مشاهدة النسخة كاملة : انحراف الأطفال: المسؤولية والعلاج



Hr@F
10-12-2004, 18:17
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انحراف الأطفال: المسؤولية والعلاج

بقلم :لمياء الوزاني

1. دواعي اختيار الموضوع :
يشكل جنوح الأطفال ظاهرة اجتماعية آخذة في التنامي رغم ما بذل من جهود دولية ومحلية تحاول الحد من استشرائها، حيث نظمت مؤتمرات عدة بحثت في الأسباب وطرق العلاج.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الظاهرة درست بكثرة من طرف علماء الإجرام، مما طرح عدة إشكاليات حول الهدف من العقاب وأنواعه ومدى نجاعته في علاج هذه الظاهرة؛ ثم حول أسباب تأخر انخراط الدول العربية في مشروع العدالة البديلة la justice alternative.
سنحاول بالجهد المتواضع الذي بذل في هذا البحث الإجابة على الأسئلة التالية:
• ما المقصود بجنوح الأطفال وما هي أنواعه؟
• لماذا ينحرف الأطفال؟
• ما الدور الذي تلعبه الأسرة، والمدرسة، والإعلام.. في تشجيع هذه الظاهرة أو الحد منها؟
• ما هي التدابير التربوية البديلة عن العقوبة والتي من شأنها الحد من هذه الظاهرة؟
سنحاول تناول هذه الظاهرة بمقاربة نفسية اجتماعية وتربوية.

2. تعريف الانحراف وأنواعه :
توحي كلمة منحرفdélinquant إلى أن الشاب قد انخرط في أنشطة إجرامية متفاوتة الخطورة، تشكل مخالفة للقوانين العامة، وتستلزم العقاب وفق مقتضيات هذا القانون. ويبقى السؤال مطروحا : هل يمكن أن نعتبر المنحرف مجرما؟
السلوك الانحرافي هو السلوك الذي يعارض صاحبه بمقتضاه القانون. ويمكن أن تكون الجريمة:
• متسمة بالعنف كما هو الشأن بالنسبة للعدوان والاعتداء l’agression.
• أو غير متميزة بالعنف كحيازة أو الاتجار في المخدرات.
و بغض النظر عن تجليات الانحراف فإنه يمكن أن يصنف إلى ثلاثة مستويات:
• انحراف بالصدفة: la délinquance d’occasion. تتعرض له نسبة 80 في المائة من المراهقين، ويتخذ شكل انحرافات قليلة الخطورة.
• الانحراف الانتقالي: la délinquance de transition.و يخص نسبة تقل عن 10 بالمائة من المراهقين. وتتسم هذه الانحرافات شيئا ما بالخطورة، لكنها منحصرة في مرحلة من الزمن. ويتعلق الأمر بالصعوبات والمخاطر التي ترافق طبيعة وخصوصية النمو خلال المراهقة.
• الانحراف المزمن: la délinquance chronique. وتتجلى في سلوكيات قارة ولصيقة بالمراهق، وهي انحرافات متكررة، يصبح معها السلوك الانحرافي معاد للمجتمع ومنهج في الحياة داخل الجماعة، أو دور اجتماعي سلبي يقوم به الجانح.



