ولنا في أمة النمل آية

**محبة الجماعة** · 30-06-2008, 11:22

مرفوعة الهامة منتصبة القامة، تتقدم الحشود بخطى ثابتة، تترقب بحذر شديد.فجأة تولي وجهها اتجاه صفوف النمل المنتظمة وراءها تخاطبهم خطاب القائد المحنك الذي يحذر الجنود من الأخطار التي ستحدق بهم ( يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ليحطمنكم سليمان وجنوده وأنتم لا تشعرون ) سورة النمل، الآية ׃18
حجمها صغير وصوتها بليغ وقرارها سريع التنفيذ، فما هي الأسرار الكبرى والمعجزات العظمى التي أودعها المولى عز وجل في ﻫﺫه الحشرة الصغيرة؟ وكيف يستفيد الإنسان من انضباطها وجدها؟

عظمة الحق في أصغر خلق

النمل خلق من مخلوقات الله التي يبرز بها سبحانه وتعالى بعض أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فقد أودع فيها من الأسرار ما حير العلماء، ولازال يحثهم على البحث والمعرفة. جاء في تفسير الإمام إسماعيل حقي رحمه الله أن " النملة سميت نملة لتنملها، ونمل اشتقاقه من التنمل لكثرة حركاته" 1/4507. والنمل أنواع عديدة كما ذكر الباحث " linghik terrob"ﺇﺫ قال " عدد النمل على الأرض يفوق عدد البشر بأضعاف مضاعفة، ويبلغ أنواعه حوالي تسعة آلاف أو عشرين ألف نوع، وتختلف في الشكل والحجم" عن موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن. أما عن التكوين البيولوجي للنملة فقد جاء عن نفس الدراسة أن للنملة عيونا فيها الكثير من العدسات، وخلق الله لها قلبا يضخ الدم الذي لا لون له، ولها جهاز عصبي وغير ذلك من الأجهزة التي تجعلها من أكثر الحشرات نجاحا في البقاء والاستمرار. كما يعتبر دماغ النملة الأكبر بين الحشرات قياسا لحجمها، وهو يحوي أكثر من250000 خلية عصبية في دماغ النملة لازالت مجهولة من طرف العلماء. وبعض الباحثين يؤكدون أن دماغ النملة يعمل أفضل من أي كمبيوتر في العالم! وﻫذه الخلايا العصبية لها مهمة إرسال الرسائل والتواصل والتخاطب. وهنا تبرز الحكمة من قول الله عز وجل (قالت نملة) فقد ذﻫب بعض العلماء من السلف الصالح إلى أن القول هنا بمعنى المجاز، حتى أثبتت الحقائق العلمية اليوم أن النملة تستطيع أن تقول قولا مفهوما بواسطة الأجهزة التي خلقها المبدع سبحانه وتعالى فيها، وذلك بعد أن تم تسجيل أصوات مختلفة للنمل تم نشرها على مجلة noitarbiv dna ndsou fonaljour سنة 2006 وكانت المرة الأولى التي يسمع فيها الإنسان صوتا حقيقيا للنمل! سبحان من أحسن خلق كل شيء، وجعله لنا عبرة ودليلا.

لنستفد من فن تسيير القائدة المحنكة

اقتضت الحكمة الربانية أن تعيش جميع المخلوقات على وجه البسيطة في ظل أمة متعايشة متجانسة، قال تعالى : (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء) سورة الأنعام، الآية :38. فجعل الله لنا في تعايشها دليلا نهتدي به، ونسترشد بتعاليمه في حياتنا.
ومن الأمم الراقية في فن التسيير، والماهرة في العمل الجماعي أمة النمل التي ما إن تأملنا كيفية تعايشها إلا واستفدنا منها الكثير.
فقد درس العلماء مجتمع النمل لقرون واستعانوا بالمجاهر، والوسائل والمختبرات لإجراء التجارب عليه، وتوصلوا إلى أن النمل مجتمع كامل بكل معنى الكلمة.
فمملكة النمل تتكون من:

