بسم الله الرحمن الرحيم
رساله من مسجدك
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلىآله وصحبه أجمعين،أما بعد...أخي الحبيب!لعلها المرة الأولى التيتقرأ فيها رسالة كتبتها إليك.. وأنا مسجدك الذي تسمع منه نداء لا إله إلا الله خمس مرات في كل يوم...ولعلك تتساءل.. ما الذي دفع المسجد للكتابة إليك في هذااليوم...آه أخي الحبيب!إنها همسات حانية وكلمات مخلصة وددت أن أبوح لكبها وها قد فارقنا شهر رمضان... ذلك الزائر الذي مر بنا سريعاً، وودّعنا قبل أننملأ قلوبنا من فيضه وفضله.. ودَعنا قبل أن نشعر أنه مرّ بِنا... ودعنا وكأن لم يأتقط!...لعلك قد عرفت الآن لمَ قررت أن أصارحك بما أكتمه بين جدراني وفيأروقتي في هذا اليوم، ونحن نودع ذلك الشهر الفضيل... ذلك الشهر الذي أُحبه وأنتظرهفي كل عام بشغف ولهفة واشتياق!... كيف لا؟! كيف لا وهو شهر القرآن والقيام؟!... كيفلا وفي هذا الشهر أرى وجوه أحبة طالما اشتقت لمرآها وتمنيت خدمتها...أتدريأخي؟؟ كنت منذ أيام قليلة أستعد للإحتفاء بأفواج المصلين الذين سيتوافدون عليّ فيرمضان يحيون ليله، يعتكفون في أواخره ويملأون جنباتي ذكراً وتسبيحاً وتلاوة عطرة..!كان شوقي يتزايد وأنا أرقب الأيام تمضي وأنا أشعر بها وكأنها كهل متعب لا يقوى علىالحراك فكأنها لا تمشي قدماً أبداً!.. وأخيراً... جاء الحبيب! وهلّ رمضان بعد طولانتظار!يالله!يالها من لحظات!ياله من شعور غريب عجيب وقد امتلأتالصفوف.. وعلا أزيز المصلين بالتلاوات العطرة!.. وأتت أول ليلة من ليالي الرحمة...وتزاحمت الأرجل.. ورُصَّت الصفوف كصفوف الملائكة!.. يا الله!.. ما أسعدني وأنا أشرفبهذه الجباه وهي تخر للرحمن سُجَّداً على أرضي وبين جنباتي! لك الحمد يالله أناخترتني أنا لأكون الأرض التي يسجدون عليها... والجدران التي تسترهم وتقيهم الحروالبرد.. والسقف الذي يظلهم من شمس الأصيل...الله أكبر!نداء تكرر فيجنباتي كعدد الحصى الذي بنيت به.. لا بل أكثر..! ولكنه في هذه اللحظات له طعمآخر... إنه نداء يخرج من أفواج من المصيلن لم أشرف بمثل أعدادهم منذ رمضانالماضي!.. يالله!... لكأن جدراني تتسع وصفوفي تمتد لتحتوي هذه الجموع المؤمنة فلاتشعر بضيق المكان!...ياالله!لكم انتظرت هذه اللحظات!لكم مرت عليّلحظات عصيبة طوال العام أعاني الوحشة والهجر...كنت استمع لأنين المصاحف إذا ماأقفل المؤذن أبواب المسجد ليلاً بعد أن ينصرف الجميع.. وكنت أسمعها تشتكي غباراًاعتلاها ومصلين هجروها... كانت تنظر إلي منتظرة الجواب... كنت أشيح عنهم عيوناًفاضت بالدمع... وأكتم آهات تكاد تخرج عبر مكبرات الصوت قائلة: أين هم! أين الغرالمحجلين! أين أحبابي؟ أين من تعلقت قلوبهم بالمساجد؟! أين من يحبون أن أشهد لهمأنهم قاموا لله فيه مصلين خاشعين ولبوا النداء إذ دعاهم للفلاح...ولكن...!وجاء رمضان!وأشرق الأمل من جديد..!هاهم!....إنهمقادمون!..يؤنسون ليلي..ويملأون نهاري ذكراً وتسبيحاً وصلاة..ومرتالأيام والليالي سريعاً.... وكأنها جواد أبصر واحة ماء في فلاة فمضى جموحاً لايوقفه أحد!..ومضى رمضـــان!!أحقاً مضى رمضان؟!أحقاً مضت لياليالرحمة والمغفرة والعتق من النيران؟ترى... هل سأعود ورفاقي المصاحف إلى الهجروالنسيان والنكران؟!هل انتهت تلك اللحظات الخاشعة بهذهالسرعة؟!!أحبتي!اكتب لكم هذه السطور لعلي أصارحكم بما لم أبح لكم به منقبل!أكتب لكم لأقول لكم كم أحبكم... وكم اشتاق إليكم!.. وكم انتظر ساعة تجمعنيبكم فأشرف باحتوائكم بين جدراني وتحت قبابي..!أكتب لكم.. وأنا الذي رقَّتحجارتي لنحيبكم في قنوت رمضان..أكتب لكم وأنا الذي اشرأبت مئذنتي عالياً فيالسماء فخراً بجموعكم التي أتت أحسبها لا ترجو إلا الرحمة والمغفرة فملأتجوانبه...أكتب لكم....أسائلكم.... هل يا ترى لن أراكم ثانية؟!هل يا ترىستعود الصفوف إلى حالها قبل رمضان؟!أحبابي!....إن لم تكونوا أنتمأنتم من يعمرني في رمضان وفي غير رمضان.. فمن سيفعل؟!إن لم تكونوا أنتمأنتم من يخاطبهم الله عز وجل في كتابه قائلاً {وَأَقِيمُواْالصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43]فلمن الخطاب..ولمن نزل الكتاب؟!إن لم تكونوا أنتم أنتم منيلبي نداء الله ويأتي الصلاة ”حيث ينادى بها“ كما أرشد الحبيب المصطفى صلى اللهعليه وسلم.. فمن سيُلَبّي ويجيب؟!أخي الحبيب!...إنها كلمات أحببت أنأنقلها إليك.. علك تعرف مدى حسرتي ولوعتي لفراقك لي!كلمات كتبتها لكي أحرك بهامشاعرك وقلبك.. علك تكون ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد فيظلك الله في ظله ”يوم لا ظلإلا ظله“!كلمات كتبتها.. علني أشرف بخدمتك وأنت تنتظر الصلاة إلى الصلاةفتكون في رباط...كلمات كتبتها علني أشرف بمد أرضي من تحتك سهلة منبسطة تشرفبحملك عليها في صلاة الفجر... وتفخر في جلوسك عليها في انتظار شروق الشمس فتصليركعتين وترجع بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة!كلمات كتبتها إليك علك تكثرالخطى إليّ، فيمحو الله خطاياك ويرفع درجاتك ويعد لك نزلاً في الجنة كلما غدوت أورحت!أخي الحبيب!هذه بعض الأسرار التي كنت أخبئها بين أروقتي وتحتقبابي.. بحت لك بها لأني أحبك في الله... ولأني أدعو الله ألا يحرمني من شرف خدمتكولخشيتي أن يكون هذا اليوم هو آخر لقاء بيننا إلى عام قادم!أخيالحبيب!من كان يعبد رمضان... فها قد مضى رمضان.. والله أعلم بالمتقين...ومنكان يعبد رب رمضان.. فهو رب كل الشهور... وهو حي لايموت.. وهو القائل..

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَااسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْتِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِالزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:36-37]فهلا كنت من هؤلاء الرجال؟!