Warning: preg_replace(): The /e modifier is deprecated, use preg_replace_callback instead in ..../includes/class_bbcode.php on line 2958
مختصر كتاب العدل
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 26

الموضوع: مختصر كتاب العدل

  1. #1
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب مختصر كتاب العدل




    مختصر كتاب العدل للأستاذ عبد السلام ياسين (3/1)

    بقلم: الأستاذ محمد دحان
    الفهرس

    بين يدي الكتاب:

    الفصل الأول: الورد السياسي الأخلاقي للحركة الإسلامية

    1- قواعد الإسلام:

    2- معـضلة التأصيل:

    3- مرض الغثائية وداء الأمم:

    4- منطق الدعوة ومنطق الساحة:

    5- الغـلو والتطرف:

    6- فقه التجديد:

    7- تحديات المستقبل:

    الفصل الثاني: الدعوة و الدولة

    1- افترق القرآن والسلطان:

    2- دورة الرحا:

    3- العلماء والقائمون:

    4- فتوى الاستيلاء و"عجز الطالب":

    5- أهل العلم بين التقليد والتلبيس:

    6- "أكره أن أدنسهم بالدنيا":

    الفصل الثالث: الطاعة والمعارضة

    1- "دين الانقياد":

    2- البيعة وطاعة أولي الأمر:

    3- أنشوطة في الأعناق:

    4- من هم أولو الأمر الواجبة طاعتهم؟

    5ـ واجب المعارضة:

    6- القطب الأعظم في الدين:

    7- المعارضة والتعددية:

    الفصل الرابع: تطبيق الشريعة

    1- المصلحة والاجتهاد:

    2- الدنيا للآخرة:

    3- وازعا القرآن والسلطان:

    4- قانون التدرج بل شريعته:

    5- "باب من ترك قتل الخوارج للتألف":

    6- التائبون الحافظون:

    الفصل الخامس: العمران الأخوي

    1- عمران وأخوي:

    2- خصائص العمران الأخوي:

    3- الزكـاة:

    4- في المال حق سوى الزكاة:

    5- الـبـر والبذل:

    6- العدل والتنمية:

    7- النفط:

  2. #2
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    سطرت صفحات الكتاب منذ ثماني سنوات مرت خلالها أحداث جسام على الأمة يأتي على رأسها الحرب المهلكة في العراق وفقدان الأمل في الجهاد الأفغاني وتقتيل الشعب الجزائري تأديبا له على اختياره جبهة الإنقاذ الإسلامية، وفقدان فلسطين بدخولها في جحر الضب التفاوضي. لكن خلال هذه المدة نجحت الثورة الإسلامية الإيرانية في اجتياز مرحلة الخطر.
    وخلال هذه السنوات الثمانية عاشت أمة الإسلام وما تزال كابوس العولمة التي تلت نظام الثنائية القطبية وهيمن فيها الغرب الجاهلي على ميادين الاقتصاد والمال والأعمال والثقافة والسياسة والمصير التاريخي. واستمرار الهيمنة رهين باستمرار الخراب في العالم الإسلامي الذي يمثل قسطا مهمَا من العالم المستضعف المتخلف، تخريب بأيدي أعدائه من خارج وبأيدي أعدائه المغربنين في الداخل. جسم الأمة مريض وطاقاته البشرية والمادية مبعثرة منهوبة، والعدل ينبغي أن يكون على رأس المطالب في برامج الإسلاميين وهم على عتبة الحكم. لكن الكتاب لا يمثل برنامجا جاهزا آنيا للحكم والعدل فيه وإقامة العدل بل هو نظر إلى مستقبل المسلمين يبحث عن اكتساب الإسلاميين القدرة والفهم لإقامة نظام اقتصادي سياسي أخلاقي "قاعدته العدل وجماله الإحسان"، وعن إعادة التركيبة النفسية والاجتماعية التكافلية والسياسية والفكرية لمجتمعاتنا المشتتة. ينتقد الكتاب الغربنة وأسبابها ويمد جسور الحوار مع فئات الأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين ومكونات المجتمع المدني على قاعدة الإسلام التي تمثل الرحم الجامعة المعبئة للجهود المحددة للحقوق والواجبات.
    فاتحة تعيش البلاد الإسلامية اليوم صحوة أعادت الشباب إلى صفوف الصلاة ووسمت المجتمع بسمتها النظيف وخلقها العفيف. أفرحت هذه الصحوة الصديق وأحزنت بل أرعبت العدو المستكبر وتلامذته الفاشلين في إخراج البلاد من وهدة التردي. لم تكن هذه الصحوة مجرد مصادفة، بل هي قدر من قدر الله الذي أبرز رجالا منذ قرن جاهدوا المستعمر بقوة السلاح وتلاهم علماء أفاضل حذروا من خطر الغزو الحضاري الفكري المهدد للكيان المعنوي للأمة،ثم جاء رجال أسسوا أركان هذه الصحوة وشيدوا جماعات للتربية والدعوة لها طموح إلى الجهاد في سبيل الله من أجل إعادة الحكم وفق الشرعة الإلهية والمنهاج النبوي. في وجه الصحوة تنتصب العقبات، يقتحمها العبد التائب توبة فطرية والتائب العائد من بر العداء والتلمذة للسيد المستعمر، يقتحمان عقبة النفس سلوكا إلى الله تعالى وتكوينا للمجتمع الجهادي الأخوي القائم بالحق في الأرض. وتنتصب أيضا عقبة اللاييكيين المتشبعين بفلسفة "الأنوار" وصرامتها المنهجية. مع هذه الفئة يفتح الكتاب الحوار إبقاء عليهم وفتحا لباب التفاهم علـَهم يقتنعون بأن فصل الدين عن السياسة تحريف للدين الذي يؤمن به كثير منهم عقيدة. من أجل ذلك يعتذر الكاتب مسبقا للمعتز بلغة القرآن عن استعماله للألفاظ والتعابير الدخيلة المترجمة من اللغة المشتركة بين اللاييكي وأستاذه علَّ ذلك يسرع عملية التفاهم.
    أسئلة ثلاثة يطرحها الكتاب ويجيب عنها في ثلاثة أبواب: ـ ماذا يريد الإسلاميون؟ وماهي الشروط المنهاجية التي تجعل منهم قوة اقتحامية تخرق العقبات السياسية والاجتماعية و الثقافية والتخلفية الاقتصادية العلمية التكنولوجية؟
    ـ ما سلوك هذه القوة الاقتحامية الإسلامية في عالم يعيش في مخاض و المسلمون رغم وفرتهم العددية هم في الكفة المرجوحة؟
    ـ ما العمل أمام هذه القوة التي رغم كونها الأمل الوحيد للأمة ليست هي الفاعل السياسي الوحيد في بلاد المسلمين؟
    الباب الأول: ماذا يريد الإسلاميون؟

  3. #3
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الباب الاول

    الفصل الأول: الورد السياسي الأخلاقي للحركة الإسلامية


    1- قواعد الإسلام:

    وهي المرتكزات الأرضية الجغرافية السياسية والمقومات الاقتصادية والحجم البشري الذي عليه بعد الله تعالى تعتمد الحركة الإسلامية للتمكن في الأرض. هي اليوم تحكي واقع التشرذم والاختلاف والتخلف على مستوى كل الأصعدة رغم الكم الديموغرافي الهائل والثروات الكبيرة والموقع الاستراتيجي. هي مقومات يمكن أن تشكل قوة إن سرت روح الجهاد في الأمة فتتجمع من شتات وتنبعث من رقاد، وقد بدأت الخطوات الأولى.
    2- معـضلة التأصيل:

    رغم الهزيمة العسكرية التي مني بها المقاومون أمام المستعمر الكافر، لم يتسلل الشك إليهم في هويتهم الحضارية الإسلامية. لكن النسل الذبابي المتغرب حيرهم حين طرح "أصالة" تنسب الناس إلى قومية وثنية وتسحبهم إلى عبادة "عصرنة" ممتنعة. إنها معضلة فكرية لا تستطيع أن تبرح الإشكالات العقيمة. أما الطرح الإسلامي ففيه معادلة لا معضلة: أصالة تنسبك إلى الخالق جل وعلا، وعصرنة تدخل عليها من باب فقه سنة الله في الكون وعمل الصالحات. معادلة تعطي للكيان الإسلامي وزنا في العالم.
    3- مرض الغثائية وداء الأمم:

    الأصالة عند المتغرب تمسك بتراث فلسفي عربي يعيد قراءة الفلسفة الإغريقية، بمعنى بحث عن اللاييكية -لغة العصر- في هذا التراث. ويرد بعض الإسلاميين باعتزازهم بمجد حضاري أموي وعباسي كان قبل الاستعمار، تمسك بمقطوع منقوض، بنموذج اقترن بالملك العاض ثم الجبري، اغتال الروح من الأمة: العدل والشورى. لن نخرج من غثائيتنا ما لم نخضع أنفسنا لنقد ذاتي صارم ونعالجها من داء الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت، الذي يتولد عنه داء الأمم "الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي" كما عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    4- منطق الدعوة ومنطق الساحة:

    تفجرت بالحياة فئة من الأمة من قلب المنادب "الحسينية"، ثورة المسلمين الشيعة أبرزت المسلمين قوة يرهب جانبها. لكن منطق الدعوة تغير مساره بفعل ضغط الأحداث بدءا بقضية الرهائن الأمريكان إلى مقاتلة القومية البعثية، تحول إلى منطق الساحة العالمية، مدافعة ومناجزة.
    بقي على الثورة الإسلامية الإيرانية أن تقدم مشروعا من صميم الدعوة يحمل رسالة لبناء الإنسان وإنقاذه من حضارة مريضة، بعد أن تم تجاوز الضغوط السياسية العالمية ومتطلبات الدولة الحديثة.
    5- الغـلو والتطرف:

    إن الغلو الذي يصيب شطرا من الشباب التائب مرجعه الأول إلى انتقاض عروة الحكم الشوري. يفقدون الثـقة في جوقة العلماء الرسميين السائرين في ركاب الطواغيت فيتصدون لما يحسبونه أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ببضاعة مزجاة من العلم وقلة تجربة وحكمة وضعف تربية، يكفَرون هذا ويبدَعون ذاك لا علم لهم بمراتب أحكام الشريعة ومقاصدها وقواعد الأصول. لابد من معالجة هذا الجناح من الحركة الإسلامية لتقوى الذات الإسلامية على اقتحام عقبة الحكم دون خوف من التهشم ولا يكون ذلك الا بالرجوع إلى النفس لاستصلاحها لا مراقبة أفعال الناس وإحصاء أخطائهم.
    6- فقه التجديد:

    إن تلك الأمراض المذكورة آنفا مكمنها النفس، والقضاء عليها يتحقق بالعبودية لله تعالى والتحرر الكلـَي من سلطان الهوى. وهذا ما يؤهل الفرد المؤمن للانخراط عن كفاءة في صف جند الله دون خوف من حب الدنيا ورئاساتها. جماعة مخاطبة في القرآن بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) تكون في مستوى فقه تجديد الإيمان إذا صحبت "من" يبعثه الله ليجدد الدين، وذكرت الله تعالى وكانت صادقة في طلب وجهه سبحانه .
    7- تحديات المستقبل:

    أعظمها على المستوى الفردي هو كيف تكون من السابقين المقربين فتستحق أن تكون من "الإخوان" الذين اشتاق لرؤيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يكون إلا بإساءة الظن بالنفس وصبرها مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، فتفيء إلى ظله وتطمئن بذكره وتطهر من الغل وسائر الأمراض. وفي حق الدعوة يكون التحدي الأكبر هو كيف تحمل رسالة الرحمة للعالمين، تحد مؤسس على التحدي الفردي. تطبيق العلاج على رجال الدعوة ونسائها أولا ثم على العامة بعد ذلك وتربية الأجيال ليكون الطفل غرسة مباركة من أول يوم.
    التعديل الأخير تم بواسطة ابتهال ; 19-08-2013 الساعة 18:08

  4. #4
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الثاني: الدعوة و الدولة

    يعتبر المؤلف هذا الفصل من أهم فصول الكتاب.


