مشاهدة النسخة كاملة : فضل سيدنا عمر رضي الله عنه



anass
09-04-2005, 15:28
فضل سيدنا عمر رضي الله عنه

عن جابر بن عبد الله قال: قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذاك فلقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر". أخرجه الترمذي في سننه.

عمر يبكي لتدعو له العجوز
من كتاب "كنـز العمال" للمتقي الهندي رحمه الله.
عن زيد بن أسلم قال: خرج عمر بن الخطاب ليلة يحرس، فرأى مصباحا في بيت فدنا فإذا عجوز تطرق شعرا لها لتغزله –أي تنفشه بقدح- وهي تقول:
على محمـد صـلاة الأبرار *** صلى عليك المصطفون الأخيار
قد كنت قواما بكى الأسحار *** يـا ليت شعري والمنايا أطوار
هل تجمعني وحبيبي الدار
-تعني النبي صلى الله عليه وسلم-، فجلس عمر يبكي، فمازال يبكي حتى قرع الباب عليها، قالت: من هذا؟ قال: عمر بن الخطاب، قالت: ما لي ولعمر؟ وما يأتي بعمر هذه الساعة؟ قال: افتحي رحمك الله! فلا بأٍس عليك. ففتحت له فدخل فقال: ردي علي الكلمات التي قلت آنفا، فردتها عليه، فلما بلغت آخرها قال: أسألك أن تدخليني معكما، قالت:
وعمر فاغفر له يا غفار
فرضي ورجع.

عمر القوي الأمين
أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع، عن الثقة عن مولى لعثمان بن عفان رضي الله عنه قال: بينما أنا مع عثمان في ماله بالعالية (هي أماكن بأعلى أراضي المدينة) في يوم صائف، إذ رأى رجلا يسوق بكرين (البكر بالفتح: الفتى من الإبل، والأنثى بكرة) وعلى الأرض مثل الفراش من الحر فقال: ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يرح! ثم دنا الرجل فقال: انظر من هذا؟ فنظرت فقلت: أرى رجلا معمما بردائه يسوق بكرين، ثم دنا الرجل فقال: انظر! فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: هذا أمير المؤمنين!! فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فآذاه نفح السموم (الريح الحارة)، فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقال: بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى، وخشيت أن يضيعا فيسألني الله تعالى عنهما. فقال عثمان: هلم يا أمير المؤمنين إلى الماء والظل ونكفيك، فقال: عد إلى ظلك، فقلت: عندنا من يكفيك، فقال: عد إلى ظلك، فمضى، فقال عثمان رضي الله عنه: من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا. فعاد إلينا فألقى نفسه. رواه الإمام الشافعي في مسنده.

عمر رضي الله عنه وتنبؤات أسقف النصارى
حدثنا أبو أسامة بسنده عن الأقرع قال: أرسل عمر إلى الأسقف قال: فهو يسأله وأنا قائم عليهما أظلهما من الشمس. فقال له: هل تجدنا في كتابكم؟ قال: نعتكم وأعمالكم. قال: فما تجدني؟ قال: أجدك قرن حديد. قال: فنقط عمر وجهه وقال: قرن حديد! قال: أمين شديد. قال فكأنه فرح بذلك. قال: فما تجد بعدي؟ قال: خليفة صدق يؤثر أقربيه. قال: فقال عمر: يرحم الله ابن عفان. قال: فما تجد بعده؟ قال: صدع حديد. قال: وفي يد عمر شيء يقلبه. قال: فنبذه. وقال: يا ذفراه مرتين أو ثلاثا. فقال: لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين فإنه خليفة مسلم ورجل صالح ولكنه يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق. قال: ثم التفت إلي وقال: الصلاة. أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود وغيرهما.

وصية أبي بكر الصديق لعمر رضي الله عنه
"إني أوصيك بوصية إن أنت قبلتها عني: إن لله عز وجل حقا بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عز وجل حقا بالنهار لا يقبله بالليل، وإنه عز وجل لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة. ألم تر أنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة باتباعهم الحق في الدنيا وثقل ذلك عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا حق أن يثقل. ألم تر أنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة باتباعهم الباطل في الدنيا وخف ذلك عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا باطل أن يخف. ألم تر أن الله عز وجل أنزل آية الرجاء عند آية الشدة، وآية الشدة عند آية الرجاء، لكي يكون العبد راغبا راهبا لا يلقي بيده للتهلكة، ولا يتمنى على الله عز وجل غير الحق. فإن أنت حفظت وصيتي، فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت ولابد لك منه، وإن أنت ضيعت وصيتي هذه، فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت".

