قراءة في التحالفات الدولية لتونس الجديدة مقال مهم

[المراكشي]

بسم الله الرحمن الرحيم

اقدم مقالا مهما للكاتب و الباحث الإستراتيجي في العلاقات الدولية المتميز رياض صيداوي ( التيار القومي ) يقدم فيه قراءته لحصيلة و إنجازات الحكومة التونسية فيما يتعلق ببناء علاقاتها الإقتصادية و الإستراتيجية بشكل مرتجل و اعتباطي و متخلف فرغم نجاح النهضة في تدبير خلافاتها السياسية بطريقة مقبولة خوفا من ثورة جديدة وهو شيئ يحسب لها لكن الاداء الدبلوماسي و السياسي و الإقتصادي لحكومتها كانت ضعيفة جدا و بعد خروجها من السلطة استمرت الحكومة الجديدة في نفس الإتجاه وهو موضوع هذا البحث فهذا يعني ان الإرادة السياسية للاحزاب التونسية مسلوبة و ان هناك قوى خفية تحكم البلاد في الغالب خارجية عنوانها صندوق النقد الدولي و قطر المتصهينة إليكم المقال


رياض صيداوي

جريدة الشعب عدد 29 مارس 2014
زيارة مهدي جمعة منذ مدة إلى الجزائر وزيارته اليوم إلى دول الخليج العربي جاءت لتحاول إصلاح ما أفسدته سياسة «الترويكا» الخارجية التي أدت إلى كارثة على الاقتصاد التونسي. ببساطة وضعت الدبلوماسية التونسية «كل بيضها في سلة واحدة»: وهي السلة القطرية الأمريكية على حساب دول كثيرة أخرى دخلت معها في عداوات مجانية. والنتيجة أن قطر لم تساعد تونس جديا رغم الفائض المالي الهائل الذي تمتلكه. أما أمريكا فهي تعاني من أزمة مالية حادة منذ أزمة الرهن العقاري المدمرة والتي تواصلت إلي اليوم. وهي لا تمتلك سيولة نقدية لإنقاذ نفسها فما بالك بإنقاذ الآخرين. وهي مدينة للصين بمبالغ هائلة جراء شراء سندات خزانتها. حصدت تونس أعداء كثيرين كان من الممكن أن يساعدوها جديا ولم تحصل على أي شيء ذي أهمية فعلية من ارتمائها الكلي في الحضن القطري الأمريكي.

التلاعب الإعلامي بالأرقام
عندما نتحدث عن مساعدات وقروض لتونس يجب أن تكون الأرقام التي نناقشها بمليارات الدولارات وليس بالملايين. الاقتصاد التونسي يحتاج على الأقل إلى عشرة مليارات دولار ليحدث إقلاع اقتصادي. أما المبالغ التي تحدثت عنها الدبلوماسية التونسية مساعداتٍ وقروضًا فقد كانت دائما مغالطة لأنها تتحدث عن عشرات الملايين من الدولارات وفي أقصى الحالات بضع مئات من الملايين. وهي مبالغ زهيدة جدا تم تصويرها نجاحاتٍ في الإعلام الرسمي الحكومي إلى أن جاءت تصريحات مهدي جمعة الصادمة لتقول إن الاقتصاد التونسي في وضع حرج جدا. والحقيقة المرة أن «الترويكا» فشلت فشلا ذريعا في جلب الأموال إلى تونس بل أدت سياستها القطرية الأمريكية إلى حرمان تونس من الدعم الجزائري وكل دول الخليج العربي باستثناء قطر وأيضا دول البريكس: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا. هذه الدول التي بدأت تشكل محورا جديدا ضد الهيمنة الأمريكية في العالم.

