العنقاء قصة قصيرة حامد الزبيدي

[محمد حسين سعيد بور]

العنقاء
قصة قصيرة
حامد الزبيدي
أين أمكث الآن بالضبط ؟
لا أعلم.
لا، بل أعلم .
أنا الآن ،أمكث في أكبر مقصلة في العالم .
لكن ،لا أعلم بالضبط ،إن كنت قابعا في سجن كبير أو قبر يسع رفاتي والآخرين ،تنهش لحمتنا دابة الأغراب المسعورة ،ليس لأنهم يملكون زمام المبادرة في قلب الأشياء ولا كونهم يملكون أسلحة ذكية لا تعرف الرحمة ،إنما كوننا بكل صراحة ....أو ... نحن لازلنا نعيش فوق الألوان ومنا المتواطئ والمخبر السري ومنا من يبيع الشرف الرفيع بنصف دولار أو أدنى ،ومنا الشريف المتهم بالإرهاب الذي أعطى ما يملك ولم ينل إلا الألم .
تلك هي الحقيقة.
الشرفاء وحدهم يقبعون تحت سياط صفر ،تتناوب عليهم في غرف سود أبوابها موصدة في كل حين بمزاليج حمر مختومة بالشمع الأزرق ،لا منفذ فيهن سوى ثقوب مفاتيح مفقودة ،لا يلج منهن سوى هواء نتن ، فاسد ،وأنين متواصل بألوان شتى وصدى صراخ رهيب متقطع ،يثقل آذان النزلاء أشباه الميتين ،وينفخ صدورهم .
أتوتر ،أضطرب ، أزداد انهيارا ،أتقيأ دما ،تفيض الغرفة المظلمة ،أطفوا فوق السيل حتى أغرق ،أتشظى،من هول التعذيب ،أتمزق أشلاء ثم لا أكون شيئا ،أستغيث من العدم وأستنجد بقوة ولم أقنط أبدا .
منذ الذي يخرجني من هذا الألم ، والعير فاتت الجب من قبل ؟
قد أهدر دمي ،يوم ميلادي بأبخس ثمن فلس أو فلسين وأينما يثقفوني ،يقتلوني قتلة خنزير أسود ،غادرت نفسي من نفسي ولم أكن فيها موجودا ،بلا زمان ومكان ،أني لعلى يقين شيئا من العدم ثم أني لا أملك شيئا من المعرفة ،قد كنت يوما كأي حيوان متطفلا ،أقتات من فتاتها العصي على الهضم والفهم بالكاد غرفت بأناملي غرفة واحدة أبصرت فيها تلك السماء ،وتبصرت في فظاءاتها الواسعة إذ رأيت العنقاء تسابق عاصفة النار ،تلتقف رجالا وأولادا و نساء،سقطوا من صرح هاري من فضاء خال من العاطفة .
أولئك هم الذين رضعوا حليب الخنوع والاستكانة أريعين عاما ولم ينتفضوا وأصبحوا قوما لا يقادون إلا بالسوط ،لا أحد فيهم من يستمع إلى صوت صاف.،قد مضوا لزوما وربما طوعا إلى حاويات النفايات وألقوا بأنفسهم فيها وأدلوا بأصواتهم الرخيصة إلى نكرات ، ينشدون حرية السرقات وديمقراطية الكراسي .
24 / 4 / 2010
حامد الزبيدي