السوريون والتحالف الدولي

[ابتهال]

بقلم: د. محمد خلف الشهاب
السوريون والتحالف الدولي
تاريخ النشر: 4 محرم 1436 هـ - 28 تشرين الأول 2014 مـ - 16:45 (gmt + 3)

السوريون والتحالف الدولي

بعد أربعة أعوام تقريباً من بدء المرحلة المسلحة من الثورة السورية، رداً على العمل العسكري والأمني الذي انتهجه النظام السوري بحق الشعب، الذي فاقت حصيلته مليونا بين شهيد وجريح ومفقود وسجين، وأكثر من خمسة عشر ملايين سوري نازح في الداخل والخارج، قررت القوى الدولية الكبرى البدء بعملية عسكرية لضرب ما يعرف بـ "تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام "بعد نشر التنظيم مقطعاً مصوراً لذبح ما قيل أنه صحفي أمريكي أسره التنظيم، وهذه الحرب التي يشارك فيها أكثر من أربعين دولة، منها دول عربية على رأسها "السعودية" و "الإمارات" و"الأردن" و"البحرين" و"قطر".

لقد برر العالم هذه الحرب بحجة حماية الأقليات الدينية والعرقية في "سورية " و"العراق"، بينما يعرف العالم أجمع أن مبررات هذا التدخل لا يمكن أن يستوعبها أكثر الأطراف عداء لتنظيم الدولة في سورية، أو السياسيون المحسوبون على الثورة السورية، على الرغم من قربهم من الأنظمة المشاركة في هذا التحالف أكثر من علاقتهم بالميدان في سورية، وقد قال أحد أبرز الشخصيات السياسية السورية "جورج صبرة " في تصريح واضح عبر قناة "الجزيرة " القطرية أن هذه العمليات التي يراد لها أن تطال داعش، لا يمكن أن يتقبلها الشعب السوري الذبيح ما لم تبدأ بنظام الأسد ومواقعه العسكرية جميعها، ولذلك فقد أضاف الرئيس الأمريكي "باراك أوباما " أن السبب الرئيس لهذه الحرب هو مواجهة خطر انتقال هذا التنظيم لتنفيذ عمليات في "أمريكا " وأوروبا والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

يعلم الجميع في سورية وخارجها حجم الجرائم التي قام بها تنظيم الدولة في حق الشعب السوري؛ فقد قتل على أيدي مقاتليه أكثر من سبعة آلاف سوري، من الكتائب الإسلامية السورية معظمهم، بما فيهم "جبهة النصرة " و "الجبهة الإسلامية " وبعض فصائل "الجيش السوري الحر " وأصيب الآلاف، ويعلم كذلك الجميع أن تنظيم الدولة لم يطاله من النظام ما طال بقية الفصائل المسلحة، بل ربما كان حليفاً واضحاً إذا تم تتبع المسار الميداني والعملياتي للمعارك التي خاضها مع باقي فصائل المعارضة، وبذلك يفهم الجميع أن عدو تنظيم الدولة الأول وأكثر المتضررين منه كان ومازال هي الفصائل الإسلامية الأبرز في سورية، ولاسيما العسكرية منها.

وعلى الرغم من ذلك، سنسرد مواقف أبرز الفصائل السورية من هذا التحالف، فقد أصدرت "جماعة الإخوان المسلمين" في سورية بياناً وضحت فيه موقفها التفصيلي من الأمر، حيث استغربت الجماعة الموقف الدولي الذي بقي متفرجاً أربع سنوات تقريباً على الرغم من علمه ببطش النظام، وعدم تحركه لوقف هذه الجرائم بحق الشعب السوري، وفي المقابل غض الطرف عن التدخل الدولي الطائفي من قبل "إيران" والميليشيات المسلحة العراقية واللبنانية، وعدته أساس انتشار التطرف في سورية، كما عدت الجماعة أن منبت التطرف يكمن في النظام السوري المجرم وحلفائه الطائفيين، وأن أي حرب تستثني هؤلاء ستقرأ على أنها "حرب على الإسلام وأهله"، مؤكدة أن كلمة الإرهاب باتت كلمة مطاطة لا معنى واضح لها.

لقد ذكرت جماعة الإخوان المسلمين في بيانها رفضها التام لتطرف تنظيم الدولة وجرائمه بحق الشعب السوري بأطيافه وفصائله كافة، وأكدت على وسطية منهجها ورفضها الغلو والتكفير، كما رفضت التدخل الدولي الذي لا يكون أساسه استهداف آلة البطش الأسدية، وأكدت الجماعة على ضرورة استهداف التنظيمات "الشيعية" الطائفية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري ووضعها على قائمة الإرهاب.

في المقابل أعلنت "حركة حزم" عن رفضها لعمليات التحالف الدولي وعدته انتهاكاً للسيادة السورية، ولاسيما بعد وقوع عشرات من عناصرها بين شهيد وجريح، فيما أكد "مجلس قيادة الثورة السورية" على استهجانه من موقف رئيس الائتلاف السوري "هادي البحرة" الذي طالب بالتدخل الأمريكي في سورية محملاً إياه العبء الأخلاقي والتاريخي عن الجرائم التي ستتورط فيها قوات التحالف، بينما أعلن "جيش المجاهدين " وهو أحد أكبر الفصائل العسكرية في سورية، أعلن رفضه لهذه الحملة معتبراً أن الهدف الحقيقي من هذا التحالف هو إعادة إنتاج النظام السوري، ومؤكداً على أن أية ضربات لا تستهدف النظام السوري والميليشيات العراقية واللبنانية ما هي إلا ضرب من التآمر على الشعب السوري وثورته.