    1- افترق القرآن والسلطان:

    كتب الشيخ الأزهري علي عبد الرازق كتاب "الإسلام وأصول الحكم" ودعا فيه وبرر مسألة إبعاد الدين عن السياسة. وكانت تحكمه اعتبارات سياسية محضة نظرا لانتمائه لحزب الوفد المعارض للملك فؤاد فتلقف الكتاب اللائكيون كما يتلقف الظمآن جرعة الماء. وردَ عليه وعليهم الإسلاميون مبرزين أهمية الدولة في الإسلام وكثر الجدل حتى غلب الظن أن الإسلام ما جاء إلا ليؤسس الدولة وغاب خطاب الدعوة الأساس، إنه نوع من اللاييكية الضمنية، إنه انعكاس في خطابنا لافتراق السلطان عن القرآن كما في الحديث المروي عن أبي نعيم حديث يبين مآل الحكم في يد حكام ظلمة دارت بهم رحا القدر فانتزعوا الدولة من يد الدعوة وأجبروا أهل القرآن على أحد طريقين: طاعتهم المضلة أو عصيانهم المؤدي بهم إلى القتل.


    2- دورة الرحا:

    الحديث السالف الذكر إشارة إلى دورة التاريخ الإسلامي من نبوة، خلافة على منهاج النبوة، ملك عاض، ملك جبري فخلافة ثانية على منهاج النبوة، دورة تبدأ من نظام حكم يملك الخليفة فيه مقاليد الدعوة والدولة ويرسل عماله يعلموا الناس دينهم، إلى ملك ذي مروءة وحكمة يقبل النصيحة لكنه يؤسس للعصبية الأموية إلى ملك سفيه سفاك لدماء آل البيت وأفاضل الصحابة والتابعين إلى ملك يصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهدد بأنه لن يداوي أمراض هذه الأمة إلا بالسيف وكانت العصبية العنيفة هي مرض الأمة العضال. إن غرباء الإسلام الموعودين بالصعود من الوهدة التاريخية لابد أن يعرفوا كيف دارت دورة النزول ليعكسوا في صعدتهم خصال الخلافة تخلقا وإيمانا.


    3- العلماء والقائمون:

    كان حجر بن عدي رضي الله عنه وأصحابه أول من قام ضد سلطة الحاكم الأموي الآمر بسبَ الإمام علي كرم الله وجهه، فكان مصيرهم القتل. وتتالت قومات الأئمة من آل البيت مساندة من قبل العلماء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وكان القمع الوحشي هو الجواب المكرر, حتى أصبح اغتصاب السلطان واستبعاد الدعوة ورجالها أصلا مقررا، وكان أدهى ما فعله معاوية هو تولية ابنه يزيد وتحويله الحكم إلى ملك وراثي.


    4- فتوى الاستيلاء و"عجز الطالب":

    من التقية التي لجأ إليها علماء الشيعة إلى الاستنكار المكبوت للحكم المتسلط عند السنة والجماعة آل الأمر إلى إضفاء المشروعية على حكم السيف الباطل شرعا وذلك تحت مسميات شتى منها "عجز الطالب" "وقوع الفرق بين الممكن والعجز" "الزمان بني على هذا" وفتوى صحة إمامة المستولي والطاعة له برا كان أو فاجرا. ولا يتعلق الأمر هنا بعلماء السوء الراتعين في القصور بل إنهم أمثال ابن تيمية وابن السبكي والماوردي والإمام أحمد. وإنما فعلوا ذلك حفاظا على بيضة الإسلام ليتفرغوا هم لحماية العقيدة من انحرافات الفرق الضالة، وقد لاقوا في ذلك الأذى الكثير ومحنة الإمام أحمد مع الحاكم العباسي في مسألة خلق القرآن نموذج صارخ.


    5- أهل العلم بين التقليد والتلبيس:

    علماء السوء قلة لكن جحافل من "العلماء" حاملي الشهادات والموظفين في مؤسسة الإسلام الرسمي ما زالوا يعيشون مقلدين لتلك الفتوى المظروفة بزمانها وأحوالها. وإن طموح رجال الدعوة العاملين إخراج أهل العلم والدين من ربقة التقليد لاجتهاد زيد أو عمرو من السابقين بإيمان إلى تقليد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة المخبر بعودة الخلافة على منهاج النبوة، تعرضا لموعود الله ورسوله الذي يشرَف من قام وسط الفتنة والرقود. لا يفيد انتظار ملك صالح وقد كان، لكن النظام الذي أفرزهم وسجنهم في منطقه نظام فاسد. لطالما أنكر العلماء المنكر إنكارا عاما غامضا ونبَهوا لتلبيسات إبليس على السلاطين، لكنهم لم يتعرضوا لأم الويلات وبؤرة المنكر: الحكم العاض والجبري الذي اغتال الشورى بين المسلمين.


    6- "أكره أن أدنسهم بالدنيا":

    قولة قالها الصّديق وقال قريبا منها الفاروق عندما سئل أن يستعمل أكابر الصحابة، كانا يريدان الإبقاء عليهم في عاصمة الخلافة مع استعمال الأكفاء من المسلمين حرصا على إبقاء جماعة المسلمين حاملة الدعوة مصدر إشعاع إيماني وإحساني تستنير به الأمة. إن التحدي الحاسم اليوم هو هل تستطيع الدعوة أن تبقى مستقلة الوجود ماضية الإرادة في وجهة التغيير الشامل الجذري للمجتمع أم تذوب في الدولة؟ هل تستطيع أن تحافظ على تماسكها التنظيمي وسلوكها الأخلاقي النموذجي وإشعاعها الروحي وخدمتها للأمة المفككة الغثائية وتكسب ثقتها رغم القصور الذي قد ينتاب الدولة الإسلامية؟ والتحدي الآخر عندما تستعمل الدعوة خبراء من خارجها ولا تستطيع الإشراف عليهم من قريب فيصبح الأمر دولة بلا دعوة . نستطيع رفع التحدي عندما يصبح لنا أقوياء أمناء وأمناء أقوياء والله هو الولي

  5. #5
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الثالث: الطاعة والمعارضة



    1- "دين الانقياد":

    عبارة للعلامة ابن خلدون يستعملها لوصف المحكومين لسلطان العصبية، وتصلح عنوانا للداء المتسرب إلى النفوس الذي يوهم بشرعية الطاعة لحاكم لم يوف بشرطي بيعة تلزم الحاكم والمحكوم بأمر الله والرسول، وهما: الشورى في الاختيار والحكم بما أنزل الله. يشترك الديموقراطيون مع الإسلاميين في محاربة "دين الانقياد" لكن كل من موقعه. تدين القواعد الشعبية بدين الانقياد فلكأن طاعة الدولة القائمة "كتاب الله لا يضل ولا يعلم خلافه" خاصة إذا تسربلت بسربال الدين وهو وهم. يحتاج رجال الدعوة آنذاك لاستئصال مرض الغثائية وداء الأمم من جذوره معالجة طويلة الأمد بإمكانها بناء القوة الاقتحامية التي تخرق جدار العصبية القبلية وجدار العادات كما فعل الصحابة رضي الله عنهم.


    2- البيعة وطاعة أولي الأمر:

    في دولة القانون يجمع الحاكم والمحكوم عقد وهمي سماه روسو الفرنسي "عقدا اجتماعيا"، يطاع فيها القانون وتحفظ الحقوق وتستقر الدولة. أما في دولة الإسلام الشرعية فإن العقد الذي يجمع الطرفين عقد حقيقي يعطي فيه المحكوم صفقة يده ويلتزم الحاكم باتباع الشرع. على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت البيعة نوعين: بيعة إسلام وردت بنودها في الآية 12 من سورة الممتحنة وهي بيعة النساء، وبيعة جهاد، بيعة على الهجرة والنصرة، على حرب الأحمر والأسود من الناس، بيعة على نهكة الأموال وقتل الأشراف استجلابا لخيري الدنيا والآخرة. فلما استحالت بيعة إكراه منذ ملك معاوية اتخذت تحية الملوك الكسروية وسارت حركة سياسية دنيوية مقطوعة عن الحياة الحقيقية في الدار الآخرة.


    3- أنشوطة في الأعناق:

    ما هي حدود الطاعة، ومتى تجب ومتى تحرم؟
    يمثل اجتهاد السابقين في فهم الأمر النبوي بطاعة الحاكم ولو جار غلا في الأعناق اليوم. لقد كان صلى الله عليه وسلم مخبرا بالغيب فكان يوجه أصحابه توجيهات خاصة لحالات معينة، ولم تكن أوامره على سبيل التشريع العام. وعموما فإن أحاديث طاعة الأمير ارتبطت بالكف عن سفك الدماء بين المسلمين ومحاربة العصبية والحفاظ على وحدة الجماعة حتى لو كانت على حساب فردي. وإلا فإن الطاعة المأمور بها هي النابعة من بيعة اختيارية يعطي فيها المبايع (بكسر الياء) ثمرة قلبه ويلتـزم فيها المبايع (بفتح الياء) بطاعة كتاب الله ولا طاعة لمن عصى الله. "وتسألني يا ابن أم عبد؟".
    إن الحقائق تقلب بفهم سطحي أو بفهم يبرر القعود، وما هي إلا الإرادة تكون صادقة في نصر شرع الله فـتبصر التوجيه الإلهي النبوي تبصرا صحيحا.


    4- من هم أولو الأمر الواجبة طاعتهم؟

    قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" (النساء الآية58). هذه الآية تجيب عن السؤال إذا فسرناها بآيات أخرى من القرآن. قوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" "وشاورهم في الأمر" يبين كيف يكون أولو الأمر من اختيار جماعة المسلمين. وطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي الضابط للعلاقة بين المحكوم الذي أعطى البيعة برضاه وأولي الأمر الذين أفرزتهم الشورى. ولا تكون البيعة إلا للخليفة الشرعي في زمن الخلافة الثانية الموعودة، أما في مراحل الدعوة والبناء فلا تسمى كذلك وإن كان التعاهد بين القيادة والقاعدة مطلوبا. نبني على الأساس الأول قبل انحراف الحكم ليكون بناؤنا امتدادا للنبوة والخلافة الراشدة الأولى. ولا يصلح لهذا الأمر أبناء الدنيا الذين جعلوا حكم الشورى عضا وجبرا، ويمكن الاستعانة بذوي الخبرة منهم في الإمارة الفرعية، ولا "علماء الآخرة" الفارون بدينهم، ولا الحريص على الرئاسة ولا التقي الضعيف. إنما يصلح له القوي الأمين، يمنعه الخوف من الله عز وجل ومن مسؤولية يوم الحساب من الزيغ حيث لا تراقبه عين الحسيب المقوّم بالمعارضة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر.


    5ـ واجب المعارضة:

    المعارضة واجب في جو المسؤولية العامة الشاملة، جو التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر. هي حق لمن التزم بشرط "إن استقمت فأعينوني وإن أسأت فقوموني". وهي أخذ ومحاسبة بالمعيار الأخلاقي الإيماني أولا ثم بمعيار الجدوى والإنجاز ثانيا. المسؤولية الشاملة التي يفصلها الحديث الشريف الذي ينتهي بقوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" تنتظم الدنيا والآخرة. هناك طرفان مذمومان من وجوه المعارضة ينتصبان عقبة في وجه الحكم الإسلامي:
    - الذهنية الرعوية المنقادة المتحالفة مع الظلمة في قمع الإسلاميين.
    - المعارضة السياسية الديماغوجية اللامسؤولة التي تنصب الفخاخ وتضخم أخطاء المتحملين لأعباء الحكم الإسلاميين.
    ويدخل في باب الذهنية الرعوية من يستـقيل من واجب المعارضة المسؤولة من باب ترك ما لا يعني، ومنهم من يرى أن مسؤولية الراعي لا تكون إلا بين يدي الله تعالى يوم القيامة وكأن الأمر يتعلق بإثم قلبي، بل إن المنكر المعلن والسيئة الجهرية يجب أن يسأل عنها مقترفها أيا كان مستواه، وأن يعارض وينتقد.
    ومن مخلفات قرون السكوت تحت حكم السيف تصور تخلفي يسود لدى الإسلاميين في الجملة، تصور إجماعي يتوق إلى وحدة لا يسمع فيها همس مخالف. إن واقع وجود الخلاف بين الإسلاميين طبيعي يعالج بفسح المجال للرأي والرأي المخالف. ونجاح الدعوة والدولة يتوقف على القدرة في تصريف الخلاف من خلال قنوات معارضة صادقة، ولا تكون الموافقة الصامتة إلا بين الأموات أو المقهورين المسلوبين صوت الحرية، ولنا في خلافات الصحابة رضي الله عنهم دروس للاعتبار.


