مشاهدة النسخة كاملة : إلى آيات الأخرس-مونولوج الخنجر والدم-



عادل بومهدي
30-07-2007, 08:18
لولا عيون القدس ما أحتسى ألما كلا ولا حلت يوم به النقم

عادل بومهدي
2006/2007

مقدمة:
بين أريج الماضي وعبق الحاضر،الممزوج قصرا بالأصالة والمعاصرة،المتداخلة أسسهم بين التزمت والاعتدال،في وسط بيئة غلبت عليها روح المادة وجيل لم يعد يرى من الحياة سوى ما يرضي غرائزه،هنا كنت ومازلت ،أنتمي لكل هذا ،من هذه الزاوية المظلمة في تاريخ أمتنا،حاولت أن أٍجعل لكل هذا منطلقا للتغيير ،وهنا راودتني أحلام،عشت معها أجمل أيام عمري..كيف لا وأنا أكتب..وعن ماذا أكتب؟عن القضية..نعم عن القضية التي حاولت أن أٍرسم لها من خيالي ومن واقع الحياة المعاش..حاولت أن أرسم لها مسارا يكون عنوانه الخنجر والدم.. فقد كانت وما زالت هناك علاقة بين الخنجر والدم أكبر من أن نكتبها في أوراق تحملها الرياح هنا وهناك،علاقة كتبت منذ زمن الرعيل الأول من أجدادنا الذين عاشوا بالكرامة وماتوا بها ومن أجلها ،في الخنجر والدم أحاول أن أبين للخلف أننا أعظم وخير أمة،حاولت أن أزاوج بين الماضي والحاضر بين الأصالة والمعاصرة بين الإلتزام والتفسخ بين الإعتدال و التزمت،لكي تكون الصورة أقرب من الواقع المعاش،ويكون هنا تطابق بين مانعيشه في واقغنا وما نعيشه في أطوار هذه المونولوج لأن ما يحدث هاهنا عبارة عن تزاوج بين الإثنين،يولد لنا من خلالهما سنفونية خاصة تثبت لنا ذواتنا وحقائقنا التي غابت وحل محلها نكران الذات،وسأبدأ العزف بنوتات هذه السنفونية ببطاقة فنية عن هذا العمل المتواضع:
شخصيات المونولوج:
الخنجر/
الإسم:الخنجر...
اللقب:الإستعمار...
الصفة:الغدر الحقد ...و...و...
العنوان:مغروس في جسد الضعفاء...
الدم/
الإسم:الدم...
اللقب:الكرامة،والحرية..و..و..
الصفة:رفض الضيم،العيش بكرامة والموت بكرامة...
العنوان:موجود في جسد كل كريم،وفي جسد الأحرار...
عدد الفصول:فصل واحد...
عدد المشاهد:أربع مشاهد...





إهداء:
لن أكون مجحفا وسأقول،هذا العمل الذي كان مسيرة من الجهد ،إذا كنت سأهديه فلن أجد أعز على نفسي من من حملتني وأرضعتني وسهرت لأجلي ليال طوال أمي...نعم أمي أهدي لك عملي وكل أملي أن لا تنسي إبنك بالدعاء،لن أجد خير من كان يضلني ويحميني من كان يطعمني ويأويني أبي أهدك هذا العمل المتواضع،إلى إخواتي وأخصك بالذكر أخي عبد الوهاب...إلى الأصدقاء وفي طليعتهم رفيق مرير...إلى كل من ساعدني من بعيد ومن قريب،أهديكم هذا العمل المتواضع.....