تصريحات المرزوقي المعادية للجزائر في ليبيا
أول صِدَامٍ حدث كان مع الجزائر. الرئيس المنصف المرزوقي ذهب منذ وصوله إلى سدة الرئاسة إلى ليبيا ليلتقي بميليشيات لا تعرف عنها تونس الكثير إلا أنها أسقطت نظام معمر القذافي عبر تدخل الحلف الأطلسي الواسع النطاق. ألقى الرئيس خطابا «ثمن» فيه الثورة الليبية «المظفرة» وهاجم فيه أيضا الجزائر وجيشها وبدأ يعطي دروسا في الديموقراطية لبلد المليون ونصف شهيد. الصحافة الجزائرية ردت بعنف على الرئيس المرزوقي وأحدث ذلك أزمة دبلوماسية حاول المرزوقي إصلاحها لاحقا بحضوره احتفال ذكرى ثورة نوفمبر 1954 في السفارة الجزائرية في تونس خارقا بذلك برتوكولا يقول إن الرؤساء لا يحضرون احتفالات السفارات.
الجزائر لم تفهم موقف المرزوقي المتحامل عليها وهي أول بلد يساعد تونس بمبلغ 100 مليون يورو فورا منذ الأيام الأولى لنجاح الثورة تسلمها الباجي قائد السبسي رغم أن زيارته لها لم تكن لطلب مساعدة مالية عاجلة. الجزائر تمتلك حوالي 200 مليار دولار في خزينتها وقامت بمنح صندوق النقد الدولي قرضا ماليا هاما بمبلغ 5 مليارات دولار. وتونس اقترضت بدورها من هذا الصندوق حوالي مليارا واحدا من الدولارات على دفعتين بشروط اجتماعية مجحفة لعل أهمها التدخل في الشأن الداخلي التونسي عبر الالتزام بسياسة رفع الدعم عن أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية والمزيد من الإغراق في سياسة اقتصاد السوق التي اندلعت الثورة التونسية أصلا بسبب تراكماتها التي أضرت بالطبقة المتوسطة وحطمت الفئات الاجتماعية الضعيفة.
فقدت الدبلوماسية التونسية سندا ماليا مهمّا من جار شقيق يجمعنا به الكفاح المشترك ضد الاستعمار وحدودا برية طويلة ومصالح اقتصادية كبيرة تأتي خاصة من تدفق السياح الجزائريين على تونس. الشعار الذي رفعته آنذاك «الترويكا» أن ليبيا هي التي ستمتص البطالة في تونس وهي من ستحل مشاكل الاقتصاد التونسي. وتم تسليم البغدادي المحمودي في هذا السياق إلى سلطة ليبية هشة جدا متصارعة فيما بينها ولم تنجح إلى حد الآن في بناء دولة يمكن إبرام اتفاقيات جادة معها يعتمد عليها. ولم تمتص ليبيا العاطلين عن العمل في تونس بل دخل منها السلاح الذي يستخدمه الإرهابيون في عملياتهم التخريبية. لقد خسرنا الجزائر ولم نربح ليبيا.

المرزوقي وموقفه الحاد من مصر ومن سوريا
الرئيس المنصف المرزوقي أيضا هاجم تدخل الجيش المصري في مصره وإزاحته لمحمد مرسي في خطابه في الأمم المتحدة. والنتيجة سحبت الإمارات العربية المتحدة سفيرها من تونس معلنة غضبها من تصريحاته. وطبعا لن تكون أبدا متحمسة لمساعدة الاقتصاد التونسي ومثلها بقية دول الخليج العربي باستثناء قطر. لكن هل ساعدت فعلا قطر تونس ماليا؟
مرة أخرى الرئيس المنصف المرزوقي هو من تصدر لمهمة الدفاع عن قطر مهددا التونسيين بعقوبات قانونية و«عذاب الضمير» لأن قطر ساعدت تونس في استرجاع مبلغ 28،8 مليون دولار من الأموال المكتسبة بطرق غير شرعيّة التي هرّبها الرئيس السابق بن علي وتمّ تسليم الأموال المستردّة في شكل صكّ إلى رئيس الجمهوريّة من قبل القطري علي بن فطيس المري المحامي الخاص التابع لمكتب الأمم المتّحدة.. كان مهرجانا في القصر الرئاسي وفي التلفزة الوطنية وتنويها مبالغا فيه بمساعدة قطر في استرجاع مبلغ 28 مليون دولار. هذا المبلغ لا يغني ولا يسمن من جوع للاقتصاد التونسي الذي يحتاج على الأقل عشرة مليارات دولار حتى يقلع. المبلغ فعلا بسيط جدا ولا يستحق الذكر لزهده.
قطر لم تمنح تونس إلا قرضا جديا واحدا وهو 500 مليون دولار بفائض كبير يصل إلى 3 بالمائة مقابل قرض ياباني ب300 مليون دولار بفائض واحد بالمائة فقط. «عاشت الأخوّة التونسية اليابانية»!
الدفاع المستميت عن قطر أدى إلى معاداة كل من السعودية والإمارات والبحرين للحكومات التونسية. وفي المقابل لم ترد قطر الجميل بمساعدات حقيقية. في الشريط المسرب للحديث الذي حصل بين الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي أثناء نقل السلطة من الأول إلى الثاني، استمعنا إلى السبسي يقول إن قطر عرضت قرضا جديا على تونس بعشرة مليارات من الدولارات ما يعني إمكانية إقلاع اقتصادي حقيقي. المبلغ مهمّ ومحترم. ولكن بفائدة مرتفعة جدا تتجاوز الأربعة بالمائة. لا يوجد اقتصاد يتحمل مثل هذه النسبة العالية من الفائدة. ورفضت الحكومة التونسية طبعا العرض.