    6- القطب الأعظم في الدين:

    هي عبارة للإمام الغزالي رحمه الله يقصد بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعبر عن أهمية هذه الفريضة. وكان رحمه الله قد تدرج في قيامه بها من محاربة أهل الأهواء والمذاهب الضالة إلى أن رأى في حكم الظلمة المنكر العظيم الذي تجب معارضته و مقاطعته.
    وفي غد الإسلام والخلافة الثانية يجب أن نفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الهدي النبوي الذي ينفي الإيمان عن الذي لا يتغير قلبه لرؤية المنكر بل ينذرهم بعذاب وشيك . ويحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته مما استحقت به بنو إسرائيل اللعنة، تحذير يجب أن ينحو المنحى العملي بمقاطعة أهل المنكر فرادى ومقاطعتهم بالإضراب العام حين يكونون قوة غاشمة ونكون نحن قوة معارضة منظمة فقيهة في دينها. وبعد أن تصبح قوة سياسية يرفعها الشعب لسدة الحكم يلزمها قدرة على التنفيذ تبنى لتكون قوة إرادية تغير بالفعل وتفعل بوازعي القرآن والسلطان. ولا يكون تغيير إن لم يكن جند الله مؤهلين التأهيل الإيماني العملي التنظيمي التنفيذي الذي تندمج فيه الخصال الروحية والأخلاقية بالقدرات العقلية التدبيرية وتوجهها.
    7- المعارضة والتعددية:

    يقرأ المسلم في سورة المجادلة عن حزب الله مقابل حزب الشيطان ويقرأ في سورة أخرى عن "الأحزاب" بصيغة الجمع يقصد بهم الكفار ،ويقرأ في السنة حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الناجية، فيتولد لديه شعور الكراهية للتعدد والضيق بالخلاف. ويحتاج الفكر الإسلامي اليوم لمراجعة المفاهيم العملية السياسية الخاصة بالخلاف ومعالجته بالمرونة والرفق الضروريين للتعايش مع طوائف الناس ومع الفصائل الإسلامية المخالفة في الرأي والمذهب والموقف السياسي. إن السيرة النبوية توضح بكل جلاء أن حزب الله لم يكن كتلة واحدة مصمتة، فقد احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر إلى أخذ رأي المهاجرين والأنصار كل على حدة، بل لقد كان رأي الناطقين الرسميين بلسان الأنصار سيدي الأوس والخزرج معارضا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلحه مع غطفان يوم الأحزاب بعدما علما أن الأمر ليس وحيا من عند الله.
    وقد كان لرأي المجدد الشهيد حسن البنا في المسألة تأثير على أجيال الإسلاميين، فقد كره رحمه الله التعدد والحزبية لما رآه في زمنه ومصره من التكالب على السلطة. إن سلوك سبيل الحزب الوحيد سيكون أكبر خطيئة ترتكبها الدعوة حين تمسك بالحكم وتقمع كل معارضة. تحكم على نفسها بالموت كما حكم الحزب الوحيد المفضوح في البلاد الشيوعية.

  6. #6
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الرابع: تطبيق الشريعة





    1- المصلحة والاجتهاد:

    لا تستطيع أن تصمد في وجه الهزات دولة أسستها دعوة تتصرف تصرف الحزب الوحيد، باسم اجماع شعبي وهمي. تتصرف اعتمادا على القسر و القهـر لا على الإقناع والحوار والمشاركة والتدرج. تفسد رصيدها وشرعيتها التاريخية حين تتصدى للحكم جاهلة بالديناميات الاجتماعية والتقلبات في الرأي العام، ووجود معارضة للحكم بما أنزل الله. هذه المعارضة إن منعت وسجنت وقتلت دخلت سراديب السرية وصارت أشد خطرا بدلا من أن تكون انتقاداتها للحكم الإسلامي إهداء للعيوب. إن الحكم بشريعة الله كاملة أمر مقدس وهداية ونور وهو الضامن لمصلحة الناس، وهو العدل والخير والأمن، ومجرد التردد في القبول به يطعن في عقيدة المتردد ويخل بإيمانه. فالتفريق يجب أن يكون بين الشرع المنزل والتطبيق البشري الاجتهادي القابل للخطأ، والنقد يجب أن ينصب على هذا الجانب. لكن ليس من شأن الإسلاميين قبل الحكم وبعده التنقيب عما في القلوب ومحاكمة النيات ما دام الأمر لم يصل إلى الجهر بالكفـر والاستهزاء بالدين، وإنما الشأن في معرفة طوائف اللاييكيين المعارضين الذين يجمعون على أن العقل قبل الشريعة وهو الضامن لمصلحة المجتمع وهو الحق المطلق. في غد الإسلام هل تكتم دولته أنفاس كل معارض للشريعة؟ إن ذلك فعل الضعيف غير الواثق بما عنده من مبادئ، لذلك لا نخاف اليوم وغدا بحول الله مقارنة الآراء فيما بيننا وبين اللاييكيين كما لا يجب أن نخاف تعدد الاجتهاد فيما بين الإسلاميين فصائلهم وعلمائهم، وللشعب أن يختار بحرية بين البدائل.


    2- الدنيا للآخرة:

    "وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل." هكذا عبر الإمام الشاطبي رحمه الله عندما كان الأمر جميعا في الأفهام، مصلحة الدنيا مرتبطة بمصلحة الآخرة. وفصل فقهاؤنا الأصوليون كيف تفسر التكاليف الشرعية على مراتبها بعلة ضمان مصلحة العباد وذلك بضمان الضروريات الخمس والتوسع بالمقاصد الحاجية وتكمل بالأهداف التحسينية. تمنع الشريعة بمقاصدها الفساد في الأرض لينصرف العبد إلى تهييء آخرته. كان هذا واضحا رغم آفة العض الحاكم.
    لكن في يوم الإسلام وغده المصدر المعرفي لخصومنا ينبع من الثقافة الدوابية التي حصرت المصلحة في "اللذة" و"السعادة" و"الحياة"والفن وما الدين إلا موروث ومخزون نفسي.
    مهمة الدولة في غد الإسلام إن شاء الله العمل على توفير المعاش الكريم للناس وهي دعوة في حد ذاتها وتأليف. إن علة العلل في الشريعة وأم المصالح هي "إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا كما هوعبد لله اضطرارا" كما يعبر الإمام الشاطبي.


    3- وازعا القرآن والسلطان:

    "لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن" كلمة قالها الخليفة الراشدي عثمان رضي الله عنه في ظروف قل من يزدجر فيها بوازع القرآن كما كان العهد من قبل. وازع القرآن هو الأصل ويأتي سوط السلطان وحد الشريعة وتعزير القاضي ليسد الخلل في جماعة المسلمين وهو استثناء، وكلما كان وازع القرآن أقوى كلما ضاق الوازع الآخر.
    عندما يوكل الأمر في التشريع لشرعة "الحرية" والمنفعة اللـذاتية، فإن القانون يتغير حسب هوى "الرأي العام". أما شرع الله ففيه أحكام ثابتة قطعية تقابل ما في الكون والطبيعة من ثوابت، وبقيت مساحة واسعة سكت عنها الشرع تقابل المتغيرات. مطالب ثابتة وبواعث إيمانية إحسانية لا تتحول، وبثباتها تعلو الشريعة الإلهية على كل الشرائع. ولا يكون إصلاح حال المسلمين بتطبيق الروادع الشرعية، بل بإيجاد ما فقدوه من إيمان يزع الفرد ويربط الأمة برباط التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، هذا أولا ثم يكون لوازع السلطان مشغل.


    4- قانون التدرج بل شريعته:

    من سنة الدعوة التدرج في البناء، كان ذلك في مرحلة النبوة والخلافة الأولى حين تدرجت بالناس من جاهلية سائبة لإسلام متمكن. وكذلك اليوم تتدرج الدعوة بالناس من فتنة وشتات غثائي إلى قوة ووحدة وإيمان متجدد.
    بالتدريج تنزل الوحي والتكليف والأحكام، نزل أولا من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر للجنة والنار وبعد ذلك نزل الحلال والحرام. وهناك اليوم من يرى أن يبدأ الحكم الإسلامي بالعقوبات لأن التنزيل قد اكتمل، وهؤلاء مع صدقهم تغيب عنهم حقائق النفوس وأسرار الشريعة التي راعت صعوبة خروج النفس من هواها. إن تجذر العادات في الناس في كل مكان وزمان وتمكن الهوى حتى ليتخذ إلها لعلة مانعة في يوم الإسلام وغده مما منعته في عهد الصحابة والتابعين. يلزم مراعاة أحوال النفوس والزمان والمكان عند تطبيق الشرع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين."


    5- "باب من ترك قتل الخوارج للتألف":

    وإذا أضفنا: "ولئلا ينفر الناس عنه" صار هو العنوان الكامل للباب السابع من كتاب"استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم" من صحيح الإمام البخاري وفيه فقه كبير في اعتبار أن هدف التأليف على الإسلام مقدم على عقوبة المخالفين ولو كانوا يستحقون القتل. إن الحدود والعقوبات تقي بناء الدين من الهدم وليست هي البناء نفسه. شريعة الإسلام وهديه دعوة رحيمة ويسر وتبشير، ومن بين 6232 آية هي مجموع القرآن الكريم اتفق العلماء على أن الحدود المقدرة في الشرع ستة تحفظ مقاصده الخمسة: المرتد يهدد حفظ الدين، القاتل يهدد مقصد حفظ النفس، الشارب يهدد حفظ العقل والزاني يهدد حفظ النسل، القاذف يهدد حفظ العرض والسارق وقاطع الطريق يهددان الأموال. وجعل الله بشرعته السمحة أسوارا بين الناس والعقوبة؛ سور وازع القرآن في قلب العبد، وسور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسور ستر المسلمين بعضهم بعضا، وسور درء الحدود بالشبهات، وسور الشفاعة في الحدود قبل وصول الخبر إلى القاضي وسور العفو وسور ستر الإمام على الجناة وسور وصية الله تعالى بأن لا يسرف في القتل.


    6- التائبون الحافظون:

    يقول الله عز وجل في سورة التوبة الآية 113: "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله، وبشر المومنين". من جملة وسائل الحفظ العقوبة، لكن أساس البناء التوبة وما يتبعها في هذا السياق الذي يصف المؤمنين الأقوياء الأمناء المؤهلين لحفظ حدود الله. يحتل المسجد مكانة جليلة في سياق التائبين الحافظين، فمنه انطلق البناء لدولة الإسلام الأولى ومنه تنطلق نهضة الخلافة الثانية على منهاج النبوة. يتجدد عزم رجال ونساء ويحيى فيهم الوازع القرآني، ويتوبون التوبة العميقة التي تقلب كل الموازين العقلية والقلبية الأخلاقية السلوكية، تجتمع مع ما تسلحوا به من علم وخبرة وكفاءة عملية فتؤهلهم لحمل رسالة الإسلام إلى العالم تغير وجهه وتجيب عن أسئلة الإنسان الضخمة فتدله على الكيفية التي تنتظم بها دنياه في سلك آخرتـه.

  7. #7
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الخامس: العمران الأخوي

    1- عمران وأخوي:

    نقصد بالعمران ما شمل المدلول الخلدوني للكلمة وهو الازدهار الاقتصادي من زراعة وتجارة وبناء، ويضاف إليه المدلول العصري لكلمة حضارة: "الوسائل المنفعية المادية للحياة الإنسانية الاجتماعية" مربوطين بتوجه القاصدين المعمرين المتحضرين على منهاج السكة المستقبلية العابرة من الدنيا إلى الآخرة، مربوطين بمعاني عمارة المسجد وبمراد الله الشرعي من المؤمنين.
    ويقصد بكون العمران أخويا احتضانه الأخوة الموصوفة في الشرع بين المسلمين المؤمنين، المأمور بها من قبله. أخوة تجمع التائبين من إسلام وراثي بال ومن شرك الحضارة المادية والقوانين الوضعية ،إلى إسلام يشترط فيه إقامة الصلاة الناهية عن المنكر، وإيتاء الزكاة المساهمة في التكافل الذي يطبع العمران الأخوي:" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين" (التوبة الآية 11). التأليف القلبي بين المؤمنين والأخوة الحانية الخادمة العادلة المحسنة بين المسلمين هما المزيتان الظاهرتان، يراهما المراقب من خارج ويعيشهما العضو الحامل المشارك، ليس الرابط مواطنة جغرافية سياسية قومية فحسب بل مواطنة إيمانية أيضا "والذين تبوأوا الدار والايمان" (الحشر الآية 9).