إهداء خاص:
إلى من غيروا مجرى حياتي،إلى النجمات،التي ذكروني بطيف أبي ذر الغفاري وذكروني بالنصر المبين في معركة ذات الصواري،إليكن يامن أوصلتم رسالة لأعدائنا الذين حاولوا أن يذلون فقلتم لهم نحن أمة أعزها الله فلا نذل،إليكن يامن أحييتم درب الاستشهاد والاستشهاديين...يامن كنتن سببا لكي أكتب،إليك أنت آيات يا إبنة القدس لأنك أصغرهن ولأنك أول إسم عرفته من ركب مجاهدات فلسطين...لأنك لست كمعظم فتيات الأمة ولأنك لست كباقي الفتيات...إليك لأنك اخترت الدم حناء ولأنك كتبت عقد الزواج بمداد من الدم إليك آيات...إليك ريم يا آخر من عرفتها من جيل الإستشهاديات،إليك ريم يامن قلت:"لنساء الأمة دون رجالها"،إليك ياريم..يا حاضنة الولد والرشاش...إليك وفاء لأنك كنت حقا لوطنك وأرضك خير وفاء...إليك هنادي يا عروس الجهاد،يامن أعجزت رجال الأمة عندما زلزلت حيفا...إليك أيها الشيخ المجل البطل الشهيد يامن حام حولك الموت فلم تهبه وتقدمت للشهادة وعيناك شاخصتان تناجيان رب العباد،إليك يا شيخ أحمد ياسين...إليك يامن إخترت كيف تموت...ويامن إخترت الدرب الذي سلكه العظماء والأبطال..أيها البطل الشهيد عبد العزيز الرنتيسي...إليك يامن وعدت ووفيت يامن كنت الإستثناء في زمن غلبت فيه العمالة والخيانة والإنبطاح،يامن زلزلت الكيان المصطنع،ياشيخ حسن نصر الله...إليك يامن قدمت صبيحة عيد كأضحية لكنك كنت المضحي،يامن حاولوا أن يشنقوه فوهبوه حيات الخلود،يا قائد الأمة أيها البطل الشهيد صدام حسين... إلى كل ثوار العالم...إلى كل بطل يأبى الظلم ويرفض الاستعباد لكم جميعا أهدي هذا العمل وأقف وقفة إكبار وأستسمحكم عذرا في أن تقبلوا مني هذا العمل البسيط ....
وشكرا...





