مشاهدة النسخة كاملة : الظلم ظلمات



أبو خولة
03-07-2005, 13:40
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة على رسول الله رب العالمين
لا شك أن كل من ظلم فهو محاسب بين يدي الله تبارك وتعالى ، والظلم بين العباد درجات ، فمن أعظم الظلم القتل ، قتل المسلم من أعظم العدوان ، ولذلك أوجب الله تبارك وتعالى النار على قتل المؤمن عمداً وظلماً كما قال الله تبارك وتعالى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء:93).
وذلك أنه أعظم عدوان ، ولا شك أنه يتدرج العدوان بعد ذلك نزولاً حتى تكون مجرد الكلمة والغمزة واللمزة في حق المؤمن ظلم إذا كانت بغير حق فهي ظلم ، ولا شك أن كل من ظلم ظلمة فإنه لا تزول قدمه يوم القيامة حتى يؤديها ، وإن كان من أهل الإيمان ومن أهل الصلاح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أتدرون ما المفلس؟ ] قالوا : المفلس فينا ما لا درهم له ولا متاع ، قال صلى الله عليه وسلم [ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار ] (أخرجه أحمد (2/303،334،372) ومسلم (2581) والترمذي (2418) عن أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح).
وقد أذن الله تبارك وتعالى وشاء أن يقيم العدل يوم القيامة على أكمل وجوهه ، حتى إنه يقتص للعجماوات بعضها من بعض وليس للبشر فقط كما قال صلى الله عليه وسلم : [ لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ] (أخرجه أحمد (2/235،/310،411) ومسلم (2582) والترمذي (2420) عن أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح). والجلحاء: الشاة التي لا قرون لها . والقرناء: التي لها قرون.
ومعنى يقتص لها يعني يؤخذ القصاص إذا نطحتها بغير حق فإنه يقتص وكذلك يقتص لها ، ويؤخذ حق الحيوان كما قال صلى الله عليه وسلم : [ عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ] (أخرجه البخاري (5/41-6/356،515) وفي الأدب المفرد (379) ومسلم (2242) عن ابن عمر).
فهذه امرأة دخلت النار في ظلم هرة قطة لما ظلمتها كان مصيرها إلى النار، وهذا يدل على أن الظلم هو إيقاع غير العدل حتى على الحيوان ، وحتى على النبات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار ] (أخرجه البيهقي (6/141) عن معاوية بن حيدة، وحسنه الألباني في الصحيحة (615)).
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم العدوان على شجرة نافعة بدون حق ، ليست سادة للطريق وليس هناك مصلحة من قطعها ، وإنما لمجرد الظلم والعدوان والعبث فإن صاحبها يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم : [ صوب الله رأسه في النار ] .
_هذا كله من معاني الظلم ومن معاني قول النبي صلى الله عليه وسلم : [ الظلم ظلمات يوم القيامة ] .
ولا شك أن أخذ أموال الناس ، وجلد أبشارهم أو سبهم أو حبسهم بغير حق ظلم ، وهذا يستوي فيه من له ولاية ، ومن ليس له ولاية ، بل الذي له ولاية هو أشد جرماً عند الله تبارك وتعالى ، ومن له ولاية يعني من ولاه الله عز وجل ولاية المسلمين فلا شك أنه إذا ظلمهم كان أعظم وزراً عند الله تبارك وتعالى إذا جلد أبشارهم ، أو أخذ أموالهم ، أو اغتصب أراضيهم أو ظلمهم أي شيء بغير حق ، لا شك أنه مسؤول على ذلك بين يدي الله تبارك وتعالى ، ولا شك أن هذه مسؤولية لا يقدرها إلا من علمها ، وأما من يجهلها فإنه قد يفرح بظلمه ، أما من يعلمها ، فإنه يقدرها حق قدرها كما قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على سرير الموت قيل له يا أمير المؤمنين : أبشر فلقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنت صحبته ومات يوم مات وهو راض عنك ثم صحبت خليفة رسول الله يعني أبا بكر فأحسنت صحبته فمات يوم مات وهو راض عنك ثم صحبت صحابتهم يعني من صحبوا النبي ومن صحبوا أبا بكر فأحسنت صحبتهم فلئن كان الموت - هذا كلام ابن عباس لعمر بن الخطاب رضي الله عنه- لتموتن والأمة راضية عنك فلما سمع عمر بن الخطاب هذا من قول ابن عباس وهو الفقيه رضي الله عنهما ، قال : اجلسوني وكان قد طعن فأجلسوه فقال : لئن قلت ما قلت من أني صحبت رسول الله فمات يوم مات وهو راض عني ، إنما ذاك من فضل الله ومنه ، ثم إني صحبت خليفة رسول الله فمات يوم مات وهو راض عني ، إنما ذلك من فضل الله ومنه ، ثم أني صحبت صحابتهم وأني يوم أموت أموت وهم راضون عني ، فأقول هذا من فضل الله ومنه ، وإنما يجزعني مخافتي عليك وعلى أصحابك - يعني مخافته على الأمة - ثم قال : وددت لو أن هذا كان كفافاً لا لي ولا علي وهذا موضع الشاهد يقول : " وددت لو أن هذا كان كفافاً لا لي ولا علي " .
يعني أتمنى على الله تبارك وتعالى أن أكون ما أديته من أمانة ، وما حملته ، وما أبليت من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبة أبي بكر وصحبة المسلمين كفافاً لا لي ولا علي .
يعني لا شيء لي عند الله ، ولا علي شيء أطالب به ، ثم قال : " والله لئن عثرت بغلة بالعراق ليسألن عنها عمر يوم القيامة " .