حكمة عمرية
قام عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لا يغرنكم صيام رجل ولا صلاته ولكن انظروا إلى صدقه إذا حدث وإلى أمانته إذا ائتمن وإلى ورعه إذا استغنى. من مسند الإمام الشافعي رحمه الله.


رجال نعم الرجال


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح، بئس الرجل فلان وفلان.." سبعة رجال سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمهم لنا سهيل. أخرجه البخاري في الأدب المفرد.

صحابي شهيد ورؤيا فريدة
عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس بن شماس، فأرشدوني إلى ابنته فسألتها فقالت: سمعت أبي يقول: لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يحب كل مختال فخور" (سورة لقمان، 18) اشتدت على ثابت، وغلق عليه بابه وطفق يبكي، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فأخبره بما كبر عليه منها، وقال: أنا رجل أحب الجمال وأن أسود قومي. فقال: "لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير ويدخلك الله الجنة". قال فلما أنزل الله على رسول صلى الله عليه وسلم "يأيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول" (سورة الحجرات، 2)، فعل مثل ذلك فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره بما كبر عليه، وأنه جهير الصوت، وأنه يتخوف أن يكون ممن حبط عمله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لست منهم، بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا ويدخلك الله الجنة".
فلما استنفر أبو بكر رضي الله عنه المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب سار ثابت بن قيس فيمن سار، فلما لقوا مسيلمة وبني حذيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات. فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قتلا. قالت: وأري رجلا من المسلمين ثابت بن قيس في منامه فقال: أني لما قتلت بالأمس مر بي رجل من المسلمين فانتزع مني درعا نفيسة، ومنـزله في أقصى المعسكر، وعند منـزله فرس يستن في طوله، وقد أكفأ (أي جعل) على الدرع برمة، وجعل فوق البرمة رحلا، وائت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي فليأخذها، فإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه أن علي من الدين كذا ولي من المال كذا، وفلان من رقيقي عتيق. وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه. قال: فأتى خالد بن الوليد فوجه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر رضي الله عنه فأخبره فأنفذ أبو بكر رضي الله عنه وصيته بعد موته. فلا نعلم أن أحدا جازت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه. أخرجه الإمام الطبراني في معجمه الكبير.

ألا أخبركم بأهل الجنة؟
عن حارثة بن وهب الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأهل الجنة! كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار! كل عتل (الجافي) جواظ (ضخم مختال) جعظري (فظ) مستكبر". وحدثنا أنس بن مالك قال: إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت. أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.
والمقصود من الأخذ باليد لازمه، وهو الرفق والانقياد. وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكره المرأة دون الرجل، والأمة دون الحرة، وحيث عمم بلفظ الإماء أي أمة كانت، وبقوله "حيث شاءت" أي من الأمكنة. والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة على ذلك، وهذا دال على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث، من أصحها ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". فقيل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس". والغمط بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة هو الازدراء والاحتقار. وأخرج عبد بن حميد من حديث ابن عباس رفعه: "الكبر السفه عن الحق، وغمص الناس". فقال: يا نبي الله وما هو؟ قال: "السفه: أن يكون لك على رجل مال فينكره فيأمره رجل بتقوى الله فيأبى، والغمص: أن يجيء شامخا بأنفه، وإذا رأى ضعفاء الناس وفقراءهم لم يسلم عليهم ولم يجلس إليهم محقرة لهم"..


