مشاهدة النسخة كاملة : مظاهر النعيم



hasnaa
05-05-2007, 12:23
إذا كان النعيم الذي نتحدث عنه يتناول نعيم البدن، والقلب؛ فإن المؤمن في هذه الحياة يتمتع بكل أنواع النعيم الظاهرة والباطنة.
1- معرفةُ الله معرفةَ إقرار، وتصديق وإيمان، وانقطاع إليه، وأنس به، وطمأنينة بذكره، قال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما هو؟ قال: معرفة الله عز وجل.
وقيل لبعضهم: ألا تستوحش وحدك؟! فقال: كيف أستوحش، وهو يقول ((أنا جليس من ذكرني))!.
وقيل لآخر: نراك وحدك؟ فقال: من يكن الله معه كيف يكون وحده؟
وقيل لآخر: أما معك مؤنسٌ؟! قال: بلى، قيل له: أين هو؟ قال: أمامي، ومعي، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، وفوقي.

إذا نحن أدلجنا وأنت أمَامَنا *** كفى لمطايانا بذكراك هاديً.

2- انشراح الصدر، يقول الله تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125)}.
ويقول جل وعلا: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)} [سورة الزمر 39/22].
إن انشراح الصدر هو اتساعه وانفساحه، بسبب استنارته بنور الإيمان، وحياته بضوء اليقين، فتطمأن بذلك النفس، وتحب الخير، ويطاوعه البدن على فعله، متلذذًا به، غير مستثقل، ولا متكاسل، ولا متوان.
أما من أضله الله؛ فهو ضيق الصدر، يحس بالحرج والعنت، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح لفعل بر.
فهل يستوي من كان منشرح الصدر، قرير العين، يعرف بدايته ونهايته، مرتاح النفس، هادئ البال، إن أعطي شكر، وإن مُنِع صبر، ومن كان قاسي القلب، ضيق الصدر، لا يعرف إلا دنياه، ولا يبصر إلا نعيم بدنه، إن أُعطِي بطَرَ وكفَرَ، وإن مُنِع سخِط وضجِر؟ {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [سورة الملك 67/22].
وبهذا الانشراح يحيى المؤمن حياة طيبة، يشكر ربه فيها عند السراء والنعماء، ويصبر عند البأساء والضراء، ويعمل الخير يرجو ثواب الله، كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)} [سورة النحل 16/97].

3- موافقة الفطرة والعقل.
الناس مفطورون على معرفة الحسن والقبيح، ومحبة الخير، وكراهية الشر، ومحبة الحق والبحث عنه، والأحكامُ الشرعية جاءت موافقة لذلك، وقد وضع الله في القلوب الميلَ إلى أحكامه وشرائعه، وإيثارَ الحق على الخلق، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30)}.
فمن آمن بالله فقد أدرك الحقيقة على وجهها، وأبصر الحق الموافق للعقول، ومن أعرض عن الله، وتطلب الحقيقة عند البشر، لم يستقرَّ على رأي، وتناقض واضطرب، يقول الإمام مالك: أكلما جاءنا رجلٌ أجدلُ من رجل، تركنا له ما جاءنا عن محمدٍ عن جبريلَ عن اللهِ جلَّ وعلا؟!!!
لكن قد يحال بين الإنسان وبين الشعور بذلك بسبب ما يراه من زينة الدنيا الظاهرة، لما في النفس من الميل إليها، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [سورة آل عمران 3/14]، فحوادث الدنيا حسية طبيعية، فأنت تراها وتحس بها، ولهذا تنجذب إليها، أما أمور الآخرة فإنها غيبية يقينية، تعتمد على الإيمان واليقين، فمن غلب إحساسُه بالمشهودات يقينَه بالغيبيات ركن إلى الدنيا، واطمأن بها ورضي.
ولهذا قال تعالى بعد تلك الآية مباشرة: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [سورة آل عمران 3/15]
حتى صبيان المسلمين يشعرون بذلك، فقد حُكي أن رجلًا من اليهود يعلم صبيان المسلمين؛ فأراد أن يفسد عليهم دينهم، ويطعن في نبيهم صلى الله عليه وسلم، فقال: يزعم نبيكم أن المؤمنين في الجنة لا يتغوطون، ولا يبولون، وهل يتصور عاقل هذا الكلام؟ وكيف يمكن أن يعيش إنسان دون أن يُخرج فضلاته؟
فقال أحد الصبيان النبهاء: يا أستاذ! أين يذهب ما نأكل ونشرب في هذه الحياة؟
فقال اليهودي: بعضه يذهب في الغذاء، وبعضه يخرج غائطًا وبولاً.
فقال الصبي: أوليس الذي قدَرَعلى صرف بعض الطعام إلى الغذاء في الحياة الدنيا بقادر على أن يصرفه كله إلى الغذاء في الجنة!
فبهت اليهودي وسكت.

4- الشعور بالقوة، وذلك حين يعلم المسلم أن الله معه، يسدده ويقويه، ويؤيده وينصره، أوليس الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)} [سورة النحل 16/128]، ولما رأى قوم موسى العدو من ورائهم والبحر من أمامهم قالوا: إنا لمدركون، فقال موسى عليه السلام بلسان الواثق بالله، المتقوي به، الموقن بالنصر والظفر: كلا، إن معي ربي سيهدين.
إن القوة ليست بسلامة البدن من الأمراض، ولا بالقدرة على التغلب على الأشخاص، ولا بقوة السلاح، إنما القوة في القلب، ولهذا قال بَعْضُ السَّلَفِ: قُوَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ، وَضَعْفُهُ فِي جِسْمِه، وَقُوَّةُ الْمُنَافِقِ فِي جِسْمِهِ، وَضَعْفُهُ فِي قَلْبِهِ.
5- زينة الحياة الدنيا مباحة للمؤمن، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)} [سورة الأعراف 7/32]، فالله في هذه الآية ينكر على من تعنت وحرم ما أحل الله من الطيبات، من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه، فمن هذا الذي يُقدِمُ على تحريم ما أنعم الله به على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسعه الله؟!!
ثم إن هذه الإباحة خاصة بالمؤمنين، جعلها الله ليستعينوا بها على عبادته، فمن لم يؤمن بالله؛ فإن هذه الزينة ليست خالصة له، ولا مباحة، بل يعاقب عليها، وعلى التنعم بها، ويسأل عن النعيم يوم القيامة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل ويلبس ما يتيسر له، لم يكن يرد موجودًا، ولا يتكلف مفقودًا، بل إنه يخبر أنه حبب له من الدنيا الطيب والنساء، وكان يحب أنواعًا من المطاعم، وكانت ترفع له، وكان حسن الملبس، ناعم الملمس، طيب الرائحة، يداعب أهله، ويلاعبهم، وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الفراش تارة، وعلى النطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة.
وكذلك كان أصحابه؛ فيهم التاجر، صاحب المال، والنساء والولد، وفيهم الفقير، قليل ذات اليد.
فهذا النعيم مما يشترك فيه البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وربما كان حظ الكافر منه أكثر من حظ المؤمن.

منقول

abdelkader
05-05-2007, 12:31
جزاك الله كل خير واحسن الله اليك

وجعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه

hasnaa
05-05-2007, 15:18
آمين يا رب العالمين
جزاك الله خيرا أخي على مرورك الكريم