مشاهدة النسخة كاملة : الاحاديث النووية سرداً وشرحاً مفصلاً وبسيطاً... لتعم الفائدة



عاشق المصطفى
15-03-2007, 18:34
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد :


يا اخوتي واخواتي سابتدأ هذا الباب بالتعريف عن الامام النووي رحمه الله وبعدين الاحاديث وشرحها كل حديث برد

ترجمة الإمام النووي


نسبه



هو الإمام الحافظ الفقيه المحدّث يحيى بن شرف الدين بن مرّي بن حسن الحزامي الحوراني النووي الشافعي ، ابو زكريا ، محيي الدين . ومحيي الدين هو لقب الإمام النووي وكان يكره ان يلقب به تواضعاً لله تعالى ، ولأن الدين حي ثابت دائم غير محتاج الى من يحييه حتى يكون حجة قائمة على من اهمله او نبذه ، قال اللخمي : وصح عنه انه قال : لا اجعل في حلّ من لقبني محيي الدين ...



مولده ونشأته



ولد في نوى في العشر الاوسط من شهر الله المحرم سنة 631 هـ ، ترعرع فيها واخذ يتردد على اهل الفضل يستشيرهم في اموره تاركاً اللهو واللعب ، وحفظ القرآن وقد ناهز الاحتلام . وفي السنة التاسعة عشرة من عمره قدم به والده الى دمشق لطلب العلم فأقام في المدرسة الرواحية قرب جامع الاموي بدمشق وذلك سنة 649 هـ ، فحفظ " التنبيه " في اربعة اشهر ونصف وقرأ " المهذب " للشيرازي في باقي السنة على شيخه الكمال إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي المقدسي ، وهو أول شيوخه في الفقه . وكان يقرأ كل يوم إثني عشر درساً على مشايخه شرحاً وتصفيحاً . وقد خطر له الاشتغال بالطب ، وهمّ به ، غير ان الله تعالى صرفه عنه . وتولى التدريس بدار الحديث بالأشرفية بدمشق عام 665 هـ ، واقام فيها غير انه امتنع عن اخذ اي شيء من معلومها الوافر حتى توفي رحمه الله .

وفي سنة 651 هـ حجّ مع ابيه وقد مرض في طريقه واصابته حمّى من حين توجه من بلده نوى ولم تفارقه حتى يوم عرفة وهو صابر محتسب ، ثم قفل عائداً الى دمشق .





أخلاقه وصفاته



كان رحمه الله عالماً زاهداً تقياً ورعاً ، لا يصرف ساعة في غير طاعة الله ، كثير السهر في العبادة والتصنيف ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، يواجه الملوك فمن دونهم ، ومنها على سبيل المثال الحادثة التي حصلت له مع الظاهر بيبرس وهس : عندما دعاه الملك الظاهر ليوقع له فتوى فيها ظلم فادح ، فحضر فإذا به شيخ هزيل الجسم مرقع الثياب يضع عمة صغيرة فاستصغره واستخف به وقال : يا شيخ ! اكتب خطك على هذه الفتوى . فنظر فيها رحمه الله وقال : لا اكتب ولا اوقع . فقال الملك بغضب : ولمَ ؟ قال الشيخ : لان فيها الظلم الفادح . فاشتد غضب الملك وقال اخلعوه من جميع وظائفه . فقالوا : ليس له من شيء . ثم همّ ان يفتك به ولكن الله منعه وكفّ يده وقيل للملك : عجباً امرك ! كيف لم تقتله وقد وقف منك هذا الموقف ؟ فقال : قد والله هبته.

وهكذا كانت اخلاق وصفات الامام النووي رحمه الله ولقد القى الله تعالى محبته في قلوب الناس جميعاً وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده الصالحين .


تصانيفه :

للإمام النووي رحمه الله تصانيف كثيرة نذكر بعضاً ، منها على سبيل المثال لا الحصر :



- شرح صحيح مسلم

- الإرشاد

- التقريب والتيسير في معرفة سنن البشير النذير


- تهذيب الاسماء واللغات
- التبيان في آداب حملة القرآن
- منهاج الطالبين
- بستان العارفين

- خلاصة الاحكام في مهمات السنن و قواعد الاسلام

- روضة الطالبين وعمدة المفتين " وهو من اكبر المراجع في فروع مذهب الامام الشافعي رحمه الله
- شرح المهذب
- رياض الصالحين
- حلية الابرار وشعار الاخبار في تلخيص الدعوات والاذكار

