مشاهدة النسخة كاملة : البناء التصوري لجماعة العدل الإحسان



ahmad_hicham
04-02-2008, 17:29
بسم الله الرحمن الرحيم
توصلنا من الشيخ محمد السحابي، أستاذ القراءات بالمغرب ومدير جمعية أبي شعيب الدكالي لدراسة القرآن وعلومه بسلا، بدراسة حول جماعة العدل الإحسان وبنائها التصوري من خلال كتب مرشدها عبد السلام ياسين، وفي ما يلي الجزء الأول من مساهمته.
جماعة العدل والإحسان جماعة إسلامية معاصرة حديثة العهد تأسست حوالي 1400ه ـ1980م ومِؤسسها هو عبد السلام ياسين، كان قبل ذلك مع طائفة صوفية تسمى '' البودشيشية''، وهي طائفة معاصرة أيضا، وكان عبد السلام ياسين مرافقا لشيخ الطائفة يدعى ''العباس'' من شرق المغرب، فكان عضوا نشيطا فيها.
وهذه الطائفة أصلها من الجزائر مأخوذة من الطريقة ''العليوية'' وهي فرع من ''القادرية'' وأصل هذه الأخيرة من ''الشاذلية'' فهي فرع منها، كما أن أكثر الطوائف في المغرب ترجع إليها أيضا.

كلمات حول الطريقة الشاذلية
والشاذلية نسبة إلى أبي الحسن الشاذلي، وهو من شمال المغرب، ولد بقبيلة اغمارة قرب مدينة سبتة سنة 593 وتلقى عن عبد السلام بن مشيش ونشر طريقته بالمغرب والمشرق، والطريقة الشاذلية معروفة أصلها ومنشئها وفيها ما فيها من المخالفات الشرعية الظاهرة، ومن العقائد الباطلة، فشعرها ونثرها مملوءان بعقائد ''الاتحاد والحلول''، ما هو غير خاف على من له حظ من علم الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة رد فيها على أبي الحسن الشاذلي، فإلى هذه الطريقة ترجع الطريقة ''البودشيشية'' المعاصرة، والتي كان الأستاذ عبد السلام ياسين من أعضائها الذين ساهموا في نشرها في هذه البلاد، وهي تعتمد أساسا على الصعق واقتباس النور والأنوار من الشيخ المربي، فهم ينظرون إليه ويتأملون في وجهه ثم يصعقون أمامه إذا كانوا بحضرته، وإذا أراد أحدهم الصلاة يضع صورة الشيخ أمامه، وقد التقيت بهم وتحاورت معهم، ويصلون الصلاة خفيفة لا يتمون فيها الركوع والسجود، ويزعمون أن في الصلاة نورا، وإذا أطالوا فيها فإنه يحرقهم.
كما أن الشخص منهم يكون جالسا ثم يصيح صيحة ثم يغيب ويصعق، فيزعمون أنه نفدت إليه الأنوار، ولربما قالوا أنوار الشيخ، فاستحضار الشيخ عندهم في جميع حركاتهم وسكناتهم ضروري.
وشيخها الأول رجل أمي، ولما مات خلفه ابنه حمزة، ويقال إن عبد السلام ياسين كان على وعد من العباس أن يورثه المشيخة بعد موته، ولكنه لما توفي وجدوا وصيته لابنه حمزة، ويقال هذا سبب فراق عبد السلام ياسين لهم، ولكنه يذكر أنه ما فارقهم إلا لأجل أنهم لم يهتموا بجانب الجهاد والسياسة الشرعية.

نظرة عبد السلام للعلماء
وكان عبد السلام إذ ذاك موظفا مع التعليم الفرنسي منذ عهد الاستعمار لهذه البلاد فيقول عن هذه المرحلة: ''وجدني الاستقلال الصوري لسنة 1956 من تاريخ النصارى مفتشا للتعليم الابتدائي بالبيضاء، وأنا لا أزال موظفا بهذه الرتبة رغم أني لا أشتغل منذ اثنتي عشرة سنة رأت الحكومة أن تجنبني من الميدان''.
إلى أن يقول منذ سنة ـ يقصد سنة 1379 ـ انتهت ضيافتي على الحكومة، ضيافة ثلاث سنوات ونصف في دهليز رطب مظلم مع أبي جعران. وسيأتي سبب ذلك.
ثم يقول: ''الفقهاء المتشددون يطلبون إلي أن أكفر الطرقيين وأتبرأ منهم قبل أن يعترفوا بأني مسلم وأنا ألقى الله إن شاء الله وذمتي بريئة من تكفير المسلمين''(1).
وهذا توسع منه، فليس أحد من الفقهاء في هذا البلد يكفر المسلمين، فضلا أن يطلبوا منه ذلك، ثم يقول: ''عشت ثمان سنوات مع الصوفية، وأشهد بما شهد به الغزالي أني وجدت الحق معهم، حق علو الهمة والصدق في طلب وجه الله، ووجدت منهم عادات وقعودا عن الجهاد الميداني ففارقتهم ولا والله لا أنسى فضلهم ولا أجحده ولا أتحمل أوزار الطرقيين''(2).
وفي هذا وغيره ما يدل على أن الأستاذ عبد السلام ياسين ما زال على الصوفية لما يدل عليه حاله إلى الآن وكتابته، وكما صرح هو أيضا أنه ما عاب على الصوفية إلا قعودهم عن الجهاد الميداني ـ يقصد بذلك الدخول في السياسة وغمارها، والمطالبة بتكوين أحزاب إسلامية تخوض في السياسة، وهو ما يطالب به الآن الحكومات المتعاقبة في المغرب.