    2- خصائص العمران الأخوي:

    المواطنة القلبية الإيمانية هي أم الخصائص في العمران الأخوي والظفر بمنهاجها ظفر بمفتاح أقفال الطبيعة البشرية وظفر بعلاج داء الأمم الناجع. علاج من داء الشح وهو حب الدنيا ومن حب المصلحة الخاصة والربح واللذة والمال والجاه وهي آلهة أبناء الدنيا وجنتهم. التحدي أمام أبناء الآخرة يتمثل في التصرف العملي المنتج المعطي في ملكية الدنيا التي أمر سبحانه عباده المؤمنين الإنفاق منها حيث جعلهم مستخلفين فيها. بالأمس تاق المستضعفون إلى أمل ينصفهم من غول الرأسمالية، فلما أفل نجم الاشتراكية هم اليوم متطلعون إلى رحمة وتكافل اجتماعي وأخوة باذلة يأتي بها المقتحمون للعقبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على منهاج النبوة. فما هي عوارض إقامة العدل الإسلامي وما هي شروطه؟
    أما عن العوارض فهي تتمثل في العقائد الدنيوية وقعود السواد الغثائي وقلة تجربة المقتحمين وضخامة الإرث الخرابي على كل الأصعدة، كل ذلك يؤثر في مدة قبول الحكم الإسلامي من قبل الكافة.
    أما شروط إقامة العدل الإسلامي وإحلال العمران الأخوي فهي:
    ـ استـقرار الحكم على الشورى وهو الشرط الأساسي.
    ـ مشاركة العامة في تنظيم الجهود لبناء القاعدة الاقتصادية الضرورية.
    ـ وضوح الأهداف عن طريق برامج قابلة للتطبيق.
    ـ ملاءمة الوسائل المتاحة للأهداف الإسلامية.


    3- الزكـاة:

    لفريضة الزكاة وجه عبادي تربوي إيماني وهي بشروطها ونصابها تطهر الفرد من شح نفسه وتؤهله للفلاح الأخروي إن جمع إليها الصلاة وذكر الله.هذا وازع القرآن، ولوازع السلطان الإلزام الصارم بأدائها في حق الممتنع. والوجه الثاني لهذه الفريضة وظيفتها الاجتماعية العمرانية التي لا تنفك عن الوجه الأول، تصب العبادة الفردية في الصلاح العام الذي يعود على الفرد رحمة ومودة وأمنا. لكن كيف الحديث اليوم عن الزكاة في عصر العلوم والمعلوميات وسائر منجزات العصر؟. الزكاة في ظل الخلافة الثانية إن شاء الله ينبغي أن تتجدد حيويتها ويتوسع نطاقها وأن تتحول من فريضة فردية اختيارية إلى سياسة للدولة ومساهما قارا في اقتصادها، يجب أن تجمع الوظيفة الضمانية التوزيعية حيث يصيب منها الأصناف الثمانية المفصلة في القرآن ووظيفة التوفير والتجميع والاستثمار والتنمية. وقد اجتهد فقهاء العصر وعلى رأسهم د. يوسف القرضاوي في كتابه "فقه الزكاة" فوسع وعاء الزكاة لتشمل كل المداخيل والثروات بما فيها أسهم الشركات.


    4- في المال حق سوى الزكاة:

    "المفارقة" و"المجتمع التضامني" هذا ما جاء ينشده في الإسلام الفيلسوف النصراني الشيوعي سابقا رجاء جارودي. لكنه ما يزال حائرا بسبب الإسلام الثقافي في أمر الموت والآخرة. سعي المسلمين لبناء آخرتهم والإنفاق في سبيل الله بلا حساب ولا شح هو ما يضمن بناء المجتمع التضامني، وذلك حين يتحول الاقتصاد الفردي الرأسمالي الغابوي إلى اقتصاد إنساني آدمي يحمي المحتاجين؛ يحميهم بالزكاة وهي الحد الأدنى من الإنفاق. وتفرد الإمام ابن حزم رحمه الله بالدفاع عن وجوب حقوق في المال غير الزكاة، وبسط أدلة اجتهاده رجاء تطبيق مستقبلي يجتمع فيه وازع السلطان مع وازع القرآن لتوفير الخير لساكني العمران الأخوي. ومن بين أدلته ما رواه الإمام مسلم بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له." قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل. ومنها وعيد منع الماعون في القرآن حيث يمكن أن نوسع الفهم ليشمل أدوات الإنتاج والعمل. وهكذا ننتقل من الملكية الخاصة وهي إحدى شروط الاستخلاف إلى ما يمكن أن تؤديه من وظيفة اجتماعية.


    5- الـبـر والبذل:

    وصف الفيلسوف المسلم جارودي داء الحضارة المادية وصف الخبير؛ إنها الفردية الأنانية ، ورجا أن يأتي الإسلام بالمجتمع التضامني فيجد فيه الإنسان مستقبلا ذا وجه إنساني. كان قد حارب هذه الأنانية زمانا من زاوية النقد الاشتراكي، لكنه عاد بخيبة أمل بعد خراب البناء الشيوعي الذي حلم مؤسسوه بمجتمع دون طبقات ودون حرية في التملك فعاكسوا بذلك الفطرة البشرية. محو الفوارق بين الأغنياء والفقراء في العمران الأخوي لن يكون إلا بإيقاظ الوازع القرآني في القلوب فتطهر من الكراهية والجبن والشح وسائر الأمراض فتستحيل الأنانية الفردية إلى مجتمع محبة وتطوع وعطاء ورخاء وعدل وإحسان. نيل البر مرتبط بشكل كبير بالبذل، فهو بعد التسليم بأركان الإيمان إنفاق للمال على حبه ، "وابدأ بمن تعول" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وندب الإسلام إلى صلة الرحم وكفالة الوالدين كما أوصى باليتامى والأرامل والعجزة.
    من شأن البذل أن يصون حرمة المسلم فيجعله نشطا منتجا مقدما لآخرته لا عالة سائلا خاملا.


    6- العدل والتنمية:

    "الشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه" هكذا قال الإمام ابن قيم الجوزية في (إعلام الموقعين)، العدل ظل الله لا السلطان. وما تقدم في الفقرات السابقة من فضائل البر والعطاء فمشروط بتوفير الوسائل. البر توسع في الخير ولا توسع إذا لم يتوفر الحد الأدنى وهو العدل وهو التنمية. العدل المنشود في دولة الإسلام هو ما يستقر به المجتمع وتتوحد عليه الأهداف وتسخر له الوسائل، والتنمية هدف مشترك بين كل السياسيين. وإنه لفرق واضح بين ظروف المعارضة وظروف المسؤولية التي تضغط فيها أولويات توفير الأرزاق وتمويل المشاريع وإدارة الاقتصاد وتعبئة الطاقات والتنافس في السوق العالمية، إنه مشروع مستديم لا عدل بدونه.
    إن العالم اليوم يسيطر على خيراته دول رأسمالية جشعة كل همها الاستهلاك والوفرة حتى صارا غاية الغايات ومحط نقد العقلاء من أمثال جارودي، وإن سعينا لمزاحمة الأقوياء الأغنياء من أجل امتلاك وسائل التنمية، وهو قدر ابتلائي كما هو أمر تكليفي، سيشغلنا عن نداء الغايات: نداء الأخوة بين المسلمين والرحمة للعالمين خاصة المستضعفين. سيشغلنا إذا كانت الدولة سيدة الدعوة، وبالتالي سوف لن نخرج من دائرة الحكم الفتنوي وإن سمينا نظامنا إسلاميا.


    7- النفط:

    وجود النفط في بلاد المسلمين (أزيد من %80 من المخزون العالمي) آيــة من آيات الله العظمى في هذا العصر، وكون هذا النفط هو عصب الاقتصاد العالمي آية أخرى وابتلاء عظيم. يتحالف الاستكبار العالمي مع الحكم العاض الفاسد المفسد لضمان ضخ نفط المسلمين إلى مصانع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بأقل سعر. لم يكتف الغرب بالحلفاء العرب، بل زرع خفيرا مخلصا وامتدادا له هي دولة إسرائيل؛ ثم لم يكتف بذلك وعاد إلى خيار الاحتلال المباشر لمنابع النفط. وكان الداعي لهذا الخيار هو ما طرحه احتلال صدام البعثي لإمارة الكويت بعد أن استـقوت آلته الحربية بفضل الدعم الغربي اللامحدود له في حربه لإيران. طرح صدام بكل شجاعة المسألة الجوهرية في الاقتصاد العالمي: النفط والتحكم في أسعاره وحق المسلمين في ثروة عائداته. وننتظر ما ستسفر عنه معركة ستكون بلا شك من أقوى وأعمق الهزات في تاريخ المسلمين. أبرز القدر على يد صدام حقائق اللعبة السياسية التي تتذرع بالقانون الدولي، فكيف سيتعامل الإسلاميون يوم تؤول إليهم مقاليد السلطة مع هذا الوضع؟
    إن العالم اليوم في مخاض لميلاد الإسلام الجديد, يجب أن لا يغيب عنا هذا اليقين.
    تاريخ النشر: الخميس 27 يونيو/حزيران 2013

  8. #8
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    مختصر كتاب العدل للأستاذ عبد السلام ياسين (3/2)بقلم: الأستاذ محمد دحان
    الفهرس

    الفصل السادس: الـوحــدة

    1 ـ عقيدتنا التوحيدية:

    2 ـ التجزئة الاستعمارية:

    3 ـ التوحيد بالاقتصاد:

    4 ـ وحدة بالقوة، وحدة بالمحبة:

    5 ـ قومة لا ثورة:

    6 ـ الولاية الجامعة:

    7 ـ "جماعة المسلمين":

    الفصل السابع: المرأة

    1 ـ الحياة الطيبة:

    2 ـ المؤمنة مشرفة مكلفة:

    3 ـ الزوج الصالحة:

    4 ـ حافـظة الفـطرة:

    5 ـ المرأة والعمل:

    6 ـ المرأة والحرية:

    7 ـ العزل:

    الباب الثاني - عالم في مخاض
    الفصل الاول - رياح التغيير في العالم

    1 ـ "أبواب كل شيء":

    2 ـ نظام جديد للعالم:

    3 ـ الشرف الدولي للإسلام:

    الفصل الثاني: حقوق الإنسان

    1 ـ بلاغ للناس:

    2 ـ "نظيرك في الخلق":

    3 ـ الإنسان المعذب في الأرض:

    الفصل الثالث: التقدم والتخلف

    1 ـ "ميثولوجيا" التقدم:

    2 ـ العصرنة و الماضي:

    3 ـ النقاش المحوري:

    الفصل الرابع: التغريب

    1 ـ "الدائرة الصماء":

    2 ـ "طاحون التعليم الغربي":

    3 ـ "الردة مرونة في الفكر":

    الفصل الخامس: ضرورة الحوار وحسن الجوار

    1 ـ حوار الضعيف للقوي:

    2 ـ شروط الحوار وظروفه:

    3 ـ قضايا للنقاش:
    التعديل الأخير تم بواسطة ابتهال ; 19-08-2013 الساعة 18:18

  9. #9
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل السادس: الـوحــدة









    1 ـ عقيدتنا التوحيدية:

    التوحيد بقوة السلاح لا يزيد الناس إلا تمزيقا، لذا يجب البحث عن عوامل الوحدة في العقيدة الراسخة في أعماقهم. الفطرة ميراث عقدي متسلسل منذ آدم عليه السلام, وإنما جاءت رسل الله لتذكر بأن أمة النبيئين والمرسلين أمة واحدة. لكن جفاف القلوب من الرحمة وهي الرحم الجامعة، هو السبب العميق المؤدي إلى الفرقة والذي يكمن تحت تصادم المصالح الاقتصادية والنزاعات السياسية والتنافسات القومية.
    قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك. ولذلك خلقهم" (هود /118). وقال عز من قائل: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" (آل عمران / 103). أمره الشرعي أن يكون الناس أمة واحدة موحدة على الإسلام الذي جاءت به الرسل، وقدره الكوني أن يكونوا مختلفين متقطعين زبرا بما حادوا عن الفطرة وبما ارتخت أيديهم عن حبل الله وهو القرآن. والتوفيق بين إرادة الله الكونية وأمره الشرعي التكليفي هو ما يجعلنا ننبذ التفرق ونستعيد أخوتنا التي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته عليها وسارت الخلافة الراشدة على منوالها حتى انتقضت عروة الحكم وتركبت على العصبية الطائفية وسار حكام العض يستعين بعضهم على بعض بالكفار.