لا يدخل الجنة إلا رحيم


من كتاب تنبيه الغافلين، للسمرقندي رحمه الله.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا (أي بينما) رجل يمشي في الطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنـزل بها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث وهو يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني. فنـزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله تعالى له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم لأجرا؟ قال: في كل ذات كبد رطبة أجر".
عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة إلا رحيم"، قالوا: يا رسول الله! كلنا رحيم، قال: "ليس رحمة أحدكم نفسه خاصة، ولكن حتى يرحم الناس عامة ولا يرحمهم إلا الله تعالى".
عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: إذا رأيتم أخاكم قد أصابه جزاء فلا تلعنوه ولا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا اللهم ارحمه، اللهم تب عليه. وعن الشعبي قال: صعد النعمان بن بشير المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ينبغي للمسلمين أن يكونوا بينهم بنصيحة بعضهم بعضا، وتراحمهم بينهم كمثل العضو من الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى الجسد كله بالسهر حتى يذهب الألم من ذلك العضو".
وعن أنس بن مالك قال: بينما عمر رضي الله تعالى عنه يعس ذات ليلة إذ مر برفقة قد نزلت فخشي عليهم السرقة فأتى عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقال: ما الذي جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ قال مررت برفقة قد نزلت فحدثتني نفسي أنهم إذا باتوا ناموا فخشيت عليهم السرقة فانطلق بنا نحرسهم. قال: فانطلقنا. فقعد قريبا من الرفقة يحرسان حتى إذا رأيا الصبح نادى عمر رضي الله تعالى عنه: يا أهل الرفقة الصلاة الصلاة مرارا حتى إذا رآهم تحركوا قاما فرجعا.
قال الفقيه رحمه الله: عليك أن تقتدي بالذين قبلك فإن الله قد مدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالتراحم فيما بينهم قال الله تعالى "رحماء بينهم". وكانوا رحماء على المسلمين وعلى جميع الخلق وكانوا يرحمون أهل الذمة، فكيف بالمسلمين؟. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلا من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس وهو شيخ كبير، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: ما أنصفناك، أخذنا منك الجزية ما دمت شابا ثم ضيعناك اليوم، وأمر بأن يجري عليه قوته من بيت مال المسلمين. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: رأيت عمر رضي الله تعالى عنه على قنب وهو يعدو بالأبطح، فقلت له: يا أمير المؤمنين أين تصير؟ فقال: بعير ند (نفر وذهب على وجهه شاردا) من الصدقة فأنا أطلبه، فقلت له: لقد أذللت الخلفاء من بعدك، فقال: لا تلمني يا أبا الحسن، فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالنبوة لو أن عناقا ذهب بشاطئ الفرات لأوخذ بها عمر يوم القيامة لأنه لا حرمة لوال ضيع المسلمين ولا لفاسق روع المؤمنين.
وعن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بدلاء أمتي لا يدخلون الجنة بكثرة صلاة ولا صيام ولكن يرحمهم الله تعالى بسلامة الصدور وسخاوة النفس والرحمة لجميع المسلمين".
وروى عبد الوهاب بن محمد الفعتلاني بسمرقند بإسناده عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من حق المسلمين عليك: أن تعين محسنهم، وأن تستغفر لمذنبهم، وأن تدعو لمدبرهم، وأن تحب تائبهم".
عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "للمسلم على أخيه ست خصال واجبة إن ترك منها واحدة فقد ترك حقا واجبا: إذا دعاه أن يجيبه، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يحضره، وإذا لقيه أن يسلم عليه، وإذا استنصحه أن ينصحه وإذا عطس أن يشمته". وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من نبي إلا وقد رعى"، قالوا يا رسول الله: وأنت قد رعيت؟ قال: نعم، فأنا قد رعيت".
قال الفقيه رحمه الله تعالى: الحكمة في رعي الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه أن الله ابتلاهم على البهائم أولا حتى تظهر شفقتهم على خلقه وهو أعلم بهم، وإذا وجدهم مشفقين على البهائم جعلهم أنبياء وجعلهم مسلطين على بني آدم في أمر دينهم. وروي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب بأي شيء اتخذتني صفيا؟ قال: برحمتك على خلقي، فإنك كنت ترعى الغنم لشعيب عليه الصلاة والسلام فندت شاة من غنمك فاتبعتها فأصابك الجهد في طلبها حتى أدركتها، فلما أخذتها ضممتها إلى حجرك وقلت لها: يا مسكينة أتعبتني وأتعبت نفسك، فبرحمتك على خلقي اصطفيتك وأكرمتك بالنبوة.
وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربته يوم القيامة، والله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم". وروى قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير". وروى الشعبي عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: إن الله تعالى لا يرحم من لا يرحم، ولا يغفر لمن لا يغفر، ولا يتوب على من لا يتوب.
وروي عن أحد الصحابة رضي الله تعالى عنه أنه قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (الحديث أخرجه الترمذي وغيره. قال: -واللفظ له-). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله تعالى" وعن قتادة أنه قال: ذكر لنا في الإنجيل مكتوبا يا ابن آدم كما تَرحم فكذلك تُرحم، وكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباده. وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه كان يتتبع الصبيان فيشتري منهم العصافير فيرسلها ويقول: اذهبي فعيشي. وقال شقيق الزاهد رحمه الله تعالى: إذا ذكرت الرجل بالسوء فلم تهتم له ترحما فأنت أسوأ حالا منه، وإذا ذكرت الرجل الصالح فلم تجد في قلبك حلاوة طاعة ربك فأنت رجل سوء.
وقال مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه: بلغني أن عيسى صلوات الله وسلامه عليه قال: لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله فتقسو قلوبكم، والقلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا تعلمون. ولا تنظروا في عيوب الناس كأنكم أرباب وانظروا إليها كأنكم عبيد، وإنما الناس رجلان مبتلى ومعافى فارحموا صاحب البلاء واحمدوا الله على العافية.
وروي عن أبي عبد الله الشامي قال: استأذنت على طاوس فخرج شيخ كبير فقال لي: أنا هو. فقتل له: لئن كنت أنت هو فإنك إذا لخرف. فقال: إن العالم لا يخرف. فدخلت عليه فقال لي: سل وأوجز. فقلت له: إن أوجزت لي أوجزت لك. فقال: إن شئت جمعت لك التوراة والإنجيل والفرقان في ثلاث كلمات فعلت. فقلت: وددت ذلك. فقال: خف الله خوفا لا يكون أحد أخوف عندك منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب لغيرك ما تحب لنفسك. وعن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال: ثلاث من جمعهن جمع الإيمان كله: الإنفاق في الإقتار، والإنصاف من نفسه، وإفشاء السلام على الخلائق. وروي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أنه قال: أحب الأمور إلى الله تعالى ثلاثة: العفو عند المقدرة، والقصد في الجدة، والرفق بعباد الله تعالى، وما رفق أحد بعباد الله إلا رفق الله به. وروى هشام عن الحسن قال: أوحى الله إلى آدم: يا آدم أربع هن جماع لك ولولدك –يعني جماع الخير- واحدة لي وواحد لك وواحدة بيني وبينك وواحدة بينك وبين الناس، فأما التي لي فأن تعبدني ولا تشرك بي شيئا، وأما التي لك فعملك أجزيك به حين تكون أفقر ما تكون إليه، وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء ومني الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فاصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به، والله أعلم.


