل سعي دنياها، علمت أن الدنيا مزرعة للآخرة فملأت أنفاسها بالذكر والقرآن والتربية والمواساة والدعوة والجهاد. خيرت بين زينة الله التي أخرج لعباده وبين زينة الحياة الدنيا فقط، فاختارت ما يدوم على ما يزول، فجمع الله لها خير الدنيا والآخرة، قال جل وعلا: "وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما"(الأحزاب28).
كرم الإسلام المرأة بنتا وأختا، وأوصى بصحبتها والإحسان إليها فقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة" (رواه أبو داود) وقال أيضا: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو-وضم أصابعه- أي معا" (رواه مسلم). وشرفها زوجا، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فجعل أفضل المؤمنين من أحسن إلى أهله (بالسخاء والوفاء والصبر والعدل والحلم والمواساة...) وعظمها أما، فقال صلى الله عليه وسلم: " الجنة تحت أقدام الأمهات"، فجعل الجنة وهي مطلب عزيز ثمرة لصحبة الأم (أمك ثم أمك ثم أمك). فانظر إلى هذه الرحمة. جنة في السماء، مفتاحها تحت قدم الأم. طبت يا رسول الله، عليك صلاة الله وسلامه، فأنت الذي تبلغ عن رب العالمين ما يرتضيه لإمائه ولعباده الصالحين؟.


ولاية جامعة



لقد جعل الله تعالى بين المؤمنين والمؤمنات ولاية إيمانية جهادية في قوله: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم" (التوبة72)، فالمرأة تأمر بالمعروف كما الرجل وتنهى عن المنكر كل المنكر وتقيم فرضها ونفلها في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات، لا تمنعها أنوثتها من الترقي في مدارج الإيمان والإحسان، حتى تكون من المحسنات اللواتي أعد الله لهن عظيم الأجر. لذلك وجب على المؤمنين أن يتقوا الله في أمهاتهم وأزواجهم وأخواتهم وبناتهم وفي كل أمة من إماء الله، وأن يساعدوهن على طاعة الله بالرفق والحلم والصبر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنجشة لما كان يسرع بالإبل التي تركبها نساء: "رفقا بالقوارير". فأوصى عليه الصلاة والسلام بالرفق لأن "الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"، وهو ضد العنف والخشونة. فاخشيشان الرجل وتصلبه لا ينبغي أن نحمل عليه المرأة لأنه "ليس الذكر كالأنثى"، قال صلى الله عليه وسلم وهو في خطبة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا" (رواه مسلم)، وهن مدرسة الحنان والعطف والإحسان.
وفي العهد الراشدي حافظ المؤمنون على وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبروها دينا من الدين، وتخلوا عن ماضيهم الجاهلي واستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا" (التنوير1/175)، لكن بعد مجيء الإسلام انقلبت التربية والعلاقة والمعاشرة، فأصبحت "كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها" (صححه الألباني في الجامع الصغير)


3- المرأة المسلمة والمظلومية باسم الدين:

انتكاسة شاملة



بعد زمن الخلافة الراشدة التي دامت ثلاثين سنة ثم تحولت ملكا وراثيا مذموما، انحدر موقع المرأة في المجتمع المسلم وتقلصت وجاهتها، وتحولت من مؤمنة مشاركة معززة مكرمة إلى سلعة رخيصة في سوق النخاسة تباع وتشترى بأبخس الأثمان، فانحطت بانحطاط الحكم وانتقاض عروته وما رافق ذلك من انحباس في الفقه و ضعف في الاجتهاد، وتجدد لأخلاق الجاهلية التي تهمل المرأة، إلا أن تكون قطعة جميلة يتسلى بها في القصور ثم ترمى كما ترمى الأجهزة البالية.
فما الذي وقع للمسلمين حتى أصبح ل"خليفتهم" خمسمائة جارية للفراش، وآلاف من الوخش للخدمة، وذاك الأمير أهدى لهذا الأمير مائة جارية؟؟؟
الجاهلية جاهليات، منها التي سبقت الرسالة وكانت تستاء من وجود الأنثى، قال الله تعالى: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب،ألا ساء ما يحكمون"(النحل79)، سبحان الله؟ كيف أن الجاهلين يبشرون بالخير فتسود وجوههم بالغضب والغيض والكراهية والسخط؟ ويودون لو لم تخلق الأنثى بالمرة، فيعارضون وجودها خلقة أو يدفنوها لكي يزول من على وجه الأرض "شرها".
اعتزاز هستيري بالذكورة المتوحشة، والشهامة الفارغة.
ومنها الجاهلية التي جددت الأولى وبعثت شرورها -وما جاهلية ملوك الطوائف منها ببعيد- ومن هذه الشرور ظلم المرأة. ففي منطق متخلف غليظ لا يتحدث الوجود إلا باسم الذكور، أما الإناث فوصمة عار وجودهن، وإذا ما وجدن فمكانهن الطبيعي تحت التراب، وإلى حين وفاتهن فهن محط كل نعث بالدونية والاحتقار والشر.



