مشاهدة النسخة كاملة : مجالس الإيمان و شروط التربية



anass
08-04-2005, 22:16
مجالس الإيمان و شروط التربية

عبد الرحمن أحمد خيزران

مجلس الإيمان جنة الله في الأرض، وروضة من رياضها، وفضاء إيماني تربوي روحه الحب والإخاء بين المؤمنين والعبودية والطاعة لله ربُّ العالمين.
مجلس الإيمان، امتداد نوراني وسلسلة ربانية لمجالس الذكر، منذ أبينا آدم عليه السلام إلى أن ينتقل المؤمنون من رياض الجنة إلى فردوس الجنة. قال ابن القيم "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"(1).
مجلس الإيمان، حب لله ولرسول الله، وصحبة وأخوة في الله وذكر لله وصدق مع الله، وبذل وعلم وعمل وسمت وتؤدة واقتصاد وجهاد في سبيل الله.
مجلس الإيمان، تربية وتعليم، وبناء متماسك لتنظيم حكيم، وجهاد تغيير وتقويم. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل، إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده" (رواه مسلم).
مجالس الإيمان تربية على شعب الإيمان عامة وتأكيد على شروط التربية خاصة.

أولا: مجلس الإيمان وشرط الصحبة والجماعة:


تتجسد في مجالس الذكر قيمة الصحبة والتعاون على الخير والدلالة على الله تعالى. إذ عن طريق الصحبة الخيّرة انخرط المرء في محضن الإيمان، وبالصحبة الصالحة هو ثابت مداوم عليها، وبصحبة أحباب الله رشح اسمه للتسجيل في معارج الإيمان ومدارج السالكين.
لقد حث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على التماس الصحبة الصالحة والخلة الطيبة، بل اعتبر دين المصحوب دين الصاحب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
فلينظر وليبحث ولينقب "أحدكم" عمن يأخذ بيده في طريق الله، ليسلك به اقتفاء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعرج به دلالة على المعبود عبر سُلم العبودية إسلام فإيمان فإحسان. وهل للمرء أن يستقل بنفسه في أمر خطير هو السلوك إلى الله ومحبة ومعرفة الحق، وقد قيل "من استغنى برأيه ضل".
محضن الإيمان، تربية على السؤال عن المعبود، قال تعالى: "الرحمن فاسأل به خبيرا" والسؤال يحتاج جوابا، والجواب عند الخبير، نداء صادر عن قلب صادق تعلق بالرحمن فآتاه مفاتيح الخبرة، تربية للإنسان ودلالة على رب الإنسان.
وإن النور الذي يغمر المؤمن وهو في محضن التربية والذكر، وحلاوة الإيمان التي يجدها في قلبه، ومعاني المحبة والأخوة التي تسري في كيانه تجاه أحبابه وخلانه، تستمد وجودها من هذا المعنى العظيم في الدين، الصحبة.
وبقدر ما ترسخ مجالس الإيمان معنى الصحبة، بما هي تربية وتلمذة وسلوك على يد المربي المعلم الناصح الخبير الولي المرشد، ترعى معنى الجماعة حتى ينمو ويشب عند المؤمن ليدرك أنه فرد في أمة عامة، هي اليوم فاقدة لمعناها ورسالتها، يحتاج استنهاضها إلى إقامة أمة خاصة وجماعة منظمة وتحزّب لله هو من صميم العبادة.
مجلس الإيمان إذا، ينظم الإنسان في رابطة جماعية، يسلكه في الجماعة الخاصة "جماعة من المسلمين" وفي الجماعة العامة "جماعة المسلمين"، ويربط كيانه بجماعته وأمته، فيتألم لحالها ويفرح بموعود الله لها ويوظف طاقاته وقدراته لخدمتها وبنائها.
بل إن مدلول الجماعة في محضن الإيمان هو داع إلى المنافسة والمسابقة إلى الخير، وعاصم للفرد من القواصم، وحامٍ له من أن يستفرد به ذئب الشيطان والنفس، إذ الذئب يأكل من الغنم القاصية.
الصحبة والجماعة معنى متكامل يجمع الهمَّ ويوحِّد القضية، همّ أمتي وخلاصها الجماعي يفتل في حبل قضيتي ومصيري الفردي.
من أجل ذلك تركز مجالس الإيمان على "الصحبة والجماعة" شرطا للتربية والسلوك.

