الفصل السابع: المرأة
1 ـ الحياة الطيبة:
"السعادة" هي الغاية التي يبحث الكل عنها؛ وسيلة طلاب الدنيا إليها التحرر من كل قيد باسم الحضارة. أما طلاب الآخرة فسعادتهم نيل رضى الله عند لقائه والحياة الطيبة هي نصيبهم من الدنيا. لا نجاري الدنيويين حين حديثنا عن المرأة بنفس منطقهم (كأن نبرز المزايا التشريعية للإسلام في قضايا المرأة) فتلك هزيمة لا تجني منها الدعوة شيئا. إن خطابنا ينبغي أن يركز على كون الدنيا مجرد مرحلة للانتقال إلى دار البقاء وهي امتحان للرجل والمرأة على السواء، وهما لبعضهما البعض السؤال العويص من بين أسئلة الامتحان. إنه خيار حاسم مطروح للمرأة بين الدنيا والآخرة، وضرب الله عز وجل المثال بنساء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخيار(سورة الأحزاب الآيتان 28 و29). فإن اختارت المرأة المسلمة الآخرة فلها نصيبها من الدنيا وللرجل نصيبه منها في كنف العفة والطهارة والمحبة والتآزر والتعاون على تعب الرحيل والعبور إلى دار البقاء.
2 ـ المؤمنة مشرفة مكلفة:
الاختيار بين الدنيا والآخرة يؤثر فيه بشكل كبير طريقتنا في الدعوة وخصوصا بالنسبة للمرأة التي تميل بطبعها إلى اللعب واللهو والزينة والتفاخر. ولا يمكن فرض اختيارها للآخرة بالإكراه والتعنيف ولا بالنضالية الجوفاء ولا بالوعظ البارد، بل يكون بأن تجلس إليها من بنات جنسها من تذكرها بالله واليوم الآخر وترغبها فيما أعده الله لعباده من جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونور يسعى بين أيديهن وبأيمانهن فتعلم أن الحياة الدنيا مجرد متاع الغرور فتسعى لمخالطة المومنات القانتات, وفي مرحلة ثانية توثق اختيارها بتوبة تامة تلزم نفسها بعدها بما التزمت به الصحابيات من بنود بيعة شهد عليها كتاب الله عز وجل, وفي مرحلة ثالثة تتوق نفسها للتشبه بأمهات المؤمنين ذوات الصون والكمال، فترتفع همّـتها لتكون مخاطبة مشرفة مكلفة مثلهن. يؤهل هذا الترقي في معارج الدين المرأة المؤمنة للدخول في الولاية العامة فتكون لها المكانة في واجب السهر على دين الله ودعم البناء الإسلامي وتكون لها الحرمة التامة فيه.
إن المعوّل عليه بعد الله تعالى، هو إحسان دعوة المسلمات.
3 ـ الزوج الصالحة:
الزواج سنة نبوية وآية ربانية في خلقه الخلق ذكرا وأنثى وجعله المودة والرحمة بينهما ليكون السكن الذي تمثل الزوج الصالحة أصله. تنظر المؤمنة إلى مثال أمهات المؤمنين اللواتي أمرن من بين جملة أوامر أن يقرن في بيوتهن , والأمر فيه معاني الوقار والقرار والحياء والوفاء. المودة والرحمة هما الرباط الفطري القلبي الذي هو روح الزّوجية ويأتي التشريع ليكون ضمانة إضافية للاستقرار. سمى الله ما يجمع الرجل بالمرأة ميثاقا غليظا وعّرفه سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأنه الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان. ولإنجاح الزواج يلزم توفر شروط عملية واقعية منها استطاعة الزوج النفقة وحرية الاختيار والتكافؤ الاجتماعي. تشجيع الزواج يكون أيضا بطرح المواضعات الاجتماعية كالتغالي في المهور. إن وضع العراقيل في وجهه إضافة إلى عرض النماذج الانحلالية في وسائل الإعلام وتفشي الفقر والبؤس المؤدي إلى البغاء كل ذلك يفتح بابا عريضا للفساد.
ومما يعيبه أعداء الإسلام على الشريعة , تعدد الزوجات وجعل الطلاق بيد الرجل. أما المأخذ الأول فيسقط إذا علمنا أن الترخيص وضع لحالات خاصة , وأما الثاني فإن وازع السلطان في دولة القرآن كفيل بأن يضع حدا لحالات الإجحاف.
4 ـ حافـظة الفـطرة:
الفطرة الاستقامة الأصلية على الدين علمها آدم بنيه وعلموها هم ذريتهم, وكلما فترت جذوة الإيمان في القلوب بعث الله تعالى الرسل لإحيائها. الدين الحنيف, فطرة الله لا تحتاج إلى استدلال فلسفي وإنما إلى تلقين للمولود من أحب الناس إليه خاصة أمه. وقد تتشوه الفطرة كما تتشوه الخلقة الجسمية فتحتاج عندها لتطبيب. كانت الجزيرة العربية إبان البعثة المحمدية أقرب إلى الفطرة , كانت لا تزال فيها بقية من الحنيفية الإبراهيمية, دخلت عليها الوثنية فشوهتها لكن لم تمحها. واليوم تعاني أجيال المسلمين من ضعف الفطرة المحفوظة بسبب انشغال الأمهات, مجاراة لهوس العالم, بتربية أبنائهن الجسمية وإغفالهن تلقين الجواب عن السؤال الفطري المصيري الأخروي. حبل الفطرة يبقى موصولا عندما يلقن الوالدان, خاصة الأم, الإيمان لمولودهما في الوقت المناسب فيشب وقلبه سليم ولسانه يلهج بالشكر على نعمة أنعمها الله عليه وعلى والديه ويدعو لذريته بالصلاح فيبقى حبل الفطرة متدلـيا من جيل لجيل.
