مشاهدة النسخة كاملة : التواضع رحمة من الله عز وجل _ الحمد لله



krit01
12-07-2007, 00:59
بسم الله الرحمن الرحيم
اما بعد \ التواضع أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد...

قال تعالى : { فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }
وقال تعالى : { وإنك لعلى خلقٍ عظيم }
وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة ، وبالإحسان الكامل للخلق ، فكان خلُقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الإخلاص لله والحنو على عباد الله ، ضد أوصاف المتكبرين من كل وجه .

وللتواضع أسباب لا يكون المسلم متخلقّاً به إلا بتحصيلها ، وقد بيَّنها الإمام ابن القيم بقوله :

التواضع يتولد من العلم بالله سبحانه ، ومعرفة أسمائه وصفاته ، ونعوت جلاله ، وتعظيمه ، ومحبته وإجلاله ، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها ، وعيوب عملها وآفاتها ، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو " التواضع " ، وهو انكسار القلب لله ، وخفض جناح الذل والرحمة بعباده ، فلا يرى له على أحدٍ فضلاً ، ولا يرى له عند أحدٍ حقّاً ، بل يرى الفضل للناس عليه ، والحقوق لهم قِبَلَه ، وهذا خلُق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبُّه ، ويكرمه ، ويقربه .
..................................

وقد جاء في ثواب التواضع الفضل الكبير ، ومنه :

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما نقصت صدقةٌ من مال ، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّاً ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله " .

قوله صلى الله عليه وسلم : " وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " : فيه وجهان : أحدهما : يرفعه في الدنيا , ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة , ويرفعه الله عند الناس , ويجل مكانه .
.....................................

والتواضع يكون في أشياء ، منها :

1. تواضع العبد عند أمرالله امتثالاً وعند نهيه اجتناباً .

قال ابن القيم :

فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره ، فيبدو منها نوع إباء هرباً من العبودية ، وتتوقف عند نهيه طلباً للظفر بما منع منه ، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه : فقد تواضع للعبودية .
............................

2. تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه .

قال ابن القيم :

فكلما شمخت نفسُه : ذَكَر عظمة الرب تعالى ، وتفرده بذلك ، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك ، فتواضعت إليه نفسه ، وانكسر لعظمة الله قلبه ، واطمأن لهيبته ، وأخْبت لسلطانه ، فهذا غاية التواضع ، وهو يستلزم الأول من غير عكس . ( أي يستلزم التواضع لأمر الله ونهيه ، وقد يتواضع لأمر الله ونهيه من لم يتواضع لعظمته )
..........................

3. التواضع في اللباس والمشية .

عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينما رجل يجرُّ إزاره من الخيلاء خُسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " .
................................

4. التواضع مع المفضول فيعمل معه ويعينه .

عن البراء بن عازب قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه يقول : لولا أنت ما اهتدينا نحن ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا إن الألى وربما قال الملا قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا أبينا يرفع بها صوته .
................................

5. التواضع في التعامل مع الزوجة وإعانتها .

عن الأسود قال : سألتُ عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله - تعني : خدمة أهله - ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة .
.............................

6. التواضع مع الصغار وممازحتهم

عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلُقاً ، وكان لي أخ يقال له " أبو عمير " - قال : أحسبه فطيماً - وكان إذا جاء قال : يا أبا عمير ما فعل النغير .
..............................

7. التواضع مع الخدم

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتى أحدَكم خادمُه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه وليَ حرَّه وعلاجَه ".
.............................

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتواضعين لعظمته

krit01
12-07-2007, 01:07
كيف تفهم التواضع؟ :)
هل هو ذلّ وهوان، أم عجز وضعف؟ :)
هل في التواضع قوة؟ :)
هل التواضع من ثمار الإيمان، وما هو أثره في صنع شخصية الإنسان؟ :)

التواضع خلق الأنبياء ومفخرتهم، وأصل ترشحهم للنبوة وهداية البشر، وهو خُلُقٍ كريم وخلّة جذابة تستهوي القلوب وتستثير الإعجاب والتقدير، ولهذا نرى أن الله تعالى أمر نبيه المختار (ص) بالتواضع فقال تعالى: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين"(1).
وقد أشاد أهل البيت (ع) بشرف هذا الخُلُق وشوَّقوا إليه، واعتبروه من كمال المؤمن وزينة خصاله وسبب رفعة الإنسان كما جاء عن الإمام الصادق: "إن في السماء ملكين موكَّلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه".
والمؤمن كما عبّر عنه أمير المؤمنين (ع): "نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد".

