مشاهدة النسخة كاملة : ما أسباب الانحراف ؟ .. وكيف العلاج ؟



jjdmaroc
22-04-2007, 17:44
ما أسباب الانحراف ؟ .. وكيف العلاج ؟

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
فضيلة الشيخ؛ أريد معرفة أسباب الانحراف في أيَّامنا هذه التي يعاني منها الكبير والصغير، وما مظاهرها؟

*************

فريق الاستشارات الدعوية المستشار

الحل

يقول الدكتور / أحمد الريسوني - أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بالمغرب :


بسم الله الرحمن الرحيم..

أوَّلاً؛ أذكِّرك أخي الكريم، وأذكِّر كلَّ قرَّاء هذا الموقع المبارك أنَّ ظاهرة الانحراف ليست خاصَّةً بزماننا، ففي جميع العصور وفي جميع الشعوب تقع الانحرافات الفرديَّة والجماعيَّة، مع تفاوتٍ في ذلك حسب الظروف والأسباب.
وقد قصَّ علينا القرآن الكريم نماذج كثيرةً من الانحرافات التي واجهها الأنبياء في أقوامهم في مختلف العصور..
تحدَّث القرآن الكريم مرارًا عن قوم لوطٍ وفواحشهم التي قال عنها القرآن الكريم: (ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين) فهم أوَّل من أحدث في البشريَّة الفاحشة التي تسمَّى اليوم بالشذوذ الجنسي.
وقصَّ القرآن الكريم علينا انحرافاتٍ عقديَّةً واجتماعيَّةً كثيرةً عن بني إسرائيل مثلا، فذكر قتلهم للأنبياء، وتحريفهم للكتب المنزلة، وأكلهم السحت والربا.
وذكر القرآن الكريم عددًا من الأنبياء وجهادهم ثمَّ قال: (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا).

وأمَّا العرب قبل الإسلام فقد كان فيهم من الفواحش الشيء الكثير الذي ذكره القرآن الكريم، وحتى المسلمون في مختلف عصورهم لم تخل مجتمعاتهم وحياتهم من وقوع الانحرافات في عقيدتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم.
وما أصاب المسلمين من النكسات والهزائم إنَّما يأتي عادةً بعد فشو الانحرافات في حياتهم، فالغزو التتريّ، والغزو الصليبيّ، وسقوط الأندلس، ما هي إلا نتائج لشيوع الانحراف، والانهماك في الشهوات، ورداءة الأخلاق.

أمَّا أسباب الانحراف فهي كثيرةٌ متعدِّدةٌ ينضاف بعضها إلى بعضٍ ويقوِّي بعضها بعضًا:
فأوَّلا:

يجب التذكير بأنَّ هناك قابليَّةٌ أصليَّةٌ لدى الإنسان للوقوع في الانحرافات واتباع الشهوات، لأنَّ الله تعالى ابتلى الإنسان، ومن الابتلاء أن تكون لديه القابليَّة للخير والشرّ: (ونبلوكم بالخير والشرّ فتنة).

ثانيا:

ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإنسان إذا فرغ قلبه من تعظيم الله ومن الخوف منه ومهابته، وفقد أيضًا الخوف من اليوم الآخر وعقابه أو غفل عن ذلك، فإنَّه يستهين بالانحرافات ويتغافل عن تبعاتها ونتائجها الدنيويَّة والأخرويَّة.
ولذلك قال الله تعالى: (فأمَّا من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإنَّ الجحيم هي المأوى * وأمَّا من خاف مقام ربِّه ونهى النفس عن الهوى * فإنَّ الجنَّة هي المأوى).

ثالثا:

هناك الجهل بالدين وأحكامه وحكمته، فكثيرٌ من المسلمين اليوم يجهلون عددًا من المحرَّمات وعددًا من الواجبات، ويجهلون حدود الله فيتعدّونها.

رابعا:

هناك الثقافة الماديَّة اللادينيَّة التي انتشرت مع هيمنة النموذج الغربي بحضارته وثقافته التي لا دين لها إلا الشهوات والماديَّات.

وأخيرا:

فإنَّ الانحراف اليوم يتميَّز عن الانحراف سابقًا بكون الانحراف فيما مضى سلوكًا عفويًّا وتلقائيًّا وفرديًّا في أكثر الأحيان، بدافع تلبية الشهوات والرغبات لا أقلَّ ولا أكثر؛ أمَّا اليوم فقد صار الانحراف سياسةً وصناعةً واستراتيجيَّة، صار الانحراف له دولٌ ومؤسَّساتٌ، وله مخطِّطون وحماة، صار الانحراف تجارةً بالشهوات، وتجارةً بسلوك الناس وأخلاقهم، فهذا هو الذي يميِّز عصرنا ويميِّز الانحراف في عصرنا.

ولذلك أصبح لزامًا على أهل الصلاح والإصلاح أن يقاوموا الانحراف وسياسة الإفساد بعملٍ منظَّمٍ ومتكتِّلٍ، وصار لزامًا على كلِّ واحدٍ أن يبحث لنفسه عمَّن يتعاون معهم ويتكتَّل معهم في مواجهة الطوفان.
وإذا نظرنا إلى الأسباب السابق ذكرها فإنَّ كلَّ سببٍ يعالَج بضدِّه، فالقابليَّة للشرِّ تعالج بتنمية القابليَّة للخير التي هي أكثر أصالةً وعمقًا في فطرة الإنسان.
وضعف الإيمان بالله واليوم الآخر يعالج بالتركيز على الإيمان وعلى تعظيم الله تعالى وتقديره حقَّ قدره والتذكير باليوم الآخر وحسابه وعقابه.
والجهل بالدين يكون بالدعوة والتعليم.
وكلُّ هذا يتوقَّف على التعاون والتكتُّل كما سبق،
امتثالا لقول الله تعالى:
(وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

والحمد لله ربِّ العالمين.