3. الأسباب النفسية والاجتماعية للانحراف :
• يعتبر بعض المفكرين والباحثين الاجتماعيين أن الانحراف حدث اجتماعي عنيف يمكن ملاحظته ومعاينته كما هو الشأن في ظاهرة الانتحار، كما اعتبرهMichel louis palletier في كتابه:
.Jeunes délinquants ou jeunes criminels. وقد أسس بعض المنظرين لهذه الظاهرة تحاليلهم انطلاقا من نتائج علوم البيولوجيا ويعتبرأصحاب هذا الاتجاه أن المنحرفين نتائج لوراثة سيئة ومرضية pathologique داخل بيئة متردية.
• كما أن هناك اتجاه آخر من الدارسين يستمدون آراءهم مما وصلت إليه العلوم النفسية من نتائج واعدة في هذا الصدد. ويعزون ظاهرة الجنوح إلى العوامل النفسية الاجتماعية مثل تفكك البنيات والمؤسسات الاجتماعية، أو إلى الوضعية الاجتماعية الاقتصادية التي يحددها الانتماء إلى طبقة اجتماعية معينة.
• وخلال العقود الأجيرة برز اتجاه ثالث، ساهم في إثرائه مفكرون وعلماء إجرام، أولى أهمية بالغة للعلاقات المتبادلة بين الأفراد وكذا للظروف الخاصة المرتبطة بالرقابة الاجتماعية.
وتجدر الإشارة هنا إلى دراسة اجتماعية قام بها الدكتور رشيد الرينكة تبين من خلالها أن الانحراف تعبير على مجموعة من المؤثرات التي تؤدي إلى الإحساس باليأس والإحباط، ويمكن أن يترتب عنها العنف عند شريحة من الأطفال، ويمكن أن نلخصها في تجليات العوز وعدم الكفاية المادية أو الروحية.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب الإسلام والحداثة ص 205 :
" إن مشهد الطفولة العارية المتشردة، ضحية العصابات الإجرامية، مؤثر جدا. فالتلفزة تعرض انحطاط شباب ريو وكلكوتا الذين يهيمون على وجوههم، لاهثين خلف لقمة العيش، مادين أيديهم لعلهم يظفرون ببضع قطع نقدية تمكنهم من شراء ما تطلبه أجسادهم الهزيلة من مخدر بخس. وتظل فظاعة مشهد المجند في عصابة المخدرات مماثلة لفظاعة منظر الطفل الإفريقي المقتاد إلى الحرب المتأبط للكلاشنكوف…لم نهو بعد إلى هذا الحضيض، لكن شوارعنا آهلة يوما بعد يوم بشباب عاطل، يعاشر ويلوث طفولة لفظها نظام تعليمي عاجز سقيم في ديارنا. لم يعد الصمغ المميت أو ترويجه ممارسة نادرة. أما الترويج الواسع للمخدرات فقد أصبح يشغل أبناءنا، وأصبح أباطرة المخدرات ذوو الصيت الدولي السيئ يوزعون بضاعتهم انطلاقا من بلداننا بل ويصرفونها في أوطاننا. ٌ
 عدم الاستقرار الأسري وأثره في انحراف سلوك الأطفال:
لقد أثبتت عدة دراسات أن اضطراب الأسرة يشكل عاملا خطيرا في انحراف الأطفال، ولعل أول معاناة بالنسبة للحدث تتمثل في شعوره بأنه غير محبوب من طرف عائلته، سيما أن جل الأطفال المنحرفين هم نتيجة سوء التفاهم الذي يطبع العلاقات الأسرية. ففي جو عائلي يفتقر إلى الرقة والحنو، يكتشف الحدث صدفة قوة وعمق العلاقة بأقرانه، وقد يشعر بالطمأنينة والأمان داخل مجموعة أصدقائه في غياب الأمن داخل أسرته، مما يجعله يخضع وينضبط إلى قواعد المجموعة.