5 ـ المرأة والعمل:
لقد أحاط الشرع الحنيف المرأة أما وزوجا وبنتا بكل الرعاية وكفاها النفقة حقا واجبا على الابن والزوج والوالد, وذلك حتى تتفرغ لمهمتها الخطيرة: تربية الأجيال روحيا بتلقينها الإيمان بالله واليوم الآخر ثم جسميا وعقليا. لكن الظلم الاجتماعي الذي ينتج عنه الفقر والبطالة في جانب والترف والتبذير في جانب آخر , يدفع المستضعفات إلى سوق العمل ويدفع المترفات لامتهان وظيفة مجاراة لما في المجتمعات الغربية المنحلة تحت لافتات "كرامة المرأة العاملة" و"الاستقلال الاقتصادي". في غد الإسلام القريب بإذن الله يصطدم الإسلاميون بالواقع المر الناتج عن الظلم الاجتماعي المترتب بدوره عن الظلم السياسي, والمرأة من أهم ضحاياه. دولة القرآن تجد للمرأة مكانا في الوظائف التي لا تتنافى مع الحشمة كالتعليم والتطبيب وسائر الأنشطة الاجتماعية, أما الشغل الفاتن الملهي عن وظيفة المرأة الأساسية في تربية الأجيال الجديدة فيجب التخطيط لتحريرها منه بإخراجها من قبضة الحاجة والفاقة فتختار بكل مسؤولية بين الدنيا والآخرة.
6 ـ المرأة والحرية:
من أسبق المهمات المستقبلية تفرغ الأمهات لتنشئة الأجيال المؤمنة على الفطرة السليمة, لكن شرط تحقق ذلك هو استفراغ وسع الداعيات لتربية هؤلاء الأمهات. إن الكثير من الجهود تفرغ في الملاسنات البهرجية مع اليساريات اللاهجات بشعارات "تحرير المرأة"؛ وعلى أهمية هذا العمل الثقافي فإن المعركة مع التيار التغريبي تحسم في ميدان أمهات جيل الغد وهن السواد الأعظم اللواتي تحتجن إلى من يعلمهن الأساسيات من الدين، ويعلمهن النظافة والكياسة في الحياة الاجتماعية كما يعلمن الوضوء والصلاة والعقيدة؛ تحتجن لتعلم أدب المعاملة مع أعضاء البيت والأقارب وتعلم سائر خصال الإيمان, ولا يقوم بهذا العمل الميداني التربوي سوى المومنات الداعيات.
منذ أزيد من سبعين سنة, بدأ التخريب في الأساس. عمل التيار التغريبي بكل جسارة على "تحرير المرأة" وهي المظلومة الأولى في مجتمع الغثاء الفتنوي, فصنعوا "زعيمات" تزعمن حركة إخراج المرأة من التقليد, والمقصود الدين, إلى مسايرة الكمال التطوري حسب ظن رائد هذا التيار قاسم أمين. كتب آخر زعيم للاتحاد السوفياتي ـ سند التطوريين لعقود ـ في البيريسترويكا عن المرأة والأسرة نظرية تعد "رجعية" في المنظور التقدمي التطوري. لقد كتب غرباتشوف عن ضعف العلاقات الأسرية وبروز الكثير من مشكلات الأطفال الناشئة بسبب إهمال الحقوق الخاصة بوظيفة النساء في البيت في غمرة انشغالهن بالعمل خارجه.
7 ـ العزل:
ليست مهمة الوالدين هي إنجاب الأولاد وكفى, بل تربيتهم حتى يستقيموا على جادة الفطرة. بهذا استحق الأبوان وخاصة الأم البر والدعاء بالرحمة "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء/24). تتواصل الأجيال ولا تتصارع عندما يبر جيل الأبناء بجيل الآباء ويدعو له بالرحمة فيكون الفوز في الدنيا والآخرة. لكن الانتكاس يحدث عندما يصبح التقليد حاجزا دون مصدر الوحي وحين يتم إنجاب ذرية غثائية كثيرة العدد قليلة الغناء, وهذا هو الحاصل اليوم مع المليار ونيف مسلم, أكثر البشر محافظة على الفطرة ولكن في نفس الوقت كمّ مغلوب مقهور مفقر. المطلوب من المؤمنين أن يكونوا أقوياء أمناء علماء عاملين مجاهدين مقتحمين للعقبة حاملين للرسالة مبلغين لها، لكن في حالة العكس يستحيل الكم الهائل إلى تضخم ديموغرافي بما يحمله من مشاكل هي اليوم وغدا أفق الإسلاميين الذي ينبغي لهم مواجهته بكل واقعية. سؤال الخلافة المستقبلي هو كيف نجمع بين الكثرة العددية وبين النوعية, واجتماعهما هو القوة؛ وإلا فإن الشرع الحنيف يبيح تحديد النسل، حيث كان الصحابة يعزلون والوحي ينزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم وما كان له أن يسكت عن حــرام.