    2 ـ التجزئة الاستعمارية:


    ظلت "جماعة المسلمين" بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موحدة في زمن الراشدين واعية بمهمتها التاريخية وهي تبليغ رسالة الله للعالمين. وبقي هذا الوعي حتى في زمن الملوك وإن بشكل أقل حتى تفككت الأمة وتسرب إليها داء الأمم وأصبحت لها القابلية للاستعمار.
    احتل المستعمر الغربي أرض المسلمين بقوة العسكر ونهب خيراتها وقتل رجالها وخرب ديارها، لكن ذلك لم يكن هو العطب الفادح الذي خلفه، وإنما هو إقرار التجزئة في الواقع السياسي والاقتصادي والتعليمي والإداري، وإلحاق كل دولة قطرية بالنظام الاستعماري الرأسمالي، وغرس دولة إسرائيل في قلب بلاد المسلمين. أفدح من هذا العطب هو تجزئة الفكر وصناعة نظائر للمستعمر تشبهه في كل شيء منساقة وراء حداثته. والسؤال الذي يطرح هو: ما هي خصائص القوة الإيمانية الاقتحامية الكفيلة بأن تعيد للأمة وحدتها لتحمل رسالة رب العالمين؟



    3 ـ التوحيد بالاقتصاد:


    تبليغ رسالة رب العالمين لا تستطيعها الأمة في غياب المنطلقات والمرتكزات الاقتصادية، وفي غياب العمل الروحي الأخلاقي، وبالتالي غياب وحدة بين المسلمين. العامل الأول المادي مقوم من مقومات الطبيعة البشرية لا يستطيع مجتمع تجاوزه وإن كان مجتمع الصحابة، خاصة أنه ليس في مقدور الجميع أن يكون مثل أبي بكر في زهده.الاستقلال الاقتصادي وتنمية الموارد والتكامل بين أقطار المسلمين هي بداية حركة التوحيد. وإن تلك الضرورات (الاقتصاد وتحدي الوجود الصهيوني) لهي من عصي القدر التي تلزمنا بالتفكير الجدي في الوحدة.من التحديات الضخمة التي ينبغي مواجهتها وهي من أهم أسباب تفكك اقتصاد المسلمين، تخليص أموال النفط المهربة المبذرة المحمية بالقانون الدولي والسلاح النووي من تحكم الأبناك اليهودية الرأسمالية. التبعية هي سبب فشل مشاريع التنمية في الأقطار الإسلامية، هذا في الوقت الذي يستقل فيه الرأسمال الأجنبي بالقرار فيحكم اقتصاداتنا الهزيلة المغبونة في المبادلات التجارية المرتهنة بالقروض الربوية لدى المؤسسات المالية الكبرى. يلزم رصد الجهود لإشباع الحاجات الضرورية الأساسية بدل الكماليات الاستهلاكية، وتقليص المسافة بين البلدان الإسلامية لتقوية روابطها الاقتصادية وإنشاء سوق داخلية تدعم الإنتاج الداخلي في أفق اكتساب القدرة على مواجهة تحديات السوق العالمية.



    4 ـ وحدة بالقوة، وحدة بالمحبة:


    الإسلام دعوة ودولة يخدم وازع السلطان فيها وازع القرآن، ولهذا ورد نزول الكتاب مقترنا مع نزول الحديد. ولطالما حاول بعض الكتاب الإسلاميين دفع "تهمة" الجهاد الهجومي مما كان يغضب سيد قطب رحمه الله الذي كتب في (معالم في الطريق) يبين الفرق بين عدم الإكراه في الدين وبين تحطيم القوى السياسية المادية التي تمنع وصول الدعوة إلى الناس.السؤال الذي ينبغي طرحه هو: هل تتوحد الأمة دون استعمال القوة؟
    بالأمس القريب رفع صدام عقيرته ينادي المسلمين للعدل بدل الاشتراكية(شعاره الأول) ويدعوهم للجهاد بدل العنف الثوري، يدعوهم للوحدة.
    واستعمال العنف من أجل الوحدة عقيدة عند القوميين منذ جاربالدي موحد إيطاليا وبسمارك موحد الألمان,لكن الكوارث التي سببها هذا السعي القومي نحو الوحدة تجعل الإسلاميين المرشحين للحكم يفكرون فيما اعترى هذا السعي من عوامل الفشل. إن غرس عقيدة التوحيد عند الخاصة والعامة ودعمها بالمحبة الأخوية والعدل والبذل وتحصينها بقوة الجهاد هو الذي يهيء الجميع لقبول الوحدة.لكن يجب الحذر من منطق التآلف مع دعاة مذهبية التكفير والتبديع للناس والتبرير لحكم السيف.



    5 ـ قومة لا ثورة:


    استعمل العلماء كلمة ثورة للدلالة على خروج عنيف على الحكم القائم بغير حق, وهي توحي بالعجلة والعنف والاضطراب؛ ويستعملون كلمة قومة للدلالة على الخروج بحق على الظلمة, وتوحي الكلمة بالقوة والثبات والثـقة. الغاية من القومة هو صلاح آخرة الفرد, وصلاحها رهين بصلاح دنيا الفرد وهو بدوره رهين بصلاح دنيا المجتمع. يمكن إجمال القومة ومنهاجها في سبع نقاط مستقاة من القرآن والنموذج النبوي العملي:
    1- قومة دعوة على منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعا بالرفق وبشر ويسر وجمع الصادقين ليكوّن بهم قوة تواجه المألوف من عادات الجاهلية وأنانيتها وهواها.
    2- قومة الشهادة بالقسط لإحلال العدل محل الجور.
    3- قومة إلى الصلاة وفاء بشروط الإسلام وانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وانتظاما لأوقات الليل والنهار.
    4- قومة الإحسان وهي إقامة الوجه لله تعالى.
    5- إقامة حدود الله لحفظ بناء الدين في السياق التربوي العدلي العمراني الأخوي.
    6- القيام بأمر الله، قيام على الشورى، قيام الدعوة على الدولة.
    7- إقامة الوحدة.
    القومة في عين السياسي شورى وعدل ووحدة، لكنها نظرة قاصرة إن لم نجمع إليها بقية الخصال التي تتوج بقبة الإحسان، والنموذج الذي جسده الصحابة يحفزنا لبذل المجهود وتخطيط المراحل وتربية الأجيال بدلا من النماذج المقعدة, نموذج السائرين في ركاب التيمية النفطية ونموذج المتصوفة الهاربين من الدنيا المسالمين للغالب بالسيف كما الآخرين.



    6 ـ الولاية الجامعة:


    الولاية بفتح الواو وكسرها هي ما تتطلبه القومة على منهاج النبوة من تضافر جماعي على الجهاد وتوحيد للجهود وتناصر واجب وتفاعل مع الواقع عن قرب وقوة وتدبير وفعل مقتدر. هي اللحمة الواجبة شرعا التي تجمع المؤمنين حاملي الرسالة المخاطبين بالقرآن المتآمرين بالمعروف المتناهين عن المنكر.روح الولاية الحب في الله والبغض في الله والإخلال بها نوع من الردة حين تصبح ذلة على الكافرين وتجبرا على المؤمنين. لا يتم إيمان بدون تمكن الولاية من القلب تمكنا يصدقه الفعل والمشاركة والالتزام الجهادي بالنفس والمال. وقد دأب السلف الصالح على استعمال الولاية بكسر الواو لوصف العباد الذين اختصهم الله برحمة منه فتعلقت همتهم بطلب وجهه سبحانه. هذا موضوع خصه المؤلف بكتاب سماه "الإحسان", وهو موضع شك كثير من الإسلاميين اليوم مما كان دفع الشيخ سعيد حوّى رحمه الله إلى التنبيه عليه في أخريات ما كتب, يدعو لإعادة قراءة الإمام البنا رحمه الله وفضل الصوفية عليه. والموضوعان لا ينفصمان (القرب من الله والتناصر بين المؤمنين)، لأن شرط الولاية الجامعة (يحبهم ويحبونه) المذكورة في سورة المائدة الآية 56 هي قدرتهم على تجاوز أنانياتهم المفرقة وتجاوز حبهم للهوى والشهوة (أذلة على المؤمنين).

    7 ـ "جماعة المسلمين":


    الولاية الجامعة تؤسس لجماعة المسلمين حين يجتمع الشباب الإسلامي التائب المغير لما بالنفس أولا مع الرجال المؤمنين أهل التجربة والحنكة والكفاءة، والدعاة الذين اتسع أفقهم والثقاة الخائفين على دينهم. يكون هؤلاء رابطة إسلامية في كل قطر لتشكل نواة لتماسك الأمة. "جماعة المسلمين" ليست كتلة واحدة على شاكلة الحزب الوحيد في المذهبية الشيوعية, ولا يستحب أن تكون تنظيما دعويا عالميا؛ فمثل هذا التصور هو الذي يؤسس "لدين الانقياد". "جماعة المسلمين" تجمع فضلا على ما ذكر الجماعات العاملة المجاهدة تكوّن الرابطة المتحدث عنها وتكون في مرحلة الدعوة وجه الدعوة في الميدان السياسي وذراعها وقوتها. تتألف على المحبة الولائية ووضوح الأهداف والطرائق وجلاء الأفق التعاوني وضبط الحركة ووحدة القيادة وشرط التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر وحرية الأفراد في اختيار التنظيم الذي يعقد معه الولاية الخاصة. يلزم الشرع تنظيمات "جماعة المسلمين" ضم الجهود في وجه العدو والخصم والصديق، وبعد التمكين ينبغي تقبل حكمة التعددية وحكمة التعاقب على الحكم وتحمل أعبائه بين الفصائل الإسلامية بل ينبغي توطيد دعائم الشورى على تعددية المدارس والتنظيمات والآراء والمذاهب.

  10. #10
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل السابع: المرأة

    1 ـ الحياة الطيبة:


    "السعادة" هي الغاية التي يبحث الكل عنها؛ وسيلة طلاب الدنيا إليها التحرر من كل قيد باسم الحضارة. أما طلاب الآخرة فسعادتهم نيل رضى الله عند لقائه والحياة الطيبة هي نصيبهم من الدنيا. لا نجاري الدنيويين حين حديثنا عن المرأة بنفس منطقهم (كأن نبرز المزايا التشريعية للإسلام في قضايا المرأة) فتلك هزيمة لا تجني منها الدعوة شيئا. إن خطابنا ينبغي أن يركز على كون الدنيا مجرد مرحلة للانتقال إلى دار البقاء وهي امتحان للرجل والمرأة على السواء، وهما لبعضهما البعض السؤال العويص من بين أسئلة الامتحان. إنه خيار حاسم مطروح للمرأة بين الدنيا والآخرة، وضرب الله عز وجل المثال بنساء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخيار(سورة الأحزاب الآيتان 28 و29). فإن اختارت المرأة المسلمة الآخرة فلها نصيبها من الدنيا وللرجل نصيبه منها في كنف العفة والطهارة والمحبة والتآزر والتعاون على تعب الرحيل والعبور إلى دار البقاء.


    2 ـ المؤمنة مشرفة مكلفة:


    الاختيار بين الدنيا والآخرة يؤثر فيه بشكل كبير طريقتنا في الدعوة وخصوصا بالنسبة للمرأة التي تميل بطبعها إلى اللعب واللهو والزينة والتفاخر. ولا يمكن فرض اختيارها للآخرة بالإكراه والتعنيف ولا بالنضالية الجوفاء ولا بالوعظ البارد، بل يكون بأن تجلس إليها من بنات جنسها من تذكرها بالله واليوم الآخر وترغبها فيما أعده الله لعباده من جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونور يسعى بين أيديهن وبأيمانهن فتعلم أن الحياة الدنيا مجرد متاع الغرور فتسعى لمخالطة المومنات القانتات, وفي مرحلة ثانية توثق اختيارها بتوبة تامة تلزم نفسها بعدها بما التزمت به الصحابيات من بنود بيعة شهد عليها كتاب الله عز وجل, وفي مرحلة ثالثة تتوق نفسها للتشبه بأمهات المؤمنين ذوات الصون والكمال، فترتفع همّـتها لتكون مخاطبة مشرفة مكلفة مثلهن. يؤهل هذا الترقي في معارج الدين المرأة المؤمنة للدخول في الولاية العامة فتكون لها المكانة في واجب السهر على دين الله ودعم البناء الإسلامي وتكون لها الحرمة التامة فيه.
    إن المعوّل عليه بعد الله تعالى، هو إحسان دعوة المسلمات.