- ملكة : وهي أنثى خصبة، دورها وضع البيض وإدارة الحكم في المملكة.
- الشغالات : وهن عاملات إناث عقيمة تقوم بكل أعمال المملكة، بتوزيع دقيق كل حسب قدرته.
- الذكور : وهم ذكور خصبة مهمتهم الوحيدة التزاوج مع الملكة، وهنا ندرك دقة التعبير القرآني (قالت نملة) ذهب جميع المفسرين إلى أن نملة سيدنا سليمان كانت مؤنثة حقيقة، يروى أن قتادة دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقالوا سلوا عما شئتم، وكان أبو حنيفة حاضرا وهو غلام حدث، فسألوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى؟ فقال أبو حنيفة : كانت أنثى، فقيل له من أين عرفت؟ فقال من كتاب الله (قالت نملة) ولو كان ذكرا لقال قال نملة، لأن مصطلح نملة يطلق على الذكر والأنثى. تفسير الإمام حقي،1/4508.

وﻫذا ما تعضده الدراسات العلمية اليوم، حيث ورد في الموسوعة العلمية قيام العلماء بمراقبة النملات وهي تعمل، وذلك بعد أن وضعوا علامة مميزة لكل نملة، فوجدوا النملة القائدة تقسم المجتمع إلى فرق، كل طائفة تقوم بعمل محدد لعدة أسابيع. أي إن النملة التي تقوم بإنذار النمل لدى وجود خطر هي ذاتها، والنملات التي تعتني بالأطفال الصغار هي ذاتها، والنملات التي تتولى مهمة الدفاع عن المستعمرة هي ذاتها، ولكن بعد عدة أسابيع تتبادل المهمات لتكسب كل منها مهارات جديدة.

ولعمري إن النملة هنا أذكى من الإنسان الذي يتخصص في مجال ما، ويشتغل طيلة حياته حسب ﻫذا التخصص، دون أن يكلف نفسه عناء الاطلاع على العلوم الأخرى. وﺑذلك يحرم نفسه وأمته من مهارات جديدة، قد يتألق فيها أحسن من تخصصه الأول.

فلنقتبس ولنكتسب مهارات جديدة، ﻔﺈن التطور العلمي لايرحم تخاذلنا فهو يسير بسرعة البرق، ولنحذر أن نبقى وراء القافلة.

تحية تقدير للخبيرة الاقتصادية

النملة رمز الجد والاجتهاد، فمن منا لاﯿذكر القصة الشهيرة التي كانت تحكى لنا في الصغر عن الصرصار والنملة، وقد صدق آباؤنا وأجدادنا. فالنمل وكما يؤكد العلماء سبق البشر في كثير من المهارات. فهو مثلا لايتناول أي طعام يصادفه، بل يقوم بتخزينه ويركز على الأغذية الدسمة من الطعام ليستفيد منها في الشتاء.

ومن منافعه أن " النملة تكسر الحبة قطعتين لئلا تنبت. إلا الكزبرة فإنها تكسرها أربع قطع لأنها تنبت ﺇﺫا كسرت قطعتين. وﺇذا وصلت النداوة إلى الحبة تخرجها إلى الشمس من جحرها حتى تجف". تفسيرالإمام حقي1/4510

كما أن نظام المرور لدى النمل يتميز بالدقة والإتقان، فقد أمضى الباحث"irog maharg" السنتين الماضيتين في دراسة ظاهرة نظام المرور عند النمل وقال بعد ﻫﺫه الأبحاث :" إن النمل يتفوق على البشر في تنظيم حركة المرور لديه، وهو يعمل بكفاءة عالية حتى أثناء الزحام، بل إن النمل يستطيع التحرك في مجموعات كبيرة والتوجه إلى مساكنه خلال لحظات دون حدوث أي حادث أو اصطدام أو خلل، فحري بنا أن نقتبس بنودا من قانون سير النمل بغية تجنب الحوادث المؤلمة التي تحصد آلاف الأرواح سنويا. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

فالنملة التي تنظم المرور لها طريق خاص بها لا تسلكه بقية النملات، وهناك طريق في الوسط تسلكه النملات المحملة بالغذاء والحبوب والمواد القابلة للتخزين. أما النملات "الفارغة" فلها طريق على الجوانب " طريق سريعة" لأن حركتها تكون أسرع من النملات المحملة. كل ﻫﺫا يحصل بنظام فائق الدقة لايوجد أي خلل أوخطأ.

سبحان من جعل لنا في ذلك عبرة قال تعالى : ( وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون) سورة الجاثية، الآية : 4.