 أثر الواقع الاقتصادي والاجتماعي :
إذا كان اضطراب الجو العاطفي السائد داخل الأسرة، أو الناتج عن التصدع، من أهم العوامل التي تؤدي إلى انحراف الأطفال، فإن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة لها بالغ الأثر في تقوية هذه الظاهرة أو الحد منها. فقد أثبتت الدراسة الميدانية التي قام بها د رشيد الرينكة تحت عنوان: " نظرة اجتماعية على انحراف الأحداث بالمغرب " أن العجز الاقتصادي، والفقر العاطفي، والأسرة المرتفعة العدد، والسكن غير اللائق، مؤشرات تؤدي غالبا إلى تصدع وتفكك الأسرة، وذلك له الأثر البليغ على تربية الحدث وتوجيهه. إذ الأسر المتصدعة والمنهكة عاجزة عن القيام بمسؤولية تربية الأطفال وتلبية حاجياتهم ورغباتهم الأساسية من مسكن متوفر على الشروط الدنيا للعيش، ومن غذاء متوازن يضمن النمو السليم الجسمي والعقلي، ومن تعليم أساسي لمحاربة الجهل وتفعيل عملية الانخراط والتأهيل الاجتماعي. وقد أثبتت الدراسة التي أجريت على مؤسسات وشخصيات تعنى بالطفولة الجانحة في المغرب سنة 1989 أن نسبة 48.4 بالمائة منهم منحدرون من أسر متفككة إثر طلاق أو وفاة أحد الأبوين، وأن نسبة 28.4 بالمائة منهم كان للعامل الاقتصادي الأثر الخطير في دفعهم إلى الانحراف. ولعل الدراسة التي أجراها شيدلر : على 8957 حدث في الولايات المتحدة الأمريكية من نزلاء المؤسسات الإصلاحية سنة 1910 ، والتي أثبتت أن 50.7 بالمائة منهم أتوا من أسر متصدعة، تعزز ما توصل إليه د رشيد الرينكة. ذلك أنه في ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية، من العسير الرقابة والإشراف على الأولاد بشكل كاف، مما يدفع بالأطفال إلى الشوارع.

أثر طول غياب الأم بسبب العمل خارج البيت:
لا بد أن نوضح في بداية هذا المحور أنه من العبث الجزم بأن عمل المرأة خارج البيت يؤدي حتما إلى انحراف الأطفال، بل ما يؤدي إليه حتما هو الخلل في التوازنات. هناك أمر لا يتنازع عليه أحد، وهو أنه خلال العقود الأخيرة أصبح خروج المرأة إلى سوق الشغل يعرض عددا كبيرا من الأطفال إلى حالة الإهمال ونقص الحنان من قبل الأم. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب العدل: ٌأن يترك الأطفال للخادمة ولمراكز الحضانة تطعمهن الأيدي الأجيرة طعام الحرمان العاطفي هو الضياع لأطفال نريدها مفعمة الجسم بفتوة لا تنشأ إلا بثدي الأمهات، عامرة القلب بإيمان لا تتأهل للحفاظ عليه وتأسيسه إلا رحمة الأمهات، متوثبة إلى معالي العزة بالله والعزة للأمة، عزة لا يمكن أن تتولد في أحضان الخادمة ومراكز الحضانة وشارع البؤس.ٌ ص 313 . ومن عجائب الموافقات أن أوكست كونت الفيلسوف الوضعي الفرنسي رائد علم الاجتماع له رأي حصيف في صون المرأة عن الابتذال في العمل خارج البيت. فهو يرى واجبا مقدسا على الرجل أن يكفيها نفقاتها لتتفرغ لإسعاد أهل بيتها، ويرى أن على الهيئة الاجتماعية أن تكفلها في مادياتها الكفالة التامة. ويرى الفيلسوف الإنجليزي برتراند روسل أن الأسرة انحلت بسبب استخدام المرأة في الأعمال العامة.

يقول عالم السكان الفرنسي ح.ك شيسني : تعيش المرأة العاملة في الشركات الغربية تجربة الحمل يرافقها شعور بالذنب سببه إحساسها أنها تعوق الاشتغال الطبيعي لأداة الإنتاج، كأنما الحمل جريمة أو خطأ مهني، بل كأنه خيانة للمشغل أو غدر به .ٌ ( M.Godet, futurible.n 202, p.69)
هكذا يبرهن عالم السكان الفرنسي على السياسة الانتحارية لاقتصاد ينطلق من حسابات دنيئة هدفها استغلال بشع لقوة العمل النسائية، ليقوض دعائم مجتمع أصبح يشكو من شيخوخة لم ينتبه لها إلا بعد أن ظهر جليا أثرها السلبي على مستقبله الاقتصادي.
لا يتسع المجال هنا لتعداد ما تعاني منه المجتمعات الغربية من آثار وخيمة سببها التفكك الأسري وحضارة ما بعد الأخلاق كما يعبر عنها الفيلسوف وعالم الاجتماع جيل ليبوفتسكي، ويعلل ذلك بكونها أصبحت تغلب أنانية الرغبات والرفاهية الفردية، على فضيلة التضحية وإنكار الذات.
(la société en quête de valeurs, Op.Cit, P.25)
حقا لا تزال مشاكلنا بعيدة عن مشاكلهم، إلا أن ما أورده علماؤهم للاجتماع دعوة للاعتبار، حتى لا يكون هدف مشروع مجتمعنا أن يصبح حاضر الآخرين مستقبلنا.