ثانيا: مجلس الإيمان وشرط الذكر:


محضن الإيمان مجلس للذكر ومورد للعبادة وبيت أذن الله أن يرفع بذكر الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر".
حلق الذكر هذه، تسطع فيها شمس القرب من الله متوسطة سماء العبودية عندما يصبح نهار الإخلاص صحو، حيث تهفو القلوب إلى المحبوب وتسمو الروح وتحن إلى أصلها، في الحديث القدسي يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية عن رب العزة: "أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه" (رواه أبو داوود والحاكم وابن حبان).
توطن مجالس الذكر روّادها على الجلوس مع خالقها لهجا بذكره واستمدادا لمعيته ونوره، وفتلا في حبل التجديد، تجديد الدين والإيمان "آثار ذكر الله فيك إحياء قلبك، وآثاره في مجتمع الغفلة والفتنة أن يسري شفاء ذكر الله في الجسم المريض. تذكر الله في ملإ عندما تؤذن للصلاة، وعندما ترفع شعار التوحيد بين المتنكرين لدينهم، وعندما تدعو هذا وذاك وهذه الجماعة وتلك إلى الله. تحاضر، وتحاج، وتخاصم في الله. كله ذكر" (2).
إن كان للذكر معنى عاما، هذه بعض أنواعه فإن قطب رحاها الذكر بمعناه الخاص، أي الورد "والورد المواظب عليه بآداب الذكر، ومنها الطهارة واستقبال القبلة والحضور القلبي، منه تأتي القوة التي تحملك إلى محافل الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله" (3).
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزينون مجالسهم بطيب الكلام ذكرا لله وتذاكرا في نعم الله، روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه قال: "كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تعال نؤمن ساعة. فقال ذات يوم لرجل، فغضب الرجل. فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألا ترى إلى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة".

ثالثا: مجلس الإيمان وشرط الصدق:


في الحديث المشهور الذي رواه الشيخان وأصحاب السنن إلا ابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
النية محط النظر لا مجرد شكل الأعمال، والصدق في النية مناط الفلاح، صدق مع الله ومع عباد الله.
والداخل في سلك مجالس الذكر عليه أن يفتش قلبه ويتفقد إخلاصه ويسائل نيته، ما باعثي لحضور هذه المجالس؟ ولماذا أنا هنا فيها؟ ما الغاية؟ وما الذي دعاني لقول كذا وفعل كذا؟ أهي غضبة على الظلم ومن أجل الخبز وحماسة أيام وليال، أم اختيار قاصد يريد الفوز بالله ومع الله؟.
وإذا كانت مجالس الإيمان دائمة التذكير برأس مال الإنسان "الصدق" ومياومة التأكيد على قيمته وضرورته، فإن المؤمن مطالب بتبيّن أساس صدقه أو ما يمكن أن نسميه بالصدق الكلّي، ماذا أريد من انتمائي لمحاضن الإيمان؟ ثم مع ذلك وبعده تصديق النية وتجديد القصد في كل الأعمال والأقوال والالتزامات الجزئية والتفصيلية.
إن الكينونة مع الصادقين من شأنها أن تورث حقيقة الصدق، شرط توفُّر بذرة الصدق في القلب، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (التوبة، الآية 119).
إن العاملين لنصرة هذا الدين، وعلى رأسهم الإسلاميون، يلحظون كثرة مجالات العمل وتعدد واجهات البناء والإصلاح وهو ما يستدعي عقد اللقاءات الدراسية والورشات التنظيرية ومحطات التقييم والتقويم وإنشاء المناشط والمؤسسات التخصصية، وكل هذا أمر لازم في زمن البعث الثاني للخلافة متى تمت المحافظة على وحدة النية وتجديد الصدق وقصدية الغاية. فالنية روح جسد الأعمال والصدق طمأنينة القلب والغاية الله.. وإنما لكل امرئ ما نوى.


الهوامش:
(1) ابن القيم الجوزية، الوابل الصيب، ص.44.
(2) الأستاذ عبد السلام ياسين، "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا"، ص 159.
(3) نفسه.