من بدع الصوفية
وأما بدع الصوفية وعقائدهم المخالفة لصريح الكتاب والسنة وهدي السلف فهذا لا ينكره عبد السلام ياسين عليهم، ويراهم على الحق والاستقامة على الجادة، بل ينكر على من ينكر عليهم وأحيانا يغلظ في القول ويشنع عليهم، كما يظهر ذلك جليا في كتبه، ومنها الرسالة التي وجهها للملك الراحل ـ الإسلام أو الطوفان ـ يقول فيها منكرا على من ينكر على الصوفية: ''إنما نتحدث على الصوفية المجاهدين وإني والله لأعجب لسفه قوم ندبوا أنفسهم لحرب الصوفية وهم يجهلون عنهم كل شيء، ندبوا أنفسهم للتفريق بين المسلمين وهم يجهلون الإسلام، إنهم جماعة عمروا مساجدكم ـ معشر العلماء ـ وطردوكم منها وأكذبوكم في دروسكم، لا هم لهم إلا تكفير المسلمين الذين لا يزالون يغشون المساجد ''(3).
يقصد بهذا الكلام الذين يدعون إلى الكتاب والسنة ومنهج السلف، ثم إنه يتكلم كلاما لا وجود له فليس أحد ممن يقصدهم يكفر المسلمين عمار المساجد فإنهم أحوط الناس وأبعدهم عن ما رماه بهم، فكلامه هذا بغير حق ولا برهان، وإلا ففي أي كتاب أو قول فيه هذا؟
لكن الرجل أسلوبه هو هذا في جل كتبه، يهاجم ويغلظ القول لمن رآه يدعو للكتاب والسنة، فهذا يصب عليه وابلا من مثل هذا الكلام.
ثم يقول: إن هؤلاء وأضرابهم والمرتزقة من ''الديدان'' والمدمنين على المخدرات والمسكرات من حثالتكم، معاشر العلماء، يجمعون الصوفية والمتصوفة المرتزقة الدجالين إخوان الشياطين في قرن واحد، وهم لو فطنوا لأنفسهم لوجدوا الجهل ورقة الدين والمروق من سنة المرسلين داءهم هم، إن رواد الفتنة في المساجد بعد طردكم منها وانشغالكم عنها بشهواتكم، أيها العلماء، لا يتدبرون القرآن، ولا يتدبرون صنع الله لهذه الأمة كيف كان ويكون؟ إنهم أجهل من أن يستقرئوا تاريخ الإسلام، ثم يستطرد في الكلام إلى أن يقول: ولا يتدبرون أن كل نبضة حياة في تاريخ المسلمين إنما تأتي على يد صوفي.
والحاصل أن مثل هذا الكلام كثير، فهو يعلي من شأن الصوفية حتى يرفعها إلى أعلى ما يمكن، ثم يحط من شأن من دعا إلى عقيدة السلف وهاجم الشرك والخرافات وتعظيم القبور والمواسم وتشييد الأضرحة، فهذا عنده محل انتقاد وانتقاص، وأحيانا يحرض ولي الأمر عليهم، فهو يقول في الرسالة الموجهة إلى الملك: ''بل يجب أن نطرد كل متزمت يفرق بين المسلمين باسم ''السلفية'' أو ''السنية''(5).

دوافع صوفية وراء إصدار الأحكام
وقال في كتاب ''الإسلام بين الدعوة والدولة '': ومن الناس من يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم ناقلا للوحي كساعي البريد وينفرون منه صلى الله عليه وسلم ويعدون مشركا من توسل به إلى الله، وهؤلاء قوم سفهاء يندسون في صفوف المسلمين ويدعون تارة الانتساب إلى السلفية وتارة إلى السنة الطاهرة، والسنة بريئة منهم والإسلام (6).
كل هذا الكلام وأمثاله دوافعه صوفية، والرجل أعرفه شخصيا وتذاكرنا عدة مرات قبل أن يحاصر في بيته من لدن الحكومة، فالرجل صوفي جلد، ويدعي أن له سند إلى ابن العربي والحلاج، ويثني عليهما، بل يدافع عنهما دفاع المستميت، ويعتبر ابن عربي وليا من الأولياء، فيقول ناقدا ابن تيمية في رده على ابن عربي: ''وهكذا يقف أمثال الشيخ ابن تيمية رحمه الله موقف الخصم العنيد من رجال الله، فهو يكفر ابن عربي، لأن هذا الولي حاول أن يعبر عن ما لا يعبر عنه ''(7).
ومن قرأ كتبه ظهر له ذلك جليا، ومنها كتابه ''الإسلام بين الدعوة والدولة'' و''الإسلام غدا'' و''الإحسان رجال'' وغيرها، ففي هذا الأخير ادعى فيه أن جميع العلماء تلامذة الصوفية وأنهم تربوا في أحضانهم، وأن من كان منهم متشددا وقاسيا على الصوفية رجع في آخر عمره وتتلمذ عليهم وعاش في أحضانهم، يقتبس من أنوارهم ويعيش في روحانيتهم.


29/3/2006
جريدة التجديد