حبس المرأة !



هذه النظرة المتوحشة التي تدعو إلى إخفاء الأنثى وتحرج من ذكر اسمها لأنه هو الآخر عورة، هي التي تؤسس لموقف استضعافي يهين المرأة ويهين الإسلام ويهين الإنسانية. بل أكثر من هذا فهو يتعسف تعسفا مرضيا في فهم نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي وتأويلها فيفهم من الدرجة في قوله تعالى: " وللرجال عليهن درجة" معنى الإستبداد والاستعلاء والفرعونية، ومن قوله تعالى: "الرجال قوامون على النساء" أن المرأة لا ينبغي أن تشارك في أي قرار ولو كان في بيتها، فبالأحرى في مجتمعها، لأنها فتنة والفتنة أشد من القتل لذلك يجب تغييبها عن الأنظار، حتى ظهر في تاريخنا فقه "حبس المرأة من أجل حمايتها"! و"حصار العلماء من أجل حمايتهم".
لهذا أقول أنه يمكن أن تظلم المرأة باسم الإسلام...وبالفعل كان وبالفعل هو كائن.
قال الأستاذ عبد السلام ياسين: "من الوعاظ من يأخذ بأشد ما في مذاهب الفقه من شدائد، فالحجاب عنده نقاب وقفاز ولون أسود وقطنة في الفم قبل أن تتكلم المرأة فتؤدي العالم بصوتها العورة، ويود الواعظ لو تلبس المرأة جلدا سميكا أو تتخذ لباسا من الصفيح والقصدير إمعانا في الشدة وتخريجا بغير دليل شرعي في دين ما جعل الله فيه من حرج" (التنوير ج2ص123)


4- المرأة المسلمة والمظلومية باسم التحرر:
سوق المرأة!



يقدم التصور الغربي الإنسان كدابة تلتهم الطعام والشراب والملذات ثم تفنى إلى الأبد، ولا شيء بعد. ألغى في الإنسان بعده الروحي، وأنساه آخرته، وألهاه عن ذكر المبتدأ والخبر، بل "قتل الإله" كما قال نيتشه الأحمق، وحرض فيه حاجته المادية وخرف الغيب والنبوة والكرامة مع فرويد المعتوه، ودعا إلى الثورة على كل شيء اسمه دين أو وحي أو شريعة، وعولمة القيم المادية الإباحية. أما المرأة فهي منذ اليونان آلة حية لا يحق لها أن تكون مواطنا، وعند اليهود هي لعنة لأنها أغوت آدم وتسببت في إخراجه من الجنة، وعند النصارى دنس ورجس من عمل الشيطان "أمر من الموت، وإن الصالح أمام الله ينجو منها"، قال القديس ترتوليان: "إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الله"! وفي القرن الخامس اجتمع القسيسون ليقرروا هل المرأة جسم وروح أم هي فقط جسم بلا روح؟ فقرروا أنها خالية من الروح. وسنة 1805 أباح القانون الإنجليزي للرجل أن يبيع زوجته، فكانت تباع النساء في أسواق العاصمة لندن.
سبحان الله! سوق للنساء...فهل انعدم هذا السوق أم أنه تطور فقط؟
لقد قدم هذا الخطاب العبثي المرأة كعاصمة لشهوة الرجل وسلعة لعرض المنتوج وتسويقه. ليس إلا. وأخيرا ترمى المسكينة في ملاجئ العجزة كالدمية المكدودة التي عافتها الأذواق في الأسواق.