وفاته

توفي ليلة الاربعاء في 24 رجب سنة 676 هـ في بلده نوى ودفن فيها وكان لنبأ وفاته وقع اليم على دمشق واهلها وقد رثاه جماعة بأكثر من ستمائة بيت . رحمه اله تعالى واسكنه فسيح جناته واثابه على ما قدم للاسلام واهله انه سميع مجيب

عاشق المصطفى
15-03-2007, 18:44
الحديث الأولانما الأعمال بالنيات

1- {{ عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله

عليه وسلم يقول : " إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرىءٍ ما نوى . فمن كانت هجرته الى الله ورسوله

فهجرته الى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأةٍ ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه "

. رواه إماما المحدثين أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن بردة البخاري وأبو الحسين

مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما اصح الكتب المصنفة }}
.................................................. ..................................................
هذا حديث صحيح متفق على صحته وعظيم موقعه وجلالته وكثرة فوائده رواه الامام ابو عبد الله البخاري

في غير موضع من كتابه وورواه ابو الحسين مسلم بن الحجاج في اخر كتاب الجهاد وهو احد الاحاديث

التي عليها مدار الاسلام ، قال الامام احمد ، والشافعي ، رحمهما الله ( يدخل في حديث الاعمال بالنيات ثلث

العلم ) قال البيهقي ، وغيره . سبب ذلك ان كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه والنية احد الاقسام

الثلاثة .
وروي عن الشافعي رضي الله تعالىعنه انه قال يدخل هذه الحديث في سبعين باباً من الفقه وقال جماعة من

العلماء هذا الحديث ثلث الاسلام .
واستحب العلماء ان تستفتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به في اول كتابه الامام ابو عبد الله

البخاري وقال عبد الرحمن بن مهدي ينبغي لكل من صنف كتاباً ان يبتدئ فيه بهذا الحديث تنبيهاً للطالب

على تصحيح النية .

وهذا الحديث مشهور بالنسبة الى آخره غريب بالنسبة الى أوله لانه لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم


إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن ابي وقاص ولم يروه عن علقمة إلا محمد

بن ابراهيم التيمي ولم يروه عن محمد بن ابراهيم إلا يحيى بن سعيد الانصاري ثم اشتهر بعد ذلك فرواه عنه اكثر من مائتي انسان أكثرهم أئمة .
ولفظه ( إنما ) للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه وهي تارة تقتضي الحصر المطلق وتارة تقضي حصراً

مخصوصا يفهم ذلك بالقرآن كقوله تعالى : §§ إنما أنت منذر §§ فظاهره الحصر في النذارة والرسول

لا ينحصر في ذلك بل له اوصاف كثيرة جميلة كالبشارة وغيرها وكذلك قوله تعالى : §§ إنما الحياة الدنيا

لعب ولهو §§فظاهره والله اعلم الحصر بعتبار من آثرها واما بالنسبة الى ما في نفس الامر فقد تكون سببا

للخيرات ويكون ذلك من باب التغليب فإذا وردت هذه اللفظة فاعتبرها فإن دل السياق والمقصود من الكلام

على الحصر في شيء نخصوص فقل به وإلا فاحمل الحصر على الإطلاق ومن هذا قوله صلى الله عليه

وسلم : " انما الاعمال بالنيات " والمراد بالاعمال الاعمال الشرعية ومعناه لا يعتد بالاعمال بدون النية

مثل الوضوء والغسل والتيمم وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات فاما إزالة

النجاسة فلا تحتاج الىنية لأنها من باب التروك والترك لا يحتاج الى نية ، وذهب جماعة الى صحة

الوضوء والغسل بغير نية .
وفي قوله : (انما الاعمال بالنيات ) محذوف واختلف العلماء في تقديره فالذين اشترطوا النية قدروا صحة

الاعمال بالنيات والذين يشترطوها قدروا كمال الاعمال بالنيات .

وقوله : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) قال الخطابي يفيد معنى خاصاً غير الاول وهو تعيين العمل بالنية

وقال الشيخ محيي الدين النووي : فائدة ذكره ان تعيين المنوي شرط فلو كان على انسان صلاة مقتضية لا

يكفيه ان ينوي الصلاة الفائت بل يشترط ان ينوي كونها ظهراً او عصراً او غيرهما ولولا اللفظ الثاني

لاقتضى الاول صحة النية بلا تعيين او امرهم ذلك والله اعلم .

وقوله : ( فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ) المتقرر عند اهل العربية ان

الشرط والجزاء والمبتدأ والخبر لا بد ان يتغايرا وههنا قد وقع الاتحاد وجوابه "فمن كانت هجرته الى الله

ورسوله " نية وقصداً " فهجرته الى الله ورسوله " حكماً وشرعاً .