أول معصية:
وكفى بهذه الفضيلة شرفاً أن أول معصية عصي بها المولى تعالى هي ما يقابلها من الرذيلة وهو "التكبر"، عندما أطل إبليس رافضاً السجود لآدم تكبراً واستعلاءً فكانت النتيجة أن حل عليه الغضب الإلهي: "قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها"(2).
وجزاء التكبر عند الله هو عذاب النار، "أليس في جهنم مثوى للمتكبرين"(1).
وفي هذا رادعٌ للإنسان عن الافتخار والتكبر الذي يقود إلى الهلاك.
وفي خطبة لأمير المؤمنين يقول: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا الله من لواقح الكِبْر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخَّص الله في الكِبْر لأحد من عباده لرخَّص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرَّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع".

التواضع:
لو نظرنا إلى إبليس الذي سقط في الامتحان الإلهي وخرج من رحمة الله ليس لأنَّه رفض السجود لله بل لأنَّه استكبر ولم يقبل طاعة الله في ادم، يتضح أن باب الدخول إلى طاعة الله تعالى هو التواضع.
إن الانسحاق الإنساني أمام عظمة الحق تعالى يجعل الإنسان في مورد الطاعة الدائمة كالملائكة: "ولا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون"(2).
وبذلك تتحقق العبادة التي هي غاية التذلل والخضوع، وإذا أغفل المؤمن عبادة ربه تلاشت في نفسه شِيَم الإيمان فينظر حينها إلى نفسه فيتكبر ويستعلي كما فعل فرعون الذي قال: "أنا ربكم الأعلى".
وكما فعل النمرود الذي تجبر وتمرد حين قال: "أنا أحي وأميت".
ومن هنا نفهم أن التواضع لله والالتزام بعبادته تحفظ الإنسان ضمن هدف وجوده وتحدد له حجمه ودوره.
وقد جاء في نهج البلاغة على لسان الأمير (ع): "حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات: تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً".
فالصلاة والعبادة لهما دور تربوي لتبقي الإنسان في مورد العبودية لله، وهذا الأمر إنَّما يخلق له عزاً بين الناس ويرفع من شأنه كما في الحديث: "من تواضع لله رفعه".

تواضع المؤمن مع نفسه:
إن التواضع خاصية راسخة في نفس الإنسان تصبغ حركة المؤمن وتسمها بسماتها، وهو يظهر في شمائل الرجل وإطراق رأسه، وجلوسه متربعاً أو متكئاً، وفي أقواله حتى في صوته، ويظهر في مشيه وقيامه وجلوسه، وحركاته وسكناته، وفي تعاطيه، وفي سائر تقلباته، ومجمل هذه الصفات جعلها أمير المؤمنين في كلمة موجزة فقال في صفات المؤمن: "أوسع شيء صدراً وأذلّ شيء نفساً... نفسه أصلب من الصلد وهو أذل من العبد".
فالمؤمن ذليل في نفسه متواضع مع ذاته لذلك نراه:
ميالاً إلى الأرض يتخذها مجلساً وفراشاً.
يلبس ما حَسُنَ وتواضع من الثياب لأن المتقين. "ملبسهم الاقتصاد".
ذلك إن في ارتفاع قيمة الثياب وجودتها خيلاء القلب.
يُسَرُ بحمل متاع أهله وبيته لأنَّه "لا ينقص الرجل من كماله ما حمل من شيء إلى عياله" أمير المؤمنين.
وبالجملة فإن تواضع الإنسان مع نفسه مقدمة لتواضعه مع غيره من أصناف الناس الذين يتعامل معهم في المجتمع.

التواضع للوالدين:هذا التواضع يعتبر من حق الوالدين على الولد، ومن أشكال البر بهما حيث يقول تعالى: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"(1).
ويفيد الإنسان أن يتذكر أنَّهما أصل وجوده وسبب بقائه بما تعاهداه من حمل أمه له وتربيتها، وتعب والده لحمايته وصونه، ونستدل على ذلك من خلال الآية المباركة: "كما ربياني صغيراً".
وهذا يوجب لهما حق التواضع والخضوع، واستشعار الذل أمامهما.
ومن مظاهر الأدب والتواضع للوالدين:
أن يقف الابن عند دخول الأب عليه.
ويسكت عند حديثه ولا يقاطعه.
ويخفض صوته في حضرته لأن رفع الصوت علامة التمرد والتهاون بمقام الوالد.
وفي رواية أن الإمام زين العابدين شاهد شخصاً يسير متكئاً على والده فلم يكلمه بقية حياته أبداً.