    3 ـ الزوج الصالحة:


    الزواج سنة نبوية وآية ربانية في خلقه الخلق ذكرا وأنثى وجعله المودة والرحمة بينهما ليكون السكن الذي تمثل الزوج الصالحة أصله. تنظر المؤمنة إلى مثال أمهات المؤمنين اللواتي أمرن من بين جملة أوامر أن يقرن في بيوتهن , والأمر فيه معاني الوقار والقرار والحياء والوفاء. المودة والرحمة هما الرباط الفطري القلبي الذي هو روح الزّوجية ويأتي التشريع ليكون ضمانة إضافية للاستقرار. سمى الله ما يجمع الرجل بالمرأة ميثاقا غليظا وعّرفه سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأنه الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان. ولإنجاح الزواج يلزم توفر شروط عملية واقعية منها استطاعة الزوج النفقة وحرية الاختيار والتكافؤ الاجتماعي. تشجيع الزواج يكون أيضا بطرح المواضعات الاجتماعية كالتغالي في المهور. إن وضع العراقيل في وجهه إضافة إلى عرض النماذج الانحلالية في وسائل الإعلام وتفشي الفقر والبؤس المؤدي إلى البغاء كل ذلك يفتح بابا عريضا للفساد.
    ومما يعيبه أعداء الإسلام على الشريعة , تعدد الزوجات وجعل الطلاق بيد الرجل. أما المأخذ الأول فيسقط إذا علمنا أن الترخيص وضع لحالات خاصة , وأما الثاني فإن وازع السلطان في دولة القرآن كفيل بأن يضع حدا لحالات الإجحاف.


    4 ـ حافـظة الفـطرة:


    الفطرة الاستقامة الأصلية على الدين علمها آدم بنيه وعلموها هم ذريتهم, وكلما فترت جذوة الإيمان في القلوب بعث الله تعالى الرسل لإحيائها. الدين الحنيف, فطرة الله لا تحتاج إلى استدلال فلسفي وإنما إلى تلقين للمولود من أحب الناس إليه خاصة أمه. وقد تتشوه الفطرة كما تتشوه الخلقة الجسمية فتحتاج عندها لتطبيب. كانت الجزيرة العربية إبان البعثة المحمدية أقرب إلى الفطرة , كانت لا تزال فيها بقية من الحنيفية الإبراهيمية, دخلت عليها الوثنية فشوهتها لكن لم تمحها. واليوم تعاني أجيال المسلمين من ضعف الفطرة المحفوظة بسبب انشغال الأمهات, مجاراة لهوس العالم, بتربية أبنائهن الجسمية وإغفالهن تلقين الجواب عن السؤال الفطري المصيري الأخروي. حبل الفطرة يبقى موصولا عندما يلقن الوالدان, خاصة الأم, الإيمان لمولودهما في الوقت المناسب فيشب وقلبه سليم ولسانه يلهج بالشكر على نعمة أنعمها الله عليه وعلى والديه ويدعو لذريته بالصلاح فيبقى حبل الفطرة متدلـيا من جيل لجيل.


    5 ـ المرأة والعمل:


    لقد أحاط الشرع الحنيف المرأة أما وزوجا وبنتا بكل الرعاية وكفاها النفقة حقا واجبا على الابن والزوج والوالد, وذلك حتى تتفرغ لمهمتها الخطيرة: تربية الأجيال روحيا بتلقينها الإيمان بالله واليوم الآخر ثم جسميا وعقليا. لكن الظلم الاجتماعي الذي ينتج عنه الفقر والبطالة في جانب والترف والتبذير في جانب آخر , يدفع المستضعفات إلى سوق العمل ويدفع المترفات لامتهان وظيفة مجاراة لما في المجتمعات الغربية المنحلة تحت لافتات "كرامة المرأة العاملة" و"الاستقلال الاقتصادي". في غد الإسلام القريب بإذن الله يصطدم الإسلاميون بالواقع المر الناتج عن الظلم الاجتماعي المترتب بدوره عن الظلم السياسي, والمرأة من أهم ضحاياه. دولة القرآن تجد للمرأة مكانا في الوظائف التي لا تتنافى مع الحشمة كالتعليم والتطبيب وسائر الأنشطة الاجتماعية, أما الشغل الفاتن الملهي عن وظيفة المرأة الأساسية في تربية الأجيال الجديدة فيجب التخطيط لتحريرها منه بإخراجها من قبضة الحاجة والفاقة فتختار بكل مسؤولية بين الدنيا والآخرة.


    6 ـ المرأة والحرية:


    من أسبق المهمات المستقبلية تفرغ الأمهات لتنشئة الأجيال المؤمنة على الفطرة السليمة, لكن شرط تحقق ذلك هو استفراغ وسع الداعيات لتربية هؤلاء الأمهات. إن الكثير من الجهود تفرغ في الملاسنات البهرجية مع اليساريات اللاهجات بشعارات "تحرير المرأة"؛ وعلى أهمية هذا العمل الثقافي فإن المعركة مع التيار التغريبي تحسم في ميدان أمهات جيل الغد وهن السواد الأعظم اللواتي تحتجن إلى من يعلمهن الأساسيات من الدين، ويعلمهن النظافة والكياسة في الحياة الاجتماعية كما يعلمن الوضوء والصلاة والعقيدة؛ تحتجن لتعلم أدب المعاملة مع أعضاء البيت والأقارب وتعلم سائر خصال الإيمان, ولا يقوم بهذا العمل الميداني التربوي سوى المومنات الداعيات.
    منذ أزيد من سبعين سنة, بدأ التخريب في الأساس. عمل التيار التغريبي بكل جسارة على "تحرير المرأة" وهي المظلومة الأولى في مجتمع الغثاء الفتنوي, فصنعوا "زعيمات" تزعمن حركة إخراج المرأة من التقليد, والمقصود الدين, إلى مسايرة الكمال التطوري حسب ظن رائد هذا التيار قاسم أمين. كتب آخر زعيم للاتحاد السوفياتي ـ سند التطوريين لعقود ـ في البيريسترويكا عن المرأة والأسرة نظرية تعد "رجعية" في المنظور التقدمي التطوري. لقد كتب غرباتشوف عن ضعف العلاقات الأسرية وبروز الكثير من مشكلات الأطفال الناشئة بسبب إهمال الحقوق الخاصة بوظيفة النساء في البيت في غمرة انشغالهن بالعمل خارجه.


    7 ـ العزل:


    ليست مهمة الوالدين هي إنجاب الأولاد وكفى, بل تربيتهم حتى يستقيموا على جادة الفطرة. بهذا استحق الأبوان وخاصة الأم البر والدعاء بالرحمة "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" (الإسراء/24). تتواصل الأجيال ولا تتصارع عندما يبر جيل الأبناء بجيل الآباء ويدعو له بالرحمة فيكون الفوز في الدنيا والآخرة. لكن الانتكاس يحدث عندما يصبح التقليد حاجزا دون مصدر الوحي وحين يتم إنجاب ذرية غثائية كثيرة العدد قليلة الغناء, وهذا هو الحاصل اليوم مع المليار ونيف مسلم, أكثر البشر محافظة على الفطرة ولكن في نفس الوقت كمّ مغلوب مقهور مفقر. المطلوب من المؤمنين أن يكونوا أقوياء أمناء علماء عاملين مجاهدين مقتحمين للعقبة حاملين للرسالة مبلغين لها، لكن في حالة العكس يستحيل الكم الهائل إلى تضخم ديموغرافي بما يحمله من مشاكل هي اليوم وغدا أفق الإسلاميين الذي ينبغي لهم مواجهته بكل واقعية. سؤال الخلافة المستقبلي هو كيف نجمع بين الكثرة العددية وبين النوعية, واجتماعهما هو القوة؛ وإلا فإن الشرع الحنيف يبيح تحديد النسل، حيث كان الصحابة يعزلون والوحي ينزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم وما كان له أن يسكت عن حــرام.

  11. #11
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الباب الثاني: عالم في مخاض

    الفصل الأول: رياح التغيير في العالم

    1 ـ "أبواب كل شيء":


    تعترض القوة الاقتحامية الإسلامية عقبة مركبة كأداء هي هذا العالم الذي فتح الله عليه أبواب كـل شيء اختبارا وكيدا. وواجب على المجاهدين المـقتحمين معرفة هذه العقبة كما هي لا كما يصورها الطموح الجامح. علم بالأسباب والتاريخ وحركة الكون والإرادات المتدافعة فيه في تناسق مع الإيمان بسنة الله تعالى وحكمته وفعله المطلق وإرادته الكونية. قراءة العالم بعين مفتوحة بصيرة هي عين الوحي الذي تنفتح معها آفاق المستقبل الذي بُشرت فيه أمة الإسلام بخلافة ثانية بعد الملك, وبالفوز في الدار الآخرة. بهذه النظرة البصيرة تبنى القوة الاقتحامية وتسير بخطى ثابتة تخرق العقبات الممانعة لتكون طليعة محررة للإنسانية ونا شرة للعدل في ربوع الأرض, فيتحول ما فتح الله به على "الذين نسوا ما ذكروا به" فتحا للمستمسكين بالمنهاج النبوي, يستخلصوا بجهادهم الدائب ثمارالكشوف العلمية و يوطنوا و يستنبتوا.


    2 ـ نظام جديد للعالم:

    تسارعت الأحداث العالمية خلال القرن الرابع عشر الهجري وبداية هذا القرن بشكل مذهل. ففي أول عقدين من القرن الخامس عشر تغير النظام العالمي بفعل ما أحدثته الثورة الإيرانية والمقاومة الأفغانـية, انهار المعسكر الشيوعي وتوحد مع من كان عدوا له في أمس الحرب الباردة استعدادا لمواجهة " دولة الشر" الجديدة المتمثلة في الإسلام, وهي التسمية التي كان أطلقها الرئيس ريجان على غريمه السوفياتي. بدأ نظام عالمي جديد في التشكل بعد أن استعادت اليابان وألمانيا قوتيهما على طريق التفوق الاقتصادي هذه المرة بعد الهزيمة العسكرية في الحرب العالمية الثانية؛ وتعمل أمريكا جاهدة على أن تبقى قائدة هذا النظام بإحكام سيطرتها المباشرة على نفط المسلمين ودعمها اللامحدود عسكريا وماليا وتكنولوجيا وقانونيا في المحافل الدولية, لمحميتها اليهودية في فلسطين.
    منذ جندت الولايات المتحدة العالم تحت راية الأمم المتحدة ضد زعيم البعث القومي صدام والمنظمة العالمية تحتل مكانة بارزة في الصراعات الدولية. السؤال المحوري اليوم هو: كيف يتصرف الإسلاميون يوم يحكمون مع هذه التطورات الجديدة؟ لا تكفي الشعارات أمام الهجمة الإعلامية الشرسة التي تصور المسلمين الوجه الجديد للشر، بل يجب معرفة العدو وسبب عدائه وتكتيك عدوانه ثم استثمار النظام العالمي والحقوقية الدولية والقوانين والأعراف والشعارات التي رفعها العدو نفسه من أجل كسب بعض المعارك والدفاع عن المستضعفين. ولن يكون هذا إذا لم نعالج أمراضنا الذاتية ونحرر إرادتـنا ونوحد صفنا, وهو أمر تعرقله إن قدرت قوى العدوان.


