مشاهدة النسخة كاملة : التحاور مع الذات مطلب حضاري



قابضة على الجمر
10-02-2008, 14:05
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد.

إن الحاجة إلى الحوار حاجة مستمرة، بل أحسب أنها ضرورة حضارية لكل مجتمع، ولو تأملنا في منهجنا (الإسلام) لوجدنا في نصوص الكتاب الكريم، وفي ممارسات وسيرة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ما يؤكد هذا النهج الذي يقوم على قاعدة أن الحوار ضرورة حضارية لبناء المجتمع وتطويره والارتقاء به؛ لأن أي مجتمع إنساني يتألف من أفراد ومن مجموعات مختلفة المشارب والأذواق، وطرق التفكير والنظر والتأمل في الأمور، ومن ثم فإن الوسيلة الناجعة لتقريب هذه الأذواق بعضها إلى بعض، وإيجاد أرضية وقواعد مشتركة؛ ليقف عليها هؤلاء الناس وينطلقوا من خلالها هي وسيلة الحوار، وليس هناك أية وسيلة أخرى، ولذلك أنا أؤمن بأن الحوار هو ضرورة حضارية ليست متعلقة بظروف آنية أو بمتطلبات وقتية، هذا من حيث المبدأ، لكن لا شك أن هناك مبادئ وقواعد في حياتنا الاجتماعية ربما تكتسب أهمية أكبر، وتكون ذروتها أكثر وإحساسنا بهذه الضرورة أكثر ارتباطاً بظروف أو بأوقات أو مناسبات أو بحاجات مستجدة ربما نعاني منها، ومن هنا نربط أيضاً بين حاجتنا إلى الحوار اليوم في ظل الأزمة التي تعيشها الأمة منذ سنين طويلة، وهذا يؤكد القاعدة والمبدأ وهو ضرورة الحوار، والظروف لاتملي علينا بل هي تؤكد وترسخ هذا المبدأ، وتجعله أكثر ضرورة في وقتنا الحاضر، ومن ثم فإن كل هذا سواء إيماننا المبدئي بضرورة الحوار، أو اقتناعنا بحاجتنا بسبب ظروفنا التي نعيشها اليوم إلى الحوار، كل هذا في النهاية لابد أن يجعلنا نفكر جدياً، وننطلق من هذا التفكير الجدي إلى تفعيل دور الحوار في حياتنا الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية بشكل عام.

أعتقد أن المشكلة تكمن أساساً في التربية، فأمتنا -للأسف الشديد- فقدت كثيراً من معالم منهجها التربوي الأصيل خلال العصور المتأخرة، وأصبح الإنسان لدينا -أو الفرد في المجتمع المسلم- في الغالب الأعم ينشأ على منهجية لا تعتمد على الحوار، ولا تشجع فضيلة الحوار، ولا ترسخ المبادئ التي يقوم عليها الحوار، بل ربما في بعض الأحيان يكون العكس أنه قمع الحوار، وربما تقبيح الحوار وتصويره علىغير صورته الحقيقية، إما خوفاً منه أو من نتائجه وثمراته، وإما جهلاً بأهميته وضروريته في الحياة، وإما تجنباً للأخلاقيات، فالحوار أمر مكلف بمعنى أنه في بعض الأحيان صعب على النفس، ومن ثم يحتاج الإنسان إلى أن يروض نفسه ليقبل الحوار، وليقتنع بمبدأ الحوار أصلاً قبل أن يدخل في الحوار، فالحوار له متطلبات وله شروط أحياناً قد تكون صعبة التحقيق، ومن ثم فإن الإنسان قد يهرب من أن يستكمل هذه المتطلبات، وهذه الشروط، ومن ثم الأسهل له أن يرفض الحوار، وأن يقفل هذا الباب؛ لأن له تبعاته التي لا يستطيع تحملها، أو لا يريد أن يتحملها، فإذاً القضية في لبها هي قضية تربوية تراكمت في جوانب كثيرة في حياتنا، بدأت بكيفية تنشئة الطفل في البيت، وانتقلت إلى كيفية تلقين الطالب في المدرسة أو في الكتاب بمختلف أشكال المؤسسة التعليمية، وانعكست أيضاً في منابرنا السياسية والثقافية والإعلامية، ومن هنا أصبحت هذه القضية معقدة التركيب، لا تقتصر على جانب من جوانب حياتنا، وإنما تطال كثيراً من هذه الجوانب، ومن ثم أصبح هناك نوع من الاتجاه السائد في مجتمعنا لعدم اعتراف بفضيلة الحوار، وبأهميتة وضروريته في الحياة، وعندما وصلنا إلى هذه القناعة لاشك أن هذا أدى أيضاً إلى أن نهمل كل الجوانب التي تتعلق بكيفية تفعيل دور الحوار في حياتنا، وكيفية التدرب والممارسة العملية للحوار، وكيفية استنباط أدبيات الحوار وثقلها في طريقة حديثنا، وفي طريقة تحدث بعضنا مع بعض، كما قلت من البيت إلى المدرسة إلى المجتمع بشكل عام، وبهذا وصلنا إلى المرحلة التي يمكن أن نقول إننا نعيشها اليوم، وهي مرحلة أننا أصبحنا متخلفين في الإيمان بضرورة الحوار، وفي تطبيق أدبيات الحوار في حياتنا، وحتى عندما أتيحت لنا الآن بعض الفرص في خوض غمار مجالات حوارية، سواء في الطفرة التي حصلت في بعض قنواتنا الفضائية، والتي فتحت المجال لشيء من الآراء المتعددة، أو في بعض المنابر الأخرى، وجدنا أننا لم نستطع أن نقدم خطاباً حوارياً متوازناً، وهذا لا شك هو ثمرة ذلك التخلف الذي ما زلنا نعاني منه، ولكن لاشك أن علينا ألا نيأس من أن نعيد ترتيب أوضاعنا في هذا الميدان، وأنا أعتقد أن بالإمكان إصلاح الوضع، لكن قد لا نتوقع النتائج فورية وسريعة، والمهم أن نصل إلى هذه القناعة، ونبدأ في تحويلها إلى تطبيق عملي وفق منهجية واضحة، ورؤية شاملة ومتكاملة في مختلف جوانب حياتنا.

قلب مسلمة
10-02-2008, 15:18
http://asas123.jeeran.com/جزاك-الله-يااختي.gifhttp://www.aldorr.com/up/files/elaaf-1127255121.jpg