مشاهدة النسخة كاملة : جماعة العدل والإحسان بين مسلك الشكر وضابط الواقعية



anass
19-04-2005, 19:40
إن الحديث عن موعود الخلافة الثانية على منهاج النبوة بدأ بالنسبة لجماعة العدل والإحسان منذ الانطلاقة الأولى التي دشنها الأستاذ عبد السلام ياسين المرشد العام للجماعة، من خلال تحركه و جولاته في البلاد، سعيا لتوحيد كلمة الناس ولم شتاتهم، بدأ منذ أن بعث برسالة "الإسلام أو الطوفان" إلى الملك الراحل.. منذ ذلك الحين لاحت علامات قرب تحقيق موعود الله لهذه الأمة، كان حفظ الله في البدء.." فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين" حفظ وتأييد صاحب الرجل ودعوته التي تحقق لها الانتشار في آجال قياسية لو اعتبرت أمامها الجهود المبذولة لرجحت كفة توفيق الله ونصره وتثبيته.
مرت جماعة العدل والإحسان بمراحل مختلفة عرفت خلالها تطورا مطردا، وكان عبورها من مرحلة إلى أخرى يطبعه في كثير من الأحيان حدث تاريخي بارز وكبير يكون بمثابة إعلان عن انتهاء عهد ومنطق وأسلوب في تدبير العمل أو استنفاذ الوسع فيه والحاجة منه، وبداية عصر ونمط وتوجه جديد في تسيير الأمور ومعالجتها، وولوج واجهة أخرى بكل مقتضياتها ومتطلباتها.. طبعا دائما في انسجام لا ينقطع ووفاء تام لتصورها العام.
كنا وما زلنا في جماعة العدل والإحسان نعتقد بيقين بأننا نقطع في كل مرحلة دربا من دروب السعي نحو الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فهذا المطلب الوسيلةُ لا نرى أنه سيكون حدثا معزولا منفصلا مباغتا، ليس له أول ولا بداية أو بدون مظاهر وعلامات تدل عليه وتشير إليه، إنما هو عمل وجهاد وتعبئة وبذل وعطاء وسير طويل ندرك تحدياته ونعي مستلزماته ونقدر عبئه.. هذا كله مع إقرار صادق بأن الله تعالى قد وسع علينا وطوى لنا المراحل فلزم شكره والوقوف عند بابه نسأله الزيادة.
لهذا فالجماعة في منهاجها تجمع بين أمرين اثنين، بهما تسعى وتحاول بلوغ ما ترنو إليه من تغيير لواقع المغرب وحال الأمة، حتى يفرغ العباد لما هو أسمى وأبقى، وهو التنعم بحقهم المقدس الذي لا يتحدث عنه أحد ولا تشكل له اللجان أو تؤسس لأجله الجمعيات والهيئات.. الحق في معرفة الله وعبادة الله. الجماعة إذن تستحضر في عملها وجهادها وتعبئتها عنصرين أساسيين محوريين وعميقين، لا يستقيم في تصورها أي مجهود في غيابهما، وهما مسلك الشكر وضابط الواقعية.
فالأول علاقة ينبغي أن تترسخ بين المخلوق وخالقه، وهو عبادة وصلة دائمة موصولة ثابتة تستشعرها الجماعة وتؤمن بها وتتمثلها في المنشط والمكره، في الحال والمآل، في الشدة والرخاء، تربية وتنظيما وزحفا وتمكينا واستخلافا..
والعنصر الثاني ناموس كوني وسنة إلهية، نكون مجرد حالمين متمنين على الله الأماني إن نحن تجاهلنا حضوره وضغطه ولَفْحَهُ..