المشهد الأول:
يرفع الستار على نشيد جوليا بطرس"وين الملايين"،في قاعة فسيحة بها رجلان وغير بعيد عنهما كرسي،أحد الرجلين يلبس السواد،يبتسم يضع نصل خنجر على رقبة الرجل الثاني،صمت يلف المكان،الرجل اللابس للسواد هو الخنجر الذي يصرخ قائلا:
الخنجر:يأست أيها الدم،لا حقائق و لا أحلام لك بعد اليوم،لم ولن يبقى في وقتك متسع...
يدفع الدم الخنجر بعيدا عنه،وهو يصرخ في وجهه:
الدم:أنا مسلم وليس اليأس من أخلاق المسلمين...ولازال في وقتي متسع.....
الخنجر:لا...لا...لم يبقى لك وقت فلا الأمس لك ولا اليوم ولا الغد...
الدم:غبي أنت أيها الخنجر،ألم تعرف أن حقائق اليوم هي أحلام الأمس،وأحلام اليوم هي حقائق الغد..
الخنجر:لا..لا أعرف شيء سوى أنك ضعيف...
الدم:وإن يكن فالضعيف لايظل ضعيفا طوال حياته..والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين...
الخنجر(بسخرية):أنت قوي...ها..ها..ها...للأسف سأقتلك قبل أن تحلم بذلك..
يطرق الدم رأسه مفكر ثم يقول:
الدم:حقا أنا ضعيف،لكن...لا بل أنا ضعيف...
يسقط الدم على الخشبة...ثم يقول:
الدم: أنت ضعيف أيها الدم...
الخنجر:أنت كذلك ولهذا سأطعنك ولن أذبحك...
يقترب الخنجر من الجسد المتهاوي على الخشبة ويطعنه،طعن الدم وسقط ما بقي من جسده على الخشبة دون كلام أما الخنجر فيطوف حول الجثة ثم يتوقف:
الخنجر:أيتها اليد...لك كل الفضل لقد أجدت الطعن سأكرمك...
من الخنجر تصدر بحة اليد التي تقول:
اليد:سيدي أنا خادمك الأمين،سيدي تكريمي أن تجعلني جزء منك...
الخنجر:أخدميني أيتها اليد وسأجعلك جزء مني..أعدك...
اليد:سيدي لقد قتلت الثورة والقانون والحضارة ووعدتني،وقتلت الدم ووعدتني...
الخنجر:صمت صمت...أراك تطاولت على أسيادك أيتها اليد...
اليد:لا..لا..يا سيدي أفعل ما شئت...
الخنجر:هي إذا معي..وهذه الجثة فلندعها تتعفن وتزول..ها..ها..
ينسحب الخنجر واليد في جسد واحد،جثة الدم تبقى ممددة لا حراك...فجأة تنبعث أصوات وأصوات هي مزيج بين صوت أقدام تقترب وموسيقى و..و..و..،من الجثة الممددة ينبعث صوت يقول:
الصوت:أراك تحتضر أيها الدم...
الدم:أنا مع موعد مع الموت...