    3 ـ الشرف الدولي للإسلام:


    هي كلمة للإمام حسن البنا رحمه الله يقصد بها أن الإسلام هو أكبر ضمانة لاستقرار العلاقات الدولية. وفي ظروف أخرى أعلن الإمام الخميني رحمه الله رفضه المطلق "للشيطان الأكبر" ولم يأبه بمبادئ التعامل الدولي في الإسلام؛ كان رجل دعوة يحمل رسالة الثائر ويرفع التحدي أمام الساسة الجاهليين. ونحن في غد الإسلام إن شاء الله بين المبادئ الثابتة وبين حكم الاضطرار، وبين حكمة نتعلمها من تجاربنا وخصوصا من تجربة إيران. يمكن للمسلمين أن يحتلوا المكانة الشريفة في نظام عالمي يتراءى في الأفق قوامه القوة الاقتصادية, بعد أن تنحل أقفال التاريخ التي منها حكم سلاطين النفط العاضين وأمثالهم, وحكم الزعامة القومية الجبري. وحل هذه الأقفال وكثير من محتملات المستقبل (استخلاصنا لثرواتنا واستنقاذنا التكنولوجيا) رهن بصلابتنا وتكتلنا, وهذا بدوره رهن بسيادة حكم الشورى والعدل. إن العالم اليوم يتمخض عن كيانات متعددة ستتحكم في النظام الدولي عن طريق الاقتصاد لا الأحلاف العسكرية، وبقفازات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الكبرى. ولا محيد للحكم الإسلامي عن التعامل الدولي معها. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

  12. #12
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الثاني: حقوق الإنسان

    1 ـ بلاغ للناس:

    خروق حقوق الإنسان في الغرب تخفيها مساحيق الحضارة في حين تبقى عارية في مجتمعاتنا الغثائية العضية الجبرية. وبالرغم من ذلك فإن البشر في ملة حقوق الإنسان "كما هي متعارف عليها دوليا" بعضهم أكثر إنسانية من بعض, يفصل بين الدرجتين اللون والقومية والانتماء والجغرافيا والدين. وتكرمة الإنسان في الإسلام دين وعقيدة وليس مزايدة في سوق السياسة رغم أن الأعداء يعملون على تصوير من يحملون مشروعه "دولة شر وإرهاب". يحملهم على ذلك الوهم وأخطاء بعض المسلمين الذين ُيلجؤهم منطق العنف الغربي لخرق "شرف الإسلام الدولي", ثم إن ضعف شعوبنا يمنع من وصول رسالة الإسلام الحاملة بشارة تكريم الإنسان دنيا وأخرى "ولقد كرمنا بني آدم" (الإسراء/70). ومع ذلك فإن عالم الإنسانية لا يخلو من ضمير ينادي بحق الشعوب في تقرير مصيرها وبالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وهي عندنا دين إن اعتبرناها مطية للآخرة. مهمتنا إن نسمع البلاغ الإلهي لإعلام الإنسان أنه ليس دابة أرضية ولإخباره بالنبأ العظيم: حياته بعد الموت, وهذا أعظم حق من حقوق الإنسان لكنه مسكوت عنه. حق الإنسان الخالد أن يكون عبدا لله عز وجل عاملا للقائه وهي الكرامة الآدمية, وما دون ذلك من حقوق يجب أن يقربه من غايته الأخروية. هذه هي رسالة الله للعالمين تبثها أمة الدعوة في سمع أمة الاستجابة: الإنسانية الشاردة عن ربها.




    2 ـ "نظيرك في الخلق":

    كلمة قالها الإمام علي كرم الله وجهه وهو يقسم الناس صنفين: "أخ لك في الدين ونظير لك في الخلق". وبما أنه لابد للإسلاميين من التعامل والتعاون والتواصل الجاد مع كل مكونات المجتمع المدافعة بإخلاص عن حقوق الإنسان فيجب أن نتعلم الحدود الفاصلة بين الأخوة في الدين والنظيرية في الخلق والمثلية البشرية. التعاون مع كل ذي ضمير حر حتى لو لم يكن يؤمن بالله واليوم الآخر أمر محمود ما لم يتعارض مع أصل من أصول ديننا. لا نتنازل إلى حضيض المثلية البشرية لأننا أصحاب رسالة نبلغها بلسان الحال والمقال وراثة للرسل عليهم السلام إلى الإنسانية الغارقة في جفاف ماديتها. مهمتنا أن نسمع ونذكر لا نمل بحق الإنسان الأسمى في معرفة ربه والله تعالى يتولى حل أختام القلوب إن شاء. لا تشغلنا الدنيا بمتاعبها ومسراتها, ولا تشغلنا مهام الجهاد ومنازلة الأعداء وإعداد القوة عن الغاية العظمى من كل ذلك: إنه الخطر الجسيم الذي يتهدد الإسلاميين المتصدين للسياسة والواصلين إلى سدة الحكم, خطر ذوبان الدعوة في الدولة.




    3 ـ الإنسان المعذب في الأرض:

    الإنسانية رحم واحدة يُسأل عنها المتقون هل بلغوها دعوة الله وراثة لدعوة الرسل عليهم السلام الذين أرسلوا رحمة للعباد. إن البشرية معذبة في الأرض عذابا مضاعفا للفقراء الكفار لا ينقص من عذاب الآخرة, والمقّهورون في الدنيا لهم عيشة الضنك من جراء حياة بهيمية لا معنى لها ينغصها الخوف من الموت. ومن كمال الإيمان وشرط الدعوة أن يؤرقنا همّ المحرومين من النوعين, وإن كان السبق للمستضفين. يتبين من هذا أن باعث الإسلاميين على احترام حقوق الإنسان وعلى رأسها حقه الأسمى، والجهاد من أجلها هو من صميم التدين. وهم اليوم وغدا مندوبون للتعاون مع الفضلاء النظراء في الخـلق من جمعيات وطنية ودولية وإن اختلفت البواعث. لا نتنكر لنضال الشعوب وكفاح مروآت الأجيال منذ الماكناكارطا الأنجليزية إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 الذي اكتسى صبغة الإلزام الفعلي بالقوة الدولية مع نهاية الحرب الباردة وتحرر شعوب المعسكر الشيوعي. نضم جهودنا إلى جهود النظراء من المسلمين وغيرهم من أجل كرامة المواطن وحريته وحقوقه المدنية الاقتصادية الاجتماعية السياسية الثقافية دون تجزيء ولا تبعيض. من أجل استقرار سياسي قاعدته سيادة الشعب وحقه في تقرير مصيره وسياسته واختيار حكامه. من أجل العدل ومن أجل التنمية، من أجل حرية التحزب والتنظيم النقابي والإضراب وحماية المواطن من الاعتقال والتعذيب والشطط في استعمال السلطة. أفقنا في الوفاق مع النظراء المسلمين منهم أن ننتهي إلى منطق الإسلام وسياقه, إلى الشورى بآليات الديموقراطية, إلى التماس مقومات الأمة من دينها, إلى إقامة الخلافة على منهاج النبـوة.

  13. #13
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الثالث: التقدم والتخلف








    1 ـ "ميثولوجيا" التقدم:


    حين نسمي عملنا جهادا, يفضل الفاضل النظير أن يسمي عمله نضالا وهي كلمة رائجة في قاموس التقدمية إلى جانب الثورة والاشتراكية والحضارة...
    وقلما يطرح هذا المناضل السؤال عن معنى التقدمية، فهو غالبا ما يكون منفذا نشطا لا ينشغل بالمعالجة الفكرية والمناقشة الإيديولوجية , يتركها للفيلسوف المنظر ويتفرغ للنضال الكادح اليومي. كل ما يعرفه أنه يقاتل تحت شعارات منددة بالظلم ناصرة للمظلومين. أصبحت التقدمية اليوم "ميثولوجيا" بعد أن انهارت في بلادها وارتمت في أحضان أمها الديموقراطية الرأسمالية, لكن المناضلين التقدميين الاشتراكيين عندنا وبعض الإسلاميين المرشوشين لم يقطعوا الحبل السري معها خوفا من الإرهاب الفكري الذي تحدثه كلمة رجعية. التقدمية تستند إلى تصور للتاريخ البشري يتطور من مرحلة لأخرى أرقى منها وأول مرحلة تم تجاوزها هي الدين, لا يختلف في ذلك الماديون عن المثاليين عن فلاسفة التطور الاجتماعي على إيقاع الداروينية؛ كلهم متفقون على أن الدين أفيون الشعوب. ويتبعهم في ذلك النظراء التقدميون لما يرون من تلاعب الحكام وعلماء السلطة بدين الإسلام. حوارنا مع هذا الصنف يفيد فيه اطلاعهم على ما عند الإسلاميين وما في دين الحق من استعداد للتعاون مع المخلصين لتحقيق العدل دون أن ننسى تذكير المسلمين المصلين منهم ببيان حق الإنسان الأسمى, فإن لم يكن مسلما مصليا أعلنا له هذا البيان: نعلن ونذكر بأن الجهود بلا نية صحيحة كبد دنيوي ويحشر المرء يوم القيامة مع من أحب كما في الحديث الشريف.


    2 ـ العصرنة و الماضي:


    في زمن موت الإيديولوجيات في بلادها وفشل دعاة الحداثة في بلاد المسلمين لم يبق إلا التلفيق المنافق بين لبرالية واشتراكية وإسلام أو الارتماء في أحضان الحكم التقليدي من عض وجبر أو الاستماع إلى ما عند الإسلاميين بالنية البناءة. لكن ما موقع هؤلاء الأخيرين على الخارطة السياسية وهل يخضعون للتصنيفات السائدة من مثل يمين/ يسار, تقدمية / رجعية...؟ وهل يمتلكون مشروعا حضاريا؟
    قصدنا الأول أن نوضح الطريق لأنفسنا ثم للنظراء في الخلق من ذوي النيات الحسنة, حوار نحس بضرورته ونسارع. في مهيع السياسة يخوض اللاييكي نضاله مع الناس وضد الناس وينخرط فيه بدمه وعصبه وعقله وعضله في انشطار تام بين هذه النضالية وحياة شخصية يعيش فيها دينه. يسعى المناضل النزيه خلف التنمية والتحرر وحقوق الإنسان وغير ذلك من وسائل القوة, وهي نفس الأهداف الأرضية التي يلتقي فيها مع الإسلامي مع اختلاف القصد واختلاف طبيعة الصراع. الإسلاميون قوة حقانية تؤمن بالله واليوم الآخر , مواقفها وجهادها مع الناس ومن الناس بجهود منظمة, ولكل عضو فيها مشروعه الفردي الأخروي الرباني الإيماني الإحساني. تجري عليهم أحكام سنة الله, يخطئون ويصيبون, ينهزمون وينتصرون, لكنهم طلاب حق يسعون لنصر دين الله وجهاد الظلم وإرساء دعائم الشورى بين المسلمين وإقامة العدل بين الناس, هم حملة رسالة يسيرون على آثار من سبقهم بالإيمان بوسائل العصر وتخطيطاته وإيجابياته دون تحيز مع أو ضد الحضارة المادية. هم بهذا يربكون كل تحليل يصنف القوى الحية يمينا أو يسارا أو تلفيقا بين أصالة وعصرنة.


    3 ـ النقاش المحوري:


    "الفاعل التاريخي" لدى المسلمين إن لم يكن واثقا بذاتيته يبقى الحديث عن امتلاك الوسائل العصرية مجرد أحلام. نقطة الانطلاق وجود قوة واعية بغاية وجودها تسعى للتحرر من ربقة الحكم الفاسد عبر جهاد سياسي يتلو التربية والتعليم والتنظيم. بعد هذا التحرر وإصلاح الحكم يأتي في الاعتبار التتلمذ لأساتذة العصر في العلوم والاختراعات والتنظيم والتصنيع حتى يحل تدريجيا وعبر مراحل وأجيال النسيج الحي محل النسيج الغثائي. تلمذة ذكية تضع نصب عينيها مصير الفرد إلى الله ومصير الأمة إلى العزة و الاستخلاف بدلا من العبودية لنموذج غربي فقد وجهته الغائية فهو يستلهم روحه من الوثنية الإغريقية والقانونية الرومانية والرواسب اليهودية النصرانية والفلسفة التطورية والفردية اللبرالية الدوابية. ويتأرجح الملفق الإيديولوجي بين عصرنة حفرت هوة عميقة بين قومها وقومه وبين أثقال تراث هو كل ما يملك من مجد.
    لابد للإسلامي من نقد بصير متأن للعصرنة التي لم يعد النقاش المحوري فيها بين منظومتين من داخلها حسب أحد كبار فلاسفتها وخبرائها. النقاش الأساسي حسب جارودي يدور حول المراجعة الجذرية الاستنكارية لميثولوجيا التقدم والتنمية على النمط الغربي, والتي تفصل بين العلوم والتقنية وبين التفكير في معنى الحياة, تشيد بالفردية الأنانية وتبتر الإنسان من المفارقة والمجتمع التضامني.