مسلك الشكر:
ذكر لفظ الشكر في القرآن في سياقات عدة في ما يقارب ثلاثين سورة، وقد قرنه الله سبحانه وتعالى بالذكر، كما جاء في "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، حيث قال جل وعلا : "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" ولعلو رتبة الشكر طعن إبليس اللعين في الخلق فقال : "ولا تجد أكثرهم شاكرين" وقال تعالى في إحدى عشرة آية في القرآن مبينا بأن عباده الشاكرين قليل "وقليل من عبادي الشكور" وقد قطع الله تعالى بالمزيد مع الشكر ولم يستثن فقال تعالى : "لئن شكرتم لأزيدنكم" والشكر خلق من أخلاق الربوبية إذ قال تعالى : "والله شكور حليم".
مسلك الشكر أهله قلة والسعيد من يكون منهم ومعهم، وقد بين ذلك الله تعالى كما سبق ولم يذكر الشاكرين بالكثرة إلا على لسان إبليس في قوله تعالى : "ولا تجد أكثرهم شاكرين".
والسبب الصارف للخلق عن الشكر يجعله الإمام الغزالي في أمرين : "الجهل والغفلة اللذان منع الخلق بهما عن معرفة النعم ولا يتصور شكر النعمة إلا بعد معرفتها، ومعنى الشكر أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله".
"والناس بجهلهم لا يعُدون ما يعم الخلق نعمة، وسار شكر الناس للمنعم موقوفا على أن تسلب عنهم النعمة ثم ترد عليهم في بعض الأحوال، والنعمة في جميع الأحوال أولى بأن تشكر في بعضها، فلا ترى البصير يشكر بصره إلا أن تعمى عينيه".
وما ينبغي أن تعالج به القلوب البعيدة عن الشكر أن تعرف أن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم تعد، ولذلك كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول : "عليكم بملازمة الشكر على النعم فَقَل نعمة زالت عن قوم فعادت عليهم".
فالشكر نعمة تقتضي زيادة شكر وحمد وثناء على المنعم الوهاب الشكور، فلولا توفيق الله ما شكر شاكر ولا حمد عبد. الشكر ينبغي أن يكون خلقا وأدبا ملازما للعبد تجاه ربه جل وعلا في كل شانه.
"مهما كان فالمسيرة بدأت، مهما كانت الرحلة طويلة فالقافلة تحركت. وما الصحوة الإسلامية ومضة برق خُلبٍ نعوذ بالله. ما هي حديث خرافة نرجو الله وما النصر إلا من عند الله".
المسيرة بدأت يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب "محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى" أفلا نشكر الله كي يزيد وينعم ؟ القافلة تحركت.. أفلا نحمده تعالى ونثني عليه ونسأله أن ينصر ويؤيد ويحفظ ويتعهد ؟
لن تشغلنا إن شاء الله النعمة عن المنعم، ولن ينسينا طلب الزيادة ما بأيدينا من خيره وفضله وإنعامه وكريم عطائه، فالشكر واجب دائم وطلب الزيادة أمر لازم.
ما حققه الله تعلى لجماعة العدل والإحسان، ومن خلالها للشعب المغربي خير عظيم لا يدركه إلا من خبر الفرق بين الأمس واليوم، ما يستعجله النظام من إصلاحات هنا وهناك، ويصرف عليها من مال الشعب الشيء الكثير، هو في جزئه الكبير محاولة لقطع الطريق على الجماعة وسحب البساط من تحت أقدامها حتى لا يبقى لها، في زعمهم، مبرر لمطالبها ناسين بأن مطالب الجماعة أو مطلبها الأساسي هو ضمان حق كل المغاربة في معرفة ربهم وتحقيق العبودية الكاملة له، وهذا الحق لابد له من دعامات وأساس وهو العدل في كل شيء.
الجماعة شاكرة لأنعم الله وإفضاله، وهي تدرك قيمة ما فتح الله به لها وقدر ما أغدقه عليها من نعم وعطايا وتكاد تعجز عن حصرها ذكرا والتحدث بها شكرا.
جماعة العدل والإحسان بدأت بدعوة رجل واحد، ثم اجتمع حوله بضعة رجال فتكونت الأسرة ثم صارت الأسرة شعبة، فجهة وأقاليم..وهاهي اليوم تنتشر بحمد الله في كل ربوع بلدنا الحبيب، في مدنه وحواضره، في قراه ومدا شره، بل لقد تخطت حدود المغرب لتستقر وتسكن قلوب ووجدان وعقول المغاربة وغير المغاربة في الخارج.
فأنعم بها من نعمة وأكرم به من عطاء حق له سبحانه من الجماعة دوام الشكر والثناء.

ضابط الواقعية:
"المسيرة طويلة والعقبة كأداء، والاقتحام يطلب قوة الإيمان، وشدة المراس والثبات على الصراط المستقيم...إننا نعيش في آخر عهد الضلالات الفتنوية إن شاء الله تعالى. لكننا لا نزال في خضمها. وأكثر ما يستفحل لهب الشمعة قبيل انطفائها. وأكثر ما تشتد الجاهلية (الاستكبار العالمي) على الإسلام قبيل بزوغ شمس الهداية والنصر. الجدل، وعوامل الاستخفاف، والضربات المتتالية من العدو والأخ. فصبر جميل والله المستعان" المنهاج النبوي ط.2 / 89 ص 290- 291.