التواضع للناس:
إن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل جميعاً، ولا يتم التواضع بعد المعرفة والعلم إلا بالعمل ومعاشرة الناس بالحسنى، بحيث يتواضع الإنسان في معاملاته لسائر الخلق الصغير منهم والكبير، ويبين القران لنا جوانب أساسية من التواضع في معاشرة الناس، فيأتي في سورة لقمان: "ولا تصعر خدك للناس"(1).
وعدم الميل بالوجه عنهم إهمالاً واستعلاءً، فمن التواضع الإقبال على الخلق، واستماع حديثهم والاهتمام بهم ولو صغر موقعهم في المجتمع، وقد كان رسول الله (ص) يقبل على من يحدثه ولا يرفع يده من يد صاحبه حتى يكون هو الذي يرفعها.
"ولا تمشي في الأرض مرحا"(2)، مِمَّا يدلّ على زهو وخيلاء في النفس.
"من تعظَّم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان" رسول الله (ص).
والتصرف الصحيح هو ما جاء في سورة الفرقان: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً"، أي بهدوء واستكانة.
"واغضض من صوتك"(3).
إن رفع الصوت علامة التمرد، وعدم الاحترام لمن نخاطب.

التواضع المذموم:
رغم شدة اهتمام الإسلام بالتواضع، ونهي المؤمنين عن الترفع على غيرهم من الناس إلا أن الله تعالى قد وضع حداً للتواضع بشكلٍ لا يقود إلى الذلة والضعف المهين للإنسان والدين.
فعلى المؤمن أن يبقى عزيزاً في مواجهة الفاسقين والعصاة وأهل الكفر.
"أعزة على الكافرين"(4).
إن خفض الجناح أمام أهل العصيان يعتبر ذلاً ومهانةً لنفس الإنسان وتوهيناً للدين من ناحية أخرى.
وفي إطار وَصفِ أبي سعيد الخدري لرسول الله (ص) قول: "متواضعاً في غير مذلة".
والنبي نفسه (ص) يقول: "طوبى لمن تواضع في غير مسكنة".
إن الطريقة الإلهية تقضي بالاعتدال في الخصال والصفات والإفراط بالتواضع في غير محله عاقبته الذل والهوان، كما أن التفريط به يؤدي إلى التكبر.

تواضع النبي (ص):
"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".
كان النبي (ص) أشد الناس تواضعاً:
كان إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل.
وكان في بيته في مهنة أهله، يحلب شاته، ويرقِّع ثوبه، ويخدم نفسه، ويحمل بضاعته من السوق.
وكان يجالس الفقراء، ويواكل المساكين.
وما أخذ أحدٌ بيده فيرسل يده حتى يرسلها الأخر.
وكان يبدأ من لقيه بالسلام، ويباديء أصحابه بالمصافحة.
ولم يُرَ، قط ماداً رجليه بين أصحابه.
يُكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته.
ولا يقطع على أحد الحديث.
وكان أكثر الناس تبسُّماً، وأطيبهم نفساً.
يقول أمير المؤمنين حول تواضع النبي (ص): "ولقد كان يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله، ويرقِّع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويُردف خلفه.
فتأسَّى بنبيِّك الأطيب الأطهر فإن فيه أسوةً لمن تأسَّى، وعزاء لمن تعزَّى، وأحب العباد إلى الله المتأسَّي بنبيّه والمقتصّ لأثره".
أثابني الله وإياكم إن شاء الله. لكي نحقق صلاح حالنا وصلاح حال الأمة، علينا أن نبدأ بأنفسنا حيث يقول الحق تبارك وتعالى (إن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسِِهِم) صدق الله العظيم

أرجو أن ننظر إلى أنفسنا ونطرح هذا السؤال، ولندع العقل والقلب يجيبان معا وليس أحدهما فقط.

anass
17-07-2007, 17:55
موضوع جد رائع اخي الكريم