 أثر وسائل الإعلام في انحراف سلوك الأطفال:
على ضوء مجموعة من الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي، يتبين أن التلفزيون ونوادي الإنترنت هي أكثر الأنشطة التي يلتجأ إليها الطفل. وللأسف الشديد كثير من القنوات والفضائيات لا يهمها سوى ذر الربح من جراء البث البشيع لمواد إعلامية خليعة بدون شرط أخلاقي أو قيد تربوي. تلك المشاهد الخليعة والعنيفة تؤثر على الأطفال وتترك لديهم صورا خاطئة عن الحياة الجنسية، وأفكارا مغلوطة عن دور المال في ضبط العلاقات الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع. وهذا إفساد مباشر للشباب يتلصص من السطوح فينفذ إلى الأجهزة الملتقطة من خلال الهوائيات المقعرة الدائرية والممتدة.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب تنوير المؤمنات ص 136: ٌ التلفزيون نشتري آلتها الإلكترونية بدم الحياة وعرق الجبين، وتنهمر علينا بما يشبه المجان مسلسلاته ودعايته وإشهاره من ميازيب السطوح.خطفت الثقافة المرئية المسموعة المهرجة الخليعة المتلصصة من الأم أبناءها وبناتها، بل خطفتها نفسها وأخذت أفراد الأسرة رهائن في انتظار ملهوف للحلقة القادمة…تجلس الأسرة لمشاهدة ما كان منكرا يخدش الحياء بعد أن وطأته العادة واستألفه التكرار فأصبح أمرا عاديا.ٌ

4. العلاج تربية واقية:
 العدالة البديلة:
تحدثنا في المقدمة عن ما يسمى بالعدالة البديلة: la justice alternative وما تقترحه من إجراءات لاقضائية:la déjudiciarisation وهو من الابتكارات الكبرى

والحديثة في السياسة الجنائية، والتي تقترح على الأجهزة المختصة اقتراح تدابير بديلة عن العقوبات التقليدية. ومن خلال هذه الثورة الفلسفية في مجال العقوبة لفائدة الأطفال الجانحين يتم تنفيذ بعض الإجراءات البديلة مثل العمل

من أجل المصلحة العامة، أو ما يسمى في التشريعات الكندية بالبرامج للتدابير البديلة: programme des mesure de rechanges وكذلك الإجراء المعتمد على المصالحة والوساطة:

conciliation et médiation ; وقد فصل serge Charbonneau في هذه التدابير في كتاب:
Un exemple de justice réparatrice au québec. La médiation et les organismes de justice

alternative, criminologie, vol. 32, n° 1, 1999.
و نجملها فيما يلي:
• تكفل الجماعة وفق مبادرات فردية أو لمجموعة من الجمعيات ذات النفع المحلي، والتي يعهد لها إرجاع الأمور إلى نصابها داخل الجماعة، وبشكل خاص دون إشراك الشرطة ومصالح الأمن أو القضاء.
• إشعار المعنيين بالأمر: يكون ذلك في قضايا لا تستدعي تدخل رجال الأمن وينحصر دورهم في إشعار الأسرة المعنية أو بعض الجمعيات المختصة بحماية الطفولة.
• الوساطة: عوض أن يقرر تجريم أو إحالة النازلة إلى المحاكم المختصة بالأحداث، يتم ترتيب وساطة من شأنها تعزيز المصالحة بين الأطراف المعنية( الجاني، الضحية، والأسرة التي لها ارتباط بالنازلة).
• مراكز الإنصات تجربة رائدة في الوقاية: يسهر عليها طبيب نفساني أو أستاذ خبير ومجرب له من سعة الصدر ما يؤهله للصبر على الإنصات. بعد استماع الأستاذ وبتعاون مكثف بين الأطراف المهنية والتربوية والطبية،

وكذلك الآباء، يقوم مرشدون اجتماعيون بزيارات منزلية لمعرفة الصعوبات التي تعترض حياة الطفل، والبحث عن حلول مناسبة لمشاكله.

