مشاهدة النسخة كاملة : زواج عقل أو زواج حب



أشرف
27-03-2005, 14:27
من كتاب تنوير المومنات

زواج عقل أو زواج حب


الطلاق كشف حساب. الطلاق كارثة. الطلاق أبغض الحلال إلى الله كما جاء في الحديث. إن لَم يستَبِدّ العقل والموازين الدينية الخلقية عند الاختيار، فإن العقل يستغاث به عند الأزمة لينقذ الموقف. بهذا أمر الله عز وجل حين كلفنا بالنظر والمساعدة قبل الزواج في قوله: )وأنكحوا الايامَى منكم(.(سورة النور، الآية: 32) وبهذا كلفنا وأمرنا عند ظهور أمارات الخراب في قوله عز من قائل: )وإن خفتم شِقاق بَينِهما فابعثوا حَكَما من اهله وحكَما من اهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا(.(سورة الطلاق، الآية: 1) حَكَم من أهله وحكَم من أهلها، عاقلان رائدهما الحكمة لا العاطفة.

ليس قصدي هنا أن أتعرض لأحكام الطلاق إلا بالتنبيه المؤكد إلى جِدِّيَّة ما يتلفظ به الزوج في غضبه وهزله. فربما ينطق بكلمة تُحرم زوجه عليه، أو يجهلان أحكام الشرع في الطلاق والعدة فيلعبان بدينهما.

وأتعرض للطلاق وما يترتب عليه من ضياع المطلقة وذريتها لنبحث عن وسيلة لإلجام الطلاق وتخفيف الكوارث الاجتماعية ومعاناة المشَرَّدات من بيوتهن. هذا اللجام نقرأه في كتاب الله عز وجل في قوله: )وللمطلقات متاع بالمعروف، حقاً على المتقين(.(سورة البقرة، الآية: 239) اختلف أئمة الفقه رحمهم الله في فهم الأمر بالمتاع، فقال المالكية: المتاع إحسان إلى المطلقة مستحَبٌّ للتي سُمِّي صداقها، واجب للتي طُلِّقَتْ قبل تسمية الصداق. وقال الحنفية والحنابلة مثل ذلك. أما الفقهاء الشافعية فاستدلوا بالآية واعتبروا تمتيع المطلقة حقا على المتقين. أي واجباً شرعياً.

ما كلفنا الله باتباع مذهب وتقليد فقيه. ومن ظن أن الإسلام يقبل أن تُلْقى المطلقة في الشارع مع أطفالها في عصر قاسٍ لا يرحم، انفصمت فيه عُرى التواصل مع العمات والخالات، وتعقدت فيه سبُل العيش، وكثرت فيه الحاجات، فإنما ينسب الحيف والظلم إلى شريعة العدل والإحسان.

نحتاج إذن لاجتهاد على نحو الفقه الشافعي مُعَزَّزا برعاية حق المرأة في الاحتفاظ بسقف يؤويها في عصور من سمات أزمتها نُدرة السّكن وغلاء السكن: )لا تخرجوهن من بيوتهن(.(سورة الطلاق، الآية: 1) إلى تمام عدتهن. هذا أمر لا ينبغي أن نَلْقَى به شرط الميثاق الغليظ: )إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان(.(سورة البقرة، الآية: 227) أي إحسان أن تُشرد المطلقة في مدُن الإسمنت القاسية؟ لا ينبغي أن نَلْقَى بالأمر الإلهي أمراً آخر لننقضه. بل الاجتهاد رعاية المصلحة العادلة.

كنا في إصلاح ما فسد. فلنعد إلى تنوير طريق العقل والحكمة. تنقشِع مراهقة قيس وليلى، فلا يبقى ما يعَوّل عليه ويُعتمد إلا الثقة والميثاق الغليظ: وهما القِوام الديني الخلقي في الزواج. لذلك أحاط الشرع الزواج بضمانات ليتحكم العقل في بناء أركانه لا العاطفة، وليكون البناء من حَجر الاختيار العقلي وحديد الأمانة الإيمانية لا من طِلاء الإعجاب بالمظاهر.

تقرأ الشَّوَابُّ ويقرأ الشبان قصص الغرام، ويشاهدون أفلام الأحلام، فتتمثل لهم السعادة في ممثلة وممثل. ويختار الشّواب والشبان وَفق الشهوة الخيالية، وسرعان ما تتبخر الأحلام، ويصدِم الواقع الخيال، ويرتطم المركب بالصخور.

أو يلتقي في ساحة الدعوة شاب مُلتَحٍ وشابة محجبة لا يزالاَن في طور المراهَقة الدينية، فتتصورُ فيه الزبير الفارس، ويتصور فيها أسماء الصديقية، فيتزوجان على أحسن النيات، لكن على غفوة من العقل، وعلى جهل بحقائق المعاشرة بين أسَرٍ متفاوتة، وأوساط اجتماعية متنافرة. يقرأ هو في الحديث: "اظفر بذات الدين"، وتقرأ هي ذلك، فيحسِبان أن الناس جميعا من طينة واحدة، وكأن الفوارق الاجتماعية الاقتصادية، وكأن الذهنيات والعادات، غُبارٌ يُنفَخُ فيه فيتطاير.