  14. #14
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الرابع: التغريب

    1 ـ "الدائرة الصماء":


    يتعلق الأمر بطائفة من الشباب الذين أرسلوا إلى جامعات فرنسا وأنجلترا مع مطلع القرن العشرين، فعادوا مزهوين بدبلوماتهم يشيدون بالحضارة الغربية، إنهم مجموعة من الدكاترة الجامعيين والكتاب الأدباء والصحفيين الذين كونوا طليعة أنصار التغريب في مصر. يتلخص الفكر التغريبي في مفاهيم منهجية ثلاثة: اللبرالية واللاييكية واللحاق بالركب الحضاري الغربي، وكلها مفاهيم تبعد الدين عن كل مناحي الحياة وتجعله مجرد معطى اجتماعي ينظر إليه على ضوء القواعد العصرية للاقتصاد والسياسة.
    تراجع بعد النضج طائفة من المغربين وتخففوا من التبعية للسيد الغربي بفضل رجال لا يقلون عنهم اطلاعا على الثقافة الغربية وبفضل جيل الوطنية التحررية من تلامذة الشيخ الأفغاني. تراجعوا لكن بعد أن فرخوا آلافا مؤلفة من التلاميذ النجباء الذين فاقوا أساتذتهم في المكر والتلفيق بما قعدوا من منهجية مطعمة بمفاهيم عربية إسلامية وبما أشادوا بالعربية الفصحى واستشهدوا بالقرآن واعتزوا بالتراث. عداؤهم للإسلام أمر مبطن وولاؤهم للسيد الغربي راسخ ومع ذلك فهم قوميون مناهضون للإمبريالية؛ عالميون يسعون لإثراء الثقافة الإنسانية.
    إنه داء في جسم الأمة وعرقلة في طريق مشروعها الإسلامي العقدي السياسي الاقتصادي العمراني الأخوي, ومعرفة أصل الداء لازمة لتسلح يد الدعوة بأدلة الإقناع والحوار والمحاجة وتسلح يد الدولة بخبرة الطبيب الجراح.


    2 ـ "طاحون التعليم الغربي":


    عبارة صاغها أحد كبار مهندسي الاستعمار البريطاني لمصر، إنه اللورد كرومر الذي كتب سنة 1908 يصف نفسية الصنف المشدوه بالغرب قبل ظهور"الدائرة الصماء". قال في كتابه "مصر العصرية" ما مفاده أن المصري المتحرر يسبق الأوربي المتحرر في التنور وحرية الفكر والحيرة، بمعنى التشبع بالعقلانية الفلسفية الملحدة؛ وأنه لا يرفض دين آبائه فحسب, بل يرفسه ويركله برجله لأنه يظن أن الدين هو سبب معارضة الجمهور "للإصلاحات" التي يراها المخرج من التخلف والسبيل إلى اللحاق بالركب الحضاري. تعلم المغرّب في المدارس الأوربية أوفي بلاده على يد المستشرقين الشك المنهجي الذي لا تصح معرفة بدونه , فتبنّى القول ببشرية القرآن وشك في السيرة, وعزا الوضع في الحديث لأسباب سياسية... طاحون التعليم الغربي لا يزال يطحن ذاتية الشباب المسلم. وفي التعليم حيث يختار الفلاسفة مواقعهم مكان المعركة الحاسمة لتنشئة أجيال سليمة. صنف الفلاسفة المناضلين المؤرخين لبراليين وتقدميين هم أعتى الأصناف التغريبية، ويبقى أقلها استلابا الصنف التقني الخبير والإداري, وبينهما صنف مرشوش لم يسحق منهم الطاحون بواقي الفطرة وإنما أدخلهم في الغربنة عادة الترف وألفة النمط الغربي للحياة واللذة والمتعة. إنهم يحتلـّون مواقع متقدمة في التعليم والاقتصاد والسياسة، بين معارض وحاكم , يحسون بالخطر الإسلامي الصاعد لكنهم على استعداد لامتطاء الموجة بتركيبة ملفقة بين أصالة إسلامية وعصرنة غربية.


    3 ـ "الردة مرونة في الفكر":


    يبدو رواد الدائرة الصماء من أمثال لطفي السيد وطه حسين.. مجرد أشباح باهتة أمام جرأة خرّيجي الطاحون التغريبي المنافقين الملفقين, يمتاز من بينهم صاحب "التراث والتجديد" وأحد مؤسسي تيار اليسار الإسلامي الدكتور حسن حنفي بأن له وقاحة في نشر أفكاره الإلحادية. ففي "مقدمات" مشروعه لا يتورع أن يدعو إلى "تجديد" ما يعتبره "تراثا" حتى لا يظل الثوري حبيس الماضي من جهة ويتمكن من استغلال "المخزون النفسي الديني" للجماهير المسلمة من أجل قطع الطريق على دعاة التغيير الإسلامي من جهة أخرى. والتجديد عنده استبدال لألفاظ الدين بألفاظ حداثية لكون الأولى حسب ظنه قاصرة عن أداء المعنى. وهكذا ينطلق من لفظ دين وإسلام ويدعو لاستبدالهما بأيديولوجية وتحرر. أما الإلحاد عنده فهو الرغبة في بيان الأثر العملي للأفكار ورد فعل على الإيمان المتحجر, والله والجنة والنار والآخرة والحساب... مجرد ألفاظ اصطلاحية تعبر عن رد فعل على حالة نفسية والاعتقاد بها هو تعويض عن كل ما لا نستطيع تحقيقه. فالله حسب حنفي هو الخبز والرزق والعدل والحرية والقوة والإرادة وهو الأرض والتنمية والعلم والتقدم.. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

  15. #15
    عضو نشيط الصورة الرمزية ابتهال
    تاريخ التسجيل
    04-06-2011
    الدولة
    فاس بلد الاولياء والصالحين
    المشاركات
    455

    كتاب رد: مختصر كتاب العدل

    الفصل الخامس: ضرورة الحوار وحسن الجوار








    1 ـ حوار الضعيف للقوي:


    حوارنا مع الغرب مع ضعفنا وتشرذمنا وهو الذي لا يؤمن إلاّ بالقوة, وهو المتربع اليوم على عرش التفوق الحضاري, لن يؤتي أكله. يجب أن نسعى لامتلاك قوة تسمع صوتنا. القوة هي غير العنف واختطاف الرهائن وخرق القوانين الدولية, وكل ذلك ليس من أخلاق الإسلام و"شرفه الدولي". صحيح أن قوانين الاستقرار العالمي صنعها الأقوياء إبّان سيطرتهم على بقية البلدان, وهم اليوم لا يترددون في استعمال هذا السيف ضد كل من يهدد الأمن الدولي كما فعل بعراق صدّام عند هجمته على الكويت. لا سبيل لإعادة ترتيب الأوضاع العالمية والقانون الدولي إلا بامتلاك القوة, ولا سبيل إليها إلا بإحياء فطرة الإيمان في الأجيال من قبل دعوة تمهد لها حكومة إسلامية تستبدل طاحون التعليم الغربي بنظام قرآني وتزيح الملحدين الصرحاء من أماكن يتمكنون فيها من جدع الفطرة. إعادة بناء البيت الإسلامي الموحد على أسس الرحمة, والقوي بما يحمله من رسالة للعالمين تفتح آذانا صما وقلوبا غلفا في عالم يركل اليوم كل القيم ولا يؤمن باليوم الآخر وهو لهذا يحب الحياة ويلتصق بها وهذا مصدر ضعفه في مقابل من يعشق الشهادة في سبيل الله. لاشك أن الغرب تعلم من تجربة إيران الإسلامية أن يحترم من هم على استعداد للموت بشرف في سبيل دينهم. في نفس الوقت استفاد الحكام الإيرانيون كيف يتعاملون بحكمة مع القانون الدولي, وكذا استفاد الإسلاميون حكمة: قوة في غير عنف ورحمة في غير ضعف.
    2 ـ شروط الحوار وظروفه:


    شرط الشروط إيجاد القوة الذاتية المنبنية على إيمان الفردالمقتحم للعقبة, المنتظم في جماعة المسلمين, الساعي بعد تقوية علاقته بربه إلى امتلاك وسائل القوة المادية, ولابد لهذه القوة من الصدع بما أمر الله. الصدع لغة هو "شق الأجسام الصلبة"، وجبهة العداء للإسلام اليوم صلبة رأس رمحها الدولة اليهودية, ووراءها أمريكا قائدة النظام العالمي الجديد، نصيرة الحرية وحقوق الإنسان إلا إذا تعلق الأمر بالمسلمين كما هو في الهند والبلقان والاتحاد السوفياتي المنهار. ومع هذا العداء المستحكم، فإن تلك الجبهة لا تخلو من ثغرات, صنع من صنع الله يتماشى مع تحليل المادي:
    1- تنافر مصالح أعضاء الجبهة وبروز أقطاب متعددة على شكل دول عظمى أو تكتلات إقليمية.
    2- ضمان الاستقرار العالمي يكون عبر قنوات قانونية دولية.
    3- حاجة العالم وحاجة المسلمين إلى الاستفادة من النفط, بضمان استقرار الأمور عند أصحابه المسلمين.
    4- تعدد مصادر القرار السياسي وضمنها الدوائر المالية والاقتصادية التي يهمها ربح سوق فيها مليار زبون من المسلمين.
    5- بعد زلزال أوربا الشرقية وسقوط الشاه, تعلم أعداء الإسلام عدم الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية وخطبة ود الأنظمة المستقرة حتى لو كانت إسلامية كإيران.
    6- الموجة الديموقراطية في العالم تفتح الباب للاتصال والمساومة في السوق الاقتصادية التنافسيـة, يتوقف الأمر إذن على القوة الذاتية.
    7- وقوفنا مع القوى الحية الساعية لإكرام الإنسان، لا نرد إلا ما يصطدم بالشرع الحنيف.
    8- مصلحة العا لـم أن يجد وسيلة للحوار مع مليار مسلم هم في طريقهم لاستعادة وحدتهم.


    3 ـ قضايا للنقاش:


    من هذه القضايا ماهو بيننا وبين باقي بني الإنسان مثل الفقر وتلويث البيئة والسلام والحرب ... وهذه لن يسمع للمسلمين صوت فيها إلا إذا استجمعوا قوتهم. ومنها ما هو بين المسلمين أنفسهم, وهي قضايا تحتاج لصبر على الاختلاف وفتح لباب الاجتهاد من أجل معالجة مخلفات العض والجبر ومناقشة القضايا الأساسية المصيرية وعلى رأسها العدل والشورى والوحدة.
    ما زال شبح الدولة العاضة المنحرفة يحول دون تفاهم شقّي الأمة الكبيرين, السنة والشيعة. يبعث الكتبة الممولون من قبل سلاطين النفط بالخصوص الخلاف القروني مع الشيعة فيصفونهم بالمجوسية, و يكون الرد معانقة الخصوصية الشيعية الطائفية. لقد كان حريّـا بالثورة الإسلامية الإيرانية أن تطوي من موقع قوة الصفحات الكالحة من تاريخ المسلمين وتمد يد العون للصادقين ليتحرروا من ربقة العض والجبر. كان حرّيا بهم أن يتركوا مواطن الخلاف العقدي المستفزة لمشاعـر إخوانهم السنيين خاصة ما يتعلق بتقديس الأئمة عليهم السلام وطعنهم الشنيع في الصحابة رضي الله عنهم. والآن بعد مضي زمن التوهّج الثوري الذي كان مع الإمام الخميني رحمه الله, وسعي الدولة الإيرانية إلى تعامل دولي معتدل حتى مع الأعداء, آن الأوان للدعـوة الشـيعية أن تبحث عن تعامـل مع من يخالـفها المذهب, تعامل يطبعه رفق الأخوة وتجاوز أسباب الخلاف. كانت هذه دعوة لعلماء أفاضل لا يتسرب الشك في إخلاصهم وإشفاقهم على مستقبل وحدة المسلمين من أمثال الشيخ أبي الحسن الندوي والشيخ أبي زهرة رحمهما الله.
    تاريخ النشر: الأحد 7 يوليوز/تموز 2013

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. من درر الإمام و جواهر و كنوز كتاب العدل
    بواسطة المراكشي في المنتدى منتدى العدل
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 31-03-2014, 18:21
  2. شرح مختصر لقصيدة البردة
    بواسطة عادل محسن في المنتدى منتدى الشعر والخواطر
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-05-2010, 16:41
  3. خاتمة كتاب العدل
    بواسطة chahid2007 في المنتدى منتدى العدل
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 16-12-2005, 18:31
  4. نسخة كتاب العدل جاهزة للطباعة؟؟!!
    بواسطة feras في المنتدى منتدى العدل
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-01-2005, 18:49
  5. كتاب العدل
    بواسطة المراكشي في المنتدى منتدى العدل
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29-11-2004, 22:58

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
تابعنا
منتديات الرفيع
ثقافية ترفيهية تهتم بكل ما هو جديد ومفيد.
www.alrafi3.com/forum
موقع الرفيع
جديد الأناشيد والأغاني الإسلامية
www.alrafi3.com/anachide