مشاهدة النسخة كاملة : رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة



krit01
16-11-2007, 15:08
وأجمـع أهل الحق، واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله -تعالى- يُرى في الآخـرة، كما جـاء في كتابه، وصح عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -عز وجل- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .

وروى جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كنا جلوسًا ليلة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال: إنكم سترون ربكم -عز وجل- كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبـوا على صـلاة قبـل طلـوع الشمس وقبل غروبها فافعلـوا، ثم قـرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وفي رواية: سترون ربكم عيانًا .





نعم انتقل المؤلف -رحمه الله- إثبات صفة الرؤية، وصفة الرؤية من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدعة، وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدعة، وقلت لكم: إن هذه الصفات مثل صفة العلو وصفة الرؤية وصفة الكلام، هذه الصفات الثلاث اشتد في هذا النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع، وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدع، صفة العلو صفة الكلام صفة الرؤية هذه الثلاث ينكرها الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، الأشاعرة يثبتون الرؤية لكن ما يثبتونها على وجهها يثبتونها في غير جهة، الأشاعرة يقولون: إن الله يرى لكن من أين يرى؟ من فوق؟ يقولون: لأ، من تحت؟ لأ، أمام؟ لأ، خلف؟ لأ، يمين؟ لأ، شمال؟ لأ، أين يرى؟ لا في جهة هل هذا معقول؟ لا يعقل؛ ولهذا أنكر جمهور العقلاء على الأشاعرة، وضحكوا منهم وقالوا: كيف تثبتون الرؤية بدون مقابل؟ ما في رؤية إلا مقابلة الرؤية، لا بد لها من مقابلة للمرئي، فكيف تثبتون الرؤية ولا تثبتون المقابلة، قالوا: هذا باطل بداهة، العقول تنكر هذا؛ لأن الأشاعرة الآن مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، هم يريدون أن يكونوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية، ويريدون أن يكونوا مع المعتزلة في نفي الجهة ونفي العلو فلم يستطيعوا، فأثبتوا الرؤية ونفوا العلو .

ولهذا ألزمهم سلط عليهم المعتزلة وألزموهم قالوا: أنتم الآن مذهبكم مذبذب غير معقول غير متصور، فأنتم بين أحد أمرين، فإما أن تثبتوا العلو مع الرؤية فتكونوا أعداء لنا مثل أهل السنة، وإما أن تنفوا الرؤية فتكونوا أصحاب لنا فتكونوا معنا، أما أن تكونوا هكذا مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، هذا غير معقول وغير متصور، وكذلك الكلام أثبته الأشاعرة لكن ما أثبتوه على وجهه، الكلام يقولون هو معنى قائم بالنفس، مثل العلم ما في حرف ولا صوت الكلام في نفسه كما أن العلم في نفسه فالكلام في نفسه، كيف تكلم؟ كيف يعرف الكلام؟ قالوا: اضطر جبريل اضطرارا، ففهم المعنى القائم بنفسه فتكلم بهذا القرآن، هذا الكلام كلام جبريل، اضطره الله اضطرارا ففهم ما في نفسه فعبر عنه، جعل الله أخرس نعوذ بالله .

ومنهم من قال الذي عبر عنه محمد -صلى الله عليه وسلم- لا جبريل، ومنهم من قال: أخذه جبريل من اللوح المحفوظ، إذن ما أثبتوا الكلام على وجهه، والعلو أنكروه، بهذا يتبين أن الرؤية ما أثبتها هؤلاء الطوائف الثلاث الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فإنها العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدعة، أجمع عليها أهل السنة؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: وأجمـع أهل الحق، واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله -تعالى- يُرى في الآخـرة، قال -رحمه الله-: وأجمـع أهل الحق، واتفق أهل التوحيد والصدق وهم أهل السنة والجماعة، وهم الصحابة وهم الرسل والصحابة والتابعون والأئمة وأتباعهم ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة إلى يوم القيامة، اتفقوا على إثبات الرؤية أهل الحق، وخالفهم أهل الباطل وأجمـع أهل الحق، واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله -تعالى- يُرى في الآخـرة، كما جـاء في كتابه، وصح عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- .