 التربية الواقية في الأسرة والمدرسة والمجتمع المدني:
إن العناية بالطفولة من أولى الأولويات التي ينبغي أن تتصدر برنامج أي حركة تغييرية جادة تسعى للبناء على أمتن أساس. وأول الطريق تنبيه الآباء والأمهات إلى مسؤوليتهم الجسيمة تجاه أجيال المستقبل. ولا بد من رفع

وعيهم بأن مصلحة ذريتهم هي ذاتها مصلحة أمتهم. ثم مع ذلك وبعده فالمجال فسيح أمام دولة القرآن لبذل الجهود التربوية موازاة مع جهود الإنصاف والعدل في المعاش من توفير السكن والمدارس والمشافي والمشاغل، لتوفير

شروط الرخاء وظروفه. وأي نكسة تأتي من هذا الثغر ستكون إقرارا بالعجز وتقديما للاستقالة.
• الأمومة:
لا حديث عن الطفولة دونما حديث عن الأمومة، تلك الوظيفة المقدسة. وأقوى ما تستقوي به الأمة أسرة قوية متينة، عمادها أم واعية بما تستوجبه وظيفتها من تنشئة سليمة، وتربية واقية.
شخصان إذن هما مركز العناية الإسلامية : المرأة والطفل، فحماية الأسرة شرط أساسي لحماية الطفولة، والأسرة هي الأم أولا.
تحدثنا عن الأمومة بما هي وظيفة ترفع المرأة إلى قداستها في شريعة الله عز وجل، لكن لابد من وقفة مع هذه العبارة. لنتساءل عن مفهومها. هل هي مجرد إنجاب؟ هل تستحق هذا الاسم من اكتفت بكونها معبرا لبروز الذرية

ومحطة لمرورها؟ من ألقت إلى العالم أجسادا لم تتعهدها؟
روى الإمام مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ٌإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ٌ أول ما يستفاد من

الحديث هو أن الولد من عمل الإنسان. لا يتنافى ذلك مع كونه من خلق الله عز وجل، ليرسخ عندنا عظم مسؤولية الإنسان عن ذريته، تصلح إن أصلحها وتفسد إن أفسدها.

• محاربة الغثائية :
ليست الأمومة أن تنجب الأم أعدادا غثائية لا غناء فيها، ثم تسلمها إلى غيرها من وسط منحل وإعلام مفسد، وشارع سائب، ورفقة مضلة. من فعلت ذلك وتركت ذريتها هملا ساءت عملا وسئلت أمام ربها عن مسؤوليتها: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: ٌ كلكم راع ومسؤول عن رعيته...و المرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها ٌ.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب تنوير المؤمنات: ٌ تسود في كتابات الإسلاميين فكرة الدفاع عن تكثير النسل ولا يتساءل أحد عن أحاديث صحيحة وردت عن عزل الصحابة عن أزواجهم وسكوت رسول الله صلى الله

عليه وسلم عن ذلك. إن كان العزل، وهو وسيلة طبيعية لمنع للحمل، متروكا في الشرع إلى إرادة الزوجين، ليتحملا مسؤولية الإنجاب عن وعي كامل بنتائج قرارهما على ذريتهما، فإن مستقبل الأمة وواجب إنقاذها من كبوتها

وغثائيتها أولى بالاعتبار.
إن قرأنا حديث المكاثرة: ٌ تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة دون عرضه على حديث الغثائية قصر فهمنا وكرسنا انحطاط الأمة جيلا بعد جيل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ٌ يوشك أن تداعى عليكم

الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: أمن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم. وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل : يا

رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموتٌ. حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود عن ثوبان رضي الله عنه.
الغثاء موعود بالفناء. يتكاثر نسل الأمم المستضعفة بوثيرة تعاكس نضوب موارده _ لقد سخر الله عز وجل لهذه الأمة من المؤهلات المادية ما به تستطيع احتلال الصدارة بين الأمم غير أننا لم نعد نملك منها إلا غصة التفرج

