مشاهدة النسخة كاملة : جميعا من أجل الخلاص



MALIKA B
12-12-2007, 14:46
جميعا من أجل الخلاص


في دورته الثانية عشرة، بتاريخ 08-09 دجنبر 2007، صادق المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان على وثيقة هامة بعنوان: "جميعا من أجل الخلاص".http://www.maktoobblog.com/userFiles/a/y/aymano2005/images/maqdes12200703.jpg
فيما يلي النص الكامل للوثيقة:

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه

جميعا من أجل الخلاص




اكتمل في الأشهر الأخيرة من السنة التي نودع (2007) مسلسل المأساة الملهاة التي أجبر الشعب المغربي على أن يتفرج عليها، بل أن يساهم جزء منه في لعب بعض أدوارها على خشبة الإفلاس السياسي.
إن يوم 07/09/2007 وما سبقه وما لحقه علامة من العلامات البارزة في تاريخ الخراب السياسي الذي تعيشه البلاد منذ عقود طويلة، حيث أثبتت انتخابات شتنبر المعلومة وما تلاها من فصول غير مُشَوِّقَةٍ وغير مُشَرِّفَة لتشكيل الحكومة أن الوضع في البلاد لا يزداد على مر الشهور والسنين إلا ترديا وانحطاطا، وأن الهوة بين الشعب وبين الحاكمين لا تزداد إلا اتساعا وانسحاقا. حوالي 80% من المواطنين عبَّروا عن رفضهم للَّعِبِ.
لقد اتضح الأمر بكل قتامته للجميع في الداخل والخارج: لأصحاب القرار، وللجماهير المغلوبة على أمرها، ولقواها وضمائرها الحية، و"للفاعلين السياسيين". وكم يؤسفنا أن نضع هؤلاء الفاعلين بين مزدوجتين، لا تشفيا ولا ازدراء، لكن لنحاول أن نصف بعض جوانب الحقيقة المرة التي تَكََشَّفَتْ في أبشع الصور: فلا فاعلية ولا سياسة، وإنما هو الاستبداد المطلق إلى أن يشاء الله رب العزة والقدرة فيمُنَّ على من يشاء باستعادة الرجولة والإباء -وما أحوج الأمة إليهما في ليلها الذي طال- وبالعودة إلى هذا الشعب المقهور المهان. ولا عودة للخلق ترجى إلا بتوبة للخالق سبحانه! هل هو كلام الواعظين المنقطعين عن الأرض؟ كلا ! إنه كلام من لا ييأسون من روح الله مهما تَلَبَّدَت السماء بالغيوم السوداء، ومهما استغشى البعض ثياب الكبرياء.
ولعل مما يذكي هذا الأمل وهذا الرجاء المراجعات التي تلت تلك الانتخابات من قبل بعض من أحسنوا الظن فحسبوا اللعبة جدًّا حتى حَصْحَص الحق. عودة للصواب نرجوها للجميع.



إن جماعة العدل والإحسان تتوجه في هذه الظروف بهذه الرسالة إلى الشعب المغربي المسلم وإلى مختلف قواه الحية، ترسيخا لمبدأ الجماعة في الصدق والوضوح والصدع بالحق مهما كانت تبعاته -لأن من ديننا أن نقول كلمة الحق لا تأخذنا في الله لومة لائم- و تحديدا مباشرا للمسؤوليات فيما جرى ويجري، وتسليطا للأضواء على بؤر الانحرافات الكبرى التي تنخر كيان هذا الوطن، وتريد أن تهده هدا، وتأكيدا على المطالب المشروعة ليعيش أبناء وبنات هذا البلد الحبيب في كفاف وأمن وكرامة.
إن الصراحة والوضوح مع الجميع مما منَّ به الله عز وجل على جماعة العدل والإحسان طوال مسيرتها، فله الحمد والشكر. ففي كل عشرية من العشريات الثلاث الماضية، كانت كلمة الحق تعلو لتقول بجلاء وصدق أين الخلل وتقترح بقوة ومسؤولية الحل: الإسلام أو الطوفان، رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام، مذكرة إلى من يهمه الأمر.
وإنه لمن المؤسف حقا أن نتحدث عن الوضع المأساوي لهذا البلد بعد أكثر من نصف قرن من الجلاء العسكري للمستعمر، بعد حرب تحريرية قادها الشعب المغربي المسلم المجاهد، وسالت خلالها دماء طيبة زكية لا تزال الأطراف المختلفة لأرض المغرب المباركة شاهدة عليها. رحم الله شهداءنا الأبرار وأسكنهم فسيح الجنان. بعد أكثر من نصف قرن من الترقب والتطلع والأمل، يتحول المغرب الآن إلى قاعة انتظار كبرى مفتوحة على المجهول نتيجة أخطاء فادحة وخطايا كارثية يتحمل النظام المخزني المسؤولية المباشرة عنها، لأنه كان ولا يزال المستفرد الوحيد والحقيقي بالسلطة في هذا البلد، ولم تكن الحكومات المتعاقبة إلا بمثابة لجان تصريف أعمال تأتمر وتنفذ.