أين الكنيسة؟



لماذا لم تقف إلى جنب المستضعفين؟
لقد انشغلت بجمع الأموال وتكريس الظلم وإباحة الحرام لما تواطأت مع الملوك وبررت استبدادهم وخدرت الفقراء بمواعظ تمويتية أفقدتهم الحق في المطالبة بحقوقهم المهضومة، وشجعت الظالمين على الاستمرار في ظلمهم بالتوسط لهم بصكوك الغفران لتمحى خطاياهم (الاستعمار والقتل والنهب…)، فشاع الحديث عن "الحق الإلهي للملوك" أي أن الملوك يحكمون بتفويض من الله، تشهده الكنيسة، ولا يجوز لأحد أن يعترض عليهم وإلا فهو خارج عن طاعة الملك الذي هو بمثابة رب في الأرض! ويستحق الطرد من الرحمة…
فظهرت مجموعة من الأصوات التي تدعو إلى مراجعة علاقة الكنيسة بالسلطة ووضع حد فاصل بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية، ورفع شعار "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"، أي القضاء على تبرير الظلم باسم الدين، وإنشاء دولة تحفظ فيها الحقوق للجميع دون وصاية من أحد.
ويعلم الجميع كيف كانت تعامل المرأة: كتلة لحمية يتلاعب بها الرجال، وفي أحسن الأحوال يصل النقاش إلى البرلمان الإنجليزي فيضع القرار للتصويت: هل المرأة إنسان أم حيوان؟؟؟
فلم تعرف المرأة في الغرب بعض "حريتها" إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وإن كانت لا تزال ينظر إليها كجسد يصلح للاستعمال في صالونات العرض والإشهار والخلاعة.



بلية الاستعمار



ومع استعمار الدول الإسلامية والعربية فطن المستعمر إلى دور المرأة فسارع إلى وضع الخطط لاستهدافها وإفراغ رسالتها في المجتمع، فعطل ما كان محفوظا من أحكام الشريعة ودعا إلى تعويضها بالمحاكم العرفية، وقلص نفوذ اللغة العربية لصالح اللغة الأجنبية العلمانية، وشجع التبرج والميوعة وشرب الخمر، واحتقر كل مظاهر التدين من أدب أو لباس، وربى وكون نخبة مثقفة من بني جلدتنا تحمل أسماء عربية لكنها تشكلت نفسيا وفكريا ومزاجيا على حسب نمط تغريبي. ولا زلت أذكر أحد أساتذة الفلسفة بكلية الآداب بالرباط لما قال لنا "أنا أوربي ولدت في المغرب بالصدفة!"
انبهار وتبعية وذوبان سلبي، لفئة مغربة مستلبة، لكنها تمكنت من رقاب جيل كامل تعلمه أن قيم الغرب هي القيم وأن نموذجه هو التقدم والتحضر، وما دونه تخلف ورجعية !
قال صلى الله عليه وسلم: "لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه" (صححه الألباني)، وها قد عمت ظاهرة الكاسيات العاريات، المميلات المائلات، أجساد وأهواء وفساد وإفساد، وضياع في الدنيا والآخرة وتضييع، وشجعت ذلك حكومات ووسائل إعلام وجمعيات، تتبنى الرذيلة والفسوق وتحارب العفة والطهارة والحلال وتصرف في ذلك أموال المسلمين ظلما وعدوانا. أما الآخرة "والآخرة خير وأبقى"، أما الله جل وعلا "والله خير وأبقى"، فلا شأن لهما بالموضة والحضارة وحقوق المرأة!