يقرآن "اظفر بذات الدين" فيظنان أن الدين حماس ومظاهر و"التزام"، هذه الكلمة الفضفاضة المستعارة من ساحة النضال السياسي لا من مفاهيم القرآن وأخلاق السنة.

عُقلاء الأمهات والآباء لا يُستغنى عن استشارتهم وترضيتهم. إلا أن يكونا أو أحدهما، أو الأعمام والعمات والأخوال والخالات، من أعداء الدين، أو يكون الجشَع والخوف والغباء السياسي سد عليهم منافذ التعقل.

أحاطت الشريعة الزواج بضمانات ليتحكم العقل. منها الولي، لا يجوز أن تتزوج المومنة بلا ولي وإشهاد. ذلك ليكون الزواج مُعلنا مشهورا، ولتتعادل حكمة الولي من أب أو أخ أو عم مع غِرّة المومنة، ولتُعوض تجربة الولي في الحياة براءتَها وأحلامها. واشتط بعض الفقهاء فرأوا أن للولي أن يُجْبِرَ المرأة على الزواج. قرأوا الأدلة التي أوردناها في الفقرة السابقة ففهموها فهوما متفاوتة. فالحنفية يرون أن الولي مستحب للبالغة العاقلة، سواءً كانت بِكراً، أو ثيبا. ويرى المالكية أن الأب أو وَصِيَّه عند عدم الأب يُجْبِر البكر علي الزواج وإن بالغة، ويُجبر الصغيرة ولو كانت ثيبا. وعند الشافعية يُجْبِر الأب أو الجد عند عدم الأب البِكر صغيرة وكبيرة، ويستحبون استئذانها. أما الحنابلة فيرون أن الإجبار حق للأب ثم وصيه ثم الحاكم في حالة الصغيرة فقط.

إجبارهن على الزواج كان مصلحة منسجمة مع فقه الإغلاق والحبس. وأمامنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لندرأ المفاسد الكبيرة التي تترتبُ على الإكراه.

للولي أن يمتنع ريثما يتأكد من صدق عواطف البنت، لأن من الحب ما ليس طيشا. يتريث الولي حتى يظهر له صدق العاطفة وحسن الاختيار. لأن الانسجام القلبي لا يكون له من علاج بالإكراه. جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: "يا رسول الله! في حجري يتيمة قد خطبها رجل موسِر ورجل مُعْدِم. فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَمْ يُرَ للِمُتحابَّيْن مثل النكاح". أخرجه عن ابن عباس ابن ماجة والبيهقي والطبراني والحاكم وغيرهم. فهو حديث حسن لكثرة طرقه.

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".

الإسلام ليس ضِد زواج الحب، بشرط أن يتأكد هو وتتأكَّد هي أن كلمة "أحبك" ليس وراءها النزوة العابرة، وإنما المحبة الخالصة التي يُرجَى لها أن تنمو بعد الزواج فتلتحم بلحام الرحمة والمودة والمخالقة والصبر.

على كل حال فالشريعة تغلب جانب العقل دون أن تنبذ صادق العواطف وعميقها وساميها. من تغليبها للعقل الكفاءة والوصية بها حُسْبانا لعامة الناس ممن لم يتخطوا عتَبَةَ الاعتبارات الاجتماعية. وإلاّ فالإسلام يهدِف إلى تخطِّي هذه الاعتبارات. عند الترمذي حديث: "إذا أتاكم من ترضوْن دينه وخلُقَه فأنكحوه، إِن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. قالوا: يا رسول الله! ولو كان فيه؟ (أي شيء لا يرضاه العُرف) قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه! كررها ثلاث مرات". الحديث تكلم في صحته المحدثون. لكن فِعل الصحابة يؤكدهُ. فعند البخاري وأبي داود والنسائي أن أبا حذيفة، وهو من أشرف قريش وممن شهد بدراً، تبنى سالما مولى امرأة من الأنصار، وزوجَهُ ابنة أخيه. وروى الدارقطني أن بلالا تزوج أخت عبد الرحمان بن عوف القرشي.

من تغليب العقل أن النظر إلى المخطوبة أمر مندوب إليه. وهو نظر تدقيق لا كنظرة الباحث والباحثة. وكذلك الصداق، وهو واجب، جعل الشرع الاتفاق عليه وتسميته موكولا إلى التراضي العقلي المصلحي، جاء رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: "إني تزوجت امرأة من الأنصار، فأعِنّي على مهرها. فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: هل نظرت إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا!؟ قال: قد نظرت إليها. قال: على كَم تزوجتها؟ قال: على أربَع أوَاقٍ. قال: على أربع أواقٍ؟ كأنكم تَنْحِتون الفضة من عُرضِ هذا الجبل! ما عندنا ما نعطيك! ولكن عسى أن نبعثك في بَعث تُصيبُ منه! قال: فبعث بعثا إلى بني عبس، فبعثه معهم". رواه مسلم عن أبي هريرة.

