اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ طَرِيقِ هِدَايَتِنَا وَإِمَامِ قِبْلَتِنَا، وَمِصْبَاحِ الظَّلَامِ، وَتَاجِ النُّبُوءَةِ وَالرِّسَالَةِ وَمِسْكِ الخِتَامِ، الَّذِي مِنْ فَضَائِلِ بَرَكَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ المُحِبِّينَ فِيهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ بِبَغْدَادَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ بِهَا فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَأَوْلَادٍ، وَكَانَ مِنَ المُتَعَبِّدِينَ الصَّابِرِينَ، فَقَامَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُصَلِّي، فَبَكَى الأَوْلَادُ مِنَ الجُوعِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ نَادَى أَوْلَادَهُ وَعِيَالَهُ وَدَلَّهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى حَبِيبِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: فَعَسَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِبَرَكَةِ الصَّلَاةِ مِنَّا عَلَى نَبِيِّنَا يُغْنِينَا مِنْ فَضْلِهِ وَجُودِهِ، فَجَلَسُوا يُصَلُّونَ حَتَّى غَلَبَهُمُ النَّوْمُ، فَنَامَ الرَّجُلُ فَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ طَلَبْتَ الغِنَا مِنَّا، فَإِذَا كَانَ صَبِيحَةُ غَدٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْطَلِقْ إِلَى دَارِ فُلَانٍ المَجُوسِي وَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ إِنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ أُجِيبَتْ، وَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاسِنِي مِمَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ: فَانْتَبَهَ الرَّجُلُ فَرِحًا مَسْرُورًا وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَأَى الحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ، وَمِنْ المُحَالِ أَنْ يَبْعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجُوسِيٍّ وَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَنَامَ ثَانِيَةً، فَرَآهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ المَقَالَةِ الأُولَى، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَلَّى الصُّبْحَ وَانْطَلَقَ يَسْأَلُ عَنْ دَارِ المَجُوسِي، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِاتِّسَاعِ المَالِ، فَدُلَّ عَلَيْهِ، فَوَقَفَ أَمَامَهُ وَكَانَ بَيْنَ يَدَيِ المَجُوسِيِّ أُنَاسٌ خَدَمَةٌ لَهُ، فَاسْتَنْكَرَهُ المَجُوسِي وَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ:
فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. فَأَمَرَ المَجُوسِيُ فَانْصَرَفَ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ. فَقَالَ المَجُوسِيُ: وَمَنْ نَبِيُّكُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي مَجُوسِيٌ؟ وَأَنَا أُنْكِرُ مَا جَاءَ بِهِ! فَقَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ يُؤَكِّدُ عَلَيَّ.
فَقَالَ المَجُوسِيُ: اللَّهُ شَاهِدٌ عَلَيْكَ أَنَّهُ بَعَثَكَ إِلَيَّ؟ قَالَ لَهُ: اللَّهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ: فَمَاذَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ لَهُ: قَالَ لَكَ وَاسِنِي مِمَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَإِنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ أُجِيبَتْ. قَالَ لَهُ: أَلَمْ تَعْلَمْ الدَّعْوَةَ الَّتِي أُجِيبَتْ مَا هِي؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِي. قَالَ لَهُ المَجُوسِي: ادْخُلْ حَتَّى أُعْلِمْكَ. قَالَ: فَدَخَلْتُ مَعَهُ إِلَى سَقِيفِ دَارِهِ، فَقَالَ امْدُدْ يَدَكَ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَدَعَا لِجُلَسَائِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: اعْلَمُوا أَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ عَلَى ضَلَالٍ، وَقَدْ هَدَانِي اللَّهُ فَاهْتَدَيْتُ وَصَدَّقْتُ وَآمَنْتُ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَكُلُّ مَا بِيَدِهِ حَلَالٌ لَهُ، وَمَنْ بَقِيَ عَلَى دِينِهِ يُعْطِينِي مَالِي وَلَا يَعْرِفُنِي وَلَا نَعْرِفُهُ.