نتيجة للجشع الاقتصادي لأركان النظام، ولعدم حرصه أصلا على إرساء تنمية اقتصادية حقيقية، بقي المغرب غارقا في التخلف بناتج داخلي خام ضعيف لا يتجاوز 50 مليار دولار (تزيده ضعفاً وضحالة أعباءُ الدين الخارجي الجاثم على البلاد والعباد خاصة بعد تقليص النفقات)، ولا يتناسب إطلاقا مع الموقع الاستراتيجي للبلد، ولا مع قدراتنا البشرية والفلاحية، والبحرية والصناعية، والمعدنية والسياحية. مع العلم أن نسبة النمو لهذا الناتج لم تتجاوز 3.81% طيلة الأربعين سنة الأخيرة، وهي دون معدل النمو في الدول النامية في الفترة نفسها (4.47%). وتجدر الإشارة إلى أن نسبة النمو عرفت تراجعا ملحوظا منذ سنة 1999 وسجلت 3.33% (معدل الدول النامية في نفس الفترة 5.35%)، والمغرب في كل هذا أقل من دول غير بترولية كتونس ومصر والأردن وتركيا.
أما المقارنة مع جارتنا إسبانيا – وهي مقارنة مشروعة نظرا للتشابه في الظروف والقدرات والموقع- فيوضح بكل جلاء عقم التجربة السياسية المغربية وانتكاستها. فهذا بلد على مرمى حجر منا انطلق من ظروف أسوء من ظروفنا نظرا للحرب الأهلية التي خلفت 400 ألف قتيل ودمارا كبيرا في نهاية الثلاثينات، لكنها لملمت جراحاتها وانطلقت متواضعة سنة 1956 ثم سنة 1975 بعد إقرار النظام الديمقراطي، لتسجل اليوم ناتجا داخليا خاما يفوق 1100 مليار دولار، مع نسبة تعليم تجاوزت 98%، في حين تعرف بلادنا نسبة تَعَلُّم تقل عن النصف.