الصوت:جئتك بالأمس وقبل الأمس وكنت غير الذي أراه اليوم،واليوم جئتك وأنا خجل وجل وخشيت أن لا تستقبلني لكن؟؟؟
الدم:لكن ماذا ؟
الصوت:تغيرت يادم،لم أعد أرغب في لقياك...
الدم:الخنجر أيها الوافد إنه الخنجر...
الصوت:يادم هل تذكر طيف أبو ذر الغفاري،هل تذكر النصر المبين في معركة ذات الصواري..هل تذكر...وهل...
الدم:كيف أذكر وقد غيرني الزمن ياصوت...النخوة زالت،والأخوة إنشلت،والعداوة حلت،غيرة الأحرار نسيت،وغضبت الثوار جهلت،حتى المرجلة والثار ضاعت يا صوت،المرحلة صعبة،الدم يسكن مدامعنا،الألم زلزل مضاجعنا،أنا مسرح وأجزائي تمثل المذبحة والخنجر يشجعنا...أنا أحتضر يا صوت...
الصوت:أين هي الدم الذي مسح ما على الأرض من دنس،وأين هو الدم الزكي الذي أسرج يوم حطين وبواتيه...يادم...
الدم:أزالتها النكسات والنكبات،أزالتها العملات والخيانات...
يصرخ الصوت بأعلى صوته:
الصوت:يادم سفرك بعيد وبهذه الروح لن تصل أبدا،لا تغلق الأبواب يادم،لا تنح يادم وعد...فلم تخلق لتصبح دم النكسات والنكبات،فدع عنك العملات والخيانات...
الدم:أنا أحتضر...والسبب هذي التي تدعوني لأنساها...
الصوت:لم تخلق لتموت بطعنات الأنذال،لك نفس تعز عن ذلك،بعها يادم...
الدم:ومن يشتري؟
الصوت:الله سيشتري إذا باعت يادم والصفقة ستكون الجنة...
الدم:لكن...
الصوت:أنا عائد حيث كنت وأنت إبقى حيث سقطت...سأعود إذا عدت يادم...
الدم:لا...لا...ترحل...كيف أعود أنا أحتضر..
الصوت:عد فأعود يادم...أنا راحل...
الدم:لا..لا..لاترحل على الأقل قل لي من أنت...
الصوت:أنا منك...إذا عدت يادم...
على وقع أقدام تبتعد ينهض الدم يلتفت يمنة ويسرة،وهو يقول:
الدم:يا صوت أدنوا مني،ياصوت لاتدعني ياصوت...أنر دربي وعلمني كيف أعود ياصوت...
يجثم الدم على الخشبة وهو يصرخ مناديا على الصوت الذي ربط عودته بعودة الدم لكن يعود إلى أين يعود...الدم يصرخ من جديد قائلا:
الدم:أتراك شقيق الروح أيها الصوت؟إن كنت كذالك فعد ياصوت...عد ياصوت...
ينزل الستار معلنا عن نهاية المشهد الأول الذي يختم بصورة الدم الجاثم بركبتيه على الخشبة بعد أن أعياه النداء على الصوت...