من تغليب العقل على العاطفة في الزواج أن أباح الشرع التشارُط قبل العقد. تشترط هي ويشترط هو ما لا يصطدم مع الشريعة.في كتاب النكاح من صحيح البخاري: "باب الشروط في النكاح". روى فيه عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن تُوفوا به ما استحللتم به الفروج". قال الحافظ ابن حجر معقبا على هذا الحديث: "الحديث عندهم محمولٌ على الشروط التي لا تُنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى. وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها. وكشرطه عليها أن لا تخرج إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه، ونحو ذلك".

واختلف الفقهاء في شرط أن يكون طلاقها بيدها. يعني أنها تطلق نفسها منه إن شاءت. فيرى الحنفية أنه شرط صحيح. ويرى المالكية أنه فاسد.

وقد جعل الله عز وجل الطلاق إلى الرجل اعتمادا على قوامته وقربه من ضبط النفس عند الغضب. والاجتهاد الحنفي معتَبَرٌ شرعا. فرُبّ رَجُلٍ لا تُؤْمَنُ غوائِله، فيكون الاحتياط منه والرّيبة فيه وسيلة للاحتماء منه بالشرط. لكن زواجا بدأ بالشك والحديث عن الطلاق المحتمل زواجٌ واهن من الميلاد.

وللمرأة تقدير ما يترتب على إقدامها وقَبولها واختيارها. فهي عاقلة كاملة العقل. فإن كان حديث "هن ناقصات عقل ودين" حديثا صحيحا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بأن الشاهدتين تعدلان شاهدا واحدا لأنها تغفُل فتذكرها صاحبتها، ولأن أياماً من الشهر لا تصلي فيها المرأة. وقد قبِل صلى الله عليه وسلم شهادة امرأة واحدة في الرضاع، وقبل الفقهاء شاهدتين فيما يَخص النساء من أمور. تُظلم ويُساء بها الظن وتُؤوّل الأحاديث للحط منها.

إن التعليم الذي فرضه الله على كل مسلم والخوف من الله الذي يُربى عليه الإيمان هما الضمان لإخراجها من قوقعة الاستخفاف بها، والجهل بحقوقها، والتخاذل عن الاحتجاج والدفاع عما أكسبها الشرع وحرمها الفقه المنحبس.

أنقل عن كتاب "تحرير المرأة" نصا لتقي الدين الهلالي من فقهاء المغرب المعاصرين رحمه الله قال: "في تعليم الإناث وتربيتهن ثلاثة مذاهب متباينة. المذهب الأول: عدم تعليمهن أكثر من قراءة المصحف بدون فهم. قال أصحاب هذا المذهب: إنه أحسن المذاهب وأولاها بالصواب، وهو الذي وجدنا عليه آباءنا. وهم كانوا أحسن منا. وتعليم النساء يفسد أخلاقهن. فإن المرأة التي لا تقرأ ولا تكتب تكون بعيدة عن متناول شياطين الإنس. فإن القلم كما لا يخْفى أحد اللسانين. فبعدم معرفتها للقراءة والكتابة تأمَنُ شر اللسان الثاني فيتم لها الأمن. وكم رأينا من متعلمات لم يأتهن الشر إلا من قِبَل تعلمهن، وهذا في زمان الإسلام والعفاف والأَنفَة العربية، وأما في هذا الزمان فقد بلغ السيل الزُّبَى واتسع الخرق على الراقع. فإن معرفة الفتاة للقراءة توصل إلى ذهنها جميع ما يقع في الدنيا من الفساد والمخادنة. وتملأ فكرها بهواجس خبيثة كانت في عافية منها".

الحل المنطقي ليس التعليم والتربية، لكن السد والغلق والخنق والجدران والحبس.

amal
28-03-2005, 00:17
بارك الله فيك اخي الكريم على طرح مثل هده المواضيع التي تفتقدها ساحات الحوارخصوصا المجتمعات العربية. لدلك نرى كثرة المشاكل الزوجية و البيوت المخربة نسال الله العافية بوركت يمينك اخي الكريم اشرف

المختار
28-03-2005, 00:20
بارك الله في منقولك اخي الفاضل اشرف

مشاركة قيمة جعلها الله في الميزان المقبول امين امين

anass
28-03-2005, 17:08
جعل الله هذه المشاركة في ميزان حسناتك

أشرف
30-03-2005, 00:59
آمين إخوتي وبارك الله فيكم على طلتكم وزيارتكم المباركة
:)
Amal
المختار
Anass
:)