التعليم! آه ثم آه! إنه لكرب شديد أن نتحدث عن التعليم في بلادنا، وإن الأرقام والإحصاءات في هذا المجال لتنذر بمستقبل قاتم رغم الدعاوي العريضة بالإصلاح، ورغم الوعود التي لم تتوقف منذ أزيد من خمسين سنة إلى أن وصلنا إلى دركة غير مسبوقة بشهادة كل المسؤولين من أعلى هرم السلطة إلى كل درجات سلم المنفذين. والواقع أكبر من الأرقام وأفصح من كل شاهد.
إن مأساة التعليم بالمغرب أشبه ما تكون بحرب شرسة تشن على أعز وأغلى ما تمتلكه الأمم، الأطفال والشباب: انقطاع عن الدراسة بنسب مرعبة في التعليم الابتدائي والثانوي، اكتظاظ أفقد العملية التعليمية كل طعم إلا طعم المرارة، بيع للمؤسسات التعليمية، نقص كبير في الأطر بكل الأسلاك مدرسين وإداريين وموظفين وأعوانا، في الوقت الذي توزع فيه العصا بالسخاء المخزني المعهود على الأطر المعطلة، رغم اشتداد الحاجة لكفاءاتهم وقدراتهم بعد نزيف لم يتوقف في أطر الأمة نتيجة هجرة أدمغة ممتازة.
ولم ينج التعليم الخصوصي من هذا الوباء، رغم نسبة مشاركته الضعيفة (6%) التي تبتعد كثيرا عن نسبة 20% التي خطط لها. أضف إلى ذلك الأوبئة الخاصة بتعليمنا الخاص.
أما التعليم العالي فبعد أن بحت حناجر الأساتذة والطلبة منددة طيلة سنوات بما سمي بالإصلاح، اعترف المسؤولون أخيرا بفشل هذا الإصلاح، وبالضعف الكبير في نسبة التأطير في عدد من المؤسسات الجامعية.
والأخطر من كل ما سبق الانهيار الخطير للمستوى التعليمي والخلقي للتلميذ في كل الأسلاك، إلا زهرات قليلة لا تملك إلا أن تذبل وسط أمواج من الشباب والأطفال أحالتهم سياسة القلوب والعقول المتحجرة إلى حطام بشري. كان الله لكم بناتنا وأبناءنا الأعزاء! وكان الله لآبائكم وأمهاتكم وأمتكم! لو خرج الشعب كله في صعيد واحد يشكو ويجأر لهذه الكارثة الوطنية ما وَفَّى الأمرَ بعضَ حقه. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يغذي كُلَّ ذلك الشحُّ الكبيرُ في الإنفاق على هذا القطاع الاستراتيجي الباني للمعرفة وللأطر والكفاءات والطاقات الوطنية الفاعلة في كل مشروع نهضوي، في الوقت الذي تنفق فيه الملايير بكل سخاء في مجالات تافهة كبروتوكولات الزيارات الاستعراضية / الفولكلورية وما يرتبط بها من نفقات باهظة في الإعداد، وفي التنقل والإقامة والإطعام والتعويضات، نفقات تتجاوز أحيانا كثيرة قيمة المشاريع التي تشد إليها الرحال.
إضافة إلى الملايير التي تصرف بلا حساب ولا محاسبة من أموال الشعب وضرائبه في كل مناسبة يحلو فيها للمسؤولين إلهاء المغاربة وإيهامهم بأن بلدهم أصبح قِبْلَة للدنيا: الترشيحات الثلاثة لتنظيم كأس العالم، ترشيح طنجة لتنظيم المعرض التجاري الدولي... لا أحد من المسؤولين تفَضَّل ليطلعنا على ما صرف حتى يتسنى لنا -ولو من باب الأسى والألم- أن نعلم كم كان بمقدور تلك الملايير المهدرة أن توظف من معطل يعزز أسلاك التعليم أو غيره، وكم كنا سنبني -تمنيا وتخـيُّلاً- من مدرسة أو مستوصف أو مسكن أو مصنع...



ولمأساة التعليم بُنَيَّاتٌ. تشغيل الأطفال ذكورا وإناثا من الظواهر الخطيرة التي ترتبنا في أسفل السلم مع المجتمعات المتخلفة. فالإحصاءات الرسمية تنبئ بحقائق مخيفة: أزيد من 30% من الأطفال يشتغلون ما بين 7 سنوات و 17 سنة. و 90% من هؤلاء المشغلين لهم من العمر ما بين 10 و 14 سنة. وإذا كان مدّ ُ الهدر المدرسي يغذي هذه الفاجعة (400.000 منقطع في سنة واحدة، اضربها في عشر سنوات مثلا) فإن الصورة تزداد سوداوية إذا علمنا أن 30% من الأطفال المشغلين لم تر أعينهم سبورة قط.
عن أي تشغيل نتحدث؟ تقول الأرقام الحكومية: 31% منهم يشتغلون بدون مقابل و 53% تبتعد "أجورهم" عن الحد الأدنى بكثير وما أدراك ما الحد الأدنى؟ أما الحديث عن التغطية الصحية والتغذية والوقاية فحديث خرافة. أضف إلى ذلك الأرقام التي تحدثنا عن عزلة نسبة مرتفعة جداً من هؤلاء الأبرياء،وما يتعرض له آخرون من عنف بكل أشكاله وبأبشع ألوانه.
وأخرى أشد وأنكى. هذه الجحافل من الأطفال المشردين الذين أصبحوا يؤرقون كل من له أدنى حس أو أبسط تطلع لمستقبل البلاد: شرود خطير، وانحراف أخطر، وإجرام لا يتوقف.
وثالثة الأثافي المخدرات في صفوف أطفالنا وشبابنا، ذكورا وإناثا، في صفوف المتمدرسين وغيرهم. لقد أصبحت السلع القاتلة رائجة على أبواب المؤسسات التعليمية التي أصبحت أسواقا ومراتع خصبة للأمراض النفسية والعقلية والأوبئة الخلقية المرتبطة بهذه الآفة.



