ينبغي النظر في برامج التعليم للسنوات التسع الأولى من حياة الأطفال لتندرج كلها في كنف القرآن، وتستشهد به، وتستند إليه.
بدل هذه المحفوظات المتصابية التي تحدث الطفل عن سعاد كيف احتضنت دميتها، وعن سعد كيف لعب مع قطته، نقص على الآذان الطرية قصص القرآن. وفي القرآن أحسن القصص. ليس تأتيه الجاذبية من طرافة مواضيعه لكن من نورانية مصدره، وقوة ندائه.
وبدل أن نعلم الحساب في مجردات أو مخشبات لهوية نعلم الحساب في الخمس الصلوات وركعاتها وسجداتها وأنصباء الزكاة. وللمخشبات والمجسدات والصور مكانها خادمة لا مخدومة.
وبدل إسناد دروس الأشياء إلى ملاحظة الظواهر وحدها، نوجه فكر الأطفال إلى تدبر ملكوت السماء والأرض، وما خلق الله من شيء. ولا يتنافى هذا مع تدقيق الملاحظة، ورصد تفاعلات الأكوان.
بدل تعليم مادي يطمس الفطرة، تعليم قرآني يحييها.
فإن احتج متغرب ومتلكئ على أن إدخال الغيبيات في البيداغوجيات خلط لا تقبله العقلانية، ولا يكون العلمية الفاعلة التي من شرطها الحياد العقائدي، عذرناه.
نعذر من أصابه إدز-سيدا- فقدان المنعة المكتسبة. ربما ما اكتسبها قط، أو ضاعت منه مع ما ضيعت من موروثه الفطري صحبة العقلانية الكافرة، واقتراف السفاح الثقافي.
إن أشرنا إلى حرف القرآن المقدس، فلسنا نريد للناشئة أن تكون حرفية في تعاملها مع المعلومات الكونية.
الإيمان بالغيب لا ينعكس على العقل بالتعمية والتضليل، لكن بالهداية وتوسيع الأفق، بحيث يقبل العقل بارتياح واقتناع ما جاء به الوحي إلى جانب ما تأتي به الملاحظة والتجربة والاستفادة من علوم الأكوان.
لا تناقض بين الغيب والشهادة إلا لدى عقول طمستها سيدا فقدان المنعة.
وهل فنون البيداغوجية وعلومها، وهي نتيجة تجارب، لا يسمح لها في قانون فاقدي المنعة إلا بخدمة أهدافهم ؟
كلا، بل نجند كل هذه العلوم ووسائلها ومشوقاتها لخدمة القرآن والتأهيل القرآني لمعارف الطفل. ونجند بعد ذلك بيداغوجيات التعليم الخاصة لخدمة الأهداف الإسلامية على كل المستويات. لا نعترف لأي كان باحتكار الوسائل العلمية.
ونراقب تجارب الأمم لنستخرج منها الدرس في علاج الخلل الملازم لمنظومات التعليم في بلادنا المتخلفة.
لهم دينهم الثقافي القومي، ولنا ديننا.
على مستوى الباعث التربوي لا درس يقتبس منهم إلا الدروس السلبية. ولنا عندهم ودائع في غير ذلك نأخذها من يد القدر الإلهي الذي يمد كلا من هؤلاء وهؤلاء عطاء من ربك غير محظور.
من كتاب حوار مع الفضلاء الديموقراطيين
تعليم قرآني
للأستاذ عبد السلام ياسين