وهذا الحديث ورد على سبب لانهم نقلوا ان رجلاً هاجر من مكة الى المدينة ليتزوج امرأة يقال لها ام قيس لا

يريد بذلك فضيلة الهجرة فكان بقال له مهاجر ام قيس والله اعلم

تابع الحديث الثاني .....

عاشق المصطفى
16-03-2007, 17:41
الحديث الثاني


بيان الإسلام والإيمان والإحسان




2- {{ عن عمر رضي الله عنه ايضاً قال : " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم طلع علينا رجل شديد بياض الثياب وسواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا يعرفه منا احد ، حتى جلس الى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال : صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره . قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . قال: فأخبرني عن الساعة . قال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل . قال: فاخبرني عن أماراتها . قال : لا تلد الأمة لربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال : يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت : الله ورسوله اعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " رواه مسلم }}
.................................................. .................................................. ..............
هذا حديث عظيم قد اشتمل على جميع وظائف الاعمال الظاهرة والباطنة ، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه لما تضمنه من جمعه علم السنة فهو كالأم للسن كما سميت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها معاني القرآن .
وفيه دليل على تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك فإن جبريل أتى معلماً للناس بحاله ومقاله.

قوله : ( لا يرى أثر السفر ) المشهور بضم الياء من يرى مبنياً لما لم يسم فاعله ورواه بعضهم بالنون المفتوحة وكلاهما صحيح .
قوله : ( ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد ) هكذا هو المشهور الصحيح ورواه النسائي بمعناه وقال :" فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم " فارتفع الاحتمال الذي في لفظ كتاب مسلم فإنه قال فيه : " فوضع كفيه على فخذيه " وهو محتمل .
وقد استفيد من هذا الحديث أن الإسلام والإيمان حقيقتان متباينتان لغة وشرعاً وهذا هم الاصل في الأسماء المختلفة وقد يتوسع فيهما الشرع فيطلق احدهما على الآخر على سبيل التجوز.

قوله : ( فعجبنا له يسأله ويصدقه ) إنما تعجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف إلا من جهته وليس هذا السائل ممن عرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ثم هو قد سأل سؤال عارف محقق مصدق فتعجبوا من ذلك .
قول : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ) الإيمان بالله هو التصديق بأنه سبحانه موجود، موصوف بصفات الجلال والكمال، منزه عن صفات النقص، وأنه واحد، حق، صمد، فرد، خالق جميع المخلوقات، متصرف فيما يشاء، ويفعل في ملكه ما يريد .
والإيمان بالملائكة هو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .
والإيمان برسل الله هو [ التصديق ] انهم صادقون فيما اخبروا به عن الله تعالى ايدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم وانهم بلغوا عن الله رسالاته وبينوا للمكلفين ما امرهم الله به وانه يجب احترامهم وان لا نفرق بين احد منهم .
والإيمان باليوم الآخر هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وانهما دار ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين الى غير ذلك مما صح من النقل .
والإيمان بالقدر هو التصديق بما تقدم ذكره وحاصله ما دل عليه قوله تعالى : §§ والله خلقكم وما تهلمون §§ سورة الصافات : ايه 96 §§ إنا كل شيء خلقناه بقدر §§ سورة القمر : الاية 49 ونحو ذلك . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : " واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وأن اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف "
ومذهب السلف وأئم الخلف أن من صدق بهذه الأمور تصديقاً جازماً لا ريب فيه ولا تردد كان مؤمناً حقاً سواء كان ذلك عن براهين قاطعة او عن اعتقادات جازمة .