ويزداد الوضع تعقيدا في المغرب بحكم أن النظام المخزني المغربي ليس طرفا سياسيا رئيسيا مباشرا في الأزمة بل هو أيضا وبنفس الدرجة طرف اقتصادي رئيسي في معاناة هذا الشعب بتصرفه الغامض في ثروة وطنية كبيرة وفي دخوله (عبر شركات أخطبوطية معروفة منها أونا...) في معاملات اقتصادية تستحوذ على أغلب القطاعات الإستراتيجية في هذا المجال ومنها الصناعات الغذائية الأساسية والتأمينات والتوزيع والقطاعات المنجمية والمالية. ويحقق من خلالها أرباحا خيالية تتجاوز 10% من الناتج الداخلي للبلد، بمعنى أنها تتجاوز خمسة ملايير دولار أي أكثر من أربعة آلاف مليار سنتيم، في نفس الوقت الذي تشهد فيه هذه المواد الغذائية غلاء متصاعدا غير مسبوق وغير خاضع لأية معايير أو تنظيم، ويسحق الفئات الشعبية الضعيفة الدخل وحتى المتوسطة منها سحقا لا مكان فيه للشفقة أو الرحمة!
بل إن الفاعلين الاقتصاديين غير الدائرين في فلك المؤسسات الاقتصادية المخزنية وجدوا أنفسهم محاصرين في أكثر من موقع استثماري وفي أكثر من سوق نتيجة المنافسة غير المتكافئة وغير الشريفة بين الطرفين، مما أثر سلبا على الحركية الاقتصادية التنافسية التي لو كانت تجري في أجواء من العدل والحرية وتكافؤ الفرص لكان لها آثار إيجابية واضحة على الاقتصاد الوطني وعلى دخل الفئات الاجتماعية المتضررة.
إن الجمع بين دخل الأسرة الملكية من الاقتصاد الوطني وبين ثروتها داخل المغرب وخارجه والمتوقعة في حدها الأدنى تجعل ما تتصرف فيه هذه الأسرة من مال الشعب العام يشكل أكثر من 20% من الناتج الداخلي الخام أي أكثر من خمس الثروة الوطنية. وهذه من أغرب النسب على الإطلاق التي تعرفها دولة فوق هذه الكرة الأرضية.
ولذلك وفي هذا الوضع الذي يتميز بالجشع الاقتصادي وبإطلاق اليد الطولى المصحوبة بالغموض في التصرف في الاقتصاد الوطني واقترانه بالسلطة السياسية المستبدة، لا عجب أن يصل المغرب إلى الباب المسدود وأن يخيم الركود على السوق الاقتصادية الوطنية مقارنة مع مثيلاتها في دول ذات وضعيات مشابهة، وأن تجد أفواجا من العاطلين تجاوز عددهم مليونا ونصف مليون ثلثهم حملة شهادات عليا يجلد المطالبون منهم بالشغل على مدار السنة أمام المؤسسات التمثيلية في العاصمة وفي مختلف المدن المغربية، مع العلم أن أكثر من 30% من السكان النشطين المشتغلين يعتبرون مساعدين عائليين لذويهم (غير مأجورين) في قطاعات اقتصادية مختلفة.