وَكَانَ لَهُ خَلْقٌ يَتَّجِرُونَ لَهُ، فَأَسْلَمَ أَكْثَرُهُمْ، وَبَقِيَ آخَرُونَ، وَأَتَوْا بِمَالِهِ، ثُمَّ نَادَى ابْنَهُ وَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ إِنِّي اهْتَدَيْتُ إِلَى دِينِ الإِسْلَامِ وَأَسْلَمْتُ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ أَنْتَ فَأَنْتَ مِنِّي وَإِلَيَّ، وَإِنْ بَقِيتَ عَلَى دِينِكَ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْكَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: إِنِّي لَا أُخَالِفُكَ فِيمَا تَخْتَارُهُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ نَادَى ابْنَتَهُ وَكَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِأَخِيهَا عَلَى مَذْهَبِ المَجُوسِ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ قَوْلِهِ لِابْنِهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ
وَاللَّهِ لَقَدْ كَرِهْتُ اجْتِمَاعِي مَعَ أَخِي مِنْ لَيْلَةِ العُرْسِ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَفَرِحَ الرَّجُلُ وَاسْتَبْشَرَ بِإِسْلَامِهِمْ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: أَتُرِيدُ أَنْ أُعْلِمَكَ بِالدَّعْوَةِ الَّتِي ذَكَرْتَ وَأَخْبَرَكَ بِهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: لَمَّا زَوَّجْتُ ابْنَتِي مِنْ أَخِيهَا أَطْعَمْتُ كَثِيرًا، وَنَالَ مِنْهُ الحَاضِرَةُ وَالبَادِيَةُ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا لَحِقَنِي تَعَبٌ فَفَرَّشْتُ عَلَى السَّطْحِ لِأَسْتَرِيحَ، وَكَانَتْ بِإِزَاءِي امْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا بَنَاتٌ صِغَارٌ، وَهُنَّ يَذْكُرْنَ أَنَّهُنَّ مِنْ ذُرِّيَةِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
قَالَ: فَسَمِعْتُ وَاحِدَةً تَقُولُ لِأُمِّهَا: يَا أُمَّاهُ أَمَا تَرَيْنَ مَا فَعَلَ المَجُوسِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ حَرَّكَ عَلَيْنَا شَهْوَةَ الطَّعَامِ مَعَ جُوعِنَا وَفَقْرِنَا، فَلَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا عَنَّا. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ شُقَّ قَلْبِي وَحَزِنْتُ، وَنَزَلْتُ إِلَى الدَّارِ مُسْرِعًا، فَأَخَذْتُ طَعَامًا وَخُبْزًا كَثِيرًا، وَسَأَلْتُ عَنْ عِدَّتِهِنَّ، فَقِيلَ لِي ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَأُمُّهُنَّ، فَانْتَخَبْتُ لَهُنَّ أَرْبَعَ كُسْوَاتٍ وَنَفَقَةً كَثِيرَةً، وَبَعَثْتُ ذَلِكَ إِلَيْهِنَّ. قَالَ: وَطَلَعْتُ إِلَى مَوْضِعِي، فَلَمَّا وَصَلَ لَهُنَّ مَا بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْهِنَّ فَرِحْنَ، وَقُلْنَ: يَا أُمَّنَا كَيْفَ نَأْكُلُ مِنْ طَعَامِ هَذَا وَهُوَ مَجُوسِيٌّ؟ فَقَالَتْ لَهُنَّ: كُلْنَ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكُنَّ، فَقُلْنَ يَا أُمَّنَا: مَا نَأْكُلُ حَتَّى نَرْغَبَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَهُ بِالإِسْلَامِ وَدُخُولِ الجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ جَدِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَجَعَلْنَ يَطْلُبْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالأُمُّ تُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِنَّ، فَهَذِهِ هِيَ الدَّعْوَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ بِهَا وَبَشَّرَنِي بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أُوَفِّي لَكَ مُوَاسَاتِكَ، وَلَمَّا زَوَّجْتُ ابْنَتِي قَسَّمْتُ مَالِي وَأَعْطَيْتُهُمَا النِّصْفَوَأَمْسَكْتُ النِّصْفَ، وَفَرَّقَ الإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ أَنْزَلْتُكَ مَنْزِلَتَهُمَا، فَالمَالُ لَكَ وَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَى أَهْلِكَ بِشَارَةً وَمَحَبَّةً فِي النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
المصدر
أنظر يتيمة الجود في ذكر بعض فضائل الصلاة والتسليم على سيد الوجود، للقجيري ص 17