وقوله في الإحسان : ( ان تعبد الله كأنك تراه ) الخ حاصله راجع الى اتقان العبادات ومراعاة حقوق الله تعالى ومراقبته واستحضار عظمته وجلالته حال العبادات .
قوله ( فاخبرني عن اماراتها ) بفتح الهمزة والأمارة العلامة ، والأمة ههنا الجارية المستولدة ، وربتها سيدتها وجاء في رواية بعلها ، وقد روي ان اعرابياً سئل عن هذه الناقة قال : انا بعلها ويسمى الزوج بعلاً وهو في الحديث ريتها بالتأنيث واختلف في قوله : ( ان تلد المة ربتها ) فقيل المراد به ان يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الامة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه وعلى هذا فالذي يكون من اشراط الساعة استيلاء لمسلمين على المشركين وكثرة الفتوح والتسري ، وقيل معناه ان تفسد احوال اناس حتى يبيع السادة أمهات اولادهم ويكثر تردادهن في ايدي المشترين فربما اشتراها ولدها ولا يشعر بذلك فعلى هذا الذي يكون من اشراط الساعة غلبة الجهل بتحريم بيعهن ، وقيل معناه ان يكثر العقوق في الاولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد امته من الاهانة والسب .
و( العالة ) بتخفيف اللام جمع عائل وهو الفقير .
وفي الحديث كراهة ما تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يؤجر ابن آدم في كل شيء إلا ما وضعه في هذا التراب )ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع حجراً على حجر ولا لبنة على لبنة أي لم يشيد بناءه ولا طوله ولا تأنق فيه .
قوله : ( رعاة الشاء ) إنما خص رعاء الشاء بالذكر لأنهم اضعف اهل البادية معناه أنهم مع ضعفهم وبعدهم عن اسباب ذلك بخلاف اهل الإبل فإنهم في الغالب ليسوا عالة ولا فقراء .
وقوله ( فلبثت ملياً ) قد روي بالتاء يعني لبث عرو رضي الله عنه وروي فلبث بغير تاء يعني أقام النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه وكلاهما صحيح المعنى ، وقوله : ( مليا ) هو بتشديد الياء أي زماناً كثيراً وكان ذلك ثلاثاً هكذا جاء مبينا في رواية ابي داود وغيره .
وقوله : ( يعلمكم دينكم ) أي قواعد دينكم او كليات دينكم قاله الشيخ محيي الدين في شرحه لهذا الحديث في صحيح مسلم .
أهم ما يذكر في هذا الحديث بيان الإسلام والإيمان والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدرة الله تعالى وذكر في بيان الإسلام والإيمان كلاماً طويلاً وحكى فيه أقوال جماعة من العلماء ، منها ما حكى عن الإمام ابي الحسين المعروف بأبن بطال المالكي ، انه قال : مذهب جماعة السنة من سلف الأمة وخلفها ان الايمان قول وعمل يزيد وينقص بدليل قوله تعالى : §§ ليزدادوا ايماناً مع ايمانهم §§ سورة الفتح : اية4 ونحوها من الآيات ، قال بعض العلماء نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص ياة ثمراته وهي الاعمال ونقصانها ، قالوا : في هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وبين اصل وضعه في اللغة وهذا الذي قاله هؤلاء وان كان ظاهراً فالأظهر والله اعلم ان نفس التصديق يزيد بكثرة النظر بظاهر الادلة ولهذا يكون ايمان المصدقين اقوى من ايمان غيرهم بحيث لا يغريهم السفه ولا يتزلزل ايمانهم بعاض بل لا تزال قلوبهم منشرحة منيرة وان اختلفت عليهم الاحوال فأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهمفليسوا كذلك وهذا لا يمكن إنكاره ولا يشك في نفس تصديق ابي بكر الصديق رضي الله عنه انه لا يساويه تصديق أحاد الناس ولهذا قال البخاري في صحيحه : " قال ابن ابي مليكة : ادركت ثلاثين [ رجلا ] من اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم احد يقول انه على ايمان جبريل وميكائيل عليهما السلام " وأما إطلاق اسم الإيمان على الاعمال فمتفق عليه عند اهل الحق ودلائله أكثر من ان تحصر قال الله تعالى : §§ وما كان الله ليضيع ايمانكم §§ اي صلاتكم وحكي عن الشيخ ابي عمرو بن الصلاح في قوله صلى الله عليه وسلم : " الاسلام ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله وتقيم الصلاة الى اخره " ثم فسر الايمان بقوله ان تؤمن باله تعالى وملائكته الى آخره قال رحمه الله هذا بيان اصل الايمان وهو التصديق الباطن وبيان اصل الاسلام وهو الاستسلام والنقياد الظاهر وحكم الاسلام في الظاهر ثبت في الشهادتين وانما اضاف اليهما الصلاة والزكاة والصوم والحج لكونها اظهر شعائر الاسلام واعظمها . وبقيامه بها يصح اسلامه .
ثم ان اسم الايمان يتناول ما فسر به الاسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن الذي هو اصل الايمان ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة او ترك فريضة لان اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهراً الا بينة وكذلك جاز اطلاق نفيه عنه في قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن " رواه البخاري .
واسم الاسلام يتناول ايضاً ما هو اصل الايمان وهو التصديق الباطن ويتناول اصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام قال فخرج بما ذكرناه ان الايمان والاسلام يجتمعان ويفترقان وان كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن وقال فهذا التحقيق واف بالتوفيق ونصوص الكتاب والسنة الواردة في الايمان والاسلام التي طالما غلط فيها الخائضون وما حققناه من ذلك موافق لمذهب جماهير العلماء من اهل الحديث وغيرهم والله اعلم