عليها وهي بيد أعدائنا يستنزفونها _فيهاجر الغثاء العضلي إلى الشمال الغني المتخم والعقيم، ليصبح عبدا للأذكياء المتعلمين المنظمين.
نكون أغبياء إن فهمنا المباهاة التي تحدث عنها رسولنا الكريم، تكاثرا أرنبيا في حين يلد غيرنا صقورا ونمورا، إن لم نسأل عن واجبنا ومسؤوليتنا عن تنظيم نسلنا ليكون الولد- وهو عملنا- صالحا، قوة للأمة لا وهنا، حاملا لها

لا عبئا عليها.
الغثاء العضلي إن أضيفت له مظاهر ضعف العناية بالطفولة من أمراض، وتدن في المستوى الصحي، وتسيب في الخلاق، ومن بطالة لعجز الدولة عن تأمين العمل وتنظيم البشر، كل هذا يدفع بعجلة التخلف إلى الوراء، وبمزيد من

البؤس ويهدد الأمة.ٌ
الولد الصالح ذخر للأمة في الدنيا ولوالديه في الدنيا والآخرة، فما السبيل لتكون الكثرة مما يبهج نبينا في معرض المكاثرة بين الأمم؟

• البناء على أساس علمي :
من موقع المرأة الاجتماعي بصفتها أما مؤمنة يلزمها العمل على تربية أطفالها نفسيا وعقليا وعمليا ليتأهلوا في مهنة الاندماج الاجتماعي، ومهنة الإنتاج الاقتصادي، ومهنة العضوية الفاعلة المؤثرة في الحياة.
لكن كيف يمكنها ذلك ومدارس تعليمنا الأساسي لا تمحو الأمية الأبجدية إلا عن نسبة قليلة من التلاميذ، ثانوياتنا تخرج لنا أفواجا من المعطوبين والمعطوبات نفسيا، ذوو معارف سطحية، مخدرين ومنحرفين، وجامعاتنا تخرج عاطلين

وعاطلات، يائسين ويائسات من المستقبل، كارهين له ورافضين.
إن لم تكن المدرسة من أولى الأهداف لحركتنا التغييرية، إن لم ندمج في مشروعنا المدرسة في تيار الإحياء والتجدد لا يمكننا تخريج أكفاء في حياة الكسب والفعل في المجتمع، ومن لا غناء له في كسب قوت يومه كيف يكون سندا

لأمته؟
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب تنوير المؤمنات ج.2 ص. 257: ٌ إن اكتساب العلوم والتقنيات المتقدمة، والاستغناء بالمقومات الاقتصادية شرط للبقاء، مجرد البقاء، في الحياة لأمة تطمح أن يكون لها موقع من

الإعراب في عالم الغد. أما أمة تحمل رسالة للإنسان،و هي ممزقة ضعيفة منهوبة مغلوبة، فإن كسب العلوم في حقها أشد ضرورة، إذ هي وسيلة القوة، والقوة العماد المادي لمن له مغزى في الوجود، وشرف في الوجود، ومعنى

في الوجود، يريد أن يقول كلمة تسمع.ٌ ويقول في ص.254 من نفس الكتاب : ٌ في المدرسة الأساسية، من حيث تنطلق مسيرة اقتحام عقبة العلوم، ثم الثانوية والجامعة، ينبغي انسجام جديد غير تجميع الموارد البشرية وترتيبها

وامتحانها الإداري وعقابها وتخريجها بعد لسوق شغل غير موجودة. في المدرسة المرجوة نريد انسجاما جديدا تتقلص فيه الإدارية الدولية، وتحتل الدعوة القلوب لتهيئ النفوس الفتية، فتتلقى الرغبة بالتوجيه التعليمي، وتتلقاه