أما الكتاب استدل المؤلف -رحمه الله- بقول الله -عز وجل-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ بالضاد أخت الصاد من النضرة والبهاء والحسن إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ بالظاء أخت الطاء إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ يعني: تنظر إلى ربها فالمراد بها تنظر إلى ربها بأبصارها، ووجه الدلالة أن الله أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله، وعداه بأداة إلى الصريحة في نظر العين، وأخلاه من قرينة تدل على خلاف موضوعه وحقيقته، فدل على أن المراد بها النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب -سبحانه- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .

المؤلف -رحمه الله- اقتصر على آية، وهناك أدلة أخرى تدل من القرآن غير الآية هذه، مثل قوله تعالى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ جاء في تفسير المزيد أنه النظر إلى وجه الله الكريم، وقوله سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ جاء تفسيرها في صحيح مسلم بأن الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم.

وقوله سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ يعني: الكفار قال الشافعي -رحمه الله-: فلما انحجب هؤلاء بالسخط دل على أن أولياءه يرونه في الرضا وإلا لو كان المؤمنون لا يرونه لتساوى الأعداء والأولياء! فلما حجب الله الأعداء عن الرؤية، دل على أن الأولياء يرونه ولو كان المؤمنون لا يرونه لتساووا هم والأعداء في الحجب ولكن الله حجب الكفرة، فدل على أن المؤمنين يرونه لا يحجبون كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ الآية فيها إثبات الرؤية للمؤمنين، المؤلف اقتصر على آية واحدة .

وأما الأحاديث فهي متواترة، كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- قال: إن الأحاديث متواترة، رواها من الصحابة نحو ثلاثين نفسا في الصحاح والسنن والمسانيد، فهي متواترة، ومن ذلك ما استدل به المؤلف -رحمه الله- حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته الحديث راوه البخاري في كتاب التوحيد، ورواه ابن خزيمة أيضا في كتاب التوحيد، ورواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة وفيه أن المؤمنين يرون ربهم كرؤيتهم للقمر، وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيها للمرئي بالمرئي .

والمعنى أنكم ترون ربكم رؤية واضحة، كما ترون القمر ليلة البدر رؤية واضحة، وليس المراد تشبيه الله بالقمر، الله -تعالى- لا يشبه أحدا من خلقه، بل المراد تشبيه الرؤية بالرؤية كما يقول العلماء: الحديث فيه تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، وقوله: " لا تضامُون " يروى بالتخفيف أي: لا يلحقكم ضيم في رؤيته، كما يلحق الناس عند رؤية الشيء، فإنهم قد يلحقهم ضيم في طلب رؤيته، وقيل: " لا تضامُّون" بالتشديد أي: لا يضم بعضكم إلى بعض.

أما الأشاعرة الذين أنكروا العلو ففسروه بما ينسجم مع مذهبهم القائل بنفي العلو مع إثبات الرؤية، هذه فسروا تضامون بالتشديد؛ لأن معناه لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة أي: لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض، وأنكم ترونه في جهاتكم كلها، وهو يتعالى عن الجهة، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإن استطعتم أن لا تغلبوا وجاء في أحاديث كثيرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وفي بعضها: أنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب من حديث أبي هريرة وغيره .

فالأحاديث صريحة في هذا، ومع صراحتها أنكرها أهل البدع، وفي الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ما هي؟ صلاة الفجر وقبل غروبها؟ صلاة العصر .

ثم قرأ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صلاة الفجر وصلاة العصر، فيه الحث على العناية بهاتين الصلاتين بزيادة العناية مع بقية الصلوات، وفيه دليل أن المحافظة على هاتين الصلاتين من أسباب رؤية الله في الجنة؛ ولهذا لما أخبر النبي بالرؤية قال: فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، فافعلوا فإن ذلك من أسباب رؤية الله -عز وجل-، وفي رواية سترون ربكم عيانا يعني: معاينة مواجهة، نعم .