المشهد الثاني:
يرفع الستار على الدم الجاثم على الخشبة وقد إرتسم على جسده سيف وبندقية،وغير بعيد عنه يوجد الكرسي ينهض الدم فجأة يطوف بالكرسي وهو ينادي:
الدم:يا صوت...يا صوت...
يرجع صوت الدم خاسئا وهو يقول:صوت...صوت...
الدم:ياصوت...أنا أبحث عنك وعن نفسي،نعم أبحث عن الدم الذي سمح للخنجر أن يداعبه،فبدل اللمس كان الطعن والشنق...
يطل الخنجر من زاوية من زوايا الخشبة وهو فرح،واليد تلاعب الخنجر،فجأة يتوقف غير بعيد من الدم...يتسمر في مكانه،فيما الدم غير مبال،مواصلا طوافه بالكرسي،يصرخ:
الخنجر:الدم...كيف...مستحيل؟أين اليد؟يد؟
تصعد اليد الممسكة بالخنجر وتقول في خنوع وذلة:
اليد:أنا بقربك سيدي...ماذا حصل؟
الخنجر:الدم...نعم الدم...حي ويمشي...يد أتراه يريد أن يعود...
اليد:حي يمشي نعم،لكنه لن يعود.
الخنجر:لكنه حي،فآنا أن لا يعود؟
اليد:لقد إخطار طريق الكرسي،وأنت وأنا نعرف جيدا إلى أين يؤدي طريق الكرسي...
الخنجر(وهو يضحك):ها...ها...ها...إلى الفتنة إلى الموت...
على بعد من أربع خطوات من الكرسي يتوقف الدم،ومن بعيد بعيد تنبعث أصوات متداخلة،صوت معركة،قعقعة سلاح وعزف على ناي...فجأة تتوقف الأصوات ويحل محلها خطوات تقترب،يلتفت الدم ذات اليمين وذات الشمال لا أحد...يرفع قدمه ويدنوا خطوة أخرى،ويرفع القدم الأخرى ليتقدم لكن صوت منه يصرخ:
الصوت:لا...لا يدم رويدك رويدك...
يعيد الدم ترتيب قدمه ويعيدها إلى حيث كانت،يبتسم ويقول:
الدم:أعرفك نعم أعرفك...بل أنا كنت في إنتضارك لكن طال غيابك...أعدت أخيرا يا أمير...
تثير الكلمات الخنجر فيصرخ:
الخنجر:يد يد...الأمير...نعم الأمير لقد عاد...
اليد:مستحيل...كيف ذلك...ألم يمت مشردا بعيدا عن منبع الدم...ألم تهم روحه في دم غير دمه...
الخنجر:لا أبدا فالمنبع واحد وأنا من فرقته،والدم واحد وأنا من شتته...ولهذا عاد الأمير...
يجلس الخنجر غير بعيد عن الدم وهو يتلصص على الحديث،فيما يواصل الأمير حديثه...
الأمير:أتذكرني يادم؟خلتك نستني كما تناسيت من قبل الصوت وصاحبه وتهت...
الدم:لم أعد تائها يا أمير لقد وجدت الدرب أخيرا،وسأعود ليعود الصوت،أتعرف صاحب الصوت يا أمير؟
الأمير:درب الكرسي يا دم،نهايته فرقة وموت...أترى الصوت يعود بالفرقة والموت...
ينهض الخنجر ويسرع إلى الدم،ترتفع اليد الممسكة بالخنجر ويأتي صوتها الخانع قائلا:
اليد:لا تستمع له يادم...تقدم ولا تخشى شيء...
الأمير:لا فطريقك هو الطريق الذي سلكه الصوت ولا طريق لك غيره...
الخنجر:مجرم إرهابي أنت يا أمير...إستوطنت جسد الدم وسأخرجك منه...
اليد:بل سنمحوك من جسد الدم ومن الوجود...
الأمير:أنا طيف والأطياف لا تخرج ولا تنتزع ولا تمحى..بل هي تمضي وتعود...
يتراجع الخنجر إلى الوراء ثم يقول بخوف:
الخنجر:طيف...أنت طيف يا أمير...
اليد:من أطياف الإستشهاد...
الأمير:بل من أطياف الجهاد...
الخنجر:سأعقد معك عقدا يا أمير...سلمني البندقية والسيف وأعفوا عنك...
الأمير:غبي أنت...البندقية والسيف هما مع الدم ملك لأجيال وأجيال،أما أنا فلا أملك سوى نفس قد بعتها لله والله أشترى...
الخنجر:لا تراهن على سراب وأرواح تأبى الظهور...تقدم إلى الكرسي يادم...تقدم فأرض الخلود والحقيقة تناديك...
الدم(كأنه مخدر):الكرسي نعم الكرسي...
الأمير:لا يادم لا...
الدم:إرحل أيها السراب إرحل...
الأمير:أنا جزء منك لا أرحل،سأغيب لكن سيأتي فنعود...
الخنجر:من هذا الذي سيأتي ومن سيعود؟
اليد:إنه يهذي،تقدم يادم تقدم...
أصوات حوافر خيل تبتعد...صهيل يبتعد...صوت ناي حزين يبتعد...على وقعها يتقدم الدم خطوت أخرى من الكرسي...لم تبقى سوى خطوتان...خطوتان ويختزل العمر الذي مر ذات يوم بالكرامة...وعلى قهقهة الخنجر،وصوت الدم الذي ينادي على الكرسي،يسدل الستار...