راضية مقتنعة منساقة لا مسوقة. منذ تعلم النفوس الفتية ما قيمتها في الوجود، وما مصيرها، وما حاضر الأمة التي تنتمي إليها، وما فرصة المشاركة في إنهاضها، ومنذ تثق بالموجه المعلم، وبالمربية الأستاذة، يتكون في النظام

التعليمي جو آخر ملائم للتعليم غير الجو السائد في مدارس الثقافة التابعة والبطالة غير الصانعة…ٌ
إن المعلم واسطة عقد المنظومة التعليمية التربوية. كيف نجعله المربي القدوة ؟ كيف نحيي فيه الباعث القوي على التحلي بالرفق والمسؤولية الأخلاقية؟ من الحرمة والمسؤولية الأخلاقية الإيمانية إعادة علاقة المعلم بالمتعلم إلى

نصابها الإسلامي. فيكون التوقير والحب والتبجيل تحية واجبة على المتعلم للمعلم، ويكون الرفق والنصيحة والرحمة حقا على المعلم إزاء المتعلم.
أذكر بأن كاتب هذه الفقرات إطار تربوي سابق، ومن يريد الاستزادة يرجع للكتاب المذكور، فستجد فيه تنظيرا لمستقبل نظامنا التعليمي إن شاء الله.

• دور الجمعيات:
ومن أهم ما يجب أن تتفرغ له الأمهات والآباء الصالحون إنشاء جمعيات من الطبيبات المحسنات والأطباء والفضلاء لرعاية الشباب وتوجيهه في طور المراهقة. حيث يحتاج الشاب وتحتاج الشابة إلى من ينصحهم ويوضح لهم

كنه الثورة الجسدية وانقلاب الكيان البيولوجي. خاصة أن الخجل والعادة قد يحولان دون تلقين الأبوين حقيقة البلوغ ومشاكل المراهقة. في الجمعيات التطوعية تنوب أم عن أم، وأب عن أب، في ترشيد الشباب. إلى جانب

هذه الجهود لابد من كتابات موجهة إلى هذه الشريحة الشبابية، يؤلفها مختصون ومختصات تيسيرا للتربية الواقية.
كل ما سبق ذكره من معوقات، وغيره، يقنعنا بأن حماية الطفولة لن تتحقق بجهود يبذلها الآباء والأمهات فرادى، بل لا بد من جهود جماعية لاحتلال مواقع الثقافة المستعصية، ولتسخير أجهزة الإعلام وما يغذيها ويحركها، وتوجيهها

لما ينفع هذه الأمة ويربي أجيالها.
"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة عين واجعلنا للمتقين إماما" الفرقان.

المراجع المعتمدة :
 د. رشيد الرينكة، نحو استراتيجية موحدة لحماية الطفولة الجانحة، 2002 مطبعة فضالة المحمدية، المغرب.
 د. محمد التجكاني، تجليات انحراف الأطفال وآليات الإصلاح بالمملكة المغربية، 2002 مطبعة فضالة المحمدية.
 ذ. رشيد الزناد، رؤية عصرية لمعالجة انحراف الأطفال بالجمهورية التونسية نشره د رشيد الرينكة، 2002 مطبعة فضالة المحمدية.
 ذ. الهادي محمد المبروك، رؤية تربوية بالجمهورية الليبية، نشره د رشيد الرينكة، 2002 مطبعة فضالة المحمدية.
 ذ. عيد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، مترجم عن islamiser la modernité، مطبوعات الأفق، 1998.
 ذ. عبد السلام ياسين، العدل الإسلاميون والحكم، 2000 مطبعة الأفق.
 ذ. عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، 1996، مطبوعات الأفق.
 Heuyer georges, introduction a la psychiatrie infantile

تاريخ النشر : 09/12/2004

منقول من موقع جماعة العل والإحسان على هذه الوصلة إضعط(ي) (http://www.aljamaa.com)

المختار
17-12-2004, 00:11
بارك الله فيك اخي الفاضل المشرف العام

موضوع قيم ورائع بس طويل شوي لو قسم لكان افضل حفظك الله وجعلك من اهله وخاصته :)

abdelkader
05-03-2007, 00:51
بارك الله فيك اخي الفاضل

والله الموفق