يقول إن المسئولية جسيمة ، وإنني إن فرطت في شيء مما وليته سيسألني الله تبارك وتعالى عنه يوم القيامة ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الإمارة : [ إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها ] (أخرجه مسلم (1825)
وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : [ نعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة ] (قطعة من حديث أخرجه أحمد (2/448،467) والبخاري (13/125 الفتح) والنسائي (4211،5385) عن أبي هريرة).
الأمارة قال : [ نعمت المرضعة ] . يعني أنها ترضع ، ثديها مليء بالحليب ، فالإمارة تمكن من يملكها من أموال الناس ومن أبشارهم ومن دمائهم وتملكه من المال ولكن : [ بئست الفاطمة ] يعني إذا فطم بالموت ثم أتى بعد ذلك لكشف الحساب فبئس الأمر لأنه سيحاسب على كل شيء.
الشاهد من كل هذا أن الظلم ظلمات يوم القيامة أياً كان ، ومن أي كان ، ولا شك أنه من ذي الولاية أعظم عند الله تبارك وتعالى لمكانته ومنزلته وتمكنه .
فالشاهد من كل هذا أنه لا شك أن ذا الولاية من ولاه الله تبارك وتعالى ولاية من الولايات ، لا شك أن ذنبه أعظم ممن لم يكن صاحب ولاية ، كل هذا يبين أن الظلم لا شك أنه ظلمات يوم القيامة ولذلك كان الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، لأنه مع قدرته يمتنع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل..] (أخرجه أحمد (2/439) والبخاري (11/312-12/112 الفتح) ومسلم (1031) والنسائي (5380) عن أبي هريرة).
فبدأ به صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأنه مع تمكنه يعدل بل إن العادلين هم من أقرب الناس من الرحمن يوم القيامة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ] (أخرجه أحمد (2/160) ومسلم (1827) والنسائي (5379) عن عبدالله بن عمرو).
فالمقسط هو العادل الذي يقوم بالقسط ، والقسط هو العدل ، ويخبر النبي بأنهم على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن يوم القيامة ، ثم فسر النبي المقسطين فقال : هم الذين يعدلون في أهلهم وذويهم وما ولوا ، يعني وما ولاهم الله تبارك وتعالى .
فالعدل ضد الظلم ، والمسلم لا شك أن شأنه أن يكون عادلاً ، كما أن الكافر من شأنه الظلم كما قال تبارك وتعالى: { والكافرون هم الظالمون..} (البقرة:254).
وذلك أن الكافر لا شك أولاً أنه ظلم نفسه بشركه بالله تبارك وتعالى ، وعبادته غير الله ، ووضعه للعبادة في غير محلها ، وهذا أعظم أنواع الظلم .
كما قال صلى الله عليه وسلم لما سأله عبد الله بن مسعود قلت يا رسول أي الذنب أعظم ؟
قال : [ أن تجعل لله نداً وهو خلقك ] .
هذا أعظم ظلم لأنه لا ند لله ولا كفؤ له سبحانه وتعالى .
قال : قلت ثم أي : قال : [ أن تزاني حليلة جارك ] .
وهذا كذلك من الظلم من ظلم الجار ومن الخيانة .
قال : قلت ثم أي : قال : [ أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ] (أخرجه أحمد (1/380،431،434،462،464) والبخاري (8/163،492،10/433،12/114،187-13/503 الفتح) ومسلم (86) وأبو داود (2310) والترمذي (3182) من طرق عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود).
قتل الولد ، وهو عدوان كذلك ولا شك أنه من أعظم الظلم لأن هذه نفس مخلوقة خلقها الله تبارك وتعالى ، ثم لا شك أن الذي خلقها ضمن رزقها كما قال تبارك وتعالى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (هود:6).
فالله تبارك وتعالى ما خلق دابة إلا خلق لها رزقها ، ولكن يأتي الجوع والفقر من الظلم لولا أن الناس لم يتظالموا ، ما بقي جائع ولا عريان ، وإلا فإن الله تبارك وتعالى خلق من الأرزاق ومن النعم في هذه الأرض وذخر فيها ما هو فائض . فالأصل هو الفيض وليس الندرة كما يقول كفار علماء الاقتصاد يقولون : الأصل في الاقتصاد هو الندرة ، وهذا باطل بل الأصل هو الوفرة ولا شك أن الله تبارك وتعال خلق من الأرزاق ، ومن النعم ما هو موفور لخلقه ، ولكن إنما تأتي المجاعة بالتظالم وبالظلم ، وأن يأخذ الأغنياء غير ما يستحقون ، وأن يحرموا الفقراء من حقوقهم ، فالتظالم والتقاطع والتدابر وقطع الطريق والفتن والبلاء هو الذي يقع بسببه هذا النقص ، فالشاهد أن الإسلام جاء بالعدل وأمر الله تبارك وتعالى بأن نكون عادلين ، ونهانا عن الظلم ، وأخبر سبحانه وتعالى بأنه ولو مثقال ذرة لا بد أن يسأل عنها العبد يوم القيامة كما قال تبارك وتعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه } (الزلزلة:8،7) . ولا شك أن الظلم من أعظم الشرور . أقول هذا لأن الداء الذي حل بالأمة إنما هو داء العدوان والظلم ، كل إنسان يقدر للأسف أن يظلم إلا من شاء الله ، وإلا من خاف الله تبارك وتعالى.
نسأل الله أن يجنبنا الظلم و يلهمنا سبل الحق و العدل آمين

المختار
05-07-2005, 16:31
حفظك الله اخي الكريم موضوع قيم جعله الله في صحيفتك يوم لا ينفع مال ولابنون


جزاك الله الف خيرا



لا تنسانا ايضا اخي الفاضل من خالص دعائك



اخوك المختار

hassan_1677
06-07-2005, 01:15
شكرا على هذا الموضوع