المشهد الثالث:
يرفع الستار الدم لم تبقى له سوى خطوتين من الكرسي...الخنجر رابض غير بعيد عن الدم،لكن في جسد الدم وبين البندقية والرشاش إرتسم ميزان....يمعن الخنجر في الدم،يصرخ كاسرا حاجز الصمت المخيم على المكان قائلا:
الخنجر:ميزان من أين جاء الميزان؟
ترتفع اليد وبخنوع تقول:
اليد:لا يهم فالمهم أن يتقدم الدم...
الخنجر:ها..ها..ها..نعم المهم أن يتقدم ...تقدم يادم...
يحاول الدم أن يرفع رجله لكن يضعها حيث كانت،يستدير يقترب منه الخنجر...
الخنجر:ما بك يادم؟تقدم الكرسي ينتضرك...
الدم:لكن القانون...قواعد القانون...
الخنجر:ما به القانون وقواعد القانون؟
الدم:أتراها ترضى أن أتقدم إلى الكرسي...
الخنجر:أنا رضيت يادم فتقدم...
الدم:أنت...من أنت؟
الخنجر:أنا القانون...وأنا أبو القانون...تقدم...
اليد(بخسة):وأنا قواعد القانون...وأسس القانون...تقدم...
لكن وعلى حين غرة يأتي صوت لطبول تقرع،وخطوات تقترب...ويأتي من الدم صوت غير صوته...
الصوت:خنجر ويد...أتدعون ملك ماليس لكم فيه حق...
ترتفع اليد الممسكة بالخنجر وتوجه نصله إلى الدم..ويأتي صوتها المبحوح قائلا:
اليد:من أنت أيها الغريب...
الصوت:أنا أبو القانون...حامورابي....
يتراجع الخنجر إلى الوراء ...يقول بصوت متقطع:
الخنجر:حا...حا..حامورابي...غير ممكن بل مستحيل...ألم أقتلك بيدي؟
اليد: حا...حا..حامورابي...ألم أهل عليك تراب النسيان بيدي؟
حامورابي:أتذكرني يا خنجر..جميل جدا أن تتذكرني إلى الآن...
الخنجر:صمتا حامورابي...صمتا...
حامورابي:لست أبكم فأصمت،ولا أنا تابع لك فأسكت...أنا حامورابي أبو القانون...
الخنجر:أنت تعرف أنك دون سلاح،والقانون الذي لا يحميه سلاح مركب بلا ملاح...
اليد:وإن كنت لا تعرف ستعرف عندما نغرقك في بحر الضياع واللا عودة...ستعرف...ها..ها..
حامورابي:غبي..لا بل أحمق...ألم ترى أين إرتسم الميزان....
ينظر الخنجر إلى الميزان..يضرب جبهته بكفه وهو يقول:
الخنجر:بين البندقية والسيف..لكن كيف حدث ذالك والأمير رحل؟
حامورابي:ألا تذكر ما قال لك الأمير؟
الخنجر:قال أنه طيف...قال أنه لن يرحل بل سيعود عندما يأتي...أأنت من يأتي؟
حامورابي:لست أنا من يأتي...صاحب الصوت هو من سيأتي،حينها ستعود الأطياف والرموز....
الخنجر:لا أبدا لن يعود...سأقتلك وأقتلهم إن عادوا...
حامورابي:غبي ومعتوه أنت ياخنجر...
الخنجر:لقد هزلت،بل هي المهزلة...
اليد:سنقتلك ونتخلص منك يا هذا...لكن بعد أن يتقدم الدم إلى الكرسي...
الخنجر:نعم إلى الكرسي...تقدم يادم...
اليد:تقدم ولاتستمع له...تقدم لتدنوا من المجد وتقترب من الخلد،تقدم...
حامورابي:لا يدم...الصوت يناديك والصوت ينبع منك لا من الكرسي،عد يادم عد ليعود الصوت...
الدم:الصوت...حولي ظلام حالك..ياصوت بدد ظلمتي...يا صوت أنت بعد الله من أصغي له...من أين الطريق؟
يسقط الدم على ركبتيه وهو يصرخ:
الدم:من أين الطريق؟
حامورابي:إنهض يادم...فأنت أول الطريق والصوت آخر الطريق...
الخنجر:كفى...كفى...إرحل حامورابي،إرحل وإلا قتلتك...
حامورابي:أنا لا أرحل،أليس كذلك يادم..
اليد:لا تستمع له يادم..
ينهض الدم يصرخ:
الدم:لا أستمع له..كيف ذلك وصوته ينبع مني...
الخنجر:مس أصابك سأخرجه منك...
يقترب الخنجر من الدم يمسك خنجره يهوي به على الميزان،وهو يقول:
الخنجر:إرحل...زل من الوجود...لا تعد...
حامورابي:أنا جزء منه لا أرحل...سيأتي فنعود...
الخنجر:سأجن من هذا الذي يأتي؟
اليد:إنه يهذي...نعم يهذي...دعنا منه ولنلتفت للدم...
الخنجر:الدم...نعم...تقدم يادم...
يستدير الدم إلى حيث الكرسي،يرفع رجله يقترب،خطوة واحدة تفصله عنه،الخنجر يضحك ويقول:
الخنجر:انتصرت...خطوة واحدة ووداعا يادم...ها...ها...ها...
ترتفع اليد وهي تلاعب الخنجر،ويسدل الستار على وقع قهقهة الخنجر...