كلام شامل جامع للمرشد عبد السلام ياسين في كتاب "المنهاج النبوي" يوجه صف المومنين في جماعة العدل والإحسان، وكل مؤمن وفاضل يطمح إلى تغيير ما بالأمة إلى التبصر بما ينتظرنا من مهام وما يعترض سيرنا من تحديات وخطوب.
نعم النصر آت لا محالة، وتأييد الله الهادي ظاهر وبادي، لكن لابد من اعتبار لما يروج ويموج في الساحة، لابد من إعداد واستعداد، لابد من استنهاض وتعبئة للشعب.
أمامنا وأمام الشعب عقبات وأشواك، مرض، فقر، أمية، تشتت، تبعية، احتكار ونهب لثرواتنا، انفجار سكاني، تربص العدو الخارجي بأمننا واستقرارنا واستقلالنا..
فكيف نطمح ونتطلع إلى غد مشرق تتلاشى فيه كل هذه المظاهر وهذه الأمراض دون أن نؤدي الثمن، ودون أن نقدم البرهان والدليل على صدقنا في طلب المعالي والعزة لهذه الأمة ؟
مطلب القيادة والسيادة على الأمم بالعدل والإحسان ليس برغبة التفوق والقهر، دونه بذل المهج وإنفاق الوقت والمال والجهد، فالأمر لا يأتي هكذا قفزا سريعا ولا طيا يسيرا كما تطوى صفحات الكتاب. إنما الأمر جهاد وعطاء لا ينضبان.
"وما بين التأملات الهوائية، والأحلام العذبة وبين اقتحام مجال الواقع، والتوغل فيه، وتغييره أن يوجد عاملان حاسمان :
أ- رجال منظمون أقوياء أمناء عازمون.
ب- ثم وسائل مادية تجسد الإرادة، والقوة المعنوية في مشروع يتحرك، روح وجسد.
والروح المحلقة في سماء التأملات لا مكان لها بين الحقائق الصلبة على الأرض، إن لم تلبس درعا يقيها غوائل البيئة الأرضية، ولم تتسلح بالوسائل الأرضية... نعم القولة الشعار – إيماننا سلاحنا – لكن إيمانا بدون وسائل أحرى أن يبقى معنى لطيفا يصلح للتأمل لا لمعاناة صخور الواقع..." المنهاج النبوي ص 387.
منذ بداية ما سمي بـ"التناوب التوافقي" في المغرب ونحن نسمع من مناضلي الأمس شركاء الحكم اليوم، كلاما عن " الإكراهات وجيوب مقاومة وعرقلة التغيير و الإصلاح والتنمية.. " وجعلوا من هذا الواقع مبررا و مشجبا يعلقون عليه كل إخفاقا تهم ومظاهر فشلهم وإحباطهم. وهذا المبرر حاضر بالتأكيد، فالذين يعرقلون مشاريع حكامنا هم أترابهم وفريق منهم، هم أمثالهم و فصيل ينتمي إلى دوحتهم، ليسوا من الجبهة المقابلة، جبهة المنسيين المحرومين من أبناء هذا الوطن الحبيب.
لكن السؤال ليس هنا، بل السؤال هو ماذا وضح الحكام الجدد للشعب كي ينهض إلى دعم" تجربة الإصلاح" ؟ أين هي براهين صدقهم في التوجه بالمغرب إلى غذ أفضل ؟ أين هو عطاؤهم وبذلهم وتقشفهم وتَخَليهم عن حُظْواتهم وعاداتهم السيئة في التبذير من المال العام على أنفسهم وذراريهم والتقتير على أبناء الشعب ؟
مشروعك فاشل إن لم تجعل له وضوح الرؤية وجلاء القصد عنوانا، وطول النفس وعطاء اليد برهانا.
فماذا أعددت لغد الإسلام وقد هلت بشائره ؟ ما هو برنامجك اليومي تنفع به الناس بعد الذي يقربك إلى ربك وفي كليهما قربة وعبادة ؟ كيف ستأتي على صرح الظلم والجهل والأمية والفقر والتبعية.. تهده وتقيم على أنقاضه صرح العدل و المعرفة والاستقلال السياسي والاقتصادي..؟ ماهي عدتك ؟ وما هو رهطك ؟ما هي تحالفاتك ؟ وما هو رصيدك ؟
هذا ما ينتظرني وينتظرك في الغد القريب، هذا منطق الواقع تضبط به عقارب آمالك وسَبْحَ أحلامك.
فلا تَقْعِدنك هجمة الغيب ببشائر النصر والتمكين لعباد الله الصالحين، عن السعي إلى موافقة قدر الله بما يوفقك إليه وينسبه إليك من إتيان لأسباب وشروط العزة والتأييد.. والعاقبة للمتقين.
"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير* تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب * لا يتخذ المومنون الكافرين أولياء من دون المومنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير" الآيات 26 –27 – 28 من سورة آل عمران.

المختار
20-04-2005, 01:31
بارك الله في منقولك اخي الكريم موضوع قيم جعله الله في الميزان المقبول

anass
20-04-2005, 14:35
امين أخي الكريم

hassan_1677
20-04-2005, 22:50
الله قدرنا على الشكر.