من نساء الإسلام نتعلم ونتربى، نقتدي ونتساءل: كيف تحولت تلك النساء من جاهلية إلى إسلام؟. أو بالأحرى من كان السبب في تحولهن من جهل إلى نور؟.
من صنع منهن تلك الشخصية القوية الجريئة التي لا تخاف في الله لومة لائم؟ وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياتهن ضرورة مهمة لا يمكن لإحداهن أن تعيش دونها؟.
إليك أخي الزائر ... أختي الزائرة. صحابية جليلة اشتهرت بعبادتها وورعها حتى أطلق عليها "التائبة العابدة". عاشت الجاهلية، ولما جاء الإسلام اعتنقته بكل حب وتفان، فصنع منها امرأة الجهاد والعلم والدعوة. إنها " فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى ... حتى كعب بن لؤي" القرشية، العدوية. وهي أخت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (الإصابة، ص: 69). كرست حياتها لخدمة دعوة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فأصبحت امرأة داعية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر مصداقا لقوله تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله، إن الله عزيز حكيم" (التوبة، الآية: 7). علمت سيدتنا فاطمة أن الخير كل الخير في ذكر الله ونصرة دينه. فبدأت الدعوة بمن هو أقرب منها، بدأت بأخيها عمر بن الخطاب. وكان ذلك بعد دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طلب من الله تعالى أن يعز الله الإسلام بأحد العمرين: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام، فاستجاب الله تعالى لدعائه، وحقق طلبه على يد هذه الصحابية الجليلة فاطمة بنت الخطاب.
فيا من يَدَّع أن الإسلام أهان المرأة ومحا شخصيتها، انظر كيف كرمها الله بتحقيق طلب رسوله على يدها. ثم انظر بعد ذلك إلى شأن هذا المدعو الجديد إلى الإسلام كيف سيكون بعد إسلامه. سيكون عزة للإسلام والمسلمين، وكانت فاطمة رضي الله عنها السبب في جلب تلك العزة.
لقد سجل لها التاريخ موقفا عظيما ترك في نفوس المسلمين أثرا طيبا ودهشة عميقة، وحول مسار الدعوة من ضعف إلى قوة ومن خوف إلى أمن.
بدأ ذلك الموقف يوم خرج عمر بن الخطاب شاهرا سيفه، فقابله رجل وقال له:
إلى أين يا ابن الخطاب؟
فأجابه: لن أرجع بيتي حتى أقتل محمدا.
قال له الرجل: ارجع أولا إلى أهلك فقد صبأت أختك فاطمة.
فرجع عمر إلى بيت أخته مسرعا، فلما وصل سمع زوج أخته "سعيد" يتلو سورة "طه". ولما دخل اختبأ سعيد وتصدت له فاطمة بثقة وثبات قائلة:
ماذا تريد؟
قال: هذه الصحيفة.
قالت: إن فيها قرآنا لا يمسه إلا المطهرون، وأنت نجس، فاذهب أولا فاغتسل.
فاغتسل ثم عاد، فأمسك بالصحيفة يقرأها، وقلب فاطمة يرتجف وهي ترجو الله أن يهديه ويشرح صدره للإسلام. وبعدما انتهى قال لفاطمة: أين محمدا لأدخل في هذا الدين؟
عمر، الشخصية العنيدة، والبنية القوية، شاهرا سيفه، تتصدى له امرأة بسلاح القرآن وقوة الإيمان وتلزمه بالتطهر إن هو أراد أن يلمس كتابها المقدس. ثم تضعف تلك الشخصية وتلين بعد سماع القرآن، فيطير بها نوره من عالم الجاهلية والكفر إلى عالم الطهارة والإيمان.
لقد ضربت لنا هذه الصحابية الجليلة مثالا صارخا لمن أراد العمل في حقل الدعوة، والمساهمة في نصرة دين الله الحنيف. مثال يرتكز على أمرين اثنين:
أولهما القرآن. فأول ما يجب تبليغه القرآن، وحججنا التي ندلي بها يجب أن تكون من القرآن، والدعوة التي ندعو الناس إليها هي دعوة القرآن.
وثانيهما الثقة في ما ندعو إليه والثبات عليه، وكم من داع انسحب من ساحة الدعوة بعدما شككه البعض في دعوته. والثقة تأتي بالإيمان والإيمان يكتسب بالتربية.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا جميعا على أمر دينه، وأن يرزقنا قوة الإيمان، ويبلغنا مرتبة الإحسان، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، ويرزقنا تلاوته وحفظه، إنه سميع مجيب