5- من أجل خطاب تجديدي شامل ومستقبلي:

سؤال كيف؟



رأينا رسالة المرأة المسلمة–أخت الرجل- في العهد النبوي، وكيف ترجمت روح المعاني القرآنية في بيتها وجهادها، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، ورأينا كيف انحدرت أوضاعها وتقلص إشعاعها بعد الخلافة الراشدة إلى أن أصبحت مهانة رخيصة في قصور بني أمية، وكيف فسرت قوامة الرجل التي هي أمانة وتكليف ومسؤولية، تفسيرا يجيز ضرب المرأة ما لم تكسر العظام! ثم كيف ظلمت المرأة بمنطق التغريب والتحرر الظلماني الذي يسخط الله ويضيع الأمانة، ويستغفل الإيمان في القلوب. فكيف نتفادى السقوط في هذين المنطقين المتطرفين، المنطق الاستبدادي الذي يضيع شرف الدنيا والمنطق الدوابي الذي يصرف عن خير الخير: الله والدار الآخرة؟ وكيف نعتصم بمنهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامع بين حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، بين رحمة القلب وحكمة العقل؟ لنكون من السعداء هنا وهناك؟


آفــات ثلاث



ينبغي أن ينطلق تصورنا للمرأة من أعالي التاريخ لا من أسافله، وينبغي تتبع الداء لاستئصاله من جذوره لا تسويفه حتى تتمل الجراح. ويجب أن نتعامل مع التراث الفقهي للأسلاف بعين ناقدة، تنظر إليه فهما مظروفا بظروفهم، كما تتعامل مع التراث الغربي بعين ممحصة، تراه مساقا مشروطا بشروطهم، لنتجاوز الآفات التالية:
أ‌- آفة التسطيح: وتستفحل هذه الآفة في بعض الدعوات السطحية التي لا تركز إلا على الجانب القانوني الصرف، وكأن مشكلتنا اليوم هي إيجاد قوانين تنصف المرأة! خصوصا ونحن نعلم كيف يستهتر المتنفذون بالقوانين. فتسقط هذه الآفة في مواجهة العنف بالعنف والحيلة بالاحتيال، وتلخص الحلول في بنود ومساطر ومحكمات ونزاع وقمع وقمع مضاد. ولتجاوز هذه الآفة ينبغي استحضار كافة الجوانب وعلى رأسها الجانب التربوي وإن كان يتطلب جهدا كبيرا ووقتا طويلا إلا أنه هو الأساس في تغيير الذهنيات والعقليات قبل تغيير الهياكل والمؤسسات، أو ليكن هذا جنبا إلى جنب مع إحقاق الحقوق طبعا واستصلاح الإدارة والإعلام والتعليم والصحة...
ب- آفة التجزيء:وتتمثل في نظرة حولاء للمرأة، كأن تقلص قضيتها في ارتداء خرقة الحجاب فقط، أو طاعة السيد الزوج في كل الأحوال، أما اهتمامها بقضايا المجتمع التربوية والتعليمية والسياسية والثقافية والفكرية والبيئية والفنية ف"لا يجوز"! وتتجاهل أن المرأة إنسان كامل الإنسانية يهمها ما يهم الإنسان في حياته الدنيا والأخرى، في قرارات البيت وفي قرارات الشأن العام، مما يستدعي معالجة قضيتها بشكل شمولي، أي في إطار معالجة قضية الأمة ككل، فلا نتصور أن تشغل المرأة المسلمة مكانتها الرسالية إلا ضمن بناء كيان إيماني سياسي متضامن ومتعاون ملؤه التراحم والتعاطف والتواد والتساكن، ومحو أخلاق الكراهية والعنف التي بررها فقه ضيق وكرسها واقع موبوء بمختلف العلل والأدواء.
ج‌- آفة التقليد: وتبرز هذه الآفة في نمطين متطرفين تحدثنا عنهما سابقا وهما:
- نمط تقليد الانحطاط الذي عرفته الأمة في تجربتها التاريخية بعد الخلافة الراشدة، على ما فيه من تشدد واستبداد، واعتبره البعض مرجعا مطلقا يقيس به واقعنا الحالي من غير مراعاة المكان والزمان والنفوس والظروف، وهو تقليد يكره الاجتهاد الذي يخالف اجتهاد من سبق، ويضفي على فهم السابقين صفة القداسة والكمال، فيلحق رأيهم بقيمة الآية من القرآن. وهذا ابتسار يجب على فقه التجديد أن يعالجه معالجة علمية.
- نمط تقليد النموذج الغربي المبثوث فينا قسرا على ما فيه من استغفال واستعباد، واعتباره مرجعا معياريا كونيا، وهو تقليد يلف قضية المرأة في المتعة بلا حدود ويعميها بالدنيا عن خبر وسعي الآخرة. "بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون".