طرد السفير السوري وزيارة لافروف بعد انسحاب حكومة «الترويكا»
طرد السفير السوري المستعجل من تونس أدى أيضا إلى معاداة حلفاء سوريا لنا وفيهم دول غنية وتمتلك فائضا نقديا وخاصة إيران، الحليف الاستراتيجي لدمشق ودول «البريكس» وعلى رأسها روسيا. هل كانت زيارة لافروف إلى تونس مباشرة بعد انسحاب حكومة «الترويكا» مصادفة أم هي تشجيع للحكومة الجديدة على انتهاج سياسة أكثر حيادية تجاه ما يحدث في العالم؟ لا أعتقد أنّ في علاقات الدول صُدفا.
دول «البريكس» دول غنية جدا وتحقق نسبة نمو اقتصادي هائلة على عكس دول الغرب وبخاصة أمريكا وفرنسا وبريطانيا التي تعيش في انكماش اقتصادي وتفتقر إلى فائض مالي يمكن أن تساعد به الآخرين. هي نفسها تحتاج إلى مساعدة للخروج من أزمتها البنيوية الهيكلية الخانقة.
الدبلوماسية التونسية التي يقودها رئيس الدولة ووزارة الخارجية في عهد «الترويكا» خسرت «الدنيا والدين» معا. فلا هي دبلوماسية مبدئية تعمل على نشر قيم الثورة التونسية من حرية وديموقراطية وأكبر دليل على ذلك كيفية تعاملها مع دكتاتورية قطر وصمتها المطلق تجاهها وهي التي تسجن شاعر ثورة تونس محمد بن الذيب العجمي بسبب قصيدته «كلنا تونس» وتحتجز الإعلامي التونسي محمود بوناب وتمنعه من السفر… ولا استطاعت وهذا المهمّ جدا أن تجلب مساعدات واستثمارات إلى تونس من الجزائر أو دول الخليج العربي أو إيران أو دول «البريكس». عادت العالم من أجل عيون «أمريكا وقطر» ولم تجن إلا المحاصرة.
يخطِىء أيضا مهدي جمعة حينما يمارس سياسة «التسول الدبلوماسي» وهو الذي يرمم ما أفسدته «الترويكا». المطلوب هو توازن دقيق بين قيم الثورة التونسية ومصالح دولة تونس. دبلوماسية هادئة ورصينة تبحث عن مصالح تونس أولا ولا تورطنا في صراعات لا ناقة لنا فيها ولا جمل. وكل تصريح يصدر عن مسؤول تونسي وخاصة رئيس الدولة يجب أن يحاسب عليه بالجملة وبالكلمة وبالفاصل. والاعتذار لاحقا لا يزيد إلا من الإساءة إلى الدبلوماسية التونسية واعتبارها غير جادة. إن كنا نريد إعطاء دروس في الديموقراطية حقا فَةلْنُعْطها للجميع دون تمييز وليكن لقطر قبل غيرها للأسباب التي سبق ذكرها. أما أن نكيل بسياسة الكيل بمكيالين ونخسر مصالحنا الاقتصادية فذلك يعني أننا «خسرنا الدين والدنيا» معا.