وبسبب هذه الاحتقانات الاجتماعية، يغامر شبابنا المغربي عبر قوارب الموت محاولا عبور البحر إلى الضفة الأخرى في عمليات مأساوية مستمرة لسنوات خلفت آلاف القتلى لا بَواكي لهم، وفي استنزاف مستمر لزهرة عمر الأمة، الطاقة الشبابية، وسط لا مبالاة رسمية غريبة وكأن الأمر لا يتعلق بآدميين قبل أن يكونوا مغاربة لهم كل الحق أن يعيشوا في بلدهم بكرامة وشغل شريف.
ومع هجرة الشباب بهذه الطريقة تضاف مأساة أخرى لا تقل فظاعة عما ذكر، ويتعلق الأمر بتهجير الأعراض المغربية عبر شبكة من العصابات تتحرك بكل حرية وتتاجر في تهريب الفتيات المغربيات لكل أنحاء العالم لممارسة الدعارة بما في ذلك تصدير بنات المسلمين للصهاينة الغاصبين في فلسطين العزَّة والإباء.
ويتزامن ذلك مع حملة في الداخل لم يسبق لها مثيل في تاريخ المغرب من نشر للفساد والعمل الحثيث من أجل التطبيع مع الفاحشة على نطاق واسع، خصوصا في مدينتي مراكش وأكادير القلاع التاريخية للعلم والرباط والعفة، حيث تحولتا إلى أوكار دولية سيئة الذكر في ممارسة الفاحشة. إضافة إلى الترويج للفساد على الهواء مباشرة في غارة جديدة من الإعلام "الوطني" في نذالة وسوء حياء غير مسبوقة.
كل ذلك في إهانة مذلة لكرامة المرأة المغربية واستغلالها شر استغلال، هذه المرأة التي كان يجب أن تعيش عيشة العفة والكرامة في أسرة محترمة أو في شغل مناسب وشريف يضمن لها الكفاف وعدم التعرض للابتزاز والمساومة في عرضها. وهذا ما كان ليحدث لولا انعدام العدل، والحيف الكبير في توزيع الثروة الوطنية، وصعوبة تكاليف إنشاء الأسرة واستمراريتها نتيجة غلاء العقار وانعدام الشغل ومحدودية الدخل.
كاد الفقر أن يكون كفرا، كلمة لسيدنا علي كرم الله وجهه تعطيك الوسيلة لتبحث عن الكفر وما شابهه وما دونه كلما وجدت فقرا، كلما رأيت عَرْصَةً يَتَجاوَرُ فيها البذخ الفاحش المستهتر مع البؤس الأسود الكئيب. ملايين كثيرة من المغاربة يعيشون تحت عتبة الفقر، والعدد في تصاعد بسبب الهجرة نحو المدينة. ولا تزال الأجور في المغرب تعرف تفاوتا لا تكاد تجد له مثيلا في العالم: بين 1 و1000. وللتذكير فقط فالحديث هنا عمن لهم اسم في سلك الموظفين والمأجورين !
زد على ذلك جهود النظام الخبيثة وبرامجه المعلنة والسرية في الإفساد الممنهج للمجتمع واستهداف الأسرة المغربية المسلمة في قاعدتها الأساس. المرأة المغربية التي عرفت في التاريخ بالعفة والحياء والجهاد، فإذا بالصورة تنقلب ويصبح المواطن المغربي يستحيي من الإفصاح عن جنسيته في مختلف المحافل والمنتديات الدولية، نظرا لسمعة المغرب اليوم في مجال انتشار وتصدير كل أنواع موبقات الفاحشة وإنا لله وإنا إليه راجعون!