نصيحة للمؤمنة



قال الإمام مالك رضي الله عنه: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، ونحن اليوم في آخر هذه الأمة، يجب علينا أن نعود مباشرة إلى أولها لكي نصلح أحوالنا أفرادا ولنغير أوضاعنا أمة مستخلفة، فنبدأ البداية المشرقة لأن "من صحت بدايته أشرقت أنوار نهايته"، وهنا ينبغي للمؤمنة أن تلتمس الصلاح بالوسائل التالية:
1- أول خطوة هي العودة العاجلة والدقيقة والصادقة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه أمهاتنا الطاهرات كاملة، وعقد العزم على التوبة والإنابة والاتباع.
2- الحرص على صحبة المؤمنات الصادقات، بعد أن تستخير المؤمنة ربها الكريم الوهاب الهادي أن يهيئ لها جليسات صالحات تتوب معهن وتتعلم محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتتعاون على طاعة الله وإعلاء كلمته ضمن مشروع إيماني جهادي يحيي القلوب بعد موات، ويسري في الناس بالرفق والرحمة والهداية.
3- الإقلاع التام عن رفقة السوء التي تغتال الحس الإيماني وتورث الجسارة على فعل الموبقات، والحذر من التشبه بأخلاق الكافرات المترجلات التي تهجم علينا عبر الإعلام المائع المتفسخ، وعبر خطابات نسوية إديولوجية نخبوية فالتشبه بهن يبعد عن الله تعالى، ويسقط المسلمة (الضحية) من برجها الاستراتيجي إلى درك السفاهة والبلادة والسخط.
4- الاهتمام بالأسرة فهي اللبنة الأساس في بناء المجتمع إذ لا تغيير يرجى لوضع المرأة بل لوضع الأمة ككل إلا بتغيير شامل ينطلق من الأسرة، من البيت الإسلامي تستصلحه بتربية متوازنة تغمرها أخلاق المودة بين الزوجين التي تثمر تربية نشء وجند معافى نفسيا وذهنيا ومجتمعيا، فتسهم بذلك وبشكل فعال في عملية تغيير الواقع المفتون، وبناء قوائم الدولة الإسلامية ثم الخلافة الثانية. فحافظية المرأة لا تقف عند حافظية الزوج بل تتعداها لتشمل جميع حقوق الله في المجتمع المسلم. والتي تأخذها من مبدأي الرعاية والمسؤولية، قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها" (متفق عليه)
5- التعاون مع الرجل (فهو الأب والأخ والابن والزوج) على سلامة الرحلة وتمامها في الدنيا، ومن تكاليف الدنيا، وعبر عقبات الدنيا إلى ما يرجوان من صلاح آخرتهما، ومن تشوف لفضل الله ثم رضا الله ثم وجه الله. فالعلاقة السليمة بين الرجل والمرأة هي علاقة وجودية تكاملية وليست علاقة استنساخية يكرر أحدها الآخر أو يلغيه، فلا نقول للرجل كن كالمرأة ولا نقول للمرأة كوني كالرجل! وإنما خيرهما أبرهما بصاحبه، "خيركم خيركم لأهله". والتنافس المشروع بينهما هو تنافس تكامل وتعاون وتحفيز لا تنافس تناحر وتقاتل وسيادة وعبودية، تنافس في الخير ينقاد إلى الشرع ويراعي مبدأ توزيع الوظائف الذي هو مبدأ فطري وضرورة حياتية لا يعدمها إلا عديم عقل.

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه إلى يوم الدين.

تاريخ النشر : 03/07/2007

يوسف88
03-04-2007, 00:53
جزاك الله خيرا

hassan_1677
16-08-2007, 01:10
شكرا أخي الكريم على الموضوع

abdelkader
16-08-2007, 11:08
جزاك الله خيرا أخي الكريم وأحسن الله إليك

همي رضى ربي
16-08-2007, 17:11
جزاك الله كل خير وجعل ما كتبته في ميزان حسناتك ان شاء الله

أمل الجزائر
27-06-2008, 16:25
بارك الله فيك و جزيت الجنة أخي الكريم