الحصان والارهاب قصة قصيرة حامد الزبيدي

[محمد حسين سعيد بور]

الحصان والارهاب


نزعت عصبتها الارجوانية المتعبة ، ونثرت ضفائرها السود في الفضاء ، وارتدت ثوب الحداد البراق ثم مضت لتودع تلك القرية البائسة التي دخلت الى العالم السفلي ، بعد ان سقطت الاوراق وتعرت الاغصان واخذ النهر بالشحوب ، ودمدمت الريح ، كسرت الابواب النائمة في احضان الشقاء ، واعتلى الصراخ ، صراخ امرأة عجوز كانت تستغيث من النيران المشتعلة في بيتها المنخور ، احترق عربة النفط ومات زوجها ولم يجرؤ احداً لنجدتها ، استجمعت قواها وانقذت الحصان الذي قفز من مكانه ورفس الهواء ثم فر من الجحيم ، قد تحرر من قبضة الحوذي القاسية والسوط ورائحة النفط ، ورغم تخلصه من الاضطهاد والعبودية إلا انه لم يشعر بلذة الحرية المذبوحة في صدره ، لأنه استنشق هواءً ملوثاً برائحة البارود والدخان والشواء ، التفت الى البيوت ، رأى السقوف الملتهبة ترتفع الى الاعلى كأنها العاب نارية في السماء ، والجدران تنهار كالسدود في مواسم الفيضان ، والارانب تخرج من تحت الانقاض مذعورة ، خائفة ، تقفز في الطرقات المزدحمة بأحذية الجنود الحمر والكلاب صامتة في وجوه الاغراب ، طأطأ رأسه بذلٍ وتخيل الولايات المتمدنة ، كيف تصنع الارهاب ، قال في ذات نفسه : ماذا يكون لو كنت انا هم ، وهم انا . هل .. ؟ .

وصمت عن الكلام واشاح بوجهه نحو الصحراء ، بعيداً عن القرية الموبوءة بالموت الجماعي ، ناحت في روحه الذكريات المليئة بالاحلام الثلجية ، واجهش بصمت في البكاء ، لشعوره الغريب بالغربة والضياع في وطنه ، جفل من صوت هروب قطيع الارانب الذي مر به ثم ركض غريزياً معه استوقفه كبير القطيع قائلاً .

لم تجري معنا يا حصان ؟

لأنفذ بجلدي وانقذ نفسي مما يطاردكم .

ليس انت المعني يا حصان .

ثق لو ظفروا بي ، سيسلخون جلدي حتى اثبت لهم اني حصان .

قفز كبير الارانب يجري بكل ما اوتي من قوة صوب القطيع ، وبقي الحصان متسمراً في المكان ، التفت الى الخلف ، فوجئ بفصيل من الجنود المدججين بالسلاح عن قرب منه . نادى احدهم الاخرين .

انظروا الى هذا الارنب العملاق .

انطلق الحصان بالصهيل ثم اخذ يدور وسطهم في محاولة يائسة كي يفلت عنهم لكن دون جدوى لقد احاطوا به من كل مكان وهم يقتربون منه ، قفز في الهواء لأختراق احدهم لكن الاخر صوب فوهة سلاحه بوجهه ومنحه وسام الرحمة بطلقة في رأسه وهو غارق في الضحك والحصان الطائر اخذ بالانهيار والسقوط .

12/7/05