وها هو المغرب قد أصبح بفضل هذه السياسة الرشيدة وبفضل مفهومها الجديد والمزيد المنقح، مفسقة يقصدها كل أفاك أثيم من كل جهة مظلمة.
وأصبح المغاربة يقرأون كل يوم ويسمعون ويرون المخازي غير المسبوقة: أعياد للخمور، وأخرى للمخدرات، وشذوذ تريد شرذمة من المنبوذين المدعمين "داخليا" وخارجيا أن تطبعه في بلد مؤمن أبي شهم رغم مكر الليل والنهار والسر والعلن.
وصار العالم يتفرج على مصائبنا ويرى أغور ما في جراحنا في "اليوتوب" وغيره، أفلام العواهر بكل بشاعتها، و" أعراس" الشاذين بكل حقارتها، بل أصبحت لنا مشاهد على الأنترنت لم نسبق إليها بين العالمين، منها على سبيل المثال اللقطات المعلومة من دائنا الوبيل الرشوة التي أمست منهج حياة يسري سريان السرطان في جسم الأمة المنهك أصلا. وهو عنوان بارز من مجلدات الفساد الذي ينخر المجتمع اقتصاديا وإداريا وقضائيا... وإذا فسدت الذمم بالشكل الذي بتنا نشهده ونعيشه فانتظر ساعة الكيان كله. ولن تكون الخيبة إلا مضاعفة ولن يكون الحصاد إلا عواصف تأتي على كل شيء حين يَكشف الواقع وحقائقه وإفرازاته عن ضخامة المستنقع الذي أغرقت فيه البلاد.
إن الوضوح في التشخيص والرأي والموقف يُمليه ديننا وخلقنا مع الله ثم مع خلقه، ويفرضه الالتزام السياسي المسؤول أمام الشعب، فلابد أن تحدد المسؤوليات بدقة عن كل طامة من الطوام التي باتت تفتك بالبلد، والتي تكفي الواحدة منها لتدمِّر المجتمع وتدكه دكا. أمَّا أن يحكم من شاء كيفما شاء ويأخذ من الألقاب ما شاء، دون أن يكون في الأمر حسيس مراقبة أو محاسبة فهذا مما لا يستقيم "دينا" ولا"سياسة". لنخرج من الغموض: عن أي ملة ودين يتحدث حماة الحمى، وعن أية ديمقراطية يتكلمون؟
إن الحديث عن تخليق المجتمع عامة، والحياة السياسية خاصة، لا معنى له إن لم نتحدث بوضوح وصدق عن تخليق "الرعاة" أولا، فالإرادة السياسية - المفتاح المرجو لحل أزماتنا- هي أساسا فعل أخلاقي بأعلى معاني الأخلاق وأسماها في العمل والممارسة والواقع.