ومن اللافت ذكر موقف تيار بناء الدولة "العلماني" الذي جاء رافضاً أيضاً للتدخل الدولي في سورية، حيث عد أن مقابل كل قتيل من تنظيم الدولة سيلتحق بالتنظيم عشرات وربما مئات من المقاتلين الجدد، محملين النظام السوري والمجتمع الدولي مسؤولية هذا التشظي الذي أصاب المجتمع السوري، وجنوح بعض أبنائه إلى التطرف والالتحاق بهذه التنظيمات.

في الجانب الأبرز أعلن "المجلس الإسلامي السوري" الذي يضم الهيئات والتجمعات والشخصيات الإسلامية السورية معظمها رفضه التام للتدخل الدولي، ورأى المجلس أن تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" لم يكن ليتقوى لولا مهادنة نظام الأسد له في الجبهات المختلفة وغض الطرف الذي مارسه المجتمع الدولي طوال السنين الماضية، كما أكد المجلس على ما أكدته الفصائل العسكرية السورية معظمها من أن الحرب على الإرهاب باتت أكثر وضوحاً في أنها "حرب على المسلمين من أهل السنة"، حيث يتغاضى العالم كله عن الميليشيات الطائفية الشيعية اللبنانية والعراقية.

لقد شكل البيان الذي أصدرته الجبهة الإسلامية موقفاً إسلامياً إضافياً لرفض هذه الحملة الدولية التي لا يعرف دوافعها الحقيقية، حيث وصف البيان مبررات هذه الحملة بالمصطنعة التي غضت بصرها عن الإرهابي الأول في سورية وهو نظام الأسد، وهو ما يؤكد على استمرار النفاق الغربي، كما حذر البيان من استهداف المدنيين أو الثوار الذين خرجوا لقتال نظام الأسد، مؤكداً أن ذلك سيصب في صالح الأسد الذي سينتهز الفرصة لمزيد من الجرائم بحق الشعب السوري، فيما أعلنت جبهة النصرة موقفها الرافض لهذا الحلف، ووصفته بالتحالف الصليبي الذي يهدف إلى استهداف الإسلام وأهله، ولم تأت على ذكر تنظيم داعش خلال البيان المصور الذي ذكره الناطق باسمها "أبو فراس السوري" من قريب أو من بعيد.

أما عن الموقف الشعبي فقد جاءت الجمعة التي ظهر فيها الحراك الشعبي الثوري من خلال تسمية الجمعة والتظاهرات التي تصاحبها، حيث كانت بعنوان "جمعة المدنيون لا ينقصهم قتلة دوليون " في إشارة إلى حجم الخسائر البشرية والمادية في صفوف المدنيين وهم بالمئات بين شهيد وجريح، فقد وقعت بفعل طائرات هذا التحالف الدولي وصواريخه، فيما أكد ناشطون أن هذه الجمعة هي أكثر الجمع من حيث الزخم الشعبي في أكثر من مائة نقطة تظاهر ضد هذا الحلف الذي لم تتضح حقيقة موقفه من نظام الأسد والميليشيات التي تقاتل معه.

لقد كان الموقف الرافض لهذا التدخل من القوى السورية معظمها؛ الإسلامية منها والثورية بل الشعبية، عائداً لأسباب أهمها أن أياً من مؤسسات الثورة السورية لم توضع في صورة خطة التحالف ولم تستشر ولم تشرك في غرف عملياتها، واقتناع الفصائل والجماعات السورية معظمها بأن تنظيم الدولة في أساسه ليس سوى صنيعة أجهزة مخابرات عربية وغربية يشارك معظمها ضمن قوات التحالف، فيما لم تبين قوات التحالف موقفها الحقيقي من قوات الأسد وبقية الميليشيات الشيعية التي تقاتل معه، والأهم من كل ذلك خشية هذه الفصائل من امتداد هذه الحملة لتطالها بذريعة محاربة الإرهاب، أما على الصعيد الإقليمي، فهناك خشية حقيقية من هدف غربي خفي للتموضع بالقرب من "تركيا " رغبة في إخضاعها وإشعارها بعدم الاستقرار من خلال التهديد العسكري المباشر والتلويح بربط الحكومة التركية بداعش، أملاً في فصل الأتراك عن التأثير المباشر على الساحة الميدانية السورية، ولاسيما أن أكثر الفصائل تأثيراً في الميدان هي الفصائل الإسلامية.

في المقابل فإن بعض الداعمين لهذه الحملة العسكرية يرون أن مشاركة دول تعد "مما يسمى مجموعة أصدقاء الشعب السوري " سيهيئ الأرض لتوجيه ضربات مباشرة لنظام الأسد وربما يكون فيه الخلاص من الوضع الراهن، ولاسيما إذا تحدثنا عن مشاركة قطر والسعودية والأردن بصورة فاعلة ومباشرة، ويدللون على ذلك بحجم التخوف الإيراني من هذا التدخل وحرصه على أن يكون مطلعاً على تفاصيله، ولا ننسى أن نذكر موقف "حزب الله " اللبناني الذي أعلن رفضه التام لهذا الحلف، وإن كان الهدف منه قتال داعش، بحسب تعبيره.