المشهد الرابع:
يرفع الستار...الدم على خطوة من الكرسي...البندقية والسيف والميزان بلون الدم تغطيا...بقرب الدم يقف الخنجر واليد تداعب خنجره،صمت مخيف يلف المكان...فجأة يتقدم الخنجر من الدم ويطلب منه في عجالة أن يتقدم إلى الكرسي...
الخنجر:تقدم يادم...نقدم يادم...هي تقدم...
الدم يرفع قدمه ليتقدم...يعيدها مرة..إثنان..ثلاث...كأنه يأبى أن يتقدم...
الخنجر:مابك يادم؟
اليد:هو التردد...من مروا من هنا عرفوه...تغلبوا عليه وأختروا الكرسي...
الدم:أنا غير من مروا...فأنا الدم...
الخنجر:ويحك يادم أنا الخنجر...
اليد:أنت أمام فرصة العمر...من اللاشيء إلى أشياء وأشياء...
الدم:الصوت...الأمير...حامورابي...أريد أن أبقى هنا معهم...
الخنجر:ذاك ماضي...وهم سراب وأطياف..لا وجود لها...
الدم:بل هم جزء من درب كنت سلكته وسأسلكه من جديد...درب حضارة الكرامة...
الخنجر:أنا وحدي أمثل الحضارة ومن حولي لا شيء...
اليد:وإن تقدمت من الكرسي ستصبح جزء منا يادم...
الدم:من الحضارة؟
الخنجر:نعم...نعم...تقدم يادم...تقدم...
فجأة يأتي صوت موسيقى،يغلق الخنجر أذنيه لكي لا يسمع...أما الدم فيقول:
الدم:أنا عائد ولن أتقدم أبدا من الكرسي يانينوى...
الخنجر يستدير يصرخ في هستيريا:
الخنجر:نينوى لا..لاتعودي...إرحلي...إرحلي....
يرفع الخنجر ويطعن الهواء وهو في هستريته يقول:
الخنجر:نينوى موتي...موتي...
تتوقف معزوفة نينوى،يحمل الدم الكرسي ويرميه..ترتفع اليد الممسكة بالخنجر يأتي صوتها خائفا وجلا..
اليد:الدم...الدم...
الخنجر:هل جلس على الكرسي؟
اليد:قلب الكرسي...وأبتعد عن الكرسي...
يلتفت الخنجر إلى الدم ويقول له بغضب:
الخنجر:قلبت الكرسي لماذا يادم؟
الدم:نينوى...نعم نينوى ذكرتني...
الخنجر:سحقا لك ولها،بماذا ذكرتك؟
الدم:ذكرتني من أنا...بأني كنت أرفض فكرة الإذعان...بجراحي التي نزفت وبالصوت ذكرتني...باليوم الذي طعنتني فيه ذكرتني...
الخنجر:أنا ذكرتني بشيء واحد فقط أني لم أقتلك يومها وسأقتلك اليوم...
اليد:سوف نقتلك اليوم لأنك تجرأت وأردت أن تعود...
الخنجر:ستدفع ثمن العودة باهظا...
الدم:لم أخلق لأدفع الثمن بل من يعتدي علي هو من سيدفع الثمن...
الخنجر:أنت...ها...ستدفعني الثمن..ها..؟
الدم:نعم أنا...لأني عرفت الصوت ومعناه،عرفت أنه الكرامة التي جبلت عليها مذ ولدت،وسأعود اليوم إليها...
الخنجر:تلك أيام مضت،لن تعود أبدا...أبدا...
الدم:إمنعني إذا...
الخنجر:بل سأقتلك...وأترك اليد تنهش من جسدك وتشرب من دمك...
اليد:جاهز...أأبدأ....
الخنجر:سنمنح له فرصة أخرى،مارأيك يادم؟
الدم:لن أقبل،أنا دم الأحرار،أنا الحضارة وقوتها...أنا الكرامة أنا الأصالة والقيم،عنوان الخلود...
الخنجر:سحقا لك،أترفض عرضي؟وتدعي فوق هذا أنك الحضارة،فمن أنا إذا؟
الدم:عراب الغدر والإستبداد...الموت وحضارة القوة والإبادة...
الخنجر:سأنال منك وسأقتلك ولن أرحمك...يد أقتليه..بل أبيديه وغيبيه،لا أريد أن أرى منه ذرة...
يسرع الخنجر إلى الدم الذي يقف بشموخ...وتنبعث من هناك أصوات صهيل الخيل..قعقعة السلاح...الطبول...نينوى،الخنجر يتسمر في مكانه يمسك بيده التي ترتعش ويسقط منها الخنجر،ويهوي هو الآخر أرضا،وهويقول:
الخنجر:هزمت...هزمتني الأطياف...أقتلني يادم...أقتلني...
الدم:أبدا فالتاريخ هو من سيحاكمك يا خنجر...
الخنجر:لا تتركني للتاريخ،لا تتركني لحكم التاريخ...
الدم:سترضخ له ولحكمه رغما عن أنفك...
الخنجر:أبدا لن يحدث...أنا الخنجر أنا القوة..أنا الفتوة ولن يطالني حكم التاريخ أبدا...
يطعن الخنجر نفسه طعنات مميتة ويخر على الأرض صريعا لا حراك...
الدم:فررت من التاريخ فوقعت في حكمه رغم إستبدادك ها أنت منتحر مهزوم منكسر...
يقف الدم ويخطو خطوات إلى الأمام،فيما ترتفع معزوفة نينوى معلنة عودة الدم،ويسدل الستار....

salam
06-10-2007, 15:00
بارك الله فيك أخي

قابض على الجمر
12-10-2007, 16:57
بارك الله فيك أخي

عادل بومهدي
16-10-2007, 17:10
[بداية السلام عليكم شكرا لكما شكرا لتواصلكم مع موضوعي هذا.

أشرف
24-12-2007, 19:22
بارك الله فيك

مشكور على النص المسرحي