إن مغربنا الحبيب يتعرض لحملة غاية في الضراوة والوحشية وتضرب في كل اتجاه من نهب للمال العام والتضييق على القوت اليومي لعموم الشعب، ومن تفويت للمؤسسات العمومية خاصة الاستراتيجية منها، وتفويت للأراضي، واستنزاف للفرشة المائية، وتهريب للأموال، ومن تخريب لمؤسسات فاعلة في المجتمع، وخصوصا السياسية منها، ومن حصار اجتماعي وسياسي واقتصادي مضروب على جغرافية واسعة محرومة، وتهميش قروي لا تزال عواقبه الوخيمة تتضاعف منذ الخمسينات اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وتربويا، ومن محاربة للدين والتدين والدعوة إليهما، عبر نشر الرذيلة وفتح بيوت الدعارة على مصراعيها وإغلاق بيوت القرآن وطرد المواطنين من بيوتهم التي يفتحونها في وجه الدعوة، ومن انتهاكات لحقوق الإنسان وإهانة مستمرة لكرامة المواطن ، لا فرق بين عهد أدانه الجميع و بين عهد صَفَّقَ له المتملقون والمستفيدون، فلا نزال نشهد مآسي الاعتقالات الألفية، والمحاكمات الصورية، والأحكام الخيالية. وقبل المحاكمات والأحكام ومعها وبعدها التعذيب بكل الأشكال التي تمليها الأنفس المريضة والعقول المخبولة.
نحن أيها الشرفاء أمام مأساة حقيقية، فأمننا أصبح مهددا بكل جوانبه: الجسدي والروحي والخلقي، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته بكل شجاعة ووضوح، من علماء أُسكتُوا -إلا من رحم ربك- تحت صولة الحكم القُرُونِيِّ الوِرَاثِي، وأهل الدعوة والفاعلين السياسيين والاقتصاديين وعموم الأمة وكل من لهم غيرة على هذا البلد. إن النظام المخزني بصيغته الحالية وبمنهجيته السياسية أصبح يمثل عائقا أمام الديمقراطية والتنمية في هذا الوطن، كما أصبح مهددا لهوية الأمة في الصميم ومهددا لمصالحها المختلفة، بل أصبح مهددا للاستقرار الإقليمي والمتوسطي بعشرات الآلاف من هكتارات المخدرات، وبهجرة يغذيها بسياسته التفقيرية القاتلة.
ليس تخصصنا والحمد لله المناداة بالويل والثبور وتهويل الأمور، ولسنا هواة رسم اللوحات السوداء القاتمة والتعامي عن مساحات بيضاء في شأننا العام من مشاريع وورشات مهمة، ولكن المعطيات صادمة والمؤشرات والنتائج ومآلات الأمور مثبطة. لا نزايد بل نتكلم من الواقع الخطير ومَرتَعِ البُؤس الـمَرير.
فلابد من وضوح تام وشفاف في كل المجالات التدبيرية، وخاصة المجال المالي الذي يجب أن يخضع فيه المسؤولون عن تدبير الشأن العام للمراقبة المالية الصارمة، ولأداء الضرائب، ولتقدير مناسب ومعقول للمداخيل مقابل النفقات والأعباء. ومن أراد التجارة والمضاربة المالية فليترك استغلال النفوذ ولينزل إلى السوق الاقتصادية منافسا بين المتنافسين.
إن مغربا حرا وديمقراطيا وناميا وآمنا وحقوقيا ومتصالحا مع ذاته وكل مكوناته، هو -معشر الشرفاء- في مصلحة الجميع، في الداخل والخارج ضد التوترات الإقليمية وضد التطرف والهجرة السرية ومن أجل استقرار وتعاون منطقة الجوار الأوربية والمغاربية والإفريقية.
إن جماعة العدل والإحسان، أيها الشرفاء، لا تأخذها في الله لومة لائم، ولا تعرف بإذن الله تعالى لليأس ولا للمساومة والتخاذل والجبن طريقا ولا مسلكا. ويقينها في الله تعالى كما هو يقين جميع المومنين صادق لا يتزعزع في حتمية ارتفاع الجور والظلم عن هذه الأمة بنصر الله العزيز، وبالعمل الدؤوب لكل فئات الشعب وفاعليه في هذا الاتجاه.+ ودعوتنا للتوبة النصوح الجماعية والجامعة دائمة مستمرة.
وإن جماعة العدل والإحسان لمع الشعب ومع مختلف فاعليه على العهد الدائم بحول الله، عهد الثبات على المبادئ المشروعة دون استكانة أو جبن أو ركون إلى ظالم، وعهد الوفاء لدين الإسلام وللمطالب المشروعة لهذا الشعب في إقرار مجتمع العدل والحريات العامة والأخلاق الفاضلة وحقوق الإنسان والديمقراطية الفعلية، والتنمية الاقتصادية الحقيقية والكرامة الوطنية، والانتفاع الإيجابي والشراكة المنصفة والشريفة وذات المصالح المتبادلة وتأمين الحاجات الأساسية في الأمن والغذاء والاستقرار والصحة والمعرفة، وعهد التواصل الوطني والاستعداد الصادق والجدي للعمل إلى جانب كل المكونات المخلصة في هذا البلد من أجل تحقيق هذا المجتمع الذي نتطلع إليه جميعا.
دَعَوْنَا منذ أزيد من ربع قرن إلى ميثاق، وكررنا الدعوة مرات ولم نمل. ولا تزيدنا الأيام إلا إدراكا أن الخرق أوسع من أوهام الرَّاقعين، وأن الأمر يحتاج إلى كل يد نظيفة. ولم نشك قط أن البلد يزخر بالأيادي النظيفة والنفوس العفيفة رغم مظاهر الخراب التي مهما علت وطغت لن تنسي هذا الشعب المؤمن أن الله على كل شيء قدير.
فماذا يقول الملتاعون المهمومون بما أصاب أمتهم؟ وماذا تقترح نخبنا؟ وماذا يقدم شرفاؤنا؟ هل يطمح الشعب لأن يسمع ويرى عملا جماعيا صادقا ويلمس مبادرات تترفع وتسمو عن المصالح الفئوية والشخصية؟ كيف السبيل وما المخرج وما الحل للنهوض من سقطتنا؟
الرجاء في الله عظيم أن يسارع الصادقون ويُسابقوا إلى مغفرة من ربهم وجنات في الأخرى، وإلى سعادتهم وسعادة أمتهم في دنيا الابتلاء. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وله سبحانه عاقبة الأمور.«ولينصرن الله من ينصره. إن الله لقوي عزيز» (الحج آية 38). صدق الله العظيم.
الرباط في: 27 ذي القعدة 1428 الموافق 08 دجنبر2007
المجلس القطري للدائرة السياسية
لجماعة العدل والإحسان

krit01
12-12-2007, 23:58
جزاك الله خيرا اختي الكريمة على الموضو ع القيم
اللهم يسر لاحبابنا الكرام

الأسد الجريح
13-12-2007, 13:15
مشكورة اختي الكريمة على الموضوع