ولقد نصركم الله ببدر ..

من كتاب الظلال لسيد قطب رحمه الله.

"ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون". (سورة آل عمران، 123).
إن الله هو الذي نصرهم؛ ونصرهم لحكمة نص عليها في مجموعة هذه الآيات. وهم لا ناصر لهم من أنفسهم ولا من سواهم. فإذا اتقوا وخافوا فليتقوا وليخافوا الله، الذي يملك النصر والهزيمة؛ والذي يملك القوة وحده والسلطان. فلعل التقوى أن تقودهم إلى الشكر؛ وأن تجعله شكرا وافيا لائقا بنعمة الله عليهم على كل حال.
هذه هي اللمسة الأولى في تذكريهم بالنصر في بدر. ثم يستحضر مشهدها ويستحسي صورتها في حسهم، كأنهم اللحظة فيها.
"إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين * بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين". (سورة آل عمران، 124-125).
وكانت هذه كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، للقلة المسلمة التي خرجت معه؛ والتي رأت نفير المشركين، وهي خرجت لتلقى طائفة العير الموقرة بالمتاجر، لا لتلقى طائفة النفير الموقرة بالسلاح! وقد أبلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغه يومها ربه، لتثبيت قلوبهم وأقدامهم، وهم بشر يحتاجون إلى العون في صورة قريبة من مشاعرهم وتصوراتهم ومألوفاتهم، وأبلغهم كذلك شرط هذا المدد. إنه الصبر والتقوى؛ الصبر على تلقي صدمة الهجوم، والتقوى التي تربط القلب بالله في النصر والهزيمة:
"بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين". (سورة آل عمران، 125).
فالآن يعلمهم الله أن مرد الأمر كله إليه، وأن الفاعلية كلها منه –سبحانه- وأن نزول الملائكة ليس إلا بشرى لقلوبهم؛ لتأنس بهذا وتستبشر، وتطمئن به وتثبت. أما النصر فمنه مباشرة، ومتعلق بقدره وإرادته بلا واسطة ولا سبب ولا وسيلة:
"وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم". (سورة آل عمران، 126). وهكذا يحرص السياق القرآني على رد الأمر كله إلى الله، كي لا يعلق بتصور المسلم ما يشوب هذه القاعدة الأًيلة: قاعدة رد الأمر جملة إلى مشيئة الله الطليقة، وإرادته الفاعلة، وقدره المباشر. وتنحية الأسباب والوسائل عن أن تكون هي الفاعلة. وإنما هي أداة تحركها المشيئة. وتحقق بها ما تريده.
"وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم".
وقد حرص القرآن الكريم على تقرير هذه القاعدة في التصور الإسلامي، وعلى تنقيتها من كل شائبة، وعلى تنحيه الأسباب الظاهرة والوسائل والأدوات عن أن تكون هي الفاعلة. لتبقى الصلة المباشرة بين العبد والرب، بين قلب المؤمن وقدر الله، بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط، كما هي في عالم الحقيقة.
ويمثل هذه التوجيهات المكررة في القرآن، المؤكدة بشتى أساليب التوكيد، استقرت هذه الحقيقة في أخلاد المسلمين، على نحو بديع، هادئ، عميق، مستنير.
عرفوا أن الله هو الفاعل –وحده- وعرفوا كذلك أنهم مأمورون من قبل الله باتخاذ الوسائل والأسباب، وبذل الجهد، والوفاء بالتكاليف. فاستيقنوا الحقيقة، وأطاعوا الأمر، في توازن شعوري وحركي عجيب!

"ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشركون". (سورة آل عمران، 123).


رؤيا تبشر بالخلافة الراشدة بعد النبوة

عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فليقصها علي فأعبرها له". قال: فجاء رجل فقال: يا رسول الله! رأيت ظلة بين السماء والأرض تنطف عسلا أو سمنا، ورأيت سببا واصلا من السماء إلى الأرض، ورأيت أناسا يتكففون منها فمستكثر ومستقل، فأخذت به فعلوت فأعلاك الله، ثم أخذ به الذي بعدك فعلا فأعلاه الله، ثم أخذه الذي بعده فعلا فأعلاه الله، ثم أخذه الذي بعده فقطع به، ثم وصل فاتصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي فأعبرها، فقال: "اعبرها" وكان أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما الظلة فالإسلام، وأما العسل والسمن فالقرآن حلاوة العسل ولبن السمن، وأما الذين يتكففون منه فمستكثر ومستقل فهم حملة القرآن، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله به، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به. فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت وأمي أصبت أم أخطأت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصبت وأخطأت". فقال: فما الذي أصبت وما الذي أخطأت؟ فأبى أن يخبره. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.


إخوان رسول الله صلى الله عليه وسلم

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا!". قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد". فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: "أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟" قالوا: بلى يا رسول الله! قال: "فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم: ألا هلم! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك! فأقول سحقا سحقا!".


فضل الآل والأصحاب رضي الله عنهم

من مكتوبات سعيد النورسي رحمه الله.
إن الجمع العظيم الذي يطلق عليهم "الآل والأصحاب" الذين هم أشهر بني البشر بعد الأنبياء فراسة، وأكثرهم دراية، وأسماهم كمالات، وأفضلهم منـزلة، وأعلاهم صيتا، وأشدهم اعتصاما بالدين، وأحدهم نظرا. إن تحري هؤلاء وتفتيشهم وتدقيقهم لجميع ما خفي وما ظهر من أحوال هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأفكاره وتصرفاته بحثا بكمال اللهفة والشوق، وبغاية الدقة، وبمنتهى الجدية، وثم تصديقهم بالاتفاق والإجماع أنه صلى الله عليه وسلم هو أصدق من في الدنيا حديثا، وأسماهم مكانة وأشدهم اعتصاما بالحق والحقيقة. فتصديقهم هذا الذي لا يتزعزع مع ما يملكون من إيمان عميق، إنما هو دليل باهر كدلالة النهار على ضياء الشمس.


ولاية الصحابة رضي الله عنهم

من مكتوبات سعيد النورسي رحمه الله.
إن ولاية الصحابة الكرام هي "الولاية الكبرى" ومنبعها وأصولها الأولى من وراثة النبوة، وطريقها: النفوذ من الظاهر إلى الحقيقة مباشرة، من دون المرور بطريق البرزخ. فهي ولاية متوجهة إلى انكشاف "الأقربية الإلهية" حيث أن طريق هذه الولاية رغم قصرها الشديد سامية وعالية جدا، خوارقها قليلة وكشوفاتها وكراماتها نادرا ما تظهر، إلا أن مزاياها وفضائلها عالية جدا. بينما كرامات الأولياء أغلبها ليست اختيارية، فقد يظهر منهم أمر خارق للعادة من حيث لم يحتسبوا، إكراما من الله لهم، وأغلب هذه الكشوفات والكرامات يظهر لهم أثناء فترة السير والسلوك وعند مرورهم في برزخ الطريقة. وحينما يتجردون –إلى حد ما- من حظوظ